يتنافس بعض النقاد للحديث عن الأفلام الكبيرة وحدها.
أفلام لارس ڤون تراير،
عبّاس كيورستامي، تشن كايغي، جيم يارموش، مارتن سكورسيزي، يوسف شاهين،
ألكسندر زاخوروف، أمير كوستاريتزا، غس ڤان سانت, او لأي مخرج يعتبرونه
كبيراً سواء أكان فعلاً أو- كما الحال مع بعض هذه الأسماء- ليس كبيراً ،بل
مجرّد بالون منفوخ.
والكبيرة نعت متّسع وعادة ما
يعني، من دون تدقيق، الأفلام التي حققها مخرجون كبار... بهذا التعريف يتّسع
التعريف أكثر فأكثر.... ما معنى مخرج كبير وما هي مقاييس الكبر؟ متى يكون
المخرج كبيراً ومتى يصغر؟ هل المخرج الكبير من نوع أندريه تاركوفسكي او أكيرا كوروساوا،
هو من نوع مخرج كبير مثل ستيفن سبيلبرغ؟ وأين
-حينها- نضع محمّد خان او رضا الباهي او فاتح أكين؟ ما هو الترتيب، وإذا لم
يكن هناك ترتيباً، ما هي المقاييس التي يحكم بها بعض النقاد ويقررون
لقرائهم من هو المخرج الذي يعتقدون أنه يستحق توجيه الجمهور إليه؟
معظم النقاد يكتب عن الأفلام التي
يشاهدها في المهرجانات. إذا ما تكرر ظهور مخرج ما فإنه من المرّة الثانية
الى
الثالثة، يصبح عادة مخرجاً معروفاً، ومن الرابعة وما بعد هو مخرجاً كبيراً.
وإذا ما حالفه الحظ بجائزة رئيسية من المرّة الأولى، فلم الإنتظار... إنه مخرج كبير من بدايته.
وفي زمن أصبح من يصوّر فيلما من دون فيلم مستخدماً جهاز الهاتف النقّال،
يسمّي نفسه مخرجاً، وبل هناك من يعتبره كذلك، يصبح السؤال جائزاً: هل لا
زال هناك فرق؟
الفرق، بين مخرج مُمارس ومخرج حقق فيلماً
واحداً وانزوى او لا يزال في طور الأفلام القصيرة، يجب أن يبقى لأنه الصفة
الطبيعية للأشياء. لكن تعريف الكلمة ذاتها، يجب أن يتّبع، إذا ما أصرّينا
على التصنيف، مفهوماً مستنداً الى شروط مختلفة عن تلك الحالية التي تريحنا.
وهذا ليس بالإمكان حدوثه ووقوعه من دون وجود ذلك الناقد الذي
يريد أن يرى كل فيلم تم إنتاجه على سطح الدنيا. لن يستطيع بالطبع، لكن إذا
ما شاهد كل يوم في حياته الناضجة، لنقل منذ أن أصبح في العشرين من عمره،
فيلما جديداً واحداً كل يوم وعاش سبعين سنة، يكون شاهد مع إحتفاله بعيد
ميلاده السبعين
٠٥٢٨١
ألف فيلم.
طبعاً ستمر أياماً لا يرى فيها أفلاماً بالمرّة، لكن هناك أياماً يقضيها في
المهرجانات حيث يشاهد في كل يوم أربعة او خمسة أفلام... يبدو لي الرقم
معقولاً ومجنوناً في آن معاً.
لكن مثل هذا الناقد المنطلق من حب صاف للسينما هو الذي
يستطيع التقييم الأفضل لمفهوم ما هو الفيلم الكبير والمخرج الكبير او لا.
الباقون سيسألون »لم إضاعة الوقت في أفلام لمخرجين حاليين -وغالباً راحلين-
غير معروفين؟... ما الجدوى؟«
ما الجدوى؟ ما الجدوى من أمور كثيرة تقع حولنا،
ونشترك فيها على نحو أو آخر، مثل تلويث البيئة؟ الحروب؟ التطاحن للمناصب
الأعلى، قتل الحيوانات؟ التجارة بالبشر؟ تحويل الأراضي
الثرية الى صحارى لليائسين والفقراء؟
على الأقل جدوى متابعة الأفلام التي
لم تعد تلتقطها رادارات المهرجانات هو أنها تنقل إلى جمهور اليوم وقرّائه
عالما وُلد من بعده. لم آتي إلى هذه الحياة سنة 1895 عندما أخرج لويس
لوميير أول فيلم عُرض تجاريا »خروج
العمّال من مصنع لوميير« وكنت ما زلت غائباً عن الوجود في العشرينات والثلاثينات
والأربعينات،
ثم غائباً عن الوعي في الخمسينات قبل أن أبدأ بمشاهدة الأفلام. لكن السينما
هي التي جعلتني، ولا تزال، تطلعني على أحوال الدنيا بأصدق شهادة ممكنة.
مهما قيل فيها، هذه مرآة لا تكذب. إذا كذّبت تكشف نفسها.
من يوم لوميير الى اليوم الحالي،
في هذا الأسبوع في هذا الشهر في هذا العام، والسينما مليئة بالأفلام التي
تستحق التوقّف عندها. معاينتها. كشفها. الحديث عنها وتحليلها. لا يهم من
أخرجها وموقعه في الخارطة السينمائية، نوعاً ونوعية وحجماً. وهذا الناقد
سيجول كل أسبوع على فيلم او أكثر منها. لا أدري إذا ما شاهدت 18 ألف فيلم الى الآن او لا،
لكني قريب من ذلك الرقم ولا زلت أحب عملي كما لو أنه اليوم الأول لي فيه.
وكل ما أريده عبر هذه الزاوية هو أن أنقل بعض معرفتي وثقافتي الى القلّة التي
هي مثلي.
سينماتك
في 23 أبريل 2007