«لا مؤاخذة»..
«اللي في القلب في القلب يا كنيسة»
كتب: رامي عبد الرازق
في عرضه العالمي الأول ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الأقصر
للسينما المصرية والأوروبية، افتتح فيلم «لا مؤاخذة» ثالث أفلام
المخرج الشاب عمرو سلامة، الدورة الجديدة، وذلك قبل أيام من عرضه
التجاري بصالات العرض المصرية خلال الأسبوع الحالي من شهر يناير.
«لا مؤاخذة» في العامية المصرية تعني بدون إحراج أو عفوًا، وهو
عنوان يتسق عضويًا مع مضمون الفيلم وكأن المخرج يريد أن يقول
للمتفرج (عفوًا ولكننا هكذا)، ورغم ما يمكن أن نسجله من ملاحظات
درامية أو فنية على التجربة إلا أنها تظل في إطار التجارب التي لا
تتحرج من قول الحقيقة التي نعيشها جميعًا في مجتمعنا وهي أننا
مجتمع طبقي وعنصري وتمييزي وغير منصف.
يتخذ «سلامة» في تجربته الجديدة أسلوبًا سينمائيًا يجمع بين ثلاثة
عناصر: الأول هو الراوي العليم الذي يحكي قصة هاني الطفل المسيحي-
الملقب في مدرسته الحكومية بـ(لا مؤاخذة)- وهو بطل التجربة ومحور
الأزمة، ذلك الطفل الذي اضطرته الظروف المادية لأسرته لأن ينتقل من
مدرسة دولية في طبقة معينة إلى مدرسة حكومية تمثل قاع المجتمع
ليحتك بطبقات دونية تعاني من صعوبة في تقبل الآخر المختلف عنها.
والعنصر الثاني هو الهايبر ريالتي أي ما فوق الواقعي، وهو أسلوب
يجمع ما بين السخرية والهزل ويمثل لقطات وإيحاءات تجسد أفكار
ومشاعر الشخصيات الباطنية وتفاصيل المواقف بشكل كاريكاتوري مبالغ
فيه كأن يجسد المخرج شعور هاني بأن دلو ماء بارد انصب عليه عندما
يقول أحد المدرسين «الحمد لله كلنا هنا مسلمين»، لأنه يخشى في تلك
اللحظة أن يعلن عن ديانته خوفًا من بطش الآخرين، أو أن يصطحبه مؤمن
زميله في الفصل في جولة داخل المدرسة ليريه فصل «العضمة الزرقاء»
أي الطلبة المسيحيين، وهو مكان زنخ بصريًا مترب تحيطه خيوط
العنكبوت، في دلالة على أنه يتم التمييز بينهم وبين الطلبة
المسلمين، وهي دلالة قادمة من بعض الحزازيات الاجتماعية والحضارية
في المجتمع المصري، وهنا يجسدها المخرج في شكل هذا الفصل المدرسي
الكئيب، مع العلم أن واقعيًا لا يوجد ما يسمى فصل المسيحيين في أي
مدرسة حكومية أو غير حكومية، لكنها رغبة المخرج في التعبير عن
التمييز الطائفي في إطار من الفوق واقعية.
أما العنصر الثالث فهو الواقعية المحدودة التي تمثل الجانب
الميلودرامي في الفيلم، وهو أقل عناصر الأسلوب قوة، لأنها في وقت
من الأوقات تبدو متناقضة ومشوشة فيما يخص التعاطي مع أسلوب الراوي
العليم والسرد الفوق واقعي.
وفي الحقيقة، فإن أزمة الفيلم الأسلوبية في الأساس تكمن في تناقض
عناصر الحكي ما بين الواقعي وما فوق الواقعي، فالراوي العليم الذي
يقدمه صوت الفنان أحمد حلمي بأسلوبه خفيف الظل ونبرته التي تقرب
القصة كأنها حدوتة ما قبل النوم للأطفال تبدو متسقة بشكل كبير مع
العنصر الفوق واقعي، لكنه يضطر لأن يصمت تمامًا عندما يبدأ السرد
يلتزم بالواقعية بل ويظل صامتًا لمشاهد كثيرة «واقعية»، لأن
التعاطي الواقعي مع بعض التفاصيل يعيد ذهن المتفرج إلى مدى عدم
منطقية الأمور ودرجة تقبل الإيهام بها.
فمن الصعب تقبل الفكرة الأساسية للفيلم في سياق واقعي بحت، لأنه من
شبه المستحيل أن يظل تلميذ في مدرسة حكومية في مجتمع كمصر يعاني من
التمييز الطائفي أن تظل ديانته مخفية عن أساتذته وإدارة المدرسة
التي تتعامل مع البيانات الشخصية وشهادات الميلاد في كل شيء ولكن
في إطار من فوق الواقعية يمكن أن يصبح هذا متقبلًا نسبيًا، وإن كان
يحتاج إلى مزيد من الجهد الذي لم يبذله المخرج للأسف لأقناعنا بأن
الطفل استطاع أن يخبئ ديانته حتى عن أساتذته.
ولا يكفي مشهد واحد يسأل فيه المدرس عن اسم كل تلميذ ويكتفي بالاسم
الثنائي، ولا يكفي أن يقدم هاني على خطوة إخفاء دينه دون أي اضطهاد
مسبق يخص تلك المسألة تحديدًا!
بل إن المخرج قام بتأخير مشهد معاينة هاني لفصل «الأربعة ريشة» حتى
فترة متأخرة من وجوده بالمدرسة، كي يبرر به لماذا لم يصارح زميله
في الفصل كي لا يخسر صداقته، وكان الأولى أن يأتي هذا المشهد
متقدمًا نسبيًا، لكي ندرك سبب إخفاء هاني لدينه، خاصة أنه لم يتعرض
حتى لتمييز معلن من قبل المدرسين بل على العكس أبدى أغلبهم تعجبًا
طبقيًا من وجود هذا الطفل النظيف البريء المختلف في مستنقع القمامة
الذي يسمى مجازًا مدرسة حكومية.
فإذا أردنا بناء عالم افتراضي انطلاقًا من موقف يعتمد على سر أو
سوء فهم (كإخفاء هاني لديانته خوفًا من التمييز أو الاضطهاد) علينا
أن نبذل جهدًا أكبر في إيهام المتفرج بأن هذا العالم توجد مبررات
قوية لوجوده ولكن الاكتفاء بمعلومة عابرة أو الاعتماد على أفكار
المتلقين المسبقة عن التمييز الطائفي يعتبر ضعفًا خطيرًا في البناء
الدرامي.
فهاني لم يتعرض لاضطهاد طائفي من قبل ولم تحذره أمه من الإعلان عن
دينه، لكنها اكتفت بقولها «لا تتحدث مع أحد في الدين» وهي جملة
عادية، ولم يقدم أي مدرس على قول أو فعل يخيف الطفل باستثناء جملة
«الحمد لله كلنا مسلمين»، وهي جملة بسيطة لا تبرر حجم الخوف من
الإعلان عن الديانة! ولم يشاهد هاني في المدرسة الجديدة الطلبة
المسيحيين يتعرضون لأي اضطهاد قبل مشهد فصل الأربعة ريشة ! إذن ما
الذي يدفعه لإخفاء ديانته ويشعره بأن دلو ماء بارد صُبّ على رأسه!!
ثم إن مشكلة هاني المادية التي تدفع أمه بأن تنقله من المدرسة
الغالية إلى مدرسة أخرى كان يجب أن تتزامن مع اختلاف في المستوى
المادي للأسرة شكلًا ومضمونًا، فعلى سبيل المثال تظل الأم تركب
سيارة باهظة الثمن يكفي ثمنها لبقاء هاني في مدرسته القديمة على
الأقل لسنوات، وكل تفاصيل حياة هاني من أجهزة وشقة فاخرة ومعيشة
راقية تجعلنا نشعر أن المخرج انتزع الشخصية من سياقها وزرعها في
سياق آخر بشكل قسري لمجرد الإفيه الطبقي- على غرار صعيدي في
الجامعة الأمريكية مثلا- دون أن ينتبه إلى أن التفاصيل تقوم
بالتخديم على الصورة العامة وتشكلها في ذهن المتلقي لتحقيق الإيهام
اللازم، خاصة أن هاني يتعرض لاضطهاد طبقي عنيف لا يميز بين كونه
مسلمًا ومسيحيًا بمجرد أن ينتقل للمدرسة.
ويستمر هذا التمييز الطبقي طوال الفيلم في تراكم متصاعد حتى إن
المخرج نفسه يقدم لنا مشهد شرب مؤمن زميل هاني لكوب الشيكولاتة
باللبن على دفعة واحدة في مقابل رشفات قليلة من هاني وأصدقاء
طبقته، وهو مشهد طبقي جدًا بالمناسبة ويجعلنا نشعر أنه لو أن هاني
كان طفلًا مسلمًا لما اختلف السياق الدرامي ولا الفيلمي في شيء،
لأن الأزمة الأساسية للشخصيات صارت أزمة طبقية وليست طائفية، بل
وبدت الأزمة الطائفية ثقلًا إيهاميًا على ذهن المتفرج الذي يظل غير
مقتنع بأسباب إخفاء هاني لديانته وبقاء السر فترة طويلة رغم اشتراك
هاني في أكثر من نشاط مدرسي يستدعي معرفة كل بياناته.
مع وجود الراوي العليم كان من الممكن أن نرى هاني وأمه (كنده علوش)
يتدهور بهما الحال ماديًا للدرجة التي يبدو معها هذا الهبوط الحاد
من مدرسة لمدرسة منطقيًا ومبررًا ولكن التركيز على جانب من حياة
هاني دون الجوانب الأخرى خلق عدم اتساق درامي واضح أضر بالبناء.
ونحن لا نفرض وجهة نظرنا على الفيلم ولكننا نتعجب من وجود مبرر قوي
للانحدار بوفاة الأب ووجود أسلوب للتعبير عنه مثل الراوي العليم
ولا يتم توظيفهم من أجل الصحة الدرامية للعمل.
لعبة التناقضات
منح الأسلوب الفوق واقعي مساحة حرة للمخرج أن يقدم العديد من
النماذج التي تمثل جانبًا من التناقضات الاجتماعية والحضارية التي
نعيشها في مجتمعنا الحالي مثل شخصية المشرف المدرسي شقاوة الذي
قدمه رامي غيط والذي نراه يدخل إلى الفصل في المرة الأولى حاملًا
عصا غليظة ومطواة قرن غزال ولكنه في نفس الوقت يبدو أكثر المدرسين
تدينًا وحرصًا على اصطحاب التلاميذ للصلاة في الجامع لمجرد أن
يمنعهم من اللعب والشقاوة، وهو نموذج ساخر للمتدين العنيف الذي
يجمع التلاميذ للصلاة بالعصا وليس بالحسنى ولأسباب تنظيمية وليست
إيمانية.
كذلك الطفل المشاغب«علي علي» المرسوم بكاريكاتورية مفتعلة سواء على
مستوى السلوك أو الندبة التي في وجهه والتي تدل على أنه أقرب
للمسجلين الخطيرين منه لتلميذ مدرسة والذي نكتشف أن والده هو بواب
المدرسة العجوز النائم ليل نهار دون عمل حقيقي، ومن هنا ندرك أن
الطفل يعاني من رغبة في تعويض إحساسه بالنقص والدونية من مهنة
وسلوك أبيه بفرض سطوته وسيطرته على التلاميذ الأضعف جسمانيًا، وهو
أيضًا نموذج درامي جيد وساخر رغم ما يحتويه من مبالغات مضرة
نسبيًا، خاصة في إفيهاته التي يطلقها بمناسبة ودون مناسبة.
وتنتقل لعبة التناقضات من ألوان الشقة الناعمة الهادئة التي يعيش
فيها هاني والتي يغلب عليها الأزرق الحالم والأبيض الرقيق إلى
الأصفر الترابي الساخن في المدرسة بكل ما تمثله من تجسيد لساحة
الحرب والفوضى العارمة، كذلك في توظيف المخرج للكادر الواسع الثابت
الذي يتيح للمتفرج الاضطلاع الكامل على تفاصيل اللقطة أو المشهد
وبيان حجم التناقضات البصرية الكامنة بداخله مثل مشاهد الحوارات
التي تدور على خلفية حوائط المدرسة التي تمتلئ بشعارات حضارية لم
يعد لها وجود في الواقع الأجتماعي كمصر عنوان الحضارة والعلم وسيلة
الشعوب للتطور ورسوم الأهرامات والشمس المشرقة وهو ما يتناقض مع
أغلب الأحداث التي تدور داخل المدرسة والتي تعبر عن حالة تردٍ
حضاري وفكري وثقافي كامل، فالعلم المتمثل في مشروع هاني لصناعة
طائرة لا يمنحه التقدير الذي يبحث عنه في المدرسة في مقابل أن
الإنشاد الديني هو ما يجعله يلقى تقديرًا جزئيًا –وهو المسيحي- مما
يذكرنا بالسياق الشهير لفيلم وجدة للمخرجة هيفاء المنصور عندما
قررت الطفلة بطلة الفيلم أن تتفوق في حفظ القرآن لتحصل على مكافأة
مالية لشراء دراجة.
هنا يتخلى هاني عن الأناشيد الكنسية التي نراه يرددها بسعادة في
بداية الفيلم، لكي ينشد أسماء الله الحسنى لمجرد أن يلقى بعض
التقدير، وهذه أيضا إحدى ميزات الفيلم الدرامية في التعبير عما
يمكن أن يقدم عليه الفرد في محاولة لأن يلقى التقدير من المجموع في
كيان حضاري مختل وقاصر كمصر يجعل التدين الظاهري هو محور التميز
وليس العلم أو العمل.
ولا يمكن إغفال أن تغير موقف والدة هاني عقب حضور مسرحية كنسية
بسيطة هو تغير ميلودرامي غير مشبع المبررات، لكنه متقبل على مستوى
رد الفعل الأمومي في محاولة لكسب طفلها الذي تشعر أن المدرسة
الجديدة تغيره، الغريب أنها عندما تجد آيات قرآنية داخل البيت-
والتي كان يضعها هاني على الحائط من أجل إخفاء حقيقة ديانته عندما
يزوره مؤمن زميله- بينما تعيد وضع الأيقونات وارتداء الصليب، لا
تذهب للاستفسار من هاني عنها ولكنها تقرر أن تعلن للجميع في
المدرسة أنه طفل مسيحي، فهل شعرت أن الطفل قد يغير دينه بناء على
اضطهاد ما طبقي أو طائفي في المدرسة؟ أم هي محاولة من المخرج
لتفجير أزمة دون تحضير كافٍ؟! فالأزمة لم تكن أزمة الآيات القرانية
في المنزل ولا صليب وديانة ولكن أزمة تعرض هاني للضرب المبرح من
زميله المشاغب.
قدم المخرج مشهد دخول الأم مرتدية الصليب بكل قوة وجسارة في إيقاع
بطيء (سلوموشن) مع موسيقى حماسية تدل على صرامة رد فعلها وكأنها
لحظة مكثفة وقنبلة على وشك أن تنفجر في المدرسة التي فاز فيها هاني
بمسابقة الإنشاد الديني الإسلامي.
هنا مشكلة أخرى من مشكلات الفيلم، فالتعبير البصري الجيد والقدرة
على تفجير الأزمات يجب أن يتسق مع معطيات إيهامية ومنطقية ثابتة
الأركان، فحتى تلك اللحظة لا يمكن أن نقول إننا كمتلقين كنا
مقتنعين بمبررات هاني وأسلوبه الطفولي في إخفاء حقيقة ديانته وعدم
اكتشافها.
داوود الصغير
بعد أن كان هاني يعاني من الاضطهاد الطبقي أصبح يعاني من التمييز
الإيجابي- إن صح التعبير- نتيجة زيارة والدته للمدرسة للشكوى من
ضرب ابنها ولكن الأزمة الطبقية مرة أخرى تتحول إلى «مشكلة طائفية
لطفل» على حد قول الرائع بيومي فؤاد في دور ناظر المدرسة رغم كون
الشخصية نمطية كعادة كل نُظار مدارس المشاغبين في السينما المصرية.
يصبح هاني بين يوم وليلة أهم تلميذ في المدرسة نتيجة خوف الجميع من
الاتهام بالطائفية متناسين أن المدرسة تحتوي على فصل خاص للطلبة
المسيحيين ولكن ربما الذي لا يشتكي أهلهم من اضطهاد أبنائهم، وهنا
نقف أمام مشكلة جديدة من مشاكل الفيلم.
في مشاهد سريعة، نكتشف أن الكل أصبح يعامل هاني معاملة مختلفة ولكن
بشكل سمج وسخيف، فهم يخشونه وينفرون منه في نفس الوقت وكل ما يبدو
على هاني أنه يريد الاندماج معهم ليس أكثر فهو لا يريد معاملة
مميزة، فالتمييز الإيجابي يُسبّب نفس الشعور بالوحدة والألم
كالتمييز السلبي، ولكن رغم ذلك وفي تناقض غامض يقرر هاني أن يتعلم
الجودو كأبيه- في إشارة عميقة لكون الأب كان متقنًا للعبة دفاع عن
النفس ربما لأنه مسيحي في مجتمع يعني من مشاكل طائفية!- ثم يبدأ في
الاحتشاد النفسي والبدني العنيف للانتقام ممن ضربه، بدلًا من
التفكير في بدائل سلمية تجعله يعود لمكانته السابقة في المدرسة،
وبدلًا من أن يُشعرنا المخرج بحجم مأساوية اللحظة التي يضطر فيها
طفل للتخلي عن خُلقه وطيبته وبراءته والتحول إلى كائن عنيف وصارم
وكئيب نجده يشجع ما يقدم عليه هاني من غليان داخلي بأغنية حماسية
ذات لحن وكلمات تذكرنا بتلك الأغاني التي كان أبطال أفلام الأكشن
يتدربون عليها قبل مواجهة خصومهم في النهاية لرد الهزيمة.
ماذا تريد كمخرج أن تقول إذن: أن العنف يولد العنف والتمييز يولد
الغضب؟ حسنًا ولكن أليست هذه مأساة تستحق التأمل الحكيم والتعبير
الصحيح! أم هي نتيجة نحتفي بها بصريًا وإيقاعيًا ونقلبها أكشن.
وكأن سلامة يقول لكل من يعاني من الاضطهاد والتمييز لا تستسلم
لذلك، بل قاومه بأقصى عنف وضراوة ونحن نشجعك بالأغاني الحماسية
التي تشيد بموقفك ولا تنكره عليك! إن المفارقة المأساوية التي يجب
أن يبلورها الفيلم في ثلثه الأخير تحولت إلى ذروة في فيلم أكشن
درجة ثالثة، حيث يتدرب البطل لمواجهة عدوه على إيقاع أغنية (عين
النمر) كما في فيلم روكي.
تنتهي المواجهة بالطبع بانتصار هاني داوود الصغير على جالوت الضخم
وهي نهاية نمطية جدًا بالمناسبة ونمطيتها تأتي من أنها استجابت
لمنطق الأكشن وليس لمنطق فلسفة التحليل الاجتماعي والنفسي لمن
يتعرضون للاضطهاد فيتحولون إلى إرهابيين أو أشخاص خطيرين وليس
لأبطال شعبيين يتم الاحتفاء بهم بعد هزيمة الشرير.
ويشعرنا المخرج بعدها أن هاني سعيد بالعقاب الذي يتلقاه في النهاية
جنبًا إلى جنب مع عدوه المضروب، لأنه أخيرًا لم يعد مميزًا في شيء
داخل المدرسة تمامًا كما يقول لنا الراوي وهي نهاية ساذجة، لأنها
أولًا تناقض ما حشده المخرج من مشاعر عنيفة داخل هاني وتمرينات
لمواجهة علي وثانيًا لأنها تشعرنا أن هاني ضرب «علي» لكي يتلقي
عقابًا يجعله معه على قدم المساواة وليس انتقامًا من تعرضه للأذى
البدني والنفسي على يده طوال الوقت.
هذه نهاية مشوشة وقاصرة عن تحقيق ذروة انفعالية وفكرية جيدة
للتجربة حتى مع وجود نظرات الحقد المتبادل بين الاثنين هاني وعلي
والتي تذكرنا بالمثل الشعبي «اللي في القلب في القلب يا كنيسة» أي
دلالة على وجود حقد طائفي دفين بين طرفي المجتمع.
ولكن الفيلم للأسف يصوغه دون أن يدرك أنه أطلق هذا الحقد من منطلق
طبقي وليس من منطلق اجتماعي أو سياسي أو حضاري، فمشكلة هاني مع علي
بدأت وانتهت لأسباب طبقية بحتة - فهاني لم يكن يعني من ازمات
طائفية في طبقته الأولى- ومسألة التمييز الطائفي وإخفاء الدين وكل
هذه التفاصيل مجرد أثقال تبطئ من رشاقة الأسلوب وتحد من قوة
الفكرة، بل وتناقضها في بعض الأحيان.
تبقى الإشارة إلى تميز عناصر التمثيل على كل المستويات تقريبًا،
بداية من أحمد داش في دور الطفل هاني والذي استطاع أن يوازن
ملامحيًا وبموهبة فطرية ما بين براءة الانطباع الأولى في البداية
وصرامة الكبت الداخلي بعد ما عاينه من أهوال في المدرسة، والاختيار
الجيد لكنده علوش في دور الأم حيث جاءت متسقة مع لعبة التناقضات
التي أشرنا إليها، خاصة التناقض بين شكلها المريمي جدًا والحالم
وبين كونها لا دينية ترفض الاعتماد على السماء في حل مشاكل الأرض،
كما يحسب لهاني عادل واضع الموسيقى توظيفه للآلات المدرسية
التقليدية في صياغة موسيقى الفيلم، خاصة أن الأفلام التي تعتمد على
الهايبر ريالتي تحتاج إلى الكثير من الإفيهات الموسيقية للتزامن مع
الإفيه البصري الكاريكاتوري، بالإضافة إلى صياغته لجملة لحنية
معزوفة بصفير فمي تناسب المواقف الطريفة والميلودرامية بنفس الدرجة
وتمثل جانبًا وصفيًا لشخصية الطفل هاني بطل الفيلم، فالصفير فعل
صوتي مقترن بفترة الطفولة بحلوها ومرها.
المصري اليوم في
|