«التحرير»
تنشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسى..
«الحلقة العاشرة»
أعدها للنشر- محمد توفيق
العثور على مذكرات كاريوكا أشبه بالحصول على كنز، فمذكرات تحية
كاريوكا لا تعكس فقط قصة حياة أشهر راقصة عرفتها مصر، لكنها تعكس
صورة لحال البسطاء والحكومات فى مصر طوال ما يزيد على نصف قرن من
الزمن.
ولدت قبل 14 يومًا فقط من قيام ثورة 1919، وعاشت أجواء حرب 1948
ووقفت إلى جوار الفدائيين وساعدت فى نقل الأسلحة إليهم، وحين رأت
أن ثورة يوليو انحرفت عن مسارها انتقدتها، ودفعت الثمن، ودخلت
السجن.
لكن الأجمل والأهم والأمتع هو أن تقرأ هذه المذكرات بقلم العم صالح
مرسى الأديب الذى جعل من الجاسوسية أدبًا وفنًا.
فتحية إلى «كاريوكا» بنت البلد المصرية الصميمة، الخالصة،
المُخلصة، الشُجاعة، الجدعة، وتحية إلى المبدع الرائع الراحل صالح
مرسى، فكلاهما لم يرحل عن القلب والذاكرة رغم رحيلهما عن الدنيا.
كاريوكا: نجيب الريحانى كان مغرمًا بالنساء وكلما حضرت بطلة جديدة
إلى الفرقة ترك زوجته من أجلها
وقفت تحية مذهولة أمام بديعة التى كان وجهها يشحب كلما مضت
الثوانى، ثمة شىء غريب ولا يصدق، وهل يمكن أن ينتقل الهرم الأكبر
من مكانه، أو يتزحزح الجبل أو ينتحر؟!
غير أن هذا الوقت لم يكن وقت التأمل والتفكير، ولقد كانت بديعة
عندما يشتد عليا الألم والعذاب وإلحاح الديانة، تغرق فى العمل
أكثر، وتبحث لنفسها عن مخرج من ورطتها.. وهكذا يجب أن تفعل تحية،
كانت عزيزة -الوصيفة السمراء- تهرول فى الفيلا رائحة غادية، وهى
تولول، وكان لا بد من البحث عن مخرج، أى مخرج.. وفى المطبخ كان ثمة
وعاء به لبن، وكانت بديعة فى تلك الأثناء صامتة لا تفتح فمها
بكلمة، أتت عزيزة بكوب من اللبن، دون أن تدرى، هى أو تحية، ماذا
يمكن أن يفعل اللبن مع كميات الإسبرين المهولة، التى كانت تتسرب
إلى الدم لحظة بعد لحظة.. ودون مقاومة راحت بديعة تشرب اللبن من يد
تحية، بينما كانت الفتاة تصرخ فى الوصيفة «الحقينى بدكتور.. أى
دكتور».
وانطلقت عزيزة إلى الشارع تبحث عن طبيب، وانتهت بديعة من شرب
اللبن، وأسندت رأسها إلى كتف تحية وقد أخذت تتلوى من الألم، وسرعان
ما انثنت نصفين، وراحت تفرغ ما فى جسدها!
كانت هذه لحظات من العمر لا تنسى، كانت تحية ترتجف من قمة رأسها
إلى أخمص قدميها، وكل شىء فى خيالها ينهار من أساسه.. وسرعان ما
وصلت عزيزة وهى تصحب طبيبًا جاء على عجل..
«ادتوها
إيه؟!».
قالت تحية:
«كباية
لبن!».
ولم تصدق تحية عينيها وهى ترى الطبيب يبتسم، ولم تصدق أذنيها وهى
تسمعه يقول:
«أنت
اشتغلتى دكتورة قبل كده؟».
كان اللبن هو العلاج الوحيد والسريع لمثل هذه الحالة، وكان الطبيب
قد بدا يكشف على بديعة مصابنى، وقد زال الخطر تمامًا.. ثم راح
الرجل يكتب الروشتة وهو يقول لبديعة:
«انتى
لازم ترتاحى فى السرير كام يوم.. لكن الخطر زال والحمد لله»!!
■
■
■
رغم الهول الذى أحست به تحية فى ذلك الصباح، رغم الجزع والخوف
والقلق واللهفة والضياع، فإن حادثة الانتحار هذه، سرعان ما تحولت
-فى نفس الصباح- إلى مجرد عائق صغير اعترض مجرى النهر المتدفق
بالحياة فى قلب هذه السيدة الغريبة!
كانت جولة الصعيد التى اتفقت عليها بديعة تبدأ فى مساء ذلك اليوم..
وكانت الراقصات قد استعد كل منهن مع العازفين على بداية الرحلة،
لذلك.. ما إن غادر الطبيب باب الفيلا، حتى أسرعت عزيزة تشترى الحقن
والدواء الذى أمر به الطبيب، لكن بديعة كانت -وقد عادت إليها
الحياة من جديد- تستعد لبدء الرحلة فى المساء دون راحة، ودون تردد!
عبثا حاولت تحية أن تثنى بديعة عن عزمها!
وسرعان ما عادت الابتسامة الساخرة إلى شفتى بديعة من جديد.. وذات
مرة، قبل سنوات من وصول تحية إلى القاهرة، كانت فرقة نجيب الريحانى
تقوم بجولة فى المهجر، وكانت بديعة فى ذلك الوقت -وحتى آخر يوم من
أيام الريحانى- زوجة لنجيب الريحانى، وكان نجيب شابا مغرمًا
بالنساء، وكان غرامه هذا هو ما يضنى بطلة الفرقة التى يرتمى تحت
أقدامها الرجال من كل لون، وذات يوم استيقظت بديعة فى المهجر، لتجد
أن نجيب قد اختفى تمامًا، وعندما بحثت وسألت وتفحصت، اكتشفت بدهشة
وذعر، أنه حمل كل دخل الفرقة من مال، وطار إلى باريس بصحبة فتاة من
فتيات الفرقة!
جلست تحية على طرف الفراش تستمع لبديعة التى كانت تغرق فى الضحك
كلما تذكرت مأزقًا.. ولم يكن ما فعله نجيب الريحانى مأزقًا من نوع
عادى، كان قد ترك زوجته -بديعة- والفرقة بلا مال، وفى الغربة
بعيدًا بآلاف الأميال عن أرض الوطن، وكان هروبه مع فتاة مغمورة من
فتيات الفرقة لطمة أصابتها فى الصميم، كفنانة، وكزوجة لهذا الرجل
الغريب.
غير أن بديعة مصابنى كانت قد تعودت، قبل الزواج من نجيب وبعده، على
مثل هذه المواقف، فسرعان ما تمالكت نفسها، وجمعت شتات كبريائها،
وجلست وسط أعضاء الفرقة تعيد تكوينها من جديد.. ولقد اكتشف الجميع
أن العقد الذى أبرمه نجيب مع المتعهد، كان قد انتهى فى الليلة
السابقة.. لم يكن يعنى بديعة، أو أى فرد من أفراد الفرقة، إلا أن
يحصلوا على ثمن تذكرة العودة فقط.. ولقد استطاعت بديعة أن تتفق فى
نفس الصباح على إحياء عدة حفلات فى المهجر، وبالفعل قادت بديعة
الفرقة إلى بر الأمان، وما إن مضت أيام، حتى كان كل فرد يملك ثمن
عودته إلى القاهرة، أما بديعة، فلقد كانت تملك ثمن عودتها إلى
باريس فقط.
عرفت بديعة بعد أن بحثت واستقصت، إلى أين ذهب نجيب الريحانى بعد أن
هرب بالمال مع عشيقته.. وإذا كانت قد عرفت بحدسها أين يمكن أن يذهب
رجلها بالمال، إلا أن ظلت تبحث وتسأل.. حتى عرفت اسم الفندق الذى
ينزل به!
وذات فجر، وقبل أن تشرق الشمس، كانت بديعة تقف أمام أحد فنادق
باريس وحدها، بعد أن تركت حقائبها فى فندق آخر.. دخلت الفندق مع
الفجر وسألت الموظف عن الغرفة التى ينزل بها «مسيو ريحانى»..
وعندما عرف الرجل أنها «مدام ريحانى» دلها على الغرفة وكله دهشة..
لكنها لم تعر دهشته أى اهتمام واتجهت نحو المصعد، وذهبت إلى الغرفة!
وبعد سنوات طويلة طويلة.. كان نجيب الريحانى يقص على تحية كاريوكا
وهو غارق فى الضحك، كيف استيقظ فى هذا الفجر -وكان نائمًا بجوار
حبيبته- على طرقات تدق باب غرفته، فهب من نومه جالسًا فى الفراش
وهو يصيح:
«جالك
الموت يا تارك الصلاة؟!».
واستيقظت الفتاة من نومها، وسألته عن الطارق فى مثل هذه الساعة،
فقال:
«ومين
يخبط على الباب بالشكل ده، فى وقت زى ده إلا هى؟!».
وقفزت الفتاة مذعورة من الفراش:
«مين؟!».
«بديعة!!».
ولم يكن هناك مفر، وفتح نجيب باب الغرفة قبل أن يعلو صوت بديعة فى
سكون الفجر ويتحول الأمر إلى فضيحة، وشهد هذا الفندق، فى العاصمة
الفرنسية، فى ذلك الفجر، فتاة تحمل حقيبة ملابسها وهى تهرول لكى
تنجو بجلدها من اللطمات والضربات التى انهالت عليها، تاركة نجيب
يتلقى وحده، علقة ساخنة، ظل يحلف بها طوال عمره!!
فى المساء.. كان القطار ينهب الأرض فى طريقه إلى قلب الصعيد.. وفى
إحدى عربات القطار، كان ثمة مجموعة من الفتيات والرجال الذين
يحملون معهم آلات للعزف يجلسون فى دواوين متقاربة.. وتهامس الركاب
فى ذلك المساء، أن فى القطار «جوقة» بديعة مصابنى، التى تقوم فى
تلك الليلة برحلة فنية إلى مدن الصعيد.
وكانت بديعة مصابنى تعانى فى بداية الرحلة من ضعف شديد بعد تلك
المحاولة التى أقدمت عليها للانتحار، ولذلك فلقد كانت -طوال
الرحلة- محاطة بثلاثة أشخاص رفضوا أن يبتعدوا عنها خطوة.. تحية
محمد التى التصقت بها التصاق الابنة بأمها، رغم وجود جولييت ابنة
بديعة ضمن الفرقة، ثم عزيزة الوصيفة التى كانت على استعداد تام
لتلبية أى إشارة من سيدتها.. وشخص ثالث، كان يحمل حقيبة طبية
صغيرة، بها أدوات الحقن، فلقد كان ولا بد لبديعة أن تأخذ العلاج
طوال الطريق، بعد أن اتفقت مع تحية وعزيزة أن تكتما الخبر -خبر
محاولة الانتحار- عن الجميع!
■
■
■
قالت بديعة مصابنى، فى مذكراتها، إن الذى اعتدى عليها فى بداية
حياتها، كان رجلاً سكيرًا!
وإذا كانت هذه الحادثة كفيلة وحدها بأن تجعل من بداية حياة هذه
السيدة ملحمة من ملاحم حيوات البشر، إلا أن ما حدث حقيقة كان أوقع
على النفس، وأشد بشاعة، وأكثر فظاعة مما يتخيل كثيرون.. ولقد كان
هذا السر الذى كتمته بديعة تمامًا عن كل الناس، إلا بضعة من أقرب
المقربين إليها ومنهم تلميذتها تحية محمد، وإذا كانت بديعة مصابنى
-مد الله فى عمرها- قد أرادت أن تخفى حقيقة ذلك السر المخيف عن
الناس عندما خرجت عليهم بمذكراتها، فهل يملك الإنسان -أيا كان هذا
الإنسان- أن يذكر الحقيقة رغم أنف صاحبها!!
إن بديعة مصابنى التى أصيبت بأم لاحقتها لسنوات طويلة بعارها،
تكشفه للناس وتعلنه على الملأ حتى فى المهجر، لكى تظل فتاتها بقرة
حلوبًا تدر عليها من المال ما يكفى لإشباع جشعها.. إن بديعة مصابنى
هذه، وقد أفاقت من كابوس الرغبة فى الانتحار، واجتازت بصدفة أو
معجزة مرحلة الخطر.. وسرعان ما عادت إليها ثقتها بنفسها وبالحياة..
وبدأت على الفور، وفى نفس اليوم، تمارس فنها بقدرة أذهلت الفتاة
الصغيرة، التى هربت من الإسماعيلية منذ بضعة أشهر حافية القدمين
قصيرة الشعر، والتى لم تكن حتى تلك اللحظات تعرف شيئًا عن الرقص
سوى تلك الخطوات التى علمها لها «أيدى» فى المسرح وسوى ذلك الإحساس
الغامر بالسعادة، الذى كانت تغرق فيه كلما صعدت المدام على خشبة
المسرح لترقص، أو تعزف بالصاجات ذلك العزف الشجى!
وكان برنامج الرحلة يبدأ من الغيوم إلى بنى سويف إلى المنيا ثم
ملوى وأسيوط، وطهطا وسوهاج وجرجا و.. و.. ولم يكن جسد بديعة الواهن
يحتمل هذا المجهود.. فراحت تحية، كلما قطعوا مرحلة من الرحلة،
تحرضها على التوقف والعودة إلى القاهرة من جديد، فكان رد الأستاذة
يأتيها حاسمًا:
«شوفى
يا توحة.. الجمهور مش لازم يستنى الفنان.. الفنان هو اللى لازم
يلتزم بكلامه قدام الناس ولا يرجعش فيه!»
ولقد لازمتها تحية دقيقة بدقيقة، كان قلبها يتفتح كل يوم مع
وجدانها وعقلها على درس جديد.. وإذا أرادت -وقد اختارت لنفسها طريق
الرقص- أن تصبح يوما ذات شأن، فعليها أن تتعلم من ذوى الشأن!!
وكان الدرس الأول فى إحدى مدن الصعيد.
وإذا كان الفنان يحمل إلى الناس رسالة ما، أى رسالة، فإن عليه لكى
يحترم الناس رسالته، أن يحترم هو فنه أولاً!
وفى إحدى الحفلات التى أقيمت فى قلب الصعيد، كانت تحية محمد تقف
على المسرح وسط مجموعة الفتيات اللاتى وقع عليهن اختيار الأستاذة
ليقمن معها بهذه الرحلة.. كانت هناك: سارة، وجولييت، وإيفون
صيداوى، وكريمة محمد.. و.. وكانت بديعة تتصدر المسرح أمام الفتيات
وهى تعزف بصاجاتها ذلك العزف الذى يشنف الآذان، فكأنه مقطوعات
موسيقية قائمة بذاتها.. عندما انهالت على المسرح -على بديعة
بالذات- قذائف من نوع فريد!
وإذا كان لفن الكتابة آداب يجب أن تحتذى وتحترم، وأن يلتزم بها كل
من حمل هذا الشرف.. فإن هناك من الحقائق ما لا يمكن إغفاله، أو
التلميح إليه، حتى تصل الحقيقة -كاملة بلا رتوش- للناس!
وإذا كانت تحية كاريوكا، التى أصبحت لربع قرن من الزمان علما من
أعلام الفن فى مصر، وتجربة إنسانية عريضة وعريقة.. قد أصبحت ما هى
عليه الآن.. فإن الواجب يحتم على المرء أن يكتب درسها الأول -بكل
قسوته- الذى تعلمت منه كيف تصبح ما أصبحت!
ففى تلك الليلة، فى تلك المدينة التى ربما كانت المنيا أو أسيوط أو
جرجا -هى فى الغالب أسيوط- وبينما كانت «النمرة» تؤدى على المسرح،
والجمهور غارق فى المشاهدة والاستمتاع، فوجئت البنات الراقصات خلف
الأستاذة، بقذائف من «القاذورات» تنهال على بديعة بالذات!!
ولقد كان رجال الصعيد وشبابه، إذا ما أراد الواحد منهم أن يروح عن
نفسه، لا يجد أمامه سوى القاهرة بملاهيها وصلاتها وأضوائها.. ولقد
كان من هؤلاء مئات من الذين وقعوا فى غرام بديعة مصابنى بالذات،
ولقد نسجت فى تلك الأيام قصص حب، وجرائم، وفتوات، وجاسوسية تفوق كل
خيال، ولقد خرج من هذه المدينة الكائنة فى قلب الصعيد، والتى كانت
ترقص فيها بديعة مصابنى وفتياتها فى تلك الليلة، خرج شاب مسيحى ذات
يوم إلى القاهرة، وأحد من مئات كانوا يفعلون مثله، وساقه القدر ذات
ليلة إلى «صالة بديعة» بعماد الدين، فوقع فى غرام بديعة.. وقع فى
غرامها منذ الليلة الأولى، وأصبح لا يطيق الابتعاد عنها، وكان إذا
عاد إلى بلدته فى الصعيد، عاد فقط ليزود نفسه ببعض المال الذى كان
ينفقه ببذخ شديد حتى تلتفت إليه «المدام».. وعلى مدى شهور طويلة،
حاول الرجل أن يتقرب من بديعة، بكل الوسائل حاول وبكل الطرق، وأنفق
ببذخ شديد.. لكن بديعة -التى كانت قد خبرت كل أنواع الرجال- لم
تستجب له، ولم تبادله الحب، فباءت كل محاولاته بالفشل.. ولم يكن
أمامه سوى أن يعود إلى بلدته.. وينتحر!!
وفى الصعيد، هزت قصة انتحاره المدينة كلها، وتناقلتها الألسن،
واهتزت مكانة العائلة التى فقدت واحدًا من رجالها، ورأى أفراد
العائلة فى بديعة، سببًا مباشرًا لانتحار الرجل.
ولذلك.. ما إن هبطت بديعة -التى كانت تعرف قصة انتحار هذا الحبيب
الذى صدته- إلى تلك المدينة، حتى بيت كل أفراد العائلة.. وما إن
بدأت تقدم عرضها الأول على خشبة المسرح وقد امتلأت الصالة عن
آخرها.. حتى توجه الجميع بتلك القذائف القذرة تنهال على الجسد
الأبيض الجميل.. ولقد حدث هرج فى الصالة، لكن الهرج الذى حدث على
المسرح كان أشد.. ورغم تعليمات المدام بعدم الخروج على الرقصة مهما
حدث فى الصالة.. فإن واحدة من «البنات» لم تتخيل أن هذا القانون من
الممكن أن يسرى فى حالة مثل تلك الحالة.. فارتبكت خطواتهن وتبعثرات،
لكن همسة آمرة جاءتهن من فم بديعة التى لم تتوقف عن الرقص، همسة
تقول:
«كل
واحدة تفضل مكانها، كملوا الرقصة للآخر!».
وبالفعل.. عادت الصفوف إلى الاتساق فى لمح البصر، والتزمت الخطوات
بالإيقاع، وأكملت بديعة رقصتها حتى آخر خطوة فيها!
■
■
■
كيف تحملت بديعة مصابنى كل هذا الهوان؟!
وما السبب فى ما حدث؟!
فى تلك الليلة، لم تكن تحية محمد تعلم شيئا عن القصة، كانت ترقب ما
يجرى بعينين مفتوحتين فى دهشة.. لكنها تلقت درسها الأول فى الفن،
كانت «الكلمات» التى تسمعها من الأستاذة، قد تجسدت فى فعل حقيقى،
دخل القلب ولم يبرحه!
تعلمت الراقصة الصغيرة أن الفنان العظيم، هو الفنان الذى يصلى
لفنه.. ولو قذفه الناس بمثل ما قذفوا به بديعة، وحتى لو جاءها ضابط
الشرطة فى عز الليل، يطلب منها فى إلحاح أن تغادر المدينة حفاظًا
على حياتها.. فتفعل ذلك فى صمت وكبرياء، وتنتقل إلى مدينة أخرى،
لترقص، ولا تكف!! |