برنامج حافل في مهرجان إسطنبول السينمائي
أمير العمري
تشير ملامح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان إسطنبول السينمائي
الدولي إلى الطموح الكبير الذي يدفع القائمين على أمر هذا المهرجان
المرموق إلى الانفتاح على كل التجارب السينمائية في العالم، مع عدم
إغفال ذلك الاهتمام المعتاد بالسينما التركية، فالهدف الأساسي لأي
مهرجان سينمائي هو تطوير السينما المحلية في البلد الذي يقام فيه
المهرجان، وليس مجرد تحقيق عروض للمتعة والتسلية للجمهور لبعض
الوقت ثم ينتهي الأمر.
وأساس اهتمام ضيوف المهرجان الأجانب والنقاد والمتخصصين
والسينمائيين، يتجه عادة الى الإطلاع على طبيعة النشاط السينمائي
في الدولة المضيفة وليس فقط متابعة الأفلام التي تتنافس على
الجوائز، أو تلك التي تعرض في البرامج الموازية التي تتوجه في
الأساس ، إلى جمهور البلد الذي ينظم المهرجان.
وإذا عدنا إلى تاريخ مهرجان إسطنبول الدولي سنجد أنه نشأ في
بدايته، عام 1982، كأسبوع سينمائي باسم "أيام إسطنبول السينمائية
الدولية" كجزء من مهرجان إسطنبول للفنون، ثم أصبح حدثا سينمائيا
مستقلا بذاته في 1984 ، وفي العام التالي بدأ الأسبوع (أو الأيام)
في تنظيم مسابقتين، الأولى دولية، والثانية للأفلام التركية. وفي
عام 1989 أصبح "الأسبوع السينمائي" مهرجانا دوليا حصل على اعتراف
الاتحاد الدولي لمنتجي الأفلام (الفياف) وأصبح ينظم مسابقة متخصصة
تعرض الأفلام اتي تدور حول الفن والفنانين أو الأفلام المقتبسة عن
أعمال أدبية.
وقد أصبح المهرجان ينظم منذ 2006، لقاءات بين المنتجين الأوروبيين
ونظرائهم الأتراك بغرض تشجيع التعاون في مجال الإنتاج المشترك
تطورت هذه اللقاءات إلى ورشة مكثفة لتقييم ودعم المشاريع
السينمائية، كما يقيم المهرجان منذ 2007، مسابقة للأفلام التي
تتناول مواضيع تتعلق بحقوق الانسان، ويمنح جائزة لأحسن فيلم في هذا
المجال باسم جائزة المجلس الأوروبي لحقوق الانسان.
يعرض المهرجان أكثر من 200 فيلم، ويبلغ عدد المترددين على عروضه
نحو 190 ألف شخص، وهو مهرجان طويل نسبيا إذ يستغرق 16 يوما.
والدورة الجديدة وهي الثالثة والثلاثون، ستقام في الفترة من 5 إلى
20 أبريل 2014.
ينقسم إلى أقسام عديدة تغطي كل الاهتمامات وأنواع الأفلام، من
الكلاسيكية إلى التسجيلية والروائية والتحريك وافلام الاطفال
وافلام الشباب، إلى جانب المسابقة الدولية ومسابقة لأفلام حقوق
الإنسان.
تشمل المسابقة الدولية عرض 12 فيلما من بولندا وبلجيكا وفرنسا
وكندا وأيسلندا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وبريطانيا
واستراليا وأيرلندا. أفلام المسابقة هي "20 ألف يوم على الأرض"
للمخرج البريطاني إيان فورسايث، و"تربتيك"
TRIPTYQUE
للمخرج الكندي روبير لوباج، و"فيوليت" للفرنسي مارتن بروفوست،
و"عمياء" أول أفلام المخرج النرويجي إسكيل فوغت، و"أنا ونفسي وأمي"
Me, Myself and Mum
للمخرج والممثل الفرنسي عليوم غليين، و"تلك السنوات السعيدة"
للمخرج الإيطالي دانييل لوتشيتي، و"بابسوزا" لاثنين من المخرجين
البولنديين، عن حياة الشاعرة والمغنية الغجرية البولندية الشهيرة
برونسلافا فايس التي عرفت باسم "بابسوزا"
PAPUSZA .
وهناك في المسابقة الدولية أيضا أفلام "ميتالهيد"
Metalhead
عن الفرقة الأمريكية الشهيرة التي برعت في هذا النوع من الموسيقى
والغناء الصاخب، وهو من اخراج المخرج الأيسلندي راغنار براغاسون،
وفيلم "مسارات" للاسترالي جون كوران عن الفتاة التي قهرت الصحراء
في استراليا وقطعت رحلة بلغت مئات الأميال على قدميها بصحبة ثلاثة
من الإبل حتى وصلت مياه المحيط الهندي. وهناك أيضا فيلم "اعادة
الوصل" The Reunion
للمخرجة السويدية أنا أوديل عن ذكريات المخرجة أثناء دراستها
وتعقيدات علاقاتها مع زملائها، و"توم في المزرعة" وهو أحد أفلام
المخرج الكندي زافييه دولان.
تتكون لجنة تحكيم المسابقة الدولية من خمسة اعضاء هم المخرج
الايراني أصغر فرهادي (رئيسا للجنة) والمنتجة البريطانية ليندت
مايلز والكاتب والناقد والمخرج الفرنسي بيير لو جواي، والمخرجة
الأمريكية دافني هالمان، والمخرج الروماني رادفان رادولسكو.
أما مسابقة أفلام حقوق الإنسان فتشمل 10 أفلام من بينها الفيلم
المصري "فرش وغطا" لأحمد عبد الله، و"ترانس إكس إسطنبول" للمخرجة
الألمانية ماريا بايندر (إنتاج مشترك مع تركيا)، و"حبيبي بيستناني
عند البحر" لمريم دراوزه من الأردن (انتاج مشترك مع قطر وفلسطين
وألمانيا) وهو فيلم تسجيلي يصور رحلة مخرجته التي تعود للمرة
الأولى الى الوطن لكي تلتقي بحبيبها الذي لم تره.. الفنان التشكيلي
الفلسطيني حسن حوراني، وفيلم "القضية المزورة" للمخرج الدنماركي
أندرياس جونسون، وهو تسجيلي عن المعارض الصيني آي ويوي الذي أرغمته
السلطات الصينية على الصمت وسجنته ثم أطلقت سراحه بعد أن فقد
الذاكرة.
في هذه المسابقة أيضا فيلم "صوت من لا صوت لهم" للمخرج ماكسيمون
مونيهان من جواتيمالا الذي يصور من خلال أسلوب شبه تسجيلي قصة
حقيقية عن الفتاة "أولجا" التي هاجرت من بلدها في أمريكا الوسطى
إلى الولايات المتحدة وتعرضت منذ وصولها إلى نيويورك للكثير من
المشاكل ووقعت في قبضة عصابات الاتجار بالبشر. وهناك أيضا فيلم
"الحكم"
The Verdict
للمخرج الهولندي يان فيرهين، و"الصورة المفقودة" للكمبودي ريثي
بانا عن فظائع جماعة الخمير الحمر في كمبوديا خلال السبعينيات من
القرن الماضي.
السينما التركية
الأقسام المخصصة للسينما التركية تشمل: مسابقة (هي الثالثة
والأخيرة في المهرجان) للأفلام التركية التي أنتجت في 2013- 2014
(10 أفلام)، وقسم الأفلام التركية خارج المسابقة (5 افلام)، ثم قسم
الأفلام التركية القصيرة التي يعرض منها 10 من أفضل الأفلام التي
أنتجت في العام الماضي، وقسم للأفلام التركية التسجيلية (13 فيلما)
ثم قسم "السينما التركية الجديدة" (7 أفلام) وهي مجموعة مختارة من
الأفلام التي أنتجت خلال العشرين عاما الماضية والغرض منها التعريف
بما قطعته السينما في تركيا من تقدم. وضمن قسم "العودة إلى
كلاسيكيات السينما التركية" يعرض فيلم واحد هو "محسن بيه" من عام
1987 ومن اخراج يافوظ تورغال. وبهذا ينتهي الاحتفاء وتسليط الأضواء
الممنهج والمتعدد الأوجه على السينما التركية، أي سينما البلد
المنظم للمهرجان. وجدير بالذكر أن جميع هذه الأفلام تعرض مترجمة
للإنجليزية.
الأقسام العالمية
أما الأقسام العالمية في المهرجان فتشمل أولا (بعد المسابقتين
الدولية وحقوق الانسان) قسم الأفلام التي تعرض عروضا احتفالية
لكبار السينمائيين في العالم لاطلاع الجمهور التركي على مختارات من
الأفلام المنتظر أن تعرض فيما بعد في دور العرض في انحاء البلاد.
يعرض في هذا القسم 9 أفلام منها "فيلومينا" البريطاني لستيفن
فريرز، و"فينوس ترتدي الفراء" الفرنسي لرومان بولانسكي، و"العدو"
الكندي لدنيس فلينيف، و"اللغز الصيني" لسيدريك كلابيش الفرنسي
و"المرأة الخفية" لرالف فينيس من بريطانيا، و"سارقة الكتب"
البريطاني لبريان بيرسيفال، و"فندق بودابست الكبير" لويس أندرسون
الأمريكي.
هناك بعد ذلك قسم مخصص لعرض "أفلام الأساتذة"
Masters
أي عمالقة الاخراج السينمائي في العالم (11 فيلما) منها "مهووسة
جنسيا" للارس فون ترايير (الجزءان الأول والثاني) وهو الفيلم
الجريء الذي لا يخشى منظمو المهرجان عرضه على الجمهور العام.
ومن أفلام الكبار أيضا في هذا القسم "عقدة الشيطان" للمخرج الكندي
من أصل مصري- أتوم إيغويان، و"دبلوماسية" لفولكر شلوندورف
الالماني، و"فاونسا رجل الأمل" للبولندي لأندريه فايدا، و"كم من
الغريب أن تدعى فيلليني" لإيتوري سكولا الايطالي، و"حقل الكلاب"
لليش مايفسكي البولندي.
أما القسم التالي فهو بعنوان "من عالم المهرجانات" ويشمل 19 فيلما
من أحدث ما عرض في المهرجانات السينمائية حول العالم. من هذه
الأفلام الفيلم الكردي العراقي "بلادي بلاد الفلفل الحلو" لهينر
سليم، و"إيدا" للبولندي لبافل بالوكوفسكي، و"سبتمبر" للمخرجة
اليونانية بيني بانايوتوبولو، و"رائد" للنرويجي إريك سكولدبيرج،
و"قدم صغيرة" للأمريكي الكسندر روكويل، و"العدو الداخلي" للمخرج
اليوناني يورغوس تسمبروبولوس، و"ثلاثة تدريبات في التفسير" للمخرجة
الرومانية كريستي بويو، و"لا تحرق المخطوطات" للمخرج الايراني محمد
روسولوف، و"وداعا أيها الخريف" للياباني كوجي فوكادا، و"كالفاري"
Calvary
للمخرج البريطاني جون مايكل ماكدوناه، و"جراند سنترال" للفرنسية
ربيكا زولوتوفسكي.
أفلام الشباب
القسم التالي بعنوان "رؤى جديدة"
New visions
وهو يشمل 15 فيلما، ويهدف إلى تسليط الاضواء على افلام المخرجين
الشباب- الأولى والثانية- التي لاقت استحسانا نقديا كما حققت نجاحا
جماهيريا وحصلت على جوائز في المهرجانات السينمائية العالمية.
بعد ذلك هناك قسم آخر بعنوان "عصر الوثائقي" ويشمل عرض 18 فيلما
وثائقيا تتناول مواضيع وقضايا مختلفة من السياسة إلى الرياضة، ومن
الفن إلى الموسيقى والتعليم والهجرة والتحولات الاجتماعية وقضايا
الواقع اليومي، وكلها أفلام تتصف بالحس الفني العالي والتقنية
المتميزة. ومن أفلام هذا القسم "المعلوم المجهول" لإيرول موريس عن
دور وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد في حرب العراق،
و"ذئب على الباب" للبرازيلي فرناندو كويبرا الذي يتابع كيفية تعامل
زوجين شابين مع محنة ألمت بهما، و"سالفو" للإيطالي فابيو
جراسادونيا عن المافيا الايطالية الصقلية، و"الأبكم" لاثنين من
المخرجين من بيرو هما دييجو وجانييل فيجا، وهو عن رجل شريف يواجه
شبكة هائلة من الفساد يشك انها تضم حتى زوجته ووالده، هو يتعرض
للقتل خلال تحريه الأمر لكنه يصر على المضي قدما في كشف الحقيقة.
ويضم قسم "منطقة ملغومة" 9 افلام تتميز جميعها بالاجتراء على طرق
مناطق صعبة وشديدة الحساسية في السينما، مع أسلوب فني متميز ومبتكر
في المعالجة. ومن هذه الافلام الفيلم اليوناني "الآنسة عنف" الذي
يروي قصة رمزية عن كيف يبيع رجل بناته في عالم الدعارة من أجل
مواجهة شظف العيش وهو عمل صادم، وفيلم "كلاب ضالة" من تايوان عن
الظروف القاسية التي تدفع أسرة إلى العيش على فتات الطعام مما يوزع
في الأسواق للتذوق فقط. وهناك أيضا فيلم "فتيات كيسبي" لسباستيان
سيبولفيدا من تشيلي الذي يصور كيف يؤدي قانون صدر أخيرا بحظر رعي
الماشية في منطقة جبلية معينة، إلى هجرة ثلاث فتيات من رعاة
الأغنام المنطقة والتوجه الى العاصمة حيث يتعرضن هناك للكثير من
المشاكل المعقدة.
وهناك قسم آخر بعنوان "مضادات الاكتئاب" يشمل 9 أفلام كوميدية
جديدة من السينما العالمية، وقسم "سينما الأطفال" (3 أفلام تحريك)،
وقسم "جنون منتصف الليل" (3 أفلام) وهي من أفلام الرعب تعرض فقط
مساء السبت من كل اسبوع، وقسم "أين أنت ياحبيبي" يعرض 8 أفلام عن
المثليين.
عروض احتفالية
يحتفي مهرجان إسطنبول السينمائي هذا العام بالمدرسة البولندية في
سينما الرسوم المتحركة أو التحريك، والأفلام التجريبية، من خلال
عرض مجموعات من الأفلام البولندية المتميزة في هذا المجال وتخصيص
مناقشة حول ما حققه هذا النوع وما يواجهه من مشاكل اليوم. كما
يحتفي المهرجان بأعمال المخرج الروسي ألكسي غيرمان الذي رحل في
فبراير العام الماضي، وقد أخرج ستة أفلام طويلة كلها مصورة بالأبيض
والأسود سيعرضها المهرجان لتسليط الأضواء على التجربة الفنية
المتميزة لهذا المخرج الكبير.
ويعرض المهرجان اثنين من روائع عصر السينما الألمانية الصامتة هما
"الناس يوم الأحد" لروبرت سيدمارك، و"عيادة الدكتور كاليجاري"
الفيلم الشهير لفريدريك مورناو. والطريف أن المهرجان إختار أن يطلق
على هذه الاحتفالية الخاصة بالكلاسيكيات القديمة "الحرب العالمية
الأولى والحداثة في أزمة"!
وفي قسم احتفالي آخر تحت عنوان "في الذاكرة" يعرض المهرجان ثمانية
أفلام في تحية خاصة إلى مخرجيها المشاهيرالراحلين ومنهم البريطاني
المرموق ديفيد لين (لورنس العرب)، والمخرج الفرنسي باتريس شيرو
الذي رحل في اكتوبر العام الماضي (الملكة مارجو)، والاسباني بيغاس
لونا (خامون.. خامون)، والمجري الذي رحل أخيرا عن عالمنا ميكلوش
يانتشو (الأحمر والأبيض)، والتركي يلماظ غوني (القطيع)، والفرنسي
الذي رحل الشهر الماضي آلان رينيه (يعرض آخر أفلامه حياة رايلي).
وفي تحية خاصة الى المنتج الفرنسي (من أصل روماني) مارين كارميتز
الذي أسس شركة إم كيه 2
(MK2)
الفرنسية الشهيرة قبل أربعين عاما أنتجت خلالها نحو 100 فيلم من
الأفلام الفنية المتميزة لكبار السينمائيين في العالم مثل فاتح
أكين (تركي ألماني) وجان لوك جودار والأخوين تافياني ومايكل هانيكه
وأنجلوبولوس، يمنح المهرجان هذا العام جائزة شرفية خاصة الى
كارميتز (75 سنة)، كما يعرض ثمانية من الأفلام التي أنتجها، منها
"لحظة براءة" للإيراني محسن مخملباف (1996)، و"المحطة القادمة..
الجنة" للروماني لوسيان بنتيل، و"فوضى" للأخوين تافياني (1984)،
و"لورنس على أي حال" (2012) لزافييه دولان الكندي، و"خمسة" لعباس
كياروستامي (2003)، و"نصف حياة" لرومان غوبيل (1982).
الدورة الثالثة والثلاثون من المهرجان ستكون دون شك، حافلة
بالأفلام والأحداث والمناقشات، وأيضا الاكتشافات الجديدة. وستكون
لنا وقفات عند أهم تلك الاكتشافات. |