تتميز مسيرة النجمة السينمائية الفرنسية ساندرين بونير (47 سنة)
بالحكمة والجدية، منذ أن بدأت ممارسة التمثيل وهي بعد مراهقة عمرها
15 سنة في العام 1983، بمعنى أنها وعلى رغم كونها صارت مشهورة فور
ظهور فيلمها الأول «نخب حبنا» للسينمائي الراحل الآن موريس بيالا،
عرفت كيف تتفادى مطبات الأضواء والشهرة السطحية مفضّلة تعلم أصول
الفن الدرامي في مدرسة متخصصة في الوقت نفسه الذي كانت تتولى فيه
أدواراً أولى في أفلام عدة وتشارك في البطولات مع أشهر النجوم، من
أمثال جيرار دوبارديو ووليام هيرت وميشيل بلان وأنطونيو بانديراس
وإيزابيل هوبير وإيمانويل بيار وغيرهم، إضافة إلى ممارستها الإخراج
السينمائي مرتين حتى الآن.
عاشت بونير علاقة عاطفية طويلة مع النجم الهوليوودي وليام هيرت
أنجبت خلالها ابنة عمرها الآن 18 سنة ثم انفصلت عنه وتزوجت في
العام 2003 من مؤلف السيناريوات الفرنسي غيوم لوران الذي أنجبت منه
ابنتها الثانية البالغة الآن تسع سنوات.
وفي العام 2000 تعرضت بونير لهجوم شرس في الطريق العام إذ اعتدت
عليها مجموعة من الشبان انهالوا عليها ضرباً قبل أن تصل الشرطة
وتلقي القبض على المعتدين، إلا أن بونير خرجت من الحادثة بكسور عدة
في عظام وجهها، ما اضطرها إلى الخضوع لعمليات جراحية ثم تجميلية
متتالية كي تستعيد ملامحها الطبيعية، خصوصاً ابتسامتها المضيئة.
وتمثل بونير حالياً الدور النسائي الأول في مسرحية «المفكرة»
للكاتب جان كلــود كاريار وإلى جوار الممثل المسرحي باسكال غريغوري،
على خشبة مسرح «لاتيلييه» الباريسي. أما أحدث أفلامها فعنوانه «نحن
نحبك أيها الشرير»، من إخراج كلـود لولوش وبطولة نجمي الغناء
جونـــي هاليداي وإيدي ميتشيل والممثلة النـاشئة ساره كاظمي ذات
الجذور الإيرانية. ولمناسبة نزول هذا الفيلم إلى الأسواق، كان هذا
الحونار مع ساندرين بونير:
·
حدّثينا عن فيلمك الجديد «نحن نحبك أيها الشرير»؟
- تروي حبكة الفيلم حكاية مصور مشهور عالمياً تخصص في التغطية
الإعلامية للأحداث الدامية، لا سيما الحروب، وقضى حياته متنقلاً في
العالم مولياً اهتمامه الأول لمهنته وتاركاً بناته الخمس اللاتي
ولدن من خمس أمهات مختلفات، من دون أي رعاية أبوية سوى المادية
منها، إذ حرص دائماً على تولي نفقات بناته لكن عن بعد. وعند بلوغه
سن التقاعد اشترى الرجل منزلاً كبيراً وجميلاً جداً في منطقة جبلية
خلابة في سويسرا ودعا إليه أعز أصدقائه الذي هو في الوقت نفسه
طبيبه الشخصي. وعندما لاحظ هذا الأخير كيف أن صديقه يتمنى وجود
بناته إلى جواره، قرر اللجوء إلى حيلة من أجل أن يتحول الحلم إلى
حقيقة، فاتصل هاتفياً بالبنات وقال لهن إن والدهن على وشك الموت.
وهكذا وصلت البنات لزيارة الأب المريض المزعوم الذي لم يدرك سبب
هذه الزيارة الجماعية المفاجئة في الوقت الذي يقع من ناحيته في
غرام المرأة التي باشرت عملية بيع البيت والتي أمثلها أنا. ويتناول
السيناريو المواقف العائلية المختلفة في ما بعد على النمطين
الرومانسي المرح ثم الجدي البوليسي أيضاً، بما أن هناك جريمة قتل
ترتكب في الغابة المحيطة بالبيت.
·
كيف دار التصوير تحت إشراف السينمائي المعروف كلود لولوش؟
- كنت قد سمعت عشرات الحكايات عن أسلوب لولوش في التعامل مع
الممثلين، وها أنا خضت التجربة بنفسي وتأكدت من صحة كل ما قيل لي،
مثل حكاية عدم تسليم سيناريو الفيلم بكامله إلى الممثلين والاكتفاء
بإعطائهم الصفحات التي تخص دور كل منهم في صباح كل يوم من أيام
التصوير، ثم إجبارهم إلى حد ما على الارتجال وتجاهل الحوار المدون
في النص. وعلى رغم كون كل هذه الأمور مثيرة للاضطراب، أعترف بأنني
وجدتها إيجابية وأخذتها كتحد مهني فني كان عليّ أن أرفعه، وفعلت.
وأنا سعيدة بمشاركتي في الفيلم.
مغنٍ وممثل قدير
·
ماذا عن التمثيل أمام نجم الغناء جوني هاليداي؟
- ان ألطف رجل في الوجود ليس من المفروض اطلاق لقب مغنٍ فقط عليه،
فهو مغن وممثل قدير وكل من يشاهد الفيلم سيوافقني على رأيي هذا.
لقد مثلت أمامه كما أمثل أمام أي فنان قدير ذي خبرة فنية مميزة.
·
أنت أيضاً مخرجة سينمائية، فما الذي يدفعك إلى ممارسة هذا النشاط
الإضافي؟
- أردت أن أصور فيلماً تسجيلياً عن أختي المعاقة جسدياً وعقلياً،
وهي أخت غير تلك التي تحدثت عنها سابقاً، وفعلت. في هذه الأثناء
اكتشفت في نفسي رغبة في التعبير عن حكايات محددة بواسطة الكاميرا
فانطلقت في كتابة سيناريو خيالي إلى حد ما، وحولته في ما بعد إلى
فيلم روائي. وأنا الآن مشغولة بكتابة سيناريو جديد.
·
لماذا تقولين «خيالي إلى حد ما»؟
- لأنني استوحيت من بعض الأحداث التي عشتها في حياتي من أجل أن أضع
قواعد الحبكة التي أردت تصويرها.
·
كنت غائبة عن المسرح منذ منتصف التسعينات من القرن الفائت، وها أنت
تعودين إليه. حدثينا عن مسرحية «المفكرة» إذاً؟
- المسرحية ألّفها جان كلود كاريار في سبعينات القرن العشرين ولاقت
رواجاً كبـــيراً في تلك الفترة، وبما أن حبكتها تطابق الــزمن
الحالي بلا أي صعوبة، قرر المخرج لاديسلاس شوليه إعادة تقديمها لكن
في حلّة جديدة من حيث الديكور والملابس والحركة. وأنا عثرت في هذه
المسرحية المتفوقة في نوعيتها على فرصة استثنائية من أجل معاودة
النشاط المسرحي بعد غياب دام فعلاً حوالى عشرين سنة بسبب انشغالي
المستمر في السينما.
·
وما هي هذه الحبكة بالتحديد؟
- رجل أعزب يمارس مهنة في غاية الجدية ويعير حياته الخصوصية أهمية
بالغة، بمعنى أنه يدوّن كل صغيرة وكبيرة يفعلها في مفكرة سرية. فهو
يسجل مواعيده اليومية وأسماء الأشخاص الذين يلتقيهم وعلاقاته
المهنية وأيضاً الغرامية، إلى أن يلتقي في يوم ما ومن طريق الصدفة
البحتة، إمرأة ستغير حياته وتخلصه من عادات العزوبية التي صارت
جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. والمسرحية تتميز بجانب رومانسي جذاب
يناسبني تماماً.
·
يذكرنا كلامك هذا بكونك حصدت لقب «الممثلة الأكثر رومانسية» منذ
سنوات، فهل ترين نفسك هكذا؟
شخصيات شريرة
- لست أدري إذا كنت الممثلة الأكثر رومانسية أم لا، وما أستطيع
قوله هو أنني إمرأة تعير الرومانسية أهمية بالغة في حياتها، بمعنى
أنني أمنح حب الآخر المكانة التي يستحقها هذا الشعور في كل علاقاتي
مع العائلة والأصدقاء وفي إطار العمل. أنا عاطفية وهذه سمة من سمات
شخصيتي، وأعتقد بأن المخرجين السينمائيين والمسرحيين يميلون إلى
منحي الأدوار القريبة إلى حد ما من شخصيتي، ربما أيضاً لأن ملامحي
توحي بشيء من الرومانسية. ولم يمنعني الأمر من تقمص شخصيات شريرة
إلى حد ما في بعض الأفلام، لكن هذه التجارب تظل نادرة حتى الآن.
·
لكنك في مطلع مشوارك السينمائي توليت بطولة فيلم «بلا سقف أو
قانون» للمخرجة أنياس فاردا حيث مثلت شخصية فتاة متشردة تعيش في
الشوارع، وكان من الصعب العثور على أدنى رومانسية في هذا الفيلم
القاسي الذي جلب لك التقدير والجوائز؟
- لا أوافقك الرأي، وقد وجدت شخصياً في الدور رومانسية مميزة لكن
خفية في أعماق الفتاة المتشردة بسبب الظروف الرهيبة المحيطة بها،
وقد تلذذت كممثلة بالتفتيش عن الوسائل التي كانت ستسمح لي بالتعبير
عن مجموعة العواطف المكبوتة في كيان شابة منبوذة كهذه.
·
أنت شاركت ألمع النجوم العالميين بطولات أفلامك، فمن منهم ترك
بصمات مميزة في نفسك كممثلة وكإمرأة؟
- أعتقد أنك تتخيل بسهولة ما هو الرد على الجزء الثاني من سؤالك،
فأنا عشت فترة لا بأس بها مع الممثل وليام هيرت وهو بالتالي لعب
دوراً مهماً في حياتي العاطفية وترك بلا شك بصمات دائمة في نفسي،
خصوصاً أنه والد طفلتي الأولى. أما في ما يتعلق بالناحية الفنية
فكنت أتمنى الرد بأن وليام هيرت نفسه هو الذي أثر في طريقة مواجهتي
أدواري وتسبب في تحسين مستواي كممثلة، إلا أن الواقع مختلف لسبب
بسيط يتلخص في كون هيرت ينتمي إلى المدرسة الأميركية التي يتبع لها
داستين هوفمان وروبرت دي نيرو والتي انتمى اليها مارلون براندو
بدوره. إنها مدرسة «أكتورز استوديو» العريقة التي تعيد كل شيء إلى
العقل والتفكير وتخيل أبعاد الشخصية في أدق تفاصيلها، مثل الطفولة
والتصرفات اليومية والأكل والشرب. إنها طريقة تأتي بنتائج فعالة لا
مثيل لها، لكنني شخصياً عاجزة عن اتباع مثل هذا الأسوب في مواجهة
أدواري، وحتى إذا كنت قد تعلمت أصول التمثيل في مدرسة متخصصة أظل
غريزية في الوسيلة التي تسمح لي بتقمص شخصية خيالية ما، وأنا في
ذلك تلميذة جيرار دوبارديو أكثر من وليام هيرت. |