حلاوة "فرش وغطاء"..تعويض عن قبح "روح"!
يحرره: خيرية البشلاوى
لم أحظ بمشاهدة فيلم "فرش وغطاء" في دار العرض.. عاقتني ظروف خارجة
عن إرادتي. وانتظرت فرصة أخري.. المفارقة أنني أخيراً شاهدته في
نفس الوقت مباشرة بعد فيلم "حلاوة روح" وكأنني استعنت "بفرش وغطاء"
للخروج من حالة الاحباط التي خرجت بها بعد الفرجة علي هذا الركام
من القبح الموضوعي والفني.. باختصار فيلم خالي من الحلاوة!
حلاوة الفن الجميل ترياق.. وفيلم أحمد عبدالله مثل هذا الدواء لداء
يصيب سوق الفيلم من آن لآخر.. الجدل الذي يدور حالياً حول "حلاوة
روح" اصطنعه قرار رئيس الوزراء بمنع الفيلم. الأفلام اُلِمخلة
بالفن والابداع والمتردية جمالها ينبغي أن يأتي الحكم عليها من
الجمهور المستهدف الذي يعتمد المنتجون علي أمواله لتعويض ما أنفقوه
علي صناعة الفيلم بالإضافة إلي المكسب.
الجمهور عندنا تربي علي السينما التجارية. وليست كل الأعمال التي
تنتمي لهذا التيار المتسيد قبيحة وتستحق المنع. والجمهور يتربي
ذوقه بالسينما وحدها. هناك التعليم والإعلام والمناخ الاجتماعي.
والبيئة الثقافية والمستوي المعيشي.. إلخ.. إلخ.. وكلها عناصر
رئيسية بعد "الأسرة" ودورها في التنشئة وارساء أسس التشكيل الأولي
للشخصية لن يفلح المنع في إضافة أي قيمة مؤثرة تغير ما أرسته سنوات
طويلة من التجريف المتعمد أو ربما غير الواعي للشخصية المصرية
والتسطيح العملي للعقلية والتشويه الفقري للذوق من خلال "المنتجات"
المؤثرة فيه ومنها "الفيلم" والانتاج الترفيهي عموماً.
كان من الممكن أن استرسل في هذه النبرة المتشائمة الكئيبة لولا
وجود تيار يزداد في القوة وسرعة السريان لسينما موازية جاهدت
وتجاهد بإصرار ودأب لانتزاع مكان لها علي خريطة التوزيع رغم سمة
الاحتكار الغالب عليها.. ولم يكن من الممكن في سنوات سابقة أن يحصل
فيلم من نوعية "فرش وغطاء" علي أسبوع وأكثر في سوق العرض التجاري
العام. أو فيلم مثل "عشم" أو "هرج ومرج" أو "فيللا 69".
وهذه لا مؤاخذة كلها أفلام تقف علي النقيض من نوعية "حلاوة روح"
تزيح تدريجياً هذه النوعية كلما ارتقي الذوق. وتشكيل جمهور يؤمن
بهذه النوعية ويتذوقها ويجد فيها "حلاوة" للروح دون تزييف أو تقبيح
للواقع. أو تشويه للمرأة وجعلها سلعة للبيع.
فيلم "فرش وغطاء" من الوصلة الأولي يثير فضولك. يطرح أسئلة تنتظر
إجابتها بتشوق. الصورة تستدعي بدورها قراءة عقلانية. وربما أكثر من
قراءة أو مشاهدة من زوايا مختلفة. الصورة مركبة. والمفردات تلتقطها
العين وتترجمها الي معان تغني عن أي حوار. الحوار محدود جداً ولا
يسعفك. المعطيات البصرية تحدد الشكل والمضمون الأحداث في أماكنها
الطبيعية. والأماكن لها شخصيتها وملامحها وأمكنة علي غرار "منشية
ناصر" و"حي الزبالين" تغني عن الكلام.
زمن الفيلم يمكن استنتاجه.. الأحداث تبدأ بحالة من الهرج والمرج.
هروب جماعي من أحد السجون المصرية. المساجين الذين فروا من السجن.
ومنهم الشخصية المحورية "آسر ياسين" ليسوا هم من اقتحموه بالضرورة.
الحادثة نفسها لا تشكل أهمية كبيرة في السياق السردي. المهم أننا
أمام هارب من السجن يصاب في ساقه أثناء الهروب يزامله صديق مسيحي
أصيب إصابة قاتلة وعليه أن يبحث عن علاج ومأوي.
الخروج من أسر السجن مجرد مقدمة. الموضوع الأهم رحلة التيه في فترة
ما بعد فك الأسر.
والطلوع إلي نهاز غائم. إلي طريق محاصر. الحرية مقيدة. مخنوقة
بمعطيات واقع يبدو مفتوحا الطريق ممتد ولكنه ليس ساريا. الأفق
ممدود ولكنه مليء بالألوان. اللون الرمادي يغلب.
الأسير الذي فر من جحيم النيران المحاصرة لسجن يتم اقتحامه يبحث عن
مأوي. والمأوي ليس بالضرورة مادياً. الأغلب والأكثر تأثيراً المأوي
المعنوي.. الروحي. الروح مقيدة بسلاسل غير منظورة. يكشف عن بؤس
الحاضر. بؤس المكان. بؤس الناس.
زميل السجين يلفظ روحه بينما تلوح رياح ثورة في الأفق.. يترك أمانة
لزميله الهارب يريده ايصالها لا تصل لأسباب بائسة.
لا يمكن تركيب فقرة سردية كاملة تحكي عما جري. أو عن حكاية الفيلم.
لأننا لسنا أمام حكاية وإنما حالة علي المستوي الفردي وعلي المستوي
العام. اشتباك وجودي لا يمكن فكه بين الخاص والعام في زمن ثورة لا
تظهر لها ملامح محددة ولا آفاق. الطريق محاصر وفرق مسلحة ما
تعترضه. لا توجد تعريفات محددة لما تراقبه. توجد حالة تحتويك.
حضن الأم شديد الحرارة بعد غياب طويل حضن مؤقت وعابر. حنان الأخت
منقوص لأنها مثقلة بهموم أسرة صورتها وهو يتأملها. حلم راح مثل
أشياء كثيرة. الحبيبة صارت في عِصمة رجل ملتح يرتدي جلباباً يأخذها
علي ظهر دراجته البخارية ويختفي.. "الفرش والغطاء" خرق قماش علي
حبل غسيل الخلاء!!
الكاميرا في يد المصور طارق لطفي. قلم مبدع. حساس. وناقد بالألوان
والتكوينات وحجم الصورة وزاوية التصوير. اللغة التعبيرية البصرية
لا تقوي علي الافلات من قبضتها.. جماليات الفقر المادي والمعنوي
يعادلها موضوعياً لقطات من أعلي للحي المزدحم. للحجرة التي تنطق
بما فيها. لأكوام النفايات. لأشكال البنايات والمحتوي العام داخل
اطار المشهد.
السجين المثقل بألوان من الهموم تنعكس علي وجهه.. الفيلم نفسه
يملؤك بالوعي. والوعي ثقيل لأنه يستدعي حقائق لم تكن حاضرة بهذا
القدر من النفاذ.
المصداقية في اسلوب التناول عنصر تستشعره. والاندماج الفكري
والمعنوي والفني المسيطر علي المخرج.. المؤلف يتضح في التأثير
الكلي الذي ينتقل كالعدوي الي المتلقي.
التوحد مع السجين الأسير الذي لا يحمل اسماً ولا عنواناًً محدداً.
ولا حتي بوصلة هادية لواحة أمان يستقر فيها يبدأ مع البدايات
الأولي للفيلم.
الموضوع الذي ينشغل به المخرج المؤلف عليك أن تلملمه من جزيئات..
وتفاصيل مرئية تبدو غير مترابطة. وعليك أن تصنع الصورة الكلية من
شذرات تناثرت وإن ظلت مشدودة بجاذبية ما بخيوط غير مرئية وإنما
محسوسة.
لسنا أمام حكاية لغز. ولا شخصية غاضبة بقدر ما نحن مواجهون بسؤال:
أين المفر؟؟ ثمة ثورة تملأ رياحها السحب والوجود.. وهل ثمة مفر؟؟
الفيلم يضعنا أمام حيرة وعلامة استفهام كبيرة.
أين المفر أمام الشخصية المحورية؟ هارب لا نعرف ماذا كانت تهمته.
التهمة الأكبر ليست في الجريمة التي أدخلته السجن.
ثمة جريمة أكبر منها أو أقل جرائم.. فمن قتل ثلاثين جثة ووضعها في
مقبرة جماعية دون معرفة ذويها؟ ولماذا أصاب الضابط في مقتل شاب
يرفع علامة النصر ولم يكن يحمل سلاحاً. يحمل فقط تليفوناً محمولاً
يحادث منه والده ومن يأتي بالقصاص للأم الملتاعة. ومن المسئول عن
مستشفي غير مؤهل وبلا امكانيات يستقبل جثث الثوار؟؟ هذا الفراغ
الروحي الهائل من يملؤه؟ ومن يحاسب علي بؤس رجل فقير يضيع منه مصدر
رزقه. و"زبال" صغير تقمعه سيدة مسنودة اجتماعياً؟ ومن كان غافلاً
عن هموم الناس واحتياجاتهم التي دفعتهم الي اقامة هذه العشوائيات
والمباني التي تكشف منها الكاميرا من زاوية مرتفعة في مشاهد تبين
بقدر ما تخفي.
في ظلال ثورة يبدو "الخير" هو الصوت الوحيد المسموع. وفي ظلال ثورة
لا يمكن أن يبقي الحال علي ما هو عليه والمتضرر يلجأ الي القضاء!!
علي أي حال الفيلم لا ينشغل بالثورة. إنه عمل ثائر قائم بذاته.
يشتبك صانعه مع واقع لم يحاول تزييفه أو تقبيحه. وإنما يرصد مضمونه
والتقاط جوهره بعيون إنسان تائه ومكدور. يبحث عن مرفأ. والمرفأ
بعيد. بعيد جداً. يبدو مستحيلاً. أو هو مستحيل فعلاً!!
آسر ياسين في أفضل أدواره حتي الآن. تعبيرات وجهه يعطينا مسحة من
القراءة لامكانيات ممثل موهوب ومخلص للشخصية وللدور الذي يلعبه
وللسياق الروائي الذي يفترض أن يثريه ويقوي تأثيره علي المتلقي
المخرج أيضاً أكثر نضجاً وعمقاً. أكثر حتي من عملية السابقين
"هليوبوليس" و"ميكرفون" ومن ثم أكثر احتواء للمتفرج.
استخدامه وتوظيفه الجيد للجانب التسجيلي ودمجه موضوعياً وبنائياً
بين الاسلوبين الروائي والتسجيلي جدير بالتأمل لسمة مميزة في كل
أعماله.
أعترف بأن الفيلم يستحق مشاهدة أفضل أرجو أن تتوفر لاحقاً. لا يكفي
الفرجة مرة واحدة خصوصاً إذا كانت علي شاشة صغيرة ومن خلال
الإنترنت.
رغم ذلك أشعر بأنني مدينة لصناع هذا العمل المتكامل الجاد والجميل
دون ابتذال ولا تزييف وأتمني أن يسعي القاريء للفرجة علي "مقدمة" "التريلر"
لفيلم "حلاوة روح" والمقدمة الخاصة بفيلم "فرش وغطاء" علماً بأن
الاثنين علي الإنترنت.. سوف يكتشف الفارق بين عمل بلا فرش وبلا
غطاء أخلاقي إنساني فني وآخر مفروش ومتغطي موضوعياً وفنياً
وجمالياً.
رنـات
الليبراليون.. المزايدون
خيرية البشلاوى
الكلام حول حرية التعبير والابداع سوف تعلو نبرته ويزداد سخونة هذه
الأيام بعد قرار رئيس الوزراء بمنع فيلم "حلاوة روح".. سوف يطل
علينا المزايدون "الليبراليون" من كل صوب بزعم الدفاع عن الحرية
وشل أيدي الحكومة عن التدخل في الأعمال الفنية وقمع الفنانين!
لا يوجد انسان فوق هذا الكوكب لا يسعي وراء تحرير إرادته وكسر
القيود التي تحول دون حقه في التفكير والتعبير الحر.. ولكن للحرية
حدود. ولا توجد حريات مطلقة وحرية التفكير مكفولة اذا لم تكن حرية
هدامة تسعي إلي تقويض أركان المجتمع وهدم أساساته وثوابته.. الصراع
الايدولوجي سوف يظل معركة البشرية إلي يوم القيامة.. والمؤسسات
الغربية المدافعة عن الحريات تدافع عن حق الصحيفة الدنماركية في
نشر رسوم مسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم وتعترض علي من يعترض من
المسلمين بحجة حرية التعبير وتدافع عن الجماعة الارهابية وحقها في
الوجود تحت دواعي الحرية.
من يدخل علي شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" سوف يجد "ركاما" من
المقالات التي تتهم "مصر" ومصر تحديدا دون غيرها بتبني سياسات
قمعية وبوليسية باطشة متجاهلة ما يمارس علي مصر من ارهاب وترويع
وقتل وحرق في السنوات الثلاث الأخيرة.
قرار رئيس الوزراء بمنع فيلم اباحي هابط فنيا وأبعد ما يكون عن
الابداع الفني وهو من نوعية الترفية الاثاري الهابط الذي يشجع
الارهاب المتأسلم ويطبع "من تطبيع" الرذيلة والتحرش الجنسي ويقدم
المرأة المصرية كسلعة في سوق الرجال الذئاب هو قرار سليم في مضمونه
فلا توجد حرية مطلقة. الحرية المطلقة تعني فوضي بلا نهاية..
والفنان أو صانع الفيلم أو تاجر الترفيه المرئي إذا لم يراع حقوق
المجتمع ويراعي ظروفه ويحترم قيم الغالبية العظمي من أبنائه لا
يستحق "الحرية" بمعناها الانساني الراقي والمسئول.
الحرية من دون مسئولية مجتمعية لا تلزمنا ومن يريد أن يحول دار
العرض إلي دار لممارسة الرذيلة واثارة الغرائز هو في واقع الأمر
عالة وعبء وعلي المجتمع. الشعوب تتقدم بحرية الفن وحرية الابداع
وبشرط أن يكون الانتاج يلتزم بالقيم الفنية وبالمعايير التي تجعل
الفن فنا والابداع في مجال تسويق جسد المرأة واستخدامها علي النحو
الذي شاهدناه في فيلم "حلاوة روح" ليس ابداعا بقدر ما هو انحلال
وتحلل من المسئولية. فما بالك باستغلال الطفولة.
الشعب الذي صنع ثورتين يدرك بحدسه ان فيلم "حلاوة روح" يستحق المنع
ومن حق الحكومة أن تتصدي لقوي الهدم حفاظا علي أمنها القومي والهدم
باستخدام وسيط السينما يكون عادة موجها إلي منظومة القيم والمبادئ
التي تقرها الأعراف والتقاليد والدين.
المجتمعات الغربية التي يحلو للبعض التشبه بها لا تصلح معيارا
لشعوب تنتمي لثقافة وحضارة وظروف مجتمعية مختلفة والمجتمع المصري
في هذه السنوات الأخيرة محاصر بإرهاب وحشي مُصر علي هدم الدولة.
محاصر بمؤامرة كبري من مؤسسات استخباراتية لدول كبيرة.
التحديات المحدقة بنا تأتينا من كل صوب داخليا وخارجيا ونحن في حل
من اضافة المزيد من الفوضي الأخلاقية والسلوكية تحت دعاوي الحرية
وبحجة التصدي للقمع الحكومي.
فيلم "حلاوة روح" يستحق المنع فعلا وحين اعترضت علي قرار المنع
لامني كثيرون جدا من الأصدقاء والأقارب ومن يتابع مواقع التواصل
الاجتماعي علي الانترنت يدرك حجم الرفض الشديد للفيلم.
لقد رفضت وما زلت أرفض قرار رئيس الوزراء طمعا في ان الشعب نفسه
الذي قام بثورتين رفضا للظلم وتوقا إلي الحرية والكرامة الانسانية
هو من ينتفض ويقاطع الفيلم دفاعا عن قيمه وكرامته وصورته التي
يشوهها الفيلم بغلظة وانحطاط فني وبزعم ان "الجمهور عايز كده"!
آن الأوان أن يتولي الشعب تقويم ما يقدم له من ترفيه يحط من قدره
ومن أدوات للتعبير لا تحترم قيمه وتقاليده.. والتقويم الذي انشده
وأتمناه هو المقاطعة ولا تدفعوا أموالكم دعما لمن لا يحترم
انتفاضتكم ضد القبح والتخلف والظلم بكل مستوياته و"حلاوة روح" عمل
جائر وظالم. |