فاز بجائزة النقاد السينمائيين الدوليين في مهرجان
«كان»
«الخراب
الأزرق» محاولة لتبرير الانتقام؟
عبدالستار ناجي
رغم ان الفيلم فاز بجائزة النقاد السينمائيين الدوليين، في مهرجان
كان السينمائي 2013 حيث عرض فيلم الخراب الأزرق، في تظاهرة اسبوع
المخرجين الا انني اعتقد وبعد المشاهدة الاولى في كان وايضا
المشاهدة الثانية منذ ايام بأن الفيلم يقدم فيلماً يعتمد على موضوع
الانتقام ولكنه يشتغل على حيثيات وتبريرات الانتقال. حتى يقول
المشاهد خلصنا انتقم!
الفيلم كتبه واخرجه جيريمي سولينيه في مزيج يجمع بين الصيغة الفنية
وايضا الاثارة والانتقام. حكاية رجل يعيش حياة هادئة يقرر الى منزل
طفولته لتنفيذ مهمة مؤجلة، وهي الانتقام عبر معركة وحشية من اجل
حماية عائلته.
عرف المخرج جيريمي سولينيه عبر افلام حزب القتل 2007 حيث المزج بين
الجريمة والابعاد الفنية، في فلسفة مشاهد العنف.
وهنا نعود الى ذات النهج، عبر حكاية رجل يقرر ان يثأر لوالديه عبر
ثأر مؤجل وأسرة لا نراها وابن عاش ايام بعيدا عن مكان طفولته، فاذا
به يعود ليثأر في زمن وشر اعتقد الجميع بانه ذهب الى النسيان.
انها حكاية داويت ايفانز التي يتقمصها ماتون بلير المتشدد، الذي
يقتات من حكايات النفايات والنوم في سيارته البونتياك الزرقاء
المتهالكة.
بعد تلك السنوات، يقرر العودة الى بلدته الريفية في فرجينا حيث
مسقط رأسه، ليعلم عن الافراج عن سجين قديم.. هو كل غايته وهو سبب
انتظاره الطويل في هذه الحياة والمعيشة الرثة التي عاشها وصبر على
ظروفها، كانت بسبب شيء واحد هو الثأر من هذا الرجل، الذي اخذ منه
كل حياته، ومبررات العيش ونعني اسرته.
انسان لا يعرف كيف يواجه ذلك القاتل، حيث يذهب اليه بسكين صغيرة،
تدل اصلاً على ان صاحبها جاء ليقتل او ليثأر.
انسان بسيط، لم يعش الا حلم الثأر، ولكنه لم يستعد له، لم يجهز
نفسه بل سقط في قيعان الفوضى والفقر والعيش على الهامش، بل ابعد من
كل ذلك الى حيث قاع المجتمع.
سنوات وهو لا يفكر بشيء سوى الثأر، لم سرق منه كل حياته وحبه
واسرته ولكن للثأر والمواجهة لغتهما ومنطقهما وهو لم يعش هذا الامر
لانه انسان بسيط.
وحينما تكون المواجهة يكتشف ان عليه ان يعيد حساباته لانه يواجه
مجرم لم تردعه كل تلك السنوات ولم تعلمه العقوبة بل زادته اجراما
وقسوة.
حوار بين البساطة المنتاهية والمفترس والفريسة.
فيلم يلعب بعواطفنا تارة الى الرعب، واخرى الى الترقب، وثالثة
رفضنا الذهاب الى الجريمة، والثأر ورابعا بالصراخ انتقم.
الاحداث تتحرك في محورين الاول ما هو معاش والاخر ما هو مستدعى
«فلاش
باك»ولكننا
لا نشعر بان هناك زمنين حيث يظل المشاهد يعتقد بأننا امام اسرة
الرجل الحية، ولكن الحقيقة ان تلك الاسرة قتلت على يد ذلك المجرم
الذي خرج لتوه من السجن، وجاء ذلك الابن لينتقم.
رحلة شديدة الحساسية، تم تصويرها باسلوب فني رفيع وكتابته بطريقة
ذكية تجعلنا نبحث عن الرموز والدلالات لمعرفة الحيثيات التي تدعو
ذلك الرجل للانتقام واسرته حية، ولكننا نكتشف لاحقا بان اسرته قد
اغتيلت، وانه الوحيد المتبقي، وهو لا يفكر بشيء طيلة حياته الا
الانتقام الذي يتصاعد ايقاعه حتى يجد المشاهد نفسه متورطا في
اللعبة وكأنه يريد الانتقام.
في الفيلم كمية غير عادية من العنف، ولكن ذلك يأتي مبررا ومنطقيا
لاننا امام سيناريو مكتوب بذكاء شديد يلعب على الزمن.
قام بتصوير الفيلم المخرج نفسه جيرمي سولينيه، الذي قام ايضا
بكتابة السيناريو صانع الموسيقى التصويرية الأخوان بروك وويل بلير.
فيلم يمتاز بفطنة وذكاء وحرفية سوليتيه الذي وهو يذهب الى العنف
فانه لا يقدم العنف او حتى الانتقام من اجل العنف والانتقام، بل
ليقدم لنا فرجة سينمائية عن سقوط البراءة وقسوة الجريمة واثارها
على الذات البشرية، وغياب الصلاح النفسي الذي يؤهل الاخر على
استيعاب الجريمة وتجاوز الالم والفقدان.
سينما من نوع مختلف ولهذا فهو يحصد النجاح حتى وان ظل من وجهة
نظري.. فيلم ينشغل بالحيثيات.. ليبرر الانتقام.
وجهة نظر
سينما
عبدالستار ناجي
نفرح كثيراً حينما نسمع بميلاد مهرجان سينمائي، هنا وهناك، بالذات
على المستويات المحلية والخليجية والعربية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. كيف سيتحرك هذا المهرجان، بدون آليات
حقيقية للانتاج والدعم.
ولا مجال هنا للمقارنة، بين المهرجانات الكبرى مثل كان وبرلين
وفينيسيا ومونديال وغيرها، وبين مهرجاناتنا السينمائية.
هنالك صناعة حقيقية، وأشير فقط الى ان اللجنة المنظمة لمهرجان كان
السينمائي هذا العام، كانت قد شاهدت 2800 فيلما لاختيار 52 فيلما
ضمن الاختيارات الرئيسية من بينها 18 فيلما في المسابقة الرسمية.
أما على الصعيد المحلي، وقبل الاعلان عن أي مهرجان، يجب ان تتوفر
الورش للتدريب، وايضا صناديق ومبادرات دعم السيناريوهات، وبدون تلك
المعطيات الحقيقية، فان الاستمرارية ستكون في غاية الصعوبة، قد
تقام دورة ولكن الثانية صعبة، والثالثة اصعب دون وجود آليات للدعم،
وحوافز للانتاج وايضا ورش لتطوير الكفاءات على مستوى كتابة
السيناريو على وجه الخصوص.
السينما ليست مهرجانات، وجوائز، وبساط أحمر أو غيره من الألوان.
السينما انتاج ومن يقول غير ذلك، يبدو بعيدا عن فهم آليات
ومهرجانات هذه الحرفة.
ما أحوجنا ونحن نجهز لأي مهرجان سينمائي للشباب او الكبار او حتى
للسينما العالمية، علينا ان نتذكر قبل كل ذلك ما الوسائل لدعم
الانتاج، لان ما يتم حاليا، هو جهود احادية بحتة، ومبادرات يتحملها
جيل الشباب من مصروفه وميزانيته الخاصة.
فهل من يفهم.. وهل من يستوعب؟
وعلى المحبة نلتقي |