سالم أبو أخته
كمال رمزي
الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 7:00 ص
المقصود بالعنوان هو أن بطل الفيلم، بعد رحيل والديه مبكرا، ترك له
شقيقة صغيرة قام بتربيتها على أفضل وجه حتى استطاعت الالتحاق
بالجامعة وبينما يحنو عليها ويكن لها كل محبة تحس هى أنها ابنته
ولأن الأهالى يدركون عمق ودقة هذه العلاقة أطلقوا عليه اسم سالم
أبو أخته.. إنها علاقة مصرية كثيرا ما تلمسناها حولنا. فى الفيلم
تؤدى آيتن عامر بفهم وتوازن وعلى نحو طبيعى دور الأخت الذى يخفق
قلبها مع شقيقها ولى أمرها حيث تتابعه وتحتضنه بعينها وربما بسبب
العرج الخفيف فى رجلها نتاج شلل أطفال أصابها فى سنواتها الأولى
جعلها أقرب إلى نفس المشاهد مما يبعث بتعاطف مبدئى معها.
محمد رجب بتفهم عميق يعايش شخصية الأخ الكبير، مهنته بائع متجول
وإن شئت الدقة هو من باعة الأرصفة ذلك القطاع الواسع المطارد الذى
قلما التفتت له السينما غالبا، يثير حنق عبار السبيل، خاصة حين
تمتد بضاعتهم إلى نهر الشارع وفى ذات الوقت يبعثون على الشفقة حين
تطاردهم الشرطة فيحمل الواحد منهم فرشته ويولى الادبار إما أن
تتساقط منه بعض حملوته أو يضعها رجال المرافق فى عربة الحكومة.
سالم يتعلم من الشارع كيف يكون أرنبا أمام ضابط الشرطة ونصف فتوة
وربما بلطجيا فى الحياة القاسية.. محمد رجب المستوعب لتضاريس هذه
الشخصية المركبة يعبر عنها فى أحوالها المتضاربة بنظرة عين ومجرد
ابتسامة متعبرة المعانى فهى التظاهر بالمودة والاحترام أمام صاحب
السلطة وقد تكتسى بشىء من الوحشية حين ينتصر على غريم وأحيانا
تترقرق بالدفء والرضاء والراحة عندما يرى أخته الجامعية تذاكر
وتمتزج بالطمأنينة إذا تمدد على الكنبة ووضع رأسه على حجرها.. إنها
منطقة أمان بالنسبة له وهو درعها فى الحياة.. الأخذ والعطاء بين
محمد رجب وآيتن عامر يرفع من شأنها فنيا ولا يمكن اغفال دور كاتب
السيناريو محمد سمير مبروك فى نسجه المرهف لتلك العلاقة فضلا عن
نجاح المخرج محمد حمدى فى توجيه ممثليه وتحقيق التناغم بينهم جميعا.
لكن ثمة مشكلة تحدث فى أداء محمد رجب تكمن فيما يمكن أن نسميه «الانفجارات
الانفعالية» فأحيانا يحلو له أثناء تجسيده بعمق وهدوء عن الغضب أن
يرفع صوته ويطلق آخر حدود عقيرته فتبهت ملامح وجهه وتتداخل ولا
يبقى إلا ما يشبه الضوضاء.. الممثلون الكبار ـــ جاك نيكلسون وأحمد
زكى كمثال ــ يعبرون عن عواصف الغضب بعيونهم فقط.
سيناريو الفيلم يعتمد على صراع أساسى بين «سالم» من ناحية وضابط
شرطة بأداء موفق من «محمد الشقنقيرى»، التآمر أهم سماته، كل منهما
يعرف مناطق ضعف الآخر.. يستغلها، ينجح فى مسعاه، حتى إن الضابط
يطرد من الشرطة ويشهد سالم مقتل أخته ليلة زفافها.
بؤر التصدع فى «سالم أبو أخته» تتمثل فى تلك المشاهد أو المقاطع
الطويلة لذلك «الفرح الشعبى» المقيت الذى أصبح مقررا مفروضا مرفوضا
فى الكثير من أفلامنا والذى يجرى تنفيذه بذات الطريقة بلا خيال أو
ابتكار.. خشبة مسرح بدائية.. فرقة موسيقية الايقاعيات أهم آلاتها
عروس وعريس فى الصدارة، مطرب خشن الصوت، مئات من الهلافيت يتابعون
بسعار راقصة تؤدى وصلة كاملة... رقصة بلا معنى تتطابق فى تفاصيلها
بما فى ذلك التصوير مع رقصات فى أفلام سابقة كأن صناع هذه الأعمال
لم يسمعوا عن الأفلام الاستعراضية أو تصميم رقصات تعبر عن روح
الفيلم أو عن موقف معين بداخله.. إنها رقصات مجانية يشوبها
الابتذال، تشوه أى فيلم، وتهبط به أيا كان مستواه.
كابتن أمريكا
كمال رمزي
الأحد 27 أبريل 2014 - 7:10 ص
امتلاك القوة المطلقة، أمنية تداعب خيال البشر، سواء على مستوى
الفرد أو الجماعة منذ فجر التاريخ.. تجلياتها، تتوافر فى الملاحم،
مثل «الإلياذة» و«الأوديسة»، «أبوزيد الهلالى» و«سيف بن ذى يزن».
بالإضافة لـ«ألف ليلة وليلة»، وغيرها من أعمال خلبت لب الأجيال
المتعاقبة، حتى وصلت إلى عصرنا الحديث، لتجد مناخها النموذجى فى
عالم الأطياف، وبالأخص، على شاشة السينما الهوليوودية التى هامت
إعجابا بذوى القدرات الخارقة، وبالأخص، من «هرقل» حتى «رامبو»،
وقدمتهم بتبجيل يتمشى مع هوس العمل سام بالتفوق والهيمنة على الكرة
الأرضية، بشعوبها، ومصادر طاقتها، بزعم محاربة الأشرار من ناحية،
ومواجهة غزاة الكواكب الأخرى، من ناحية ثانية.
طابور ذوى القدرات الهائلة طويلة، أشكال وألوان، من بينهم سوبرمان،
الرجل الأخضر، الرجل الوطواط، الرجل العنكبوت، فضلا عن «كابتن
أمريكا».. وهذا من باب المثل لا الحصر.. الملاحظ ان هذه النوعية من
الأبطال، تزدهر حين تكون الولايات المتحدة قلقة، مهددة على نحو ما،
تريد من خلال الفن السابع، رفع الروح المعنوية لجمهورها، والتأكيد
على فكرة الانفراد بالقوة التى لا يحدها حدود.
«كابتن
أمريكا»، ظهر لأول مرة عام 1941، وسط دوامة الحرب العالمية
الثانية، وازدادت أهميته عقب قيام القوات اليابانية بغارة «بيرل
هاربر» المروعة، ضد الأسطول البحرى للولايات المتحدة، المتواجدة فى
جزيرة «أواهو» مما دفع واشنطن إلى الإعلان رسميا، عن دخول الحرب..
جاء ظهور الكابتن فى رسوم «الكومكس»، قصته المصورة تحكى عن الشاب
الضعيف البنية، المصاب بالربو، الملىء بالروح الوطنية، الذى يفشل
المرة تلو المرة فى الالتحاق بالجيش، لانه غير لائق طبيا. لكن، فى
المرة الأخيرة، يلفت نظر ضابط كبير، معه عالم يجرى أبحاثا تهدف إلى
زيادة قدرات بعض الجنود، تجعلهم على درجة بالغة التفوق. يقع
الاختيار على الشاب العليل، الذى يغدو أشد ذكاء، وقوة، وبأسا..
يدخل معركة تلو أخرى، ضد الجيش الألمانى، وضد الجاسوس النازى، الذى
يحاول سرقة أبحاث العالم الأمريكى.. كابتن أمريكا، ينتقل من نجاح
لنجاح، ومن نصر لآخر، وقد استقام جسمه، وأصبح سليما، يرتدى زيا
محليا بعلوم الولايات المتحدة.
بعد ستين عاما من اختلاف الكابتن فى «الكومكس»، وبعد تدمير البرجين
العملاقين، وبعد دخول العم سام، بافتراء، فى حربى العراق
وأفغانستان، يعود الكابتن، سينمائيا هذه المرة، فى فيلم «كابتن
أمريكا.. المنتقمون» الذى حققه جو جنستون 1911، واتسم بالايقاع
السريع والمواجهات العنيفة، والأهم أنه يشيد بنبل بطله الذى يراهن
بحياته من أجل «المثل العليا».
نجاح «كابتن أمريكا» دفع صناع السينما الهوليوودية إلى إنتاج الجزء
الثانى، الذى يعرض الآن، محققا قصب السبق فى شباك التذاكر، والذى
أخرجه الأخوان انتونى وجو روسو، وتعمدا زيادة جرعة المطاردات
والمؤامرات والتفجرات، مع الإسهاب فى المؤثرات السمعية والبصرية،
وبطريقة ترضى أجيال الألعاب الرقمية، ولكن، بالنسبة لأمثالى من
كبار السن، تزعجهم أشد الإزعاج، وقد لا يرون فيها سوى سلسلة سقيمة
من معارك تستخدم فيها أسلحة متطورة، تطلق كمية نيران هائلة، وإشادة
بمؤسسات أمريكية، تهدف إلى تدمير مؤسسات شريرة.
جدير بالذكر أن أرباح «كابتن أمريكا.. جندى الشتاء» دفع بشركة
الإنتاج إلى الإعلان عن إطلاق الجزء الثالث من السلسلة، فى العام
2006، وبينما سارعت مصانع الملابس لتخصيص خطوط إنتاج لصنع أزياء
مستوحاة من العلم الأمريكى، على غرار بذلة «جندى الشتاء»، ابتكرت
شركات الألعاب الرقمية مباريات كالتى يدخلها البطل الخارق، ضد
أعدائه الأقوياء.. أما كباتن مصانع «شيفرولية»، فإنهم اعتبروا أن
السيارة المصفحة، ذات الإمكانات الواسعة، فى السرعة، والوقوف فى
لحظة، عبور الحواجز الأرضية، والقفز إلى مسافات طويلة، بطلة لا تقل
أهمية عن أبطال الفيلم، وبالتالى، بدأت نماذجها تظهر فى معارض
نيويورك وباريس والخليج، والمتوقع ان يغدو الإقبال عليها كبيرا..
هكذا «كاتبن أمريكا»، لا تفوته التجارة والصناعة، وهو يؤكد استحقاق
بطلة، فى قيادة العالم.
البعض جاء ليكحلها.. فأعماها
كمال رمزي
الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 8:00 ص
أشفقت بشدة على رئيس الوزراء، الأسباب كثيرة، فى مقدمتها وقوعه فى
فخ مساعدين ومستشارين لا يقدمون له معلومات صحيحة. أغلب الظن عن
جهل وليس سوء نية، فمنذ عدة أيام، تجرى محاولات خائبة لتجميل
القرار الشائه، المتعلق بسحب ترخيص عرض «حلاوة روح».. تحدث رئيس
الوزراء عن الحدوتة مؤكدا أن فكرة الفيلم المصرى مقتبسة من عمل
إيطالى وأن الكنيسة الكاثوليكية فى روما اهتزت وقت عرضه.. طبعا، هو
يقصد فيلم «مالينا»، الجميل الذى حصد العديد من الجوائز العالمية
فى المهرجانات الدولية، ونال مخرجه تورنا تورى تقديرات نقدية
رفيعة، ولم يواجه «مالينا» أى اعتراضات، سواء من الكنيسة أو مؤسسات
أخرى، ذلك انه، جوهريا، يهاجم الحرب، وينتقد قسوة الآخرين تجاه
امرأة وحيدة.. مشكلة «حلاوة روح» انه لم يقتبس روح «مالينا» وتوقف
عند بعض قشوره الخارجية.
بعد أن منح رئيس الوزراء لنفسه، مهمات وكيل النيابة، والقاضى،
والحاكم العسكرى، أصدر حكمه البات، المنفذ فورا، بسحب ترخيص عرض
العمل.. ثم يعلن لاحقا، وبوضوح انه لم يشاهد الفيلم، لكن مساعديه،
سامحهم الله، عرضوا عليه مشاهد وبعض المقاطع، وبناء عليه اتخذ
قراره ــ هنا، لابد من القول انه من الممكن انتقاء مقاطع معينة من
الافلام ذات القيمة العالية، لفللينى أو سكورسيزى أو صلاح ابوسيف
أو يوسف شاهين، كى تعطى انطباعا خاطئا عن هذه الافلام، وحتما،
سيكون الحكم عليها جائرا.. تماما، مثل القاضى الذى يحكم فى قضية لم
يقرأ من اوراقها إلا عدة صفحات.
الغريب، بل الممجوج فى الأمر أن بعض أباطرة مجالس المرأة والطفولة،
ممن ظهر على الفضائيات تحدث عما ورد فى الفيلم بشأن علاقة كاملة
بين صبى وامرأة، وهى مسألة لا وجود لها.. وذهب البعض الى الزعم
بقيام الصبى باغتصاب المرأة، الأمر الذى يبين بجلاء داء الكذب
المتفشى عندنا، وإذا كان من حق كل انسان أن يرفض أو يقبل العمل
الفني، فإن ما لا حق فيه اختلاق ما ليس موجودا فى الفيلم.
توالت محاولات تبرير القرار الفريد فى بابه، أو الغريب إن شئت
الدقة، فلأول مرة، منذ بدأت صناعة السينما فى مصر، مع العشرينيات
من القرن الماضى، يصدر رئيس وزراء، قرارا مثل هذا ــ قيل فى دوافع
إلغائه على «حلاوة روح»، حسب روايات رسمية، أن رئيس الوزراء، تأثر
بعمق، اثر لقائه بوالدة الطفلة المغدورة «زينة» واستماعه الى
وقائعها، وبالتالى، اتخذ قراره.. هذا الكلام الفارغ يثير اكثر من
سؤال، فهل كان الرئيس يحتاج للقاء الأم كى يتأثر، علما بأن هذه
الجريمة المروعة هزت الشعب المصرى كله.. ثم هل استنتج الرجل أن
الذئبين المنحطين أقدما على فعلتهما المشينة بسبب مشاهدتهما للفيلم
الذى لم يعرض إلا بعد شهور من دخولهما السجن.. وهل لم يدرك أن
الوغدين هما نتاج مجتمع مختل القيم، يحتاج علاجه لجهوده، وجهود
الجميع، خاصة مجالس الأمومة والطفولة، تلك التى نسمع صراخها
وعويلها من دون أن نلمس منها فعلا جادا.
الجوقة المفلسة، التى مهدت وهللت للقرار، أمرها عجيب بحق. جزء منها
يرد عبارات طنانة، جوفاء، متوارثة من ايام التخلف الطويلة، تطالب
بالحفاظ على «تقاليد المجتمع وقيمه»، وهو قول بائس. آن الأوان كى
نناقشه، ذلك انه يؤدى الى ثبات تقاليد وقيم تعيسة، لابد للمجتمع أن
يلفظها، إذا اراد التقدم نحو الأفضل.. الاخذ بالثأر، من «تقاليد»
الجنوب المزمنة، هل يليق بنا تقديسها.. ختان البنات، من عاداتنا
المحجوجة، نجد من يحاول احياءها بعد أن كادت تنزوي.. ولك أن تضيف
ما قاله احد مساعدى الرئيس فى تبرير وتزيين القرار التعسفى فجاء
كلامه تصغيرا مؤلما لحجم مصر.. قال إن هدف سحب الترخيص هو «الحفاظ
على الهوية الوطنية».. ولم يلتفت الى انه اذا كانت هوية اى وطن من
الممكن أن تضيع أو تهتز، من مجرد فيلم، فإنها لا تستحق البقاء على
قيد الحياة.
ارفعوا أيديكم عن «حلاوة روح»
كمال رمزي
السبت 19 أبريل 2014 - 9:30 ص
لم أصدق أن رئىس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، قرر إيقاف عرض
«حلاوة روح»، ذلك أن آمالى فى رجل يرنو ويتمنى مصر جديدة، يترك
مكتبه المكيف لينزل إلى الواقع، لا ليكتشفه، لكن ليتابع حل
مشكلاته. رجل ودود وحاسم، نشط وصاحب ضمير يقظ..
رجل مثل هذا، نتوقع منه الكثير، يفاجئنا أنه شمر أكمامه، وبدلا من
أن يصارع وحش البطالة، وعصابات تهريب السلاح والمخدرات، وآفة هدر
المياه، وغول الجهل والتعصب، بدلا من كل هذا، وغيره، نراه وقد
امتشق درعه وسيفه، ودخل ساحة الوغى، ليوقف بعنترية، عرض الفيلم
الغلبان، الذى أشبعناه نقدا.. هكذا، كأن المهندس ــ رئيس الوزراء
ــ أسد، أو مجالد رومانى، ألقى بشبكته، ليصطاد فأرا.. ولم ينتبه
إلى أن الفأر، إن عاجلا أو آجلا، سيقرض حبال الشبكة، ويخرج سليما،
وتكتب له النجاة، وطول البقاء، على نحو يمتد زمنا، أطول من ولاية
رئاسة الوزراء، وهى قصيرة بكل المعايير.
من لا يتعلم من التاريخ، سيحكم عليه الزمن، أن يعيش ذات التجارب،
مرة أخرى.. فى عام 1976، بناء على تشكى بعض المصريين المقيمين فى
التاريخ، مما ورد فى فيلم «المذنبون» من مشاهد «تسىء لسمعة مصر»،
اندفع عدد من أعضاء مجلس الشعب نحو التنديد بالفيلم، والمطالبة
بمنعه. استجابت الحكومة، بحماس، للابتزاز.. ووصل الأمر لحد معاقبة
الرقباء الذين وافقوا على عرض الفيلم.. تم هذا مع توغل الفساد وبيع
ممتلكات الدولة. ولم تكن الواقعة سوى مقدمة لتكميم الأفواه ومصادرة
مجلات وصحف لا تبارك خطوات السلطة المشكوك فى أمرها، مثل مجلتى
«الكاتب» و«الطليعة».. دار الزمن دورة، وثانية، ونسى الناس أعضاء
مجلس الشعب الأشاوس، ووزير الثقافة، المرتجف أو المتواطئ حينذاك،
بل ورئيس الوزراء أيامها.. وبقى «المذنبون» لسعيد مرزوق، الذى لا
يزال يعرض على معظم القنوات.
فى 1983، تم سحب ترخيص عرض فيلمى «خمسة باب» لنادر جلال و«درب
الهوى» لحسام الدين مصطفى، بادعاء الحرص على «حماية الآداب العامة
والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا».. أسباب
المنع هنا، تشير بجلاء إلى تهافت «الأمن العام والنظام العام»،
المذعورين من شريطين سينمائيين.. المخرج المقاتل، حسام الدين
مصطفى، أقام الدنيا ولم يقعدها إلا بعد إلغاء سحب ترخيص الفيلم
وإعادة عرضه بحكم قضائى نزيه، ووقف الرأى العام إلى جانب «خمسة
باب».. وبينما ذهب أباطرة السلطة، ممن وقفوا ضد الفيلمين، ببقى
«خمسة باب» و«درب الهوى»، ينبضان بالحياة، على الشاشة الصغيرة.
الأمثلة كثيرة، فلنتذكر «لاشين» قديما و«العصفور» حديثا.. والآن،
تعاد الوقائع من جديد، وكالعادة، تجد مؤسسات، المفروض أنها كبيرة
ومحترمة، تنجرف إلى المطالبة والتهليل للإيقاف والمنع والمصادرة..
إحدى المفارقات الصارخة، تكشف عن نفسها، حين لا نسمع صوتا للمجلس
الأعلى للمرأة، أو مراكز الدفاع عن الطفولة، ضد ما يتم من اغتصاب
وقتل، للنساء والأطفال، بنين وبنات.. بينما يرتفع شجبهم وعويلهم،،
ضد «حلاوة روح»، لأن صبيا مراهقا، يحلم بفتاة ناضجة، أو لأن ثمة
مشهد اغتصاب، وهو مشهد لا إثارة فيه، بل بالعكس، يؤدى إلى نفور
المتفرج من ذلك الفعل الخسيس. إنه مشهد لا يثير إلا ذوى النفوس
المريضة.
رئيس الوزراء، بجلال قدر المنصب، يصدر قراره بإيقاف الفيلم، من دون
إذن من النيابة، أو إحالة إلى لجنة، أو أخذ رأى المجلس الأعلى
للثقافة.. لا أظن أنه شاهد الفيلم، فقط هو سمع عنه، وقرر، ونفذ..
ثم تستكمل الكوميديا السوداء بموقف وزير الثقافة، الذى بدلا من أن
يحتج على القرار الذى يتجاوز اختصاصاته، يبادر وبعد عدة ساعات، إلى
«إحالة المسئول عن عرض الفيلم إلى التحقيق».. وللرقابة، وعلى رأسها
المخرج أحمد عواض، أقول: لا تخافوا.. نحن معكم.. صحيح الأمور ليست
بخير، ولا تنبئ بالخير، لكن، بالتأكيد «حلاوة روح» «سيكون أطول
بقاء» ممن يحاولون إزهاقه.. هكذا يعلمنا التاريخ.
حلاوة روح
كمال رمزي
الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 7:45 ص
كان من الممكن تفادى الاتهام القاسى بالسرقة الذى وصف به صناع
الفيلم، لو أنهم ــ منذ البداية ــ أعلنوا أن عملهم مقتبس من، أو
مأخوذ عن، أو أى تعبير آخر يشير إلى المصدر الأصلى، وهو أمر لا
يضير «حلاوة روح»، فالكثير من أفلامنا الجيدة، جرى التعامل معها
باحترام، يقر مبدعوها بأنها مستوحاة من أعمال روائية ومسرحية
وسينمائية. لكن أن يتم تجاهل الأصل، على الأفيش، وفى البيانات على
الشاشة، فهذه هى المشكلة، خاصة أن الأصل من الجواهر التى لا تنسى:
«مالينا» بطولة مونيكا بيولتشى، ومن إخراج القدير، صاحب «سينما
باراديو»، الإيطالى، جوزينى تورناتورى.
«الينا»،
امرأة فاتنة، مبتلاة بجمالها، تلهب خيال الرجال، تثير كراهية
النساء. نموذج يتوفر فى الحياة، غالبا ينتهى بمأساة. الفيلم
الإيطالى الذى يروى من وجهة نظر فتى مراهق فى الثالثة عشرة من
عمره، يدور فى أحد بارات جزيرة صقلية. يستغرق سنوات الحرب العالمية
الثانية، يهتم بالزمان والمكان، فضلا على نقده اللاذع، الناعم،
لأخلاقيات الرياء، وجنون التفوق، وغطرسة القوة، عند شعب يدفع
فاتورة غالية لمسالبه.
كاتب السيناريو المصرى، على الجندى، فى أول أعماله، اكتفى بحكاية
المرأة المثيرة «روح» المتفجرة بالحيوية والعنفوان، التى تغدو حلما
جنسيا عند الجميع، بأداء هيفاء وهبى، الملائمة تماما للشخصية، وكما
يحدث فى «مالينا»، يتلصص عليها فتى مراهق، يعشقها، يتابعها، لا
يستطيع الادفاع عنها إزاء الكارهات لها.. لكن مشكلة السيناريو أنه،
بلا زمان، ولا مكان، وبالتالى، بدا معلقا فى الفراغ. رؤيته ضئيلة،
مسطحة، يعلوها ضباب.. الحارة هنا، بنماذجها البشرية، تبدو كما لو
أنها «درب طياب»، إحدى المناطق المعروفة بالانحرافات، إبان
الثلاثينيات فى القاهرة.. لا نرى من النساء سوى بعض العاهرات، يقوم
بتشغيلهن «برمجى» عتيد، قواد، دنئ، يؤدى دوره، باسم سمرة، المعتمد،
هذه المرة، على كليشيهات من دون خصوصية، يتفق مع هذه وتلك، من
ساكنات الحارة، على قضاء ليلة حمراء عند هذا وذاك، وأحيانا، يكاد
يتفرع لخدمة تاجر المخدرات، الوحشى الطباع، المستثار، الغاضب
دائما، بأداء تقليدى من محمد لطفى.. انه يريد «روح»، المؤدبة، بأى
ثمن وأى طريقة.. يعده القواد بتلبية طلبه، المرة تلو المرة، بلا
فائدة.. ثمة عازف «الترمبيت» الضرير، المتشمم لرائحة «روح»،
بخيشومة كلب عجوز، المتحايل على الاقتراب منها، بكل الطرق. كان من
الممكن الاستفادة، إنسانيا، من هذه الشخصية التى جسدها، على نحو
كروكى، صلاح عبدالله، أو على الأقل، استخدام آلته النحاسية فى
مصاحبة مشاهده.
فى حارة «حلاوة روح»، لن ترى مدرسا أو موظفا أو عاملا.. فقط رجال
إمعات، يأتمرون بأوامر تاجر المخدرات، القوى البنية، الأقرب
للفتوات.. إنه شأنه شأن البرمجى، من مخلفات «درب طياب».. كذلك
الحال بالنسبة للنساء. لا وجود لسيدة محترمة، أو عادية، تلميذة فى
مدرسة أو طالبة جامعية، بل تخلو من الأمهات، اللهم إلا والدة الصبى
المراهق، هى زوجة القواد، تحمل وليدا على ذراعها، وتتقبل إهانات
زوجها الوغد، من دون مقاومة أو احتجاج.. بالإضافة لوالدة زوج
«روح»، الغائب للعمل فى الخليج، إنعام الجريتلى، التى تتهم زوجة
ابنها، بتعمد إظهار فتنتها.. الأم، تموت سريعا، إثر نوبة قلبية،
لتفتح الباب للوحوش.
سامح عبدالعزيز، المجتهد فى «الفرح»، يحاول إضفاء قدر ما من
الحيوية على فيلمه، سواء بحركة الكاميرا أو بحركة الممثلين داخل
الكادرات، لكنه يبدو، جوهريا، معوقا، بمشاهد، ومقاطع، بلا ضرورة،
مثل تلك الأغنية الطويلة، الكاملة، المحلة، التى تنطلق بها عقيرة
حكيم، ومواقف الراقصة المعتزلة، الطيبة القلب، نجوى فؤاد.
«روح»،
تتعرض للاغتصاب، فى مشهد طويل، حيث تأجر بالصراخ، ويقوم القواد
بالمساعدة فيما يحدث، تمزيق ثياب، وظهور قطع من اللحم، ممزوج
بالدم.. ثم تتعرض «روح» لعلقة موت، من النساء، وتغادر «درب طياب»
جريحة، مفككة الأوصال.. إنه فيلم بلا حلاوة.. وبلا روح.
يسرية المغربية
كمال رمزي
السبت 5 أبريل 2014 - 8:40 ص
وقعت فى غرامها، فنيا، منذ اللحظة الأولى: سيدة متقدمة فى السن،
بدينة، راسخة البنيان. جلبابها الواسع، القديم، يوحى بأنه لم يفارق
جسمها طوال أعوام. تعصب رأسها بمنديل، فوقه طرحة. ملابسها كلها
سوداء.. إنها جدة هيام ـ ياسمين رئيس ـ فى «فتاة المصنع». لا تظهر
إلا فى عدة مشاهد لا تتجاوز عدد أصابع الكف الواحدة. لكن، حضورها
الطاغى جعلها من أقوى عناصر الفيلم ألَقًا، بل منحه قدرا غير قليل
من مذاق الحقيقة.. الجدة، ممثلة مجهولة تماما، لم نشهدها على شاشة
السينما من قبل، وبالتالى، من المنطقى أن يطرح السؤال عن عوامل
نجاحها.
شطر كبير من الإجابة نجده عند المخرج السينمائى الروسى الشهير،
ميخائيل روم، فيما يسميه «سر الشاشة»، حيث يروى، بأسلوبه الممتع،
عن ذلك الكومبارس، الضخم الجثة، المزعج، الذى لا يستوعب ما يقال
له. كان على الرجل أن يقف، مع آخرين، فوق تل، ومع صوت الانفجار،
يتساقط الجميع قتلى.
انزعج «روم» حين فوجئ بصاحبنا يتلفت حوله، عقب الانفجار، ثم يتهاوى
أرضا، بتراخٍ، كما لو أنه يخشى اتساخ بزته العسكرية. بعد تأنيب
الكومبارس، أعيد تنفيذ المشهد، فما كان من المزعج، إلا الوقوع
أرضا، فورا، إثر دوى الانفجار.. أعاد المخرج تصوير الموقف مرة
ثالثة.. جاءت النتيجة غير مرضية.. فى المساء، شاهد «روم»، مع طاقم
الفنيين، وآخرين، ما تم إنجازه. فوجئ «روم» ومن معه بسطوع الرجل
الذى بدا، فى المشاهد المتكررة، آية فى قوة الإقناع والتأثير.
عندئذ أدرك «روم» ما أطلق عليه «سر الشاشة» ، فالكاميرا، ليست آلة
تصوير سلبية، لكن تحس على نحو ما، تحب وتكره، والواضح أنها هامت
بذلك الكومبارس الذى أصبح قاسما مشتركا فى أعمال «روم» اللاحقة.
أحسب أن شيئا من هذا القبيل حدث مع السيدة المذكورة أعلاه.
الكاميرا أحبتها، تشبثت بها رغم محاولة المصور أن يبعدهما عن
بعضهما.. فى مشهدها الأول، تجلس على حجر بجوار فرن مزدحم. علامات
الضيق واضحة على وجهها. حفيدتها تأتى بكمية كبيرة من العيش. تضع
نصيب الجدة فى السلة. الجدة الغاضبة تعيد للبنت الأرغفة المجعدة.
الحفيدة «هيام» تستسلم لمطالب العجوز القوية الشكيمة، ذات الثقل
النفسى الذى يجثم على المشهد مستكملا الأجواء الرمادية للحارة
المنسية.
كاتبة السيناريو الماهرة، وسام سليمان، رسمت شخصية العجوز بريشة
فنان من المدرسة الوحشية، مظهرا ومخبرا، فهى على درجة عالية من
الشراسة، تشعرنا بأنها موغلة فى الأنانية، لئيمة، قلبها كجلمود
صخر.. فى المشهد التالى لها، بعد استدراج صديقاتها ـ على شاكلتها ـ
لحفيدتها، تطالعنا ككتلة سوداء بلا ملامح. تنقض على «هيام»،
المطروحة أرضا، تضع قدمها على خدها. تجز شعر البنت بلا رحمة أو
تردد. لقطة أصابع القدم، بأظافرها الأقرب لمخالب الطيور الجارحة،
فوق وجه «ياسمين رئيس»، المفعم بالألم، غدت من أيقونات صور الفيلم.
«الجدة»،
تخاف الموت. تتعلق بأهداب الحياة.. أرملة ابنها، سلوى خطاب، تدرك
هذه الحقيقة. تثأر لابنتها حين تخطرها بأن ابنها زارها فى المنام
وسأل عنها طالبا رؤيتها.. هنا، الموقف يستلزم الاهتمام بوقع
الكلمات على المستمعة. لكن صناع الفيلم بخلوا على السيدة العجوز أن
تكون فى صدارة المشهد، فأفردوه لسلوى خطاب واكتفوا بتصوير الجدة من
ظهرها، مع صوتها المشروخ بالخوف: هو اللى هاييجى ولا أنا اللى
هاروح له.
«الجدة»،
فى الفيلم، بلا اسم.. طبعا، اسم الممثلة لم يأت فى بيانات العمل
الجميل.. لم تذهب مع فنانيه إلى زيارات الفضائيات. سألت محمد خان
عنها.. بعد فترة صمت، على التليفون، طلب منى الانتظار دقيقة ليتأكد
من اسمها.. قال لى إنها مصرية، اسمها «يسرية المغربية».
فتاة المصنع
كمال رمزي
الثلاثاء 1 أبريل 2014 - 6:00 ص
تذكرت، على نحو حميمى، قصيدة صلاح عبدالصبور «الناس فى بلادى»،
ومطلعها «الناس فى بلادى جارحون كالصقور ــ غناؤهم كرجفة الشتاء،
فى ذؤابة الشجر ــ وضحكهم يئز كاللهب فى الحطب ــ خطاهم تريد أن
تسوخ التراب ــ ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشئون ــ لكنهم بشر»..
هكذا، لأن شاعرنا المرهف، منذ ما يقرب من الثلاثة أرباع قرن ــ
1957 ــ يبدو كأنه يجسد أحوال الأهالى، فى أحدث أفلام الراسخ،
الصارم فى جديته، العابث فى مزاحه، السبعينى المتقد بروح الشباب،
الطموح صاحب الإنجازات المتلألئة، محمد خان.
الحارة التى تسكنها بطلتنا هيام ــ ياسمين رئيس ــ ليست عشوائية،
فقط موغلة فى القدم، شعبية، بيوتها متداعبة، ضيقة، خانقة، متساندة
إلى بعضها، تماما مثل قاطنيها، يعيشون مع بعضهم بعضا، بحكم الصورة،
تندلع الخلافات بينهم، تتحول إلى مشاجرات، خصومات، عداءات، لكن
الحياة لابد أن تستمر، والعلاقات المتوترة تظل على حالها، هنا، شقق
صغيرة، قليلة الأثاث، تعبر عن أوضاع أصحابها.. الفيلم أكبر وأوسع
وأعمق من حكاية «هيام»، العاملة فى مشغل ملابس، ترنو بآمالها نحو
المشرف الشاب، المهندس صلاح ــ هانى عادل ــ ابن الطبقة الأعلى
منها درجة السلم الاجتماعى، فهو، ابن ما تحت الطبقة الوسطى، أى أن
الفارق بينهما ليس واسعا، ومع هذا، فى مواقف قليلة، يظهر الاستعلاء
الطبقى جليا، فى موقف والدته المتعجرف من «هيام».. محمد خان، مع
كاتبته المتمكنة، وسام سليمان، بطريقة، يروى العديد من القصص،
بطريقته المختزلة، الموحية، التى تبدو الواحدة منها، كرأس جبل
الجليد العائم، تخفى أكثر مما تظهر، ولكن تعبر عن حجم الحكاية.
فمثلا، تدور معركة كلامية، تنذر بعاقبة سيئة، بين زوج والدة هيام،
الضئيل الجسم، وأحد جيرانه، بسبب عربة نصف نقل، متشاركان فى
ملكيتها، وبمعلومة واحدة، وهى أن السيارة لا تحقق ربحا، ندرك أن
الرجلين البائسين، دخلا فى مشروع فاشل، جعلهما يضيقان ذرعا
بالشراكة وبالحياة.. كذلك فى مشهد واحد، نرى، من وجهة نظر «هيام»
الواقفة فى الشرفة، المهندس، المتهم بالتسبب فى حملها الكاذب،
مضروبا، متورم الوجه، ممسوكا كاللصوص، يجرجره أعمامها.. طبعا، لم
نشهد كيف ذهبوا له، وكيف استدرجوه، ومتى انهالوا عليه باللكمات،
فعند محمد خان، لقطة واحدة تكفى، وتبين أن الناس، فى لحظة ممكن أن
يتحولوا إلى صقور جارحة.. ينتهى الموقف بواحدة من دعابات خان:
«هيام»، تضغط على سور الشرفة التى تعلم أنه متآكل. تسقط معه، لكن
حبال غسيل الدور السفلى تنقذها من الموت.
رءوس جبال الجليد العائمة، لا تتناثر فى الفيلم على نحو عبثى،
فبينها وشائج تخدم بعضها بعضا، فمثلا، ها هو زوج الأم، فى موقف
لاحق، يبنى سور الشرفة، مستبدلا الأخشاب بقوالب الطوب، مما يعنى أن
هؤلاء المنسيين، يملكون القدرة على ترميم حياتهم.
شطر كبير من الفيلم، يدور داخل المشغل، تتجلى فيه واقعية محمد خان
الناعمة، فبعيدا عن الشاعرية، أو الخشونة، تطالعنا وجوه الشابات
العاملات، بطموحاتهن الصغيرة، المشروعة، كالحصول على حوافز
الإنتاج، أو قضاء نهار فى رحلة إلى شاطئ البحر.. وبإشراق، يسترسلن
فى حلم ذلك الزوج، الفارس، الذى ينقل الواحدة منهن، من حال لحال،
إن حظهن ضنين، يقتاتون بالأمل.
ببراعة، اختار محمد خان، نماذجه البشرية. كلها قادمة من قلب
الحياة، يتمتع أداؤهم بقدر كبير من العفوية الطبيعية، سواء من
المحترفين، سلوى خطاب، وأختها فى الفيلم، سلوى محمد على، بنقارهم
الدائم، أو من غير المحترمين، مثل المرأة العجوز، البدينة، التى
أدت دور الجدة القاسية، الأنانية، ذات النزعة الوحشية، إنها مذهلة
تبدو كما لو أنها تكره الجميع، ربما بسبب وفاة ابنها واقتران زوجته
ــ سلوى خطاب ــ برجل آخر.. وها هى الجدة، كالصقر، تنقض على
حفيدتها، هيام، المكبلة، لتدهس وجهها بقدمها، وتقص شعرها، بلا
تردد.. إنها تعطى للفيلم مذاق الحقيقة.
يستدرجنا محمد خان، فى لعبة من ألاعيبه، إلى الظن بأن بطلتنا، بعد
انقطاع الدورة، حامل من المهندس، لكن، عقب ذهابها للمستشفى، إثر
سقوطها من الشرفة، نعلم أنها لا تزال عذراء.. وندرك أن الدورة لم
تنقطع إلا بسبب الأنيميا، وسوء التغذية.
فى مشهد جميل، مصرى تماما، تلقى سلوى خطاب بشعر ابنتها فى النيل،
وهى تترنم بالدعاء: يا كبير، يا نيل يا كبير، ادى لبنتى شعر طويل..
وتواصل تغنيها، كما لو أنها تلخص أسلوب الفيلم، فى تدفقه النهرى،
وقدرته على البقاء والاستمرار والعطاء، برغم العناء. |