ديالا قشمر تصوّر قبضايات مع وقف التنفيس:
طائفيّون غير مؤمنين بصَقَهم المجتمع والأحزاب!
هوفيك حبشيان
في "أرق"، فيلم وثائقي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان
دبي الأخير، تقتحم ديالا قشمر أحد الغيتويات اللبنانية: حيّ اللجا
البيروتي الذي شهد في الماضي نزوحاً جنوبياً شيعياً، الى أن تحول
مع الزمن مكاناً يؤوي "حراس الوقت الضائع" كما لقّبهم الروائي حسن
داوود. شباب لا أمل لديهم، مدمنو مخدرات، قبضايات مع وقف التنفيس،
ذكوريون، أبطال من ورق، "زعران" أكلتهم طائفتهم وأحزابهم لحماً
ورمتهم عظماً.
الشباب الذين صوّرتهم قشمر طوال ثلاث سنوات، هم على هذا الشكل،
لكنهم غير ذلك أيضاً. تسعى المخرجة الشابة من خلال مرافعتها
الانسانية هذه، إلى أن تفهم الواقع المعقد الذي أوصل مجموعة من
الشباب الى هذا المستنقع. عبر اختراقها هذا المعقل الاجتماعي، ترسم
قشمر، ليس من دون ضحك وخفة، لوحة كاملة بأبعادها النفسية وتفاصيلها
الانسانية وحقائقها المروعة، بلا أيّ رغبة من جانبها في ادانة
شخصياتها ونماذجها. في حين ان الحكي يشغل متن الفيلم ويغدو نظاماً
علاجياً يخضع له الشبان من حيث لا يدرون، نرى في عملية التصوير
نفسها تمريناً علاجياً آخر للمخرجة التي تجيد وضعنا في جوّ خانق
وعزلة داخل عزلة، حيث المتاريس المذهبية والسياسية والدينية ليست
فقط من مظاهر الحروب.
·
¶
كيف تعرفتِ إلى النماذج التي صوّرتِها، كونك لستِ من سكان حيّ
اللجا البيروتي؟
-
عبرتُ في الحي طفلةً. بعض شوارعه ظلت مقيمة في مخيلتي، وكنت أرغب
في تصويرها. لي صديق اسمه علي الدبس، محامٍ موكل تمثيل الشباب
الذين صورتهم أمام المحكمة. طلبتُ اليه، ذات مرة، أن يعرّفني بهم.
لدى مرورنا في الحي، قال علي لأحدهم اني أريد تصوير فيلم عنهم. كان
شبه مزحة. أتحدث عن عام 2008. اقتنعتُ بأني يجب أن أجتمع بهم. كنت
أريد أن اصوّرهم في إحدى امسياتهم. فبدأتُ العمل جدياً عام 2010.
في غضون ذلك، كان أحد الشبان الذي عرّفني عليه المحامي قد أدخل
السجن. من خلاله (أي السجين) دخلتُ إلى عوالم الآخرين. معرفتي به
وبعلي منحتهم الثقة. صورتُ جزءاً من الفيلم عام 2010 على مدار
ثلاثة أيام، لكنه كان تصويراً مكثفاً يوازي سنة كاملة من البحث.
كنتُ أرافقهم الى خارج المنطقة لتصويرهم، لأنه لم يكن مسموحاً
التصوير معهم في الداخل. آنذاك، لم تكن ثقتهم فيّ كاملة بعد. مع
الوقت، دخلتُ مع ثلاثة منهم في حكايات شخصية جداً، فتعززت الصداقة
بيننا. اثنان منهم لم أدرجهما في المونتاج النهائي. هذه العلاقة
بيننا ردّتني الى الخلف ودفعتني الى أن أتعمق في تجربتهم. في لحظة
من اللحظات، تساءلت: لو أن جدي ظلّ مقيماً في هذا الحيّ عندما ترك
الجنوب وذهب الى بيروت، لكان أخي واحداً من هؤلاء الذين يمثلون جيل
ما بعد الحرب.
·
¶
متى ولدت الثقة القوية بينك وبينهم، والضرورية دائماً في هذا النوع
من الوثائقي؟
-
بين 2010 و2011، كنت أتردد على الحيّ، آخذةً في الاعتبار ان هناك
شباباً أتحمل مسؤوليتهم كاملة. من جهة، كنت أحمل حكاياتهم الى
السينما، ومن جهة مقابلة، كنت أسعى الى تخليصهم من إدمان المخدرات
(هذا شيء لا أحب أن أحكيه ولم أضعه في الفيلم أصلاً لأني لا أريد
أن أبدو كأنني صاحبة فضل عليهم). كنت أنوي مساعدتهم، وهم عثروا فيّ
على صديقة لا تطلق عليهم الأحكام. كنت الشخص التي تستمع اليهم
وتمنحهم من وقتها وترافقهم الى المستشفى اذا تطلب الأمر ذلك.
استمرت الحال على هذا النحو الى أن تخلص إثنان من ادمان الهيرويين،
ووجد ثالث كان عاطلاً عن العمل وظيفة فتحت أمامه أبواب حياة جديدة.
لم نرَ هذه الأشياء في الفيلم، لأننا لم نكن في صدد الحديث عن
المدمنين ونفسيتهم.
·
¶
تناولتِ تيمات عدة، ولكن ما الفكرة التي كنت تنوين التركيز عليها
في بداية انطلاقك بالمشروع؟
-
كنت أريد معرفة مَن الذي يقرر مَن هو الأزعر ومَن ليس الأزعر في
مجتمعنا. أفعال هؤلاء الشباب لم تكن كافية لإدانتهم. أنا ضدّ هذا
النوع من الحكم الجاهز. كنت أريد أن أسترق النظر الى ما وراء
أفعالهم. كنت قادرة على تقديم فيلم سكسي عن الزعران، يطلقون النار
بعضهم على البعض الآخر ويحرقون الاطارات. كان في حوزتي كلّ
التفاصيل لجعلهم عصابات حقيقية. لكن هذا الفيلم هو عن البطل
المضاد. لم ارد التعامل مع مجموعة لديها صيت مسبق يُختصر بـ"الزعران".
أردتُ ان أقول ان هذا الأزعر هو إما أحمد وإما علي أو حسين، وإن
لديهم أسماء. قلت في نفسي انه يجب أن أقترب من كل فرد. عندما فعلتُ
ذلك، اكتشفتُ ان كلّاً منهم لا يشبه الشخص الذي يكونه ضمن مجموعة.
·
¶
ماذا عن إستعمالك الكثيف للكلام كمصدر معلومات، خصوصاً انه يغذي
مخيلة المُشاهد...
-
هل تعلم لماذا كان هناك هذا القدر من الكلام؟ لأنها كانت المرة
الأولى يستمع فيها أحدهم الى هؤلاء الشباب. كان خروج الكلام من
أفواههم يتزامن مع إدراكهم معنى ما يقولونه. هذا الفيلم نوع من
منصة لهم. هذه كانت أول مرة يجدون فيها كلّ هذا الوقت للتحدث عن
أنفسهم وتحليل ذواتهم.
·
¶
لماذا لم يأتوا الى العرض الأول للفيلم في بيروت؟
ـــ لا أستطيع الكشف عن أسباب عدم مجيئهم. حدث أمر ما، ولكن لا
أرغب في الحديث عنه...
·
¶
على الأقل، لا يتعلق الأمر بعدم رضاهم عن النحو الذي قدمتهم في
الفيلم...
ـــ ليس هذا السبب على الاطلاق. لو لم يحبوا الفيلم لما عرضته،
علماً انه لم تتسن لهم مشاهدته بالكامل.
·
¶
في بداية الفيلم، تتعهدين لهم عدم عرض الفيلم في لبنان...
ـــ كان هذا في أول الفيلم. لا تنس اني حينذاك، كنت تعرضتُ لتوي
للضرب بالكرسي وتم طردنا. عبر اظهاري هذا الشيء، كنت أريد أن يرى
المُشاهد تطور علاقتي بهم من أول الفيلم الى آخره.
·
¶
صار معلوماً أن التصوير في لبنان غاية في الصعوبة لكثرة المحظورات
والبؤر الأمنية. كيف استطعتِ تجاوز المعاناة المرتبطة بعملية
التقاط المشاهد؟
-
دخلتُ حيّ اللجا ومعي إجازة تصوير من الأمن العام. في الداخل، هناك
الأحزاب الحاكمة وفي مقدمها حركة "أمل". في المرة الاولى عندما
دخلتُ الحيّ للتصوير، طردوني حتى من دون أن يسألوني ماذا أفعل. كنت
أصوّر سجيناً سابقاً، خلفه صورة لنبيه بري. كانت حجتهم لمنعي من
التصوير: أنتِ تضعين صورة بري خلف السجين لتقولي ان أنصار حركة
"أمل" من "الزعران". شعرتُ انهم ضاقوا ذرعاً بالأفكار المسبقة.
بالنسبة إليهم لم يكن هناك سبب آخر لوجودي سوى شرشحة الحزب الذي
ينتمون اليه. تطلب وقتاً طويلاً كي أشرح لهم ان هؤلاء الشباب ممكن
أن يكونوا في "أمل" مثلما يمكن أن يكونوا أيضاً "قواتيين" من عين
الرمانة. أنا اخترت أن يكونوا من بيروت لأنهم تاريخ قبضايات حيّ
اللجا. بالنسبة لهم، الكاميرا مرادفة للفضيحة. كنتُ أريد أن يعرفوا
اني أتناول شباب جيلي وأعرف جيداً انهم "أولاد عائلات" وليسوا
مشردين.
·
¶
أحياناً نشعر انهم لا يطيقون أن يصورهم أحد. نراهم يتأففون ويريدون
الابتعاد عن الكاميرا...
-
اعترف انه لم يكن من السهل ابقاؤهم قبالة الكاميرا. أحياناً، كنت
أشعر ان المسألة أقرب الى منطق "كيف فينا نخدمِك لتعملي شغلك!".
فشرحتُ لهم أني لستُ هنا لأنجز شغلا ما. طبعاً، مروا بكل الحالات،
أحياناً كانوا مستمتعين وأحياناً كانوا في حالة ملل (...). في
لحظة، بدأ الشخصي يتداخل بالفني والمهني. صرتُ مرشدة إجتماعية
وبدأتُ أدخل البيوت والمؤسسات. لم أكن أريد ان أنجز فيلماً على
"ظهر" الشباب. هناك أشياء كثيرة لم ترها في الفيلم وهي "بييعة"،
لكني لن أضعها. تفاصيل نتجت من ثقتهم بي وعدم انتباههم للكاميرا،
لكني كنت منتبهة.
·
¶
تجرين مسحاً للكثير من المواضيع التي لم يناقشها مجتمع ما بعد
الحرب في لبنان مناقشة كافية. منها الشرف والبطولة والرجولة
والذكورية...
- (مقاطعة).
هذه أشياء يسند شباب حي اللجا ظهورهم بها كي يستطيعوا مواصلة
حياتهم في الفراغ. هؤلاء ناس يعيشون في العراء، في الشارع. الشارع
يستمد قوته من الشعارات والسياسيين وصورة الشهداء. هم، أي الشباب،
يستمدون قوتهم من هذا الشارع. هؤلاء لا ذنب لهم. حتى المسؤولون في
حركة "أمل" ومعهم أهالي الحيّ يعتبرونهم "وزاوز وزعران" وينزعجون
منهم! للمناسبة، هؤلاء الشباب بصقتهم الأحزاب، معتبرة اياهم عبئاً
عليها. هذا واقع يجب الاتفاق عليه. عندما طردوني من الحيّ، لم يكن
حباً بهم (قالوا لي صوّريهم في مكان آخر)، بل خوفاً من توريط
شعارات الحزب في الموضوع. كلما صاروا في الهامش، زاد تعلق هؤلاء
الشباب بالطائفة والحزب.
·
¶
هل نحن هنا أمام حالة حبّ من طرف واحد؟
-
بالضبط: حبّ من طرف واحد. تلمس عند الشباب عدم رضا من سلوكهم وحرصا
حقيقيا على عدم توسيخ صيت الأحزاب التي يحبونها.
·
¶
لم تتطرقي الى الدين إلا قليلاً، على أهمية هذا الموضوع في حياة
هؤلاء. لم تتعمقي مثلاً في موقفهم من الايمان...
-
الشباب يقولون بوضوح أنهم غير ملتزمين دينياً لكنهم متعصبون
طائفياً. يعني انهم ليسوا مؤمنين لكنهم طائفيون.
·
¶
ماذا يعني هذا الشيء؟!
-
في العلم الأنتروبولوجي، هناك ما يُعرف بـ"التوتر المنهجي". هذا
شيء متأصل في الكثير منّا من خلال التربية. نترجح بين الإلتزام
والفوضى، الحرام والحلال، الموروث والتربية الحديثة. كلّ شيء تراه
في هذا الفيلم، سواء علاقتهم بالمرأة أو الدين أو الاحساس بالكبت
حين يغني أحدهم "يا حسين" في السيارة وهو ذاهب الى عاشوراء، يحيلنا
على الواقع الآتي: لا مكان لهؤلاء يفرغون فيه كبتهم. لا يرتادون
الملاهي الليلية ولا يسمعون موسيقى روك. بيئتهم لم تعطهم الا
المجلس العاشورائي الذي يشبه نوع السينما الذي يحبونه، الحافل
بالبطولات. عاشوراء "شغلة" مهمة جداً لهم.
·
¶
ما نراه خلف الكاميرا خلال التصوير يوازي أهمية ما يحصل أمامها...
-
لا يمكن الذهاب الى تصوير فيلم كهذا وأنت تقرر مسبقاً ما تريد ان
تفعله. الشارع مكان مزاجي جداً. هناك زمامير وتناقضات ومواعيد قد
لا تُحترم. الفيلم الذي كنت قررتُ أن أنجزه، كسرته مئة مرة خلال
التصوير. كنت مأخوذة بالشباب، حدّ انني كنت انسى احياناً تصويرهم
بالكاميرا الثانية. قدمتُ تنازلات فنية كثيرة، فقط لأني كنت مسحورة
بهم. أردتُ لحظات حقيقية. هذا هو الوثائقي لي.
hauvick.habechian@annahar.com.lb
خارج الكادر - "بحب السيما"
هـ.ح.
كان هذا قبل عشر سنين بالتمام والكمال.
على مدار أسابيع عدة في ربيع 2004، دأبت الصحافة في مصر والعالم
العربي، على تغطية الاتهامات المتبادلة بين المرجعيات الدينية
القبطية وصنّاع "بحب السيما". هذا الفيلم الذي أحدث انتفاضة صغيرة
في المجتمع القبطي وخارجه، انجزه أسامة فوزي بعد شريطين لا تنقصهما
الجرأة، محركاً المياه الراكدة في مصر، وموجِّهاً، كما قيل في
الاعلام المصري آنذاك، رصاصة الرحمة إلى السينما الشعبوية التي
حملت تسمية "دايت". اتخذت الكنيسة القبطية موقفاً صارماً من تحفة
الأخوين فوزي (أسامة المخرج وهاني كاتب النصّ)، متهمةً اياهما بـ"ازدراء
الأديان ومس الذات الالهية والتطاول على المقدسات"، متجاهلة مسألة
حرية التعبير وكل القيم الجمالية والفنية والسينمائية للفيلم. اراد
الكهنوت مقاضاة المخرج، لكن الدعوى القضائية رُدّت لعدم توافر
الأدلة الكافية. على الرغم من المحاولات لاقناع الناس بضرورة
مقاطعة الفيلم، حصل عكس ذلك: انتشر الفيلم انتشاراً واسعاً، لكنه
يا للغرابة، خرج من دون جائزة "التانيت الذهبي" لدى مشاركته في
"أيام قرطاج السينمائية" (تونس - الدورة 20(.
انها حكاية اسرة قبطية من الطبقة الوسطى. الأب (محمود حميدة) متدين
إلى أعلى درجات التدين وصاحب نزعة اصولية متشددة حملته الى التعصب
الاعمى. الأمّ (ليلى علوي) تعمل ناظرة في احدى المدارس. قسوة الأب
وتشدده يحرمان العائلة من أبسط انواع الملذات. يعاني الرجل خوفاً
مزمناً من الموت، ويتعاطى مع الله باعتباره بعبعاً قاهراً. التزامه
النصوص الدينية يردعه حتى عن القيام بواجباته الجنسية تجاه زوجته.
هناك ايضاً الابن والابنة اللذان لا يوفرهما من قمعه وعسفه. عندما
يدرك الابن تدريجاً ان فرصته في دخول الجنة الموعودة باتت شبه
معدومة، يتمرد على تعاليم الأب ويجد في السينما ملاذاً رحوماً. من
هنا يولد شريط لذيذ يتأرجح بين الكوميديا والميلودراما الأسرية.
وضع السيناريست هاني فوزي حوادث الفيلم بين 66 – 67، ايّ في الحقبة
التي تعززت فيها أحلام القومية، وما إن هُزمت مصر أمام اسرائيل في
ما عُرف بـ"النكسة"، حتى تبددت تلك الأحلام وتقهقرت. ليس الأب
الظالم والمستبد في الفيلم الا صورة مصغرة لتك السلطة التي، وإن
كانت ثابتة على أهدافها، تمترست خلف القهر والتضييق على الحريات،
خوفاً على نفسها من الآخرين. آثار ذلك الخوف ظلت ماثلة في الضمير
المصري حتى اندلاع "ثورة يناير". فمقاربته لمرحلة كان فيها جمال
عبد الناصر الزعيم الأكبر للعالم العربي، وتالياً جعل الأب استعارة
له (يعبر عن اعجابه به اعجاباً واضحاً)، سمحت للفيلم بأن يقفز الى
تابو السياسة ايضاً، ناسفاً مثلّث المحظورات في السينما العربية:
الدين، السياسة، الجنس. في خضم هذا كله، تبقى التيمة الاساسية هي
سلبية السلطة الأبوية في مجتمع توكل فيه كل السلطات الى مجموعة
طغاة صغار يرتدون أثواباً مختلفة؛ أحدهم يمسك بشؤون العائلة،
ثانيهم يهيمن على المدرسة أو المستشفى، وآخرهم يحكم البلاد ويتسبب
نظامه بالكثير من ضروب القمع والاعتقال والفساد.
ما يجعل "بحب السيما" ممتعاً للمشاهدة، براءته الطفولية ومشاكسته
المفاهيم الدينية، بلا وعظ، وبلجوء طوعي الى الكآبة التي تجعل
الأمل يبرعم في اوراقها. يظهر هذا كله حيناً في أعين الصغار،
وحيناً في أعين الكبار، فينتقل بين واقع يراه الكبير مثالياً وواقع
يراه الصغير متناقضاً وواقع يراه المشاهد عبثياً، وهذا يولد غرابة
واصالة وسخرية قد نعثر على جذورها في سينما ذات هوية متوسطية
(الأخوان فوزي من الاسكندرية). فالايطاليون هم أكثر من عالجوا
موضوع الدين بهذه الطريقة التي تُعدّ تطاولاً وزندقة عند المؤمنين،
لكن طرحاً استفزازياً كهذا للايمان، لا يمكن ان يكون عند حرّاس
الهيكل السينمائي الا امتداداً شرعياً لإحدى أهم وظائف الفنّ: كشف
المستور ورفع النقاب عن الازدواجية في المجتمعات المحافظة. |