عندما يخفق بطل فيلم «رجلان في المدينة» في إقناع أكثر أعدائه حقدا
بأنه بات مسالما ويريد شق طريقه في الحياة من دون أن يؤذي أحدا.
عندما يخفق في تغيير صورته أمام القانون، ويخفق في الدفاع عن
محبوبته معا، يقدم على القتل، يحطم رأس الرجل الذي صفع زوجته ويركع
فوق جثته مدركا ما قام به، وكيف أنه يخالف ما عاهد نفسه عليه.
ينهض. يتجه إلى الماء ويتوضأ. هذا لأنه مسلم أميركي أسود دخل السجن
مسيحيا بعدما قتل معاون الشريف، وخرج من السجن مسلما يريد نبذ
العنف.
الصورة التي أراد المخرج رشيد بوشارب تقديمها حول بطله المسلم، كما
قام الأميركي فورست ويتيكر بتقديمها، ليست واضحة على الشاشة وضوحها
على الورق، بالنسبة للأميركي، والأحداث تدور في ولايتها الغربية
نيو مكسيكو، يفهم أن بطل الفيلم عانى من شباب جانح وأزمة نفسية
دفعته لتبني العنف، ويفهم أنه خرج من السجن يريد شق طريقه بسلام،
بل ويدرك أن ذلك ليس هينا عليه بوجود شريف (هارفي كايتل) يكن له
شعورا عنصري الأساس، لكنه لن يدرك تماما ما علاقة الإسلام بما يحدث
له.
بكلمات أخرى، ما سبق من حيثيات الصورة الشخصية لويليام غارنت
(ويتيكر) كاف من دون إدخال الدين في صلبه، الحكاية المتوافر فيها
النصيب المطلوب من عناصر الدراما: الأسود في مواجهة عنصرية الأبيض،
السجين الباحث عن مستقبله وماضيه الذي يطارده، الرغبة في فرصة حياة
جديدة أمام تعنت الشريف وعداوته، كل شيء كاف لدراما تتوقف قوتها
على نجاح المخرج، أي مخرج، في إتقان عملية تشبيع تلك الدراما بما
تحتاجه من واقعية المواقف أو حسن التنفيذ، لماذا يضاف، إذن، أن
ويليام غارنت، فوق كل ما سبق، اعتنق الإسلام ويريد أن يعيش
بتعاليمه؟
الجواب هو أن المخرج رشيد بوشارب وشريكه في كتابة السيناريو
ياسمينة خضرا اللذان اقتبسا الفيلم الفرنسي البوليسي «رجلان في
المدينة» لمخرجه جوزيه جيوفاني (1974)، أرادا تقديم حكاية مسلم (لم
تكن واردة في الفيلم الأصلي الذي وقعت أحداثه في باريس) يواجه ما
سبق. علاوة على أوضاعه (أفرو أميركي، سجين سابق، قاتل، حياة جديدة،
مستقبل واعد، قصّة حب.. الخ) أرادا له أن يكون مسلما رغبة منهما،
الافتراض الأعلى، في تقديم شخصية تنأى بما يحمله هذا العصر من
تضاد، هناك مشهد يستغل فيه الشريف العنصري مسألة أن ويليام تحول
إلى الإسلام ليحذر مواطني البلدة منه ومن الإسلام بأسره.
إذا لم تصل تلك الرغبة كاملة أو ناصعة، فإن ذلك الفيلم ضمها ضما
إلى الأسباب الأخرى التي يعاني منها بطل الفيلم مثل لونه الأسود
ومثل ماضيه الداكن وإخفاقه في التحكم في نفسه وعدم فقدان السيطرة
والإقدام على العنف، ضمها عوض أن يجعلها مقصودة بحد ذاتها ما جعلها
تبدو تأكيدا على ما هو مؤكد سلفا.
*
أربع مخرجات
الموضوع الإسلامي في السينما يعود إلى فجرها الأول، الأفلام دارت
على جبهتين: واحدة عريضة معادية، بقصد ومن دون قصد، وأخرى إيجابية،
بقصد ومن دون قصد أيضا. وبما أننا لسنا هنا في معرض تحليل الصورة
ولا في قراءة التاريخ، فإن النافذة الآنية الذي يتكفل بفتحها فيلم
المخرج الجزائري المعروف بوشارب تطل على عدد من الأفلام الأخيرة
التي تسعى، مثل «رجلان في المدينة» لتقديم صورة أفضل للشخصية
المسلمة، لكن من دون التباسات الصورة غير المحددة أو اللازمة.
في فيلم «هابي، الأجنبية» للمخرجة الأرجنتينية الجديدة ماريا
فلورينيثيا ألفاريز، ومن إنتاج البرازيلي وولتر ساليس (المخرج
المعروف نفسه)، حكاية فتاة من القرية تصل إلى مدينة بوينس آيريس
بحثا عن العمل وتحط في فندق يقع في حي عربي هي غريبة عنه وعن
تقاليده الإسلامية، تجذبها مشاهد المسلمات وطريقة تعاملهن والثقافة
بأسرها، فتبدأ بدراسة العربية والخوض في تعاليم الإسلام، لم تعتنق
الدين الحنيف، بل تعرفت إليه وقدمت نفسها للبيئة العربية هناك
كمسلمة، هذا لم يجنبها، تبعا لأحداث الفيلم، وضعا مزدوجا من
العواطف والأفكار، لكنها، في الوقت ذاته جعلها تقارن بين معاملة
المسلمين لبعضهم البعض ومعاملة غير المسلمين لبعضهم البعض أيضا،
فجارتها تذوق الأمرين من صديقها.
لا تسعى المخرجة (أو ربما لم تعرف كيف تسعى) لتقديم المبرر الذاتي
لانجذاب هابي، أو كما أطلقت اسم «حبيبي» على نفسها، إلى الإسلام،
لكنها أحسنت التعامل معه كثقافة تستحق الاهتمام والانجذاب وحدها،
ما يجعل الفيلم يبدو نشازا إذا ما قارنه المرء، عربيا أو غير عربي،
بما نشهده اليوم من عنف متطرف.
لسبب ما، سنجد أن المخرجات في السنوات الأخيرة كانت لهن التجارب
الأكثر تجاوبا مع الرغبة في إعادة صياغة النظرة إلى المسلم قبل
وبعد كارثة سبتمبر (أيلول) 2001. لجانب ماريا فلوربنيثيا ألفاريز،
نجد البوسنية ياسميلا زبانيتش تواصل النقر على هذا الموضوع، ونجد
الأميركية أنجلينا جولي تزوره، والهندية ميرا نير تسلط الضوء عليه.
في «الأصولي المتمنع» لميرا نير (2012) نواجه تحقيقا يجريه الصحافي
بوبي لينكولن (ليف شرايبر) مع باكستاني (ريز أحمد) يقوم فيه الأخير
بسرد ما حدث له قبل وبعد العام 2001. هو يعرف أن بوبي عميل للسي آي
إيه أرسلته متخفيا في زي صحافي لكي يستنطق الباكستاني شانغيز حول
عملية إرهابية مقبلة يعتقد أن شانغيز يعلم بها، لكن لدى الاثنين
وقت طويل لاستعراض ما حدث مع شانغيز عندما قرر أن حلمه الأميركي
الكبير يبدأ من لحظة تنفيذه، فترك أهله وسافر إلى أميركا؛ حيث
انتمى إلى مؤسسة اقتصادية وبرع فيها، كل شيء تهدم عندما وقعت
الكارثة في ذلك العام ليكتشف أنه أحب أميركا لكن أميركا لم تحبه
وأنه بات، لكونه مسلما، موقع ريبة السلطات.
أما الأميركية أنجلينا جولي والبوسنية ياسميلا زبانيتش تشتركان في
أن الهجمة على الإسلام الحديثة بدأت بالعنف العنصري الذي قامت به
القوات الصربية خلال الحرب الأهلية حال تفككت أواصر يوغوسلافيا في
التسعينات، كل منهما عاينت أحداثا وقعت فعلا. الممثلة الأميركية
الطموحة قدمت «في بلاد الدم والعسل» (2011) دراما حول كيف فرقت
الحرب بين الجندي الصربي والفتاة البوسنية التي أحبها والتي اقتيدت
إلى الاعتقال ليتغير فعل ذلك الحب بينهما، لم يعد رومانسيا ولا
نتيجة سمو المشاعر، بل ممارسة فوقية من الجندي، الذي أصبح ضابطا،
يريد منع الجنود من نيلها على اعتبارها امرأته، لكنه لا يريد أن
يمنحها الكرامة التي تستحقها. لا تهاب المخرجة تقديم مشهد تقاد به
بقية البوسنيات المسلمات إلى مخادع المغتصبين المسلمين.
أفضل منه «لمن لا يستطيع تلو الحكايات»
For Those Who Can Tell No Tales
للبوسنية زبانيتش (2012) التي تناولت موضوع الاغتصاب بطريقة
مبتكرة: سائحة استرالية تنزل في فندق قرب جسر القرية الصربية
لتكتشف أن السرير الذي تنام عليه هو ذاته الذي قاد فيه الصربيون
المسلمات لاغتصابهن عليه. الفندق كان مرتعا لهم والضحايا نساء.
وجهة نظر بطلة الفيلم تتلبد تماما إزاء ذلك الاكتشاف ثم تتضح، تسمع
الحكايات، تمشي الجزر الذي جرى عليه نحر البوسنيين حتى دلقت الدماء
إلى الماء تحته. يحقق الفيلم إدانته لما وقع وينضم إلى النماذج
التي تحاول أن تضع الإسلام في مستوى الطرح فكريا وليس من خلال
نشرات الأخبار.
*
أربعون سنة على تحفة صغيرة
*
في العام 1974 أخرج الألماني الراحل راينر فرنر فاسبيندر فيلمه
الدرامي الاجتماعي «علي، الخوف يأكل الروح» وفيه ألقى نظرة على
واقع مسلم مغربي الأصل يتزوج من ألمانية تكبره سنا طمعا في أن يلج
شريحة المجتمع الرافض. النتيجة معاكسة لتوقعاته ولتوقعات الألمانية
التي تجد نفسها بدورها وقد أصبحت منبوذة.
شاشة الناقد
الدبلوماسية التي أنقذت باريس
الفيلم: دبلوماسية
Diplomatie
إخراج: فولكر شلندروف
أدوار أولى: أندريه دوسولييه، نيلز أرستروب.
فرنسا (2014).
تقييم الناقد: (*4)
لم يكتب سيريل جيلي روايات كثيرة ومسرحياته أقل عددا من مؤلفاته
الروائية، لكن صاغ سنة 2011 مسرحية جرى تقديمها على مسرح مادلان
الباريسي الشهير بعنوان «دبلوماسية» وحققت نجاح جيدا جعل الكاتب
المولود سنة 1968 على ألسنة أهل الفن والثقافة في البلاد لبعض
الوقت.
الألماني فولكر شلندروف بدوره كان يراوح مكانه منذ سنوات، لقد
انطلق واحدا من موجة السينما الألمانية الجديدة في السبعينات، تلك
التي احتوت على رينر فرنر فاسبيندر وفرنر هرتزوغ وفيم فندرز
ومرغريت فون تروتا و(المتوفاة حديثا) هلما ساندرز - برامز. قدم
خلال مسيرته بعض أفضل ما أنتجته السينما الألمانية من أعمال،
وبينها «ألمانيا في الخريف» (1978) و«الطبل الصفيح» (1979) و«حكاية
مشغولة باليد» (1984) كما قدم فيلما غربيا أولا عن الحرب الأهلية
اللبنانية هو «دائرة الخداع» (1981) لكنه دخل مرحلة انقطاع عن
العمل أكثر من مرة أولها امتدت من منتصف الثمانينات حتى مطلع
التسعينات، ثم تكررت بعد ذلك. وها هو يعود في «دبلوماسية» المأخوذ
عن مسرحية جيلي وبنفس بطليها أندريه دوسولييه ونيلز أرستروب.
يحافظ شلندروف على الصيغة المسرحية حين يقدم حكاية الجنرال
الألماني الذي أعد العدة لتدمير باريس مع اقتراب القوات الحليفة
منها خلال الحرب العالمية الثانية، نسمع دوي المدافع يتردد ونسمعه
وهو يكرر نيته تدمير باريس وأوامره للحامية التي تدافع عن المدينة
للاستعداد لتفجير يتسبب في فيضان نهر السين وتدمير بعض الجسور التي
عليه. الخبراء التقنيون العسكريون أكدوا له أن أحياء الأوبرا،
والسان ميشيل، والكارتيه لاتان، والنواحي الشرقية كلها من باريس
ستصبح تحت الماء، هو راض عن ذلك ويعد العدّة لكي يغادر المدينة قبل
فوات الأوان.
دوسولييه يؤدي شخصية القنصل الفرنسي الذي يعرف الجنرال والذي يأتيه
بغتة في تلك الساعات الأخيرة ليطلب منه إعفاء المدينة من الدمار،
الرجلان لا يتفقان؛ واحد يريد تجنيب البلاد تدمير عاصمتها، والثاني
يريد الانتقام من فرنسا والحلفاء، كونها حربا مفتوحة، ويحق له ذلك
بصرف النظر عن الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات. إلى ذلك، هذا
أمر هتلري لا مناص عنه. أكثر من ذلك، هناك تعهد مكتوب يعرّض عائلته
للموت أو السجن في المعسكرات إذا خالف الأوامر.
الفيلم، كما المسرحية، سجال مواقف بين الاثنين، شلندروف يخرج عن
نطاق الخشبة المحدودة عبر الوسيلتين المتاحتين أمام المخرجين
الجيدين أمثاله: الانتقال، ولو مرات معدودات، إلى خارج غرفة
الجنرال، وتقطيع المشاهد على طاولة المونتاج بما يتفق وأبجدية
قواعد العمل السينمائي.
إلى جانب إبرازه محنة رجلين ومن ورائهما حياة مدينة برمّتها، لدى
شلندروف القدرة على تقديم فيلم منظم بالصرامة الألمانية المعهودة،
ليس هناك من دقيقة ضائعة ولا حركة مهدورة، طبيعة الفيلم قد توفر
كثرة الحوار، لكن تلك الحوارات ليست متكررة ولا تشوه الفعل البصري
بكثرتها. أداء لا غبار عليه من ممثلين اعتليا المنصة وتدربا قبل أن
يقفا أمام الكاميرا ويعاودا تقديم دوريهما بنضج فائق.
10-TOP
القردة يعتلون القمة
صالات رمضان في الدول الخليجية لا ترحب بالأعمال الكبيرة خلال شهر
رمضان، كما تفعل صالات بيروت والقاهرة بل توفرها للعيد. عليه فإن
عرض «ترانسفورمرز 4» و«فجر كوكب القردة» متأخر للأعياد.
هذا الثاني هو الذي خلف الأول في عروضه في الولايات المتحدة ولو أن
المنافسة بينهما ما زالت قائمة حول المركز الأول عالميا.
*
الأفلام
1- (*3)(-) Dawn of the Planet of the Apes: $72,611,427
2- (*1)(1) Transformers: Age of Extinction: $16,302,415
3- (*2)(2) Tammy: $12,555,151
4- (*2)(3) 22 Jump Street: $6,501,884
5- (*3)(5) How to Train Your Dragon 2: $6,072,372
6- (*3)(6) Earth to Echo: $5,404,616
7- (*1)(4) Deliver Us From Evil: $4,740,289
8- (*2)(7) Maleficent: $4,180,586
9- (*2)(-) Begin Again: $2,820,839
10-(*3)(8) Jersey Boys: $5,155,144
*
حديثا على
DVD
(*3)Pickpocket
فيلم فرنسي من المخرج روبير بريسون حول شاب يخرج من السجن ولا يجد
عملا سوى النشل (1959)
(*2)Scanners
فيلم رعب من المخرج ديفيد كروننبيرغ حول مجموعة من الناس تشيع
الفزع بين الأبرياء (1981)
(*2)Operation Petticoat
غاري غرانت وتوني كيرتس يقودان بطولة فيلم تقع معظم أحداثه فوق
البوارج الحربية خلال الحرب العالمية الثانية (1959)
(*3)Abandon
تمثيل جيد من كايت هولمز في دور فتاة مقبلة على وظيفة جيدة إلى أن
يدخل في حياتها المحقق بنجامين برات (2002)
سنوات السينما: 1944
Meet Me in St.
Louis
لم ينل «قابلني في سانت لويس» أي أوسكار لكنه كان منافسا صلبا في
الترشيحات، يبدأ الفيلم بأحداث تقع سنة 1903 في مدينة سنت لويس
وترصد التحولات التي أصابت العائلة الأميركية المنتمية إلى الطبقة
المتوسطة والمجتمع المدني بكامله في ذلك الحين، هذا لا يجري عبر
سرد متعب لأوضاع شتّى، بل بمعالجة المخرج فينسنت ميلليني التفصيلية
ووسط غطاء النوع الموسيقي الذي ينتمي إليه الفيلم، أحد أفضل ما
مثلته جودي غارلاند (التي تزوجها المخرج في العام التالي) ومعها في
الأدوار الرئيسة ماري أستور وجوان كرول ومرغريت أو برايان وبضعة
وجوه غابرة (ومهمة) أخرى. دراما عن البراءة ونشوى الحياة رغم
المصاعب.
المشهد
كيف يمكن ألا تحب السينما؟
*
كيف لا يمكن لك أن تحب السينما، وهي لا تزال شغوفة بتقديم نفسها
لكل جيل يأتي، وذلك منذ أن ولدت ذات مرة، في العام 1888 في فيلم من
22 ثانية صوره أوغوستين فيليب لو برينس في حديقة عامة (ما زالت
موجودة) تقع في مدينة ليدز الإنجليزية؟
*
تكتشف نفسها في كل حقبة من جديد: صامتة وقصيرة وبلا قصة، ثم صامتة
قصيرة وبحكاية، ثم صامتة وطويلة تصيغ حكاياتها بتأليف سينمائي
مزهر، ثم ناطقة، ثم ملونة، ثم بالأبعاد الثلاثة بالسينما سكوب
والسينيراما وبعد ذلك بتخليها عن سياسة المحظورات واجتياحها العالم
في وعي لدورها الثقافي والفني في صياغة الفكر، ثم تنتشر عبر وسائط
مختلفة للعرض، وتنتقل إلى الديجيتال، وتعود إلى نظام الأبعاد
الثلاثة، وها هي ما زالت مبهرة حين يكون الفيلم جيدا، بل -
وبالنسبة للملايين كل يوم - ما زالت مبهرة حتى ولو كان الفيلم
ضعيفا أو رديئا في نظر النقاد.
*
لم لا نحب السينما التي لا تقتل. مليئة أحيانا بمشاهد العنف،
يتساقط فيها ألوف القتلى، تباد في حكاياتها الأمم وتتسبب كوارثها
في دفع العالم إلى النهاية، لكن ما من ميّت يموت فيها، الممثل
الثانوي أو ممثل «المجاميع» ينهض، يقبض أجره وينصرف ليموت في فيلم
آخر.
*
كيف لا نحب السينما وهي مصدر الحكايات المصورة، هي المرآة الكاملة
لهذه الدنيا التي نعيشها.. تنقل، تعكس، ترقب، ترصد، تحلل، تفكر،
تنتقد، تقبل، ترفض، لها رأي، ليس لها رأي.. تماما كما نفعل نحن
البشر في كل يوم.
*
ثم كيف لا نحبها وفيها جيش من العاملين أمام الكاميرا وخلفها،
فنانون جادون كل بجهده ساهم في تكوينها إلى اليوم، كيف لا نحبها
ونستطيع أن نرى الموتى فيها كما لو كانوا ما زالوا أحياء يتحركون
على الشاشة، لقد تم تسجيلهم صورة، ثم صوتا وصورة. اقتطعت الكاميرا
من حياته ذلك الدور الذي لعبه، هذا الدور لا يزال موجودا ويتحرك
أمامك في كل مرّة يجري فيها عرض ذلك الفيلم.
*
في فيلم «فجر كوكب القردة» تمهيد لعالم الغوريللات التي تحكم بعض
أنحاء الأرض، تصوير لحياتها وما وصلت إليه، ثم تقديم للبشر ممثلين
بالرجل الذي يطأ أرضهم (الممثل جاسون كلارك). من هذه النقطة وما
بعد تنتقل وجهة النظر من القرود إلى البشر. فجأة تنهض وراءه
غوريللا وتصيح، ثم يظهر عدد كبير من الغوريللات التي استجابت لنداء
الغوريللا الأولى. خلال التصوير اضطر المخرج مات ريفز للصياح
كغوريللا، لأن الممثل كان وحيدا بين الأشجار. الغوريللات أضيفت
لاحقا. حين تحمله الغوريللات إلى «مقر قيادتها» (بالتعبير الدارج)
فإن فنيون بشر هم الذين حملوا الممثل. لاحقا في الاستوديو جرى
إلباسهم الشكل الحيواني. لا تستطيع أن تدرك ذلك حين ترى الفيلم
وإذا لم تسمع ذلك من فم المخرج ذاته أو إذا ما تحدث أحد العاملين
الآخرين في الفيلم.
*
يكذب عليك جارك «تزعل». يخدعك صديقك تخاصمه. يخدعك عدوّك تحاربه.
تخدعك السينما تبتسم لها. كيف يمكن ألا تقع في حب السينما؟ هي فن.
هي فكر. هي ثقافة، وهي - في ذات الوقت - تجارة وربح وخسارة. صناعة
تؤازرها الملايين تنضح أحيانا بالفن الذي له مهرجاناته، وأحيانا
بالترفيه الذي له سوقه الكبير. كل يوم هناك عشرات ملايين البشر
يؤمّون السينما. كلهم يحبّونها. |