سنة الرحيل... والسينما!
نور الدين بالطيب
ستبقى ٢٠١٤ محفورة في الذاكرة الثقافية التونسية كسنة الرحيل
الموجع. ودّعت تونس مجموعة من أبرز الشخصيات الثقافية في كل الفنون
أبرزهم الكاتب المسرحي والإعلامي ورجل الدولة الحبيب بولعراس
(١٩٣٣-٢٠١٤). اشتهر الأخير برائعة «مراد الثالث» التي قدمها علي بن
عياد عام ١٩٦٦، وكانت أول مقاربة مسرحية عربية لجنون السلطة
والتعطش للدم من خلال شخصية مراد الثالث المعروف في التاريخ
التونسي بـ «مراد بوبالة» (البالة في اللهجة التونسية آلة حادة
تستعمل لحفر الأرض، وكان مراد الثالث يستعملها في قطع الرؤوس أثناء
حكمه).
ظلت هذه المسرحية وما زالت من أهم مراجع المسرح التونسي. كما كتب
بولعراس أعمالاً أخرى لم تحقق الشهرة نفسها على الخشبة مثل «طائر
البراق»، لكنّه اشتهر بكتابة تاريخ تونس أيضاً، وتولّيه مجموعة من
الحقائب الوزارية في عهدي بورقيبة، وبن علي منها وزارة الإعلام
والثقافة والدفاع والخارجية. وكان من وزراء قلائل استقالوا في عهد
بورقيبة مطلع السبعينيات احتجاجاً على غياب الديمقراطية.
فقدت تونس أيضاً الفنان المسرحي عبد المجيد الاكحل (١٩٣٩) رفيق علي
بن عياد رائد التحديث في المسرح التونسي الذي أغنى المحترف بمجموعة
من الأعمال في المسرح الكلاسيكي والتجريبي والفودفيل أيضاً مثل «ست
نساء» و«بين نومين» و«يوغرطة» و»النورس».
عودة الأسعد بن عبد الله إلى الخشبة بعرض «المنسية»
كما شهدت ٢٠١٤ رحيل الكبير صالح المهدي (١٩٢٥) أحد أبرز مدوني
الموسيقى التقليدية التونسية المعروفة بـ «المألوف» والملحن الذي
صنع شهرة نجمات الغناء في تونس كصليحة وعلية ونعمة. وعن سن تناهز
ستين عاماً، رحل المسرحي والرسام والصحافي الهاشمي غشام الذي برز
بدءاً من الثمانينيات في الصحافة الثقافية باللغة الفرنسية، وتنقل
بين معظم الصحف الناطقة بالفرنسية في تونس بالتوازي مع أعماله
المسرحية والتشكيلية والشعرية. وتزامن رحيله في أيار (مايو) مع
رحيل الشاعر والمسرحي والسينمائي صديق طفولته الناصر الكسراوي، قبل
أن يرى شريطه التسجيلي «المهدية مدينة أبدية». وفي سياق الرحيل،
ودعت تونس الشاعر الشعبي الكبير علي الأسود المرزوقي (١٩٣٩) أحد
أصوات المقاومة العربية وأبوزيان السعدي (١٩٣٧) الذي يمثل آخر
النقاد الكلاسيكيين، والتشكيلي الهادي النايلي (١٩٤٩) والشاعر عبد
الله مالك القاسمي (١٩٥٤) والمفكر عبد الوهاب المؤدب (١٩٤٦)
والمسرحي فوزي رواشد، والشاعر شكري الميعادي (٤٦ سنة) والروائي
محمد الغزالي (٥٥ سنة) والسينمائي الشاب عمر الفاروق الجزيري
(١٩٩٠) وكان رحيله فاجعاً، إذ دهسه قطار عندما كان يصوّر شريطه
«كسوف» لوالده المسرحي الفاضل الجزيري، وقد تحولت جنازته إلى أحد
مشاهد الشريط.
ولم تسجل تونس صدور أعمال أدبية مهمة وكذلك المسرح إذا استثنينا
عودة الأسعد بن عبد الله إلى الخشبة في عمل موسيقي من إنتاج
«مهرجان قرطاج الدولي» بعنوان «المنسية» أو تعيين الفاضل الجعايبي
مديراً للمسرح الوطني. لم يقدم أبرز المسرحيين التونسيين أمثال
الفاضل الجعايبي، والفاضل الجزيري، وتوفيق الجبالي، وعز الدين قنون،
ونور الدين الورغي، ورجاء بن عمار أعمالاً جديدة. كان عام ٢٠١٤ عام
السينما بامتياز، شهد عرض مجموعة من الأعمال السينمائية الجديدة
التي حققت نجاحاً جماهيرياً لافتاً في معظمها. كما حصدت جوائز خارج
البلاد مثل شريط «بستاردو» لنجيب بلقاضي، وكذلك «باب الفلة» لمصلح
كريم، و»شلاط تونس» لكوثر بن هنية، و»٧ونص» لنجيب بلقاضي. وشهدت
«أيام قرطاج السينمائية» عرض مجموعة جديدة من الأعمال التسجيلية
والروائية مثل «مر وصبر» لنصرالدين السهيلي، و» بدون ٢» للجيلاني
السعدي، و»على هذه الأرض» لعبد الله يحيى، و»القرط» لحمزة العيوني
وغيرها. ويمكن اعتبار عام ٢٠١٤ عاماً استثنائياً بالنسبة إلى
السينما التونسية.
ومن ابرز الأحداث الثقافية التي سجلها عام ٢٠١٤ عودة أنور براهم
الى ركح قرطاج بعد غياب دام ثلاثين سنة حيث قدّم عملاً جديداً
بعنوان «استذكار» بعد أربع سنوات من الغياب عن الجمهور التونسي.
«نهاية»
خليدة تومي وعودة محمد لخضر حمينة
زهور غربي
لعل الحدث الذي يميز 2014 بالنسبة إلى القطاع الثقافي الجزائري، هو
إنهاء مهمات خليدة تومي بعدما عمّرت في وزارة الثقافة لـ 12 سنة.
هكذا خلفتها السينمائية والمنتجة نادية لعبيدي التي يعوّل عليها
لإحداث الفرق. وربما أفضل ما تحقق أيضاً هو نص المرسوم الخاص
«بتغطية الضمان الاجتماعي للفنانين والمؤلفين». «قسنطينة عاصمة
الثقافة العربية» لعام 2015، هو أكبر تحد يعترض طريق الوزيرة
الجديدة.
ها هي تسابق الزمن لإنهاء المشاريع التي انطلقت قبل أكثر من سنة
ولم تستكمل بعد.
سينمائياً، شهد 2014 صدور الكثير من الأفلام التي نالت نصيبها من
الجوائز في المحافل العربية والدولية، منها «فاطمة نسومر» لبلقاسم
حجاج، و«الوهراني» لإلياس سالم، و«البئر» للطفي بوشوشي، و«راني
ميت» لياسين محمد بن الحاج. كما شهدت السنة عودة عراب السينما
الجزائرية وصاحب السعفة الذهبية عن «وقائع سنين الجمر» محمد لخضر
حمينة بفيلمه «غروب الظلال». وأفرجت الوزارة عن شريط «سنوات
الإشهار» لعثمان عريوات، بعدما بقي محجوزاً لديها بحجة احتوائه على
مشاهد تنتقد السلطة. ورفضت سحب فيلم «الوهراني» لإلياس سالم بعد
موجة الانتقاد التي طاولته لأنّه «يشوّه صورة المجاهدين ويظهرهم
بصورة غير لائقة». كما رفعت نادية لعبيدي يدها عن فيلم «سنوات
الإشهار» لعثمان عريوات، موضحة أن النسخة ستعرض كما هي من دون حذف.
في المقابل، أوقفت أعمالاً أخرى مثل شريط «الأمير عبد القادر»،
و«العربي بن مهيدي»، و«عمليات مايو».
حل عام 2014، ولم تتغير حالة الكتاب في الجزائر. الناشرون لا
يزالون يأملون بوصول كتبهم إلى المكتبات العربية والأجنبية، وزيادة
السحب والتوزيع، ما يؤدي إلى خفض الأسعار وتسهيل وصول القارئ إلى
الكتاب. أعمال جديدة قدِّمت هذه السنة منها رواية «حب في خريف
مائل» لسمير قسيمي، و«هذيان نواقيس القيامة» لمحمد جعفر، ورواية
«الملكة» لأمين الزاوي التي نفدت نسخها في الأيام الأولى لـ «معرض
الجزائر للكتاب». أما الكاتبة أحلام مستغانمي، فاختارت أن تقدم
روايتها «عليك اللهفة» بعيداً من «معرض الجزائر الدولي للكتاب».
غيبت 2014 العديد من الوجوه في الساحة الثقافية الجزائرية يتقدمهم
عميد ومدير المسرح الجزائري محمد بن قطاف الذي قدم للخشبة العديد
من الأعمال من بينها «العيطة»، و«حسناء وحسان»، و«موقف إجباري».
كذلك خطف الموت المطربة نورة صاحبة «يا ناس أماهو»، و«فاطمة
الزهراء باجي». وعرف الجمهور الفنانة الجزائرية في بداياتها من
خلال أغنيتي «قال المنفي»، و«هو هو». ودعنا بعدها شريفة التي تربعت
على عرش الأغنية القبائلية من خلال «أبقاو على خير أي آقبو» و«أيا
زرزور»، و«أزواو» التي أعاد غناءها المطرب إيدير. غادرنا أيضاً
رائد الأغنية السطايفية سمير بلخير، الشهير بـ «سمير سطايفي»، صاحب
«الكحلة والبيضة». حميد لوراري المعروف باسم «قاسي تيزي وزو» رحل
أيضاً بعدما ترك بصمته على الساحة الفنية من خلال اسكتشاته
الفكاهية في التلفزيون والإذاعة وأعماله في المسرح والسينما. ودع
الجزائريون أيضاً الرسام والخطاط محمد بوزيد الذي خط وسام
الجمهورية عام 1963، ويعد عميد الفنانين التشكيليين.
وأصبح للفن المعاصر متحفه
محمد الخضيري
تصلح عبارة «حراك في مجال الفنون البصرية» عنواناً كبيراً للسنة
المنصرمة في المغرب. شهد عام 2014 حدثاً تاريخياً هو إنشاء أول
متحف للفن المعاصر والحديث في المملكة، بعد أكثر من خمسين سنة من
الاستقلال. ولو أن المؤسسة الحديثة، تفتقر إلى مجموعتها الخاصة
وتجنح إلى الطابع الرسمي، إلا أنها تظل النقطة الأولى في ترسيخ
الثقافة البصرية في الحياة العامة المغربية.
افتتاح المؤسسة أثار بعض الجدل في صفوف المتابعين، وخصوصاً لجهة
طريقة الإعلان عنه بفيلم قصير أنجزه المخرج نور الدين الخماري، كما
منعت بعض الأعمال من العرض خلال الافتتاح، من بينها «في مواجهة
الصمت» للفنان منير فاطمي الذي أنجزه عن شهيد اليسار المغربي
المهدي بن بركة.
معرض آخر جاء بعد افتتاح المتحف بأيام قليلة، لم يخل هو الآخر من
جدل، لكنه مثّل أكبر حدث تشكيلي في المغرب، برغم حدوثه في الضفة
الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، في باريس تحديداً. شهدت العاصمة
الفرنسية معرضاً جماعياً للفنانين المغاربة في «معهد العالم
العربي». المؤسسة نظمت المعرض الذي ضم أكثر من ثمانين فناناً
مغربياً، من أجيال مختلفة، بينما أداره وأشرف عليه المغربي موليم
العروسي والفرنسي جان هوبير مارتان. خضع المنقبان عن الأعمال
الفنية لضغط شديد قبل انطلاق المعرض، من طرف منظمات تَعدّ نفسها
المدافع عن التشكيل المغربي، وشككت في لائحة الفنانين قبل الإعلان
عنها.
يبقى «مهرجان مراكش الدولي للسينما» أحد أبرز الأحداث الثقافية غير
أن المنظمين أصروا على خياراتهم. أما الحصيلة؛ فمعرض متميز، عكس
تنوع الفضاء التشكيلي المغربي، وجاء انتصاراً للأسماء الجديدة،
المتحدرة من مدن بعيدة عن دور العرض وشبكاتها. وتظل السلبية
الوحيدة للحدث الذي نظمه المعهد، خيمة تقليدية نصبت على مدخل
المؤسسة، أفقدت شيئاً من طابع المعرض «المعاصر».
من الأعمال الأساسية التي قدمت في معرض باريس، لوحات فريد بلكاهية،
التي تسكن في مدينة «النحاس»، وتستدعي الأنوثة والذكورة عبر رموز
بصرية طورها الفنان الراحل لعقود، لكن الحياة لم تمهل بلكاهية
لحضور معرضه، إذ خطفه الموت، ليترك مكاناً مهماً في التشكيل
المغربي. في السينما مثّل الحدث الأبرز خروج نور الدين الصايل من
إدارة «المركز السينمائي المغربي». عُرف الرجل بمواقفه القوية في
الوزارة التي يرأسها الإسلامي مصطفى الخلفي، ودوره الكبير في إعادة
الحياة للسينما المغربية خلال العقد الأخير، من خلال سياسة الدعم
للإنتاجات السينمائية المغربية، أو محاولة إحياء صالات السينما
التي أنهكتها السنوات الأخيرة، وجعلت العشرات منها تُحتضَر. خلف
صارم الفاسي الفهري، المقرب من وزير الاتصال الصايل، وعليه أن يدبر
المرحلة الجديدة من السينما المغربية. سينما تعرف حراكاً، إذ أنتجت
عشرات الأفلام، بينما يحضر أبرز أبنائها أفلامهم. فوزي بنسعيدي،
ونبيل عيوش، ونور الدين الخماري، وآخرون حصلوا على دعم المركز،
ويدخلون مغامرة تصوير أفلامهم الجديدة خلال هذه الأشهر.
السينما شهدت تنظيم العشرات من المهرجانات خلال السنة، يبقى أبرزها
«مهرجان مراكش الدولي للسينما». مهرجان يصفه بعضهم بالتقليد الشاحب
لـ «مهرجان كان السينمائي»، فيما يراه آخرون الطريقة المثلى لتسويق
الصورة المغربية، و«بيع» استديوهات لآخر الإنتاجات السينمائية
الدولية. الإنتاجات الأجنبية المصورة في المغرب تضاعفت خلال سنة
بنسبة 40%، وكان أبرزها تصوير الجزء الخامس من فيلم «مهمة
مستحيلة»، الذي يؤدي بطولته النجم الأميركي توم كروز، كما أن «باتمان
vs
سوبرمان» الذي يعد أحد أضخم الإنتاجات الدولية كان سيصور في
المغرب، قبل نقله إلى المكسيك بسبب مخاوف فريق التصوير من انتشار
فيروس الإيبولا، لكن السنة السينمائية انتهت بحادث مؤسف هو رحيل
واحد من أبرز أبناء السينما المغربية النجم محمد بسطاوي. في
الموسيقى شهدت السنة عودة موسيقى تمجيد الملك. الغريب أنّ مؤلفاً
اسمه مصعب العنزي أطلق عملاً سمّاه «الملحمة». العنزي الذي يبدو
أنّه حصل على الجنسية المغربية قبل مدة، جمع عشرات الفنانين
المغاربة في أغنية لا قيمة فنية لها، لا على مستوى الألحان ولا
الكلمات، فنالت نصيبها من انتقادات المتتبعين.
«مهرجان
موازين» نظم في دورة أخرى، وكانت الحصيلة نفسها: عشرات النجوم
الغربيين والعرب، وميزانية ضخمة لا تُعلَن، في وقت تواجه فيه
المهرجانات الموسيقية الأخرى شحاً في الموارد. موسيقى الجاز كان
لها أكثر من مهرجان، بينما ظلت الموسيقى المغربية التقليدية،
كعادتها محصورة في أحداث مرتجلة عنوانها العريض: إفراغ الإرث
الموسيقي المغربي الشعبي من حمولته وتحويله إلى فولكلور.
في الأدب والموسيقى والفنون البصرية، كان الحراك الأكبر لمبادرات
شخصية وجماعية أبطالها فنانون ومثقفون رأسمالهم الوحيد حب الثقافة.
نظموا أحداثاً مختلفة، كان لها صداها وحضورها في الخريطة الثقافية
الوطنية. هكذا، أنجزت جمعية «جذور» التي ترأسها دنيا بنسليمان
وعادل السعدني دراسة مميزة هي «الحالة العامة للثقافة في المغرب».
الدراسة التي كان من شركائها وزارة الثقافة، رصدت وضع الثقافة
المغربية ومؤسساتها على مدى سنة تقريباً، عبر لقاءات مع عشرات
الفاعلين الثقافيين في المغرب وزيارات ميدانية. النتيجة خارطة ترسم
معالم الفضاءات الثقافية، وتمثل مرجعاً للباحثين والناشطين
الثقافيين المغاربة. |