كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

موسى في "سفر الخروج": نبيٌ أم ثائر؟

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

 

لم يولّد منع فيلم "سفر الخروج: آلهة وملوك" لريدلي سكوت امتعاضاً كبيراً في وسط المثقفين في مصر، كمثل الذي ولّده في المغرب. فالأسباب التي حالت دون عرضه في الدولة العربية الكبرى، ليست هي ذاتها التي منعت وصوله الى الجمهور المغربي. في مصر، شاهدت الرقابة الفيلم واعتبرته مسيئاً للفراعنة ولحضارتهم، ووجدت فيه أيادي صهيونية. مصر السيسي صرّحت بأن ما يزعمه الفيلم في مقدمته (مشاركة العبرانيين في بناء الأهرامات) ليس دقيقاً، بل تدليس إيديولوجي بليد لا يمكن القبول به.

استطاعت بهذه الذريعة كمّ الأفواه المطالبة بعرضه. في المغرب، حيث بدأ الإسلاميون يضغطون على المركز السينمائي المغربي بعد رحيل مديره نور الدين الصايل، جاء السبب محض ديني: لا يجوز شرعاً تجسيد الله! (يقدمه سكوت في صورة ولد). سُحب الشريط من الصالات وسط احتجاج ومخاوف في أن يتراجع مستوى الحريات في بلد يُصَوَّر فيه العديد من الأفلام الأميركية ذات الموازنة العالية، قبل أن يُسمح بعرضه أمس. طبعاً، انضمت الامارات العربية المتحدة الى الدول "الممانعة". لبنان "زمط" هذه المرة، كما في المرة الماضية، عندما حاولت مراجع دينية اسلامية منع فيلم "نوح" لدارن أرونوفسكي، بحجة انه يتناول حكاية النبي نوح من وجة نظر مسيحية.

ريدلي سكوت، صاحب الأفلام الكبيرة في تاريخ السينما، كـ"بلايد رانر" (1982)، يقارب حكاية موسى بواقعية أقل ما يقال فيها انها ذات فاعلية عالية. واقعية "شرسة" يستثمر فيها سكوت كلّ طاقاته كسينمائي وكلّ ما تعلّمه على مدار سنوات في مجال صناعة الصورة والمؤثرات البصرية. هذا الجانب من الفيلم ساحر جداً ومشغول بعناية. قاطعٌ كالسيف، وممتعٌ كألبوم صور يتصفحه المرء صفحةً تلو أخرى. مشاهد العقاب الربّاني على المصريين قمة في الروعة. توظيف هائل للتكنولوجيا الانسانية الحديثة في إعادة إحياء نصّ ديني. مع ذلك، لا يمكن اعتبار "سفر الخروج" أفضل فيلم أنجزه المخرج البريطاني عبر مسيرته التي بدأها في منتصف السبعينات. ينقصه بعض العمق واحتضان أكبر للشخصيات الثانوية، لكنه بديع بصرياً وكامل العناصر فنياً. في هذا الشريط الأخاذ (بالأبعاد الثلاثة)، درجة عالية من الانكماش على مستوى المشاعر، حدّ أن "مُصارع" يبدو فيلماً عاطفياً مقارنةً بـ"سفر الخروج"، الذي يميل الى رؤية قاتمة جداً للنصّ الديني. اللافت أن محاولة ريدلي سكوت أنسنة هذا النبي لا تجعله أكثر ظرافة في نظر المُشاهد.

مقاربة سكوت لحكاية النبي موسى اشكالية على أكثر من صعيد، كونها مصحوبة بكمية هائلة من العنف واللاتسامح، وهما سمة التوراة على كل حال. يأتي الفيلم بقراءة مجددة، فيستل الخطوط العريضة من النصّ الديني، ولكن في التفاصيل يبتعد عنه، مطلقاً العنان لمخيلته الإخراجية. كلّ ما نراه من تنكيل يبرر قدوم المسيحية التي كانت لها شأن أكبر في نبذ العنف. موسى الذي، كما جاء في الرواية التوراتية، قاد شعبه بني اسرائيل الى خارج أرض الفراعنة مخلّصاً إياه من عبودية دامت 400 عام، يطرحه الفيلم على شكل مقاتل لا على شكل نبي. ما يقترحه مخرج "مُصارع"، مطابق لما شاهدناه في عدد من الأفلام، وفي مقدمها "الوصايا العشر" لسيسيل ب. دوميل، العام 1956. لكن مخرجنا يملك طاقة عالية في استفزاز المتدينين بمقاربة حساسة للتاريخ. للفيلم هذا اصداء في واقعنا الحالي. يدرك سكوت أنه يتعين عليه بناء جسر بين الماضي والحاضر، عندما يتعلق الأمر بإنجاز فيلم مماثل.

الشريط مخلص الى حدّ معين للنصّ الديني، لكنه يفتح المجال للتساؤلات والشك والنقد. موسى نفسه شخصية مشكِّكة. هو أصلاً، كما يريه لنا سكوت، نبيٌّ رغماً عنه، سيحتاج الى بعض الوقت كي يدرك معنى نبوءته. في مطلع الفيلم، يحارب في صفّ رمسيس الثاني، شقيقه غير الأخ، لا بل ينقذ حياته خلال المعركة التي تفتتح الفيلم، ثم ينقلب عليه عندما يدرك أنه ينتمي الى شعب يضطهده الفرعون. لحظة الإدراك تلك، مفصلية في الفيلم. كلّ شيء يتغيّر، من الإيقاع الى المناخ العام. يصوّر سكوت موسى قاسياً ورحوماً في الآن نفسه، سيفه لا يرتاح. هل هو مسؤولٌ عادل، قائد عسكري مهووس بالعظمة، أمّ نبي الله؟ نخرج من الفيلم بلا صورة واضحة، بلا ردّ حاسم. غير أن السؤال يفقد أهميته من فرط ما يجعله سكوت يبدو ثانوياً في نهاية المعارك التي تتوالى. نقده المبطّن للعنف الديني قد يزعج الكثيرين، أولهم أتباع الديانة اليهودية، ومن ثم كلّ مَن رفع يوماً السيف في سبيل "الرحمن الرحيم".

الله، يجسّده "سفر الخروج" في شخصية ولد. بيد أن هذا الولد نوع من رسول أكثر من كونه الله. يسدي النصائح الى موسى بهدف إنقاذ شعبه من بطش الفراعنة. الله في نظر سكوت متطرف، بلا رحمة، يقتل أطفال المصريين، ميّالٌ الى الثأر والشغب، يبدي استعداداً لإغراق الجميع "حباً" بشعبه "المختار" وتأمين وصوله الى "أرض الميعاد". وجهات النظر تتعارض أحياناً بينه وبين نبيّه الذي يضطلع بدوره هنا كريستيان بايل. لافتةٌ، هي هذه العلاقة الخصامية بين موسى والله. في هذه النقطة تحديداً تكمن أهمية الفيلم الذي يحيلنا على مسألة "القتل باسم الله"، الشيء الذي يرزح تحته الشرق. يسأل سكوت: الى أي حدّ يمكن أن يذهب الانسان إرضاء لإيمانه؟

ينبغي الاعتراف بأن موسى شخصية ملهمة بالنسبة إلى سينمائي مثل سكوت. فيلمه هذا سياسي بمعناه الواسع أكثر منه دينياً: موسى هنا هو الثائر على السلطة العليا، سواء تجسدت هذه السلطة في الفرعون أم الله! من الواضح أن سكوت لا يضع سينماه خارج السكة التي مشت عليها الى الآن. هكذا كان المصارع، وهكذا كان روبن هود في أفلامه السابقة: عكس التيار. اذاً، لا يجد مخرجنا نفسه في أرض غريبة. رؤياه مزيجٌ من الغوص في مراجع التاريخ وموقفه من العالم الحالي. في "سفر الخروج"، لا يشقّ موسى البحر بعصاه الشهيرة، بل يحصل ذلك نتيجة انسحاب المياه. في فيلم ميّال الى طرح الحوادث بواقعية تتناقض مع "رومنطيقية" الأديان، يختار سكوت منطقاً تتقبله الأجيال الجديدة، أجيال التواصل الاجتماعي والأبعاد الثلاثة. وغايته تبرر الوسيلة.

هذه ليست رؤية صهيونية !

باريس - شريف الرملي

مَن كان ليتصور أن هيفاء وهبي وريدلي سكوت ستكون بينهما نقطة مشتركة في يوم من الأيام؟ فبعدما حظرت الرقابة المصرية على المصنفات الفنية فيلم "حلاوة روح" الذي شاركت وهبي في بطولته، حظرت الرقابة أخيراً آخر أفلام ريدلي سكوت. المدهش أن المسألة الأخلاقية كانت في كلا الفيلمين، مسار الجدل، وفي كلاهما طفل هو منبع العديد من المشكلات. ففي حين يتلصص على وهبي خلسةً في "حلاوة روح"، يأتي قرينه في "الخروج: آلهة وملوك" كتصوير لإله النبي موسى الذي لا يتردد في إثارة الفوضى في مصر ومعاقبة الأبرياء بل وقتل الأطفال.

مرة أخرى، تتحفنا الرقابة بإضافة جديدة على قائمة الأفلام المحظور عرضها في صالات "المحروسة". ففي السابع والعشرين من الشهر الماضي، خرج علينا وزير الثقافة المصري جابر عصفور ليعلن قرار الرقابة منع عرض فيلم سكوت "لكونه صهيونياً ويحتوي على أخطاء تاريخية". من وجهة نظر الرقباء، فإن العبرانيين لم يبنوا الأهرامات، كما يرجح سكوت في فيلمه، وأيضاً بناء على ما جاء في التوراة، حيث ذكرت أن العبرانيين كانوا يشاركون في صناعة الأحجار المستخدمة في البناء.

بعيداً من قرار الحظر والنصّ التوراتي، فإن في عدم السماح بعرض الفيلم ظلمٌ لصُنّاعه. هل يكفي مجرد اختلاف في وجهات النظر حتى تخرج علينا مجموعة من الموظفين الحكوميين، وهم باتوا في معظم دول العالم مجرد ذكرى حزينة من الماضي، ليجيزوا عرض هذا الفيلم ويحظروا عرض ذاك؟ وما هي مؤهلات هؤلاء الرقباء حتى يتم تنصيبهم حراساً على العقيدة؟ في الحقيقة، لا أحد يعلم كيف وبناءً على أيّ أساسٍ يتم تعيين الرقباء في مصر. رئيسهم، عبد الستار فتحي، في حوار معه نشرته "دار الهلال" في أيلول الماضي، يعترف بصراحة مطلقة بأن الرقباء كانوا يعيَّنون بالواسطة. تماماً كما هي الحال في المجالات كافة في مصر! أما عن اللجنة التي أصدرت قرارها حظر عرض الفيلم، فتتكون من أربعة أشخاص: أستاذان جامعيان مجهولا الهوية ومتخصصان في التاريخ، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة محمد عفيفي، والسيناريست صاحب التاريخ القصير جداً الذي يبدو مفرغاً من مفهوم الإبداع والروح الثورية، رئيس الرقابة عبد الستار فتحي.

في ضواحي بارس، حيث ذهبتُ لمشاهدة "سفر الخروج"، تسمح الحكومة بعرض جميع وجهات النظر طالما لا تحرض على كراهية الآخر. خلافاً للحكومة المصرية التي تتعمد عرض ما يحرض على كراهية كل من تناصبهم الدولة العداء! لا بدّ من الاعتراف بداية، بأن اللكنة المستخدمة في اللقطات الأولى تخفي نوعاً من التعاطف مع العبرانيين (لن أقول اليهود، حيث أن الله لم يرسم لهم بعد دستوراً يحشر نفسه من خلاله في أدق تفاصيل حياتهم). المدهش أنك بمرور الزمن، تتخلى رغماً عنك عن تعاطفك مع وجهة النظر المصرية وتنحاز قسراً إلى الجانب الضعيف، أي العبيد من العبرانيين. هذا هو سحر السينما الذي يحملك من صغائر الأمور إلى عالم من المشاعر الرقيقة التي تتخلى عن العقل لمصلحة القلب.

... ولكن، ماذا عن التاريخ وبناء الأهرامات؟ لا شيء يهم من كل هذا الهراء. لا وجهة النظر "الصهيونية" تعنينا ولا القضية المصرية. فنحن هنا لنستمتع بفيلم عن الصراع بين القوي والضعيف، بين الإيمان بإله خفيّ وفرعون يدّعي الألوهية. إنه أيضاً صراعٌ بين إلهين يتباريان في أيٍّ منهما أشد عناداً من الآخر. أحدهما مصريٌ مغرور يقبض بيدٍ من حديد على عبيده ويهتم بمجده الشخصي على حساب العبيد وغيرهم. أمّا الإله الأقوى... فليس أفضل حالاً. إله موسى كما يصوّره ريدلي سكوت يأتي على صورة طفلٍ لا يكترث بسوى حياة العبرانيين. أمّا المصريين فلا قيمة لحياتهم عنده. يرسل عليهم اللعنات الواحدة تلو الأخرى، من فيضان أغرق البلاد بمياه دموية، الى الضفادع والحشرات، فالذباب والجراد. ثم يكشف هذا الإله عن وجهه الأكثر قبحاً، فيقتل أطفالاً مصريين، ويشمل شرّه رضيع فرعون كعقاب على تعنته ورفضه تحرير "شعب الله المختار". حتى موسى نفسه لا يتردد في إلقاء اللوم على إلهه موبّخاً اياه على تهوره هذا. "أنتَ لا تتفق معي دائماً"، يقول الإله وكأنه يعاتب موسى على حكمته. ينتهي الفيلم كما أرادت له الكتب المقدسة أن ينتهي، حيث يحرر موسى العبيد ويتجه بهم شرقاً إلى أرض كنعان، قبل أن يطارده فرعون مصر وجيشه. يعبر موسى وشعبه البحر الأحمر فيغرق الفرعون وجنوده قبل اللحاق بهم.

رؤية سكوت للرواية الدينية تقول إنه لا مع هذا ولا مع ذاك. هو بريطاني يعمل في صناعة الأفلام في أكثر مناطق العالم تفوقاً في هذه الصناعة: هوليوود. سكوت يصوّر كلا الطرفين على انهما من الحمقى لا يتمتعان بالحكمة المطلوبة في إدارة الأزمات السياسية. نقطة أخرى حلّت كـ"رفض" للرواية التوراتية: موسى لا يشقّ البحر بعصاه كما ذكرت الكتب المقدسة. نراه يتذمر منهكاً من هذا الصراع، فيرمي سيفه الفرعوني في البحر، ثم تبدأ مياه البحر بعد دقائق بالانخفاض مما يسمح له ولقومه بالعبور. هنا، لا يمكن الهرب من سؤال يفرض نفسه. هل هذه حقاً رؤية صهيونية؟ هل تمّ الفيلم "الذي يحمل رسالة معينة بهدف الإضرار بتاريخ بلدنا" حقاً بإنتاج يهودي، كما يدعي رئيس الرقابة في تصريح له في تشرين الأول الماضي؟

كلا أيها السادة، هذه ليست رؤية صهيونية! فمسألة المشاركة في بناء الأهرامات ذُكرت في سفر الخروج، أي أنها من صميم المعتقد اليهودي لا الصهيوني. ثم فكرة أن يكون المنتج يهودياً أو حتى المخرج أو طاقم العمل بأكمله، فهذا لا يعني أن الفيلم قد صُنع بهدف الترويج للصهيونية!

ينبغي القول انه في السياق السياسي الحالي في مصر، قد نستنتج أن حظر الفيلم تم لأسباب محض سياسية لا لأسباب تاريخية. فالصراع القائم في الفيلم لا يختلف كثيراً عن الصراع الحالي في مصر: حكمٌ شموليّ، مجدٌ شخصيّ ونرجسية، احتقارٌ للمعارضة، اضطهادٌ للأقليات الدينية والعرقية، وتعنتٌ شديد في الاستجابة لأي مطلب. هذا من الناحية السياسية. في المقابل، تذكّرنا روح الثورة التي أججها موسى بأن الصراع من أجل العدالة والحرية والكرامة هو من المطالب الأزلية التي إن لم تقم من أجلها الثورات فلأي سببٍ تقوم؟

الفوضى التي تأخذ حيزاً على الشاشة، هي في الواقع الفوضى عينها التي مسرحها مصر منذ "يناير 2011". العنف الناتج من الكبت والظلم والعيش المهين، هو ذاته الذي أطلق ثورة موسى وتسبّب بغضب الإله، وهو ذاته الذي أخرج الملايين تطالب برحيل حسني مبارك ومن بعده المجلس العسكري، وأخيراً محمد مرسي. ولا شكّ انه إذا استمر الوضع في مصر على ما هو عليه، فسيخرج الشعب مجدداً ليطالب بحريته وبالعيش الكريم... وهذه المرة، لن يكون موسى هو مَن سيختار الهجرة، بل الطغاة.

الفيلم في مجمله لا يحمل سوى رسالة واحدة، لا صهيونية ولا يهودية: أوقفوا إراقة الدماء عمداً وتسلحوا بنوع من الحكمة قبل فوات الأوان. إن الثورة حين تأتي، لا تفرّق بين هذا الربّ وذاك الإله.

Escobar :Paradise Lost  الدخول الى جنة الشيطان

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

كنا نظن ان الايطالي اندريا دي ستيفانو هو ممثل ادوار ثانية فقط في افلام وسلسلات ايطالية، لكنه فاجأنا باخراجه وكتابته سيناريو شريط عالمي مع نجوم عالميين هذه السنة هو Escobar :Paradise Lost.

ما جعل دي ستيفانو يقرر الانتقال الى وراء الكاميرا، قصة حقيقية اخبره بها صديق شرطي. انها قصة رجل طلب منه بابلو اسكوبار أن يخفي له كنزه، قبل أن يعطي الامر بقتله. وبابلو اسكوبار، للذين لا يعرفونه، هو اكثر رجل مكروه ومحبوب في الوقت عينه في اميركا اللاتينية. انه وحش المتاجرة بالمخدرات والقديس الذي صلى له كثير من الكولومبيين واعتبروه بطلهم ومنقذهم، ودافعوا عنه، وحثوه على خوض غمار السياسة.

انه النجم بينيسيو دل تورو الذي يؤدي للمرة الثانية بعد تشي غيفارا (فيلم ستيفن سودربرغ عام 2008)، شخصية حقيقية مؤثرة من اميركا اللاتينية، وإن باتجاه آخر. فلو أنه رفض اداء الدور، لما كان تمّ تنفيذ الفيلم بحسب ما أكد المنتج ديميتري راسام ، "فلا احد غير دل تورو كان في إمكانه أن يتقمّص شخصية اسكوبار المزدوجة والممزوجة بالسحر والشر في آن واحد". لكن رغم ان بطل الفيلم هو شخصية حقيقية، الا ان الفيلم ليس سيرة ذاتية تقليدية كالتي تكثر حالياً في هوليوود. المخرج وكاتب السيناريو فضل التركيز على حياة اسكوبار بعد انتهائه من مسيرته الاجرامية وتحوله سيداً في جنة خاصة به، وسياسياً ساعد شعبه، قبل أن يدخل السجن ويتابع اعماله من داخله.

كما خلق المخرج لإسكوبار ولنا، شخصية ثانية تصبح صديقة المهرّب الكولومبي الشهير قبل أن تتحوّل هدفاً لانتقامها. شخصية تذكرنا نوعاً ما بالدور الذي قدمه الدكتور نيكولاس غاريغان (جيمس ماكفوي) في مواجهة الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين دادا (فورست وايتكر) في فيلم The Last King of Scotlandعام 2006. انها شخصية وهمية تحملنا اكثر الى اجواء الثريلر الخيالي الذي يعتمد على وقائع حقيقية، وهي تدعى نيك برادي (جوش هاتشرسون) راكب الامواج الكندي الذي يصل عام 1983 الى كولومبيا التي انتقل اليها شقيقه وعائلته.

نيك يقع تحت سحر الطبيعة والشواطئ الذهبية والامواج العالية وخصوصاً الشابة الكولومبية المثيرة ماريا (الممثلة الاسبانية كلوديا تريزاك) الناشطة في مجال الاعمال الخيرية. الحب يجمعهما ومعها يغرق في العسل الى أن تقرر أن تعرفه الى عمها الثري الثلاثيني الذي يحبه الجميع بقدر ما يهابونه، والنائب المنتخب حديثاً من الشعب.

عمها بابلو اسكوبار (بينيسيو دل تورو) الذي جمع ثروته من المتاجرة بالكوكايين، والذي يبدأ لعبة "الهر والفأر" مع نيك على مساحات جنته الخاصة. الفيلم جنة مشهدية تنفلش بسحرها وتسبح برمالها الذهبية وشواطئها واخضرارها وشمسها ونورها، قبل أن تغرق في التوتر والخوف والعنف، وارتفاع الضغط والايقاع رويداً رويداً ليتحوّل ثريلراً نفسياً مع اكتشاف نيك حقيقة اسكوبار وانطلاق لعبة "الهر والفأر" بينهما بعد نحو ساعة تقريباً.

لعبة مثيرة بين هذا الثنائي المحرك للحوادث، نيك الساحر واسكوبار المذهل والمشرقط والموجود دائماً بخطره حتى وهو بعيد. سرّ نجاح الفيلم هو، بلا شك، النجم بينيسيو دل تورو الذي يلتهم الشاشة من دون ان يقع في الكاريكاتورية والمبالغة. لقد تألق بحضوره الطاغي وديناميته في تجسيد شخصية سيد الجنة، الطيب والمؤمن والكريم الذي لم يعد يحتاج الى تلويث يديه، لكنه يخفي وراء ابتسامته وانسانيته، شيطانا قادرا على القتل برمشة عين.

النهار اللبنانية في

08.01.2015

 
 

«دلافين» للإماراتيّ وليد الشحي.. عمارة سينمائية

نديم جرجوره

الحراك السينمائي الإماراتي منشغلٌ في تثبيت معالم التأسيس، عبر اشتغالات بصرية متفرّقة. النتاجات المتنوّعة دليلٌ على حُسن التقدّم في اتّجاه تفعيل صورة سينمائية إماراتية يُفترض بها أن تمتلك خصوصية محلية نابعة من واقع الحال الاجتماعي ـ الثقافي ـ الاقتصادي. التأسيس مُتعِبٌ. الهنات كثيرة. التسطيح أيضاً. لكن المثابرة على تلمّس الطريق المطلوبة لبلوغ حالة سينمائية خاصّة بالبلد وناسه جزءٌ من تفعيل القناعة بتطوير أدوات العمل، وبلورة مزيد من الوعي الجمالي والثقافي والمعرفي. الصورة ليست ناصعة البياض، لكنها لا تبثّ تشاؤماً، بل تقول إن ما يجري منذ بضعة أعوام قابلٌ لأن يكون بدايات تأسيسية فعلية، وإن كان العدد قليلاً. محاولات شبابية جادّة، تستعين بالروائي القصير والوثائقي، تعكس «تورّطاً» مُحبّباً في فعل سينمائي محتاج إلى تشذيب أحياناً، لكنه متناسق وهوس شبابيّ إماراتي بصناعة صورة غير تلفزيونية، وتحديداً: «صورة سينمائية».

وليد الشحي أحد هؤلاء القلائل، الساعين بجدّية واضحة إلى امتلاك مفاتيح صناعة صورة سينمائية إماراتية، تمزج الجماليّ بالمعرفيّ، وتُتقن تنفيذ المشاريع وفقاً لثقافة سينمائية ثريّة لديهم. وليد الشحي مثابر على ابتكار صورة تقول، دائماً، إنها على المسار الجميل للتطوّر. أفلام قصيرة ـ أبرزها «طوي عشبة» (2004) و «باب» (2008) ـ كاشفةٌ حُسن خياره السينمائي. يولي أهمية مطلقة للصورة. معنيّ هو بالحوار، لكن صناعة الصورة تبدو شاغلةً باله الفني.

هذا واضح أيضاً في «دلافين» (2014)، الروائي الطويل الأول له. صحيح أن للحوار حضوراً، لكن تكثيفه متلائم والمناخ الإنساني العام. متلائم أيضاً والصوغ السينمائي للحكايات المبثوثة فيه، أو للحالات التي يلتقط نبضها. الانشغال بالصورة مترافقٌ مع تعمّق جماليّ بهموم شخصيات متصادمة وتائهة وسط انهيارات ذاتية مختلفة. التصادم نابعٌ من اشتباك دفين بين مصائر معلّقة على حوافي النهايات، وأقدار ملتبسة المعالم. النهاية المفتوحة تأكيد على الحساسية البديعة للشحي في مقاربة حالات مفتوحة، هي أيضاً، على أسئلة معلّقة: مصير غامض، أو نهايات رمادية، أو غياب في ضباب اللحظة والجغرافيا والطبيعة. الشخصيات الرئيسة محاطة بأناس لا يقلّون تألّماً عنها. والألم، إذ ينفلش على الجسد والروح والنفس والانفعال، يتحوّل إلى رابط ـ وإن كان خفياً وواهياً ـ بين الجميع. الشخصيات الرئيسة ثلاث: أب يعمل سائق سيارة إسعاف، وأم مطلّقة من هذا الأب تبحث عن منفذ لها من حصار خانق مصنوع من بيئة وحالة ومشاعر، وابن تائه بينهما، يواجه غموض المقبل من اللحظات برفقة صديق مرتبط بعلاقة ثابتة مع والدته. الشخصيات الرئيسة منشغلة بمآزقها واختناقاتها وضياع الأجوبة المطلوبة لخلاص مؤجّل. الشخصيات المحيطة بها امتداد لها، أو استكمال إنساني لالتباس واقعها وذواتها. إحداها لرجل يعاني ألم موت والدته العجوز. الرحلة التي يقوم بها رفقة سائق سيارة الإسعاف إلى القرية لدفن الراحلة جزءٌ من تلك الحكايات المتداخلة والمتصادمة والمتكاملة في ما بينها أيضاً، داخل تلك العمارة الفيلمية. والدة صديق الابن تهيم على وجهها بحثاً عن ابنها المفقود، وهو أساساً برفقة صديقه على متن باخرة مصنوعة من براميل وأقمشة، يتوهان داخل مياه منغلقة عليهما بضبابها ورطوبتها ورمزيتها أيضاً.

التوليف (وليد الشحي) لعبة خطرة في صناعة الفيلم (سيناريو أحمد سالمين، أحد هؤلاء الشباب المتميّزين بهمّ سينمائي إماراتي مبنيّ على وعي معرفي وثقافة بصرية). خطورتها كامنةٌ في كيفية ربط المسارات المختلفة للحكايات المختلفة بعضها ببعض. الموازنة البصرية بين الحكايات ـ المسارات مشغولة بدقّة جمالية واضحة. التساوي بين الحكايات ـ المسارات أساسيّ في التوليف. الزمن أيضاً: 24 ساعة فقط زمن الأحداث. لعبة الزمن وصناعته في فيلم سينمائي لا تقلّان خطورة عن التوليف. لذا، يبدو «دلافين» متناسق البناء بين زمن لا يؤدّي سرد الحكايات فيه إلى ملل، وتوليف يمنح كل حكاية حيّزها الخاص والمطلوب، وآلية سرد ومعالجة درامية مرتكزة على التناسق بين الزمن والتوليف.

«دلافين» وليد الشحي جزءٌ من حكاية صناعة السينما الإماراتية. فيلمٌ مشغول بحساسية فنية وثقافية جميلة. محبوك نصّاً ومعالجة وإخراجاً. تعتريه هنات قليلة (أداء تمثيلي غير متساو بين الممثلين، مثلاً) لا تحجب جماليات العمل كلّه. المناخ السورياليّ في «طوي عشبة» مثلاً موجود بخَفَر في لقطات وفضاءات وحالات مختلفة في جديده هذا، علماً أن «دلافين» يميل إلى مزيج الواقعية والالتباسات الجميلة.

الصهيونية المزعومة لفيلم ريدلي سكوت

زكي بيضون

ليس قرار منع فيلم «الخروج: آلهة وملوك» لريدلي سكوت في بلد مسلم محافظ مثل مصر أمراً مفاجئاً بحد ذاته، لكن المفارقة العجيبة تكمن في التخريجة القومية الحداثية التي لجأ إليها وزير الثقافة جابر عصفور لتبرير المنع. بحسب معاليه، «هذا الفيلم صهيوني بامتياز فهو يعرض التاريخ من وجهة النظر الصهيونية ويتضمن تزييفاً للوقائع التاريخية لهذا تقرر منع عرضه في مصر».
يزعم معاليه أن القرار اتخذ بناءً على توصية أستاذين جامعيين مختصين في التاريخ. لنتوقف أولاً عند مفارقة تحكيم المؤرخين وعلماء الآثار في فيلم يتناول ملحمة توراتية مستعادة في القرآن مع فوارق ضئيلة، وذلك حينما يتعلق الأمر ببلد وثقافة يتصديان بعنف لأي معاينة تأريخية للموروث والمروي الديني (الأمثلة عديدة من طه الحسين إلى نصر حامد أبو زيد).

في ما يخص موضوع الفيلم بالتحديد، مؤرخو التاريخ اليهودي المكرَّسون غربياً وعالمياً، من أمثال اسرائيل فنكلشتاين، يجزمون بأن قصة استعباد اليهود في مصر وخروجهم منها هي خرافة توراتية ليس لها أي سند تاريخي. هل معاليه مستعد للسماح بعرض فيلم يصادق على هذه الحقيقة التاريخية (على الأقل بنظر أهل الاختصاص الذين يستشهد بهم)؟ أما عن صهيونية الفيلم المزعومة، فبوسع المرء أن يشك في أن لجنة الرقابة لم تشاهد إلا بداية الفيلم حيث يُقال بأن الأهرامات والصروح الفرعونية بنيت بأيدي العبيد اليهود. وإلا كيف يمكن تفسير أن يحسبوا على البروبغندا الصهيونية فيلماً اتهمه صحافيون ومثقفون غربيون بمعاداة السامية؟ يمكن مقاربة الفيلم المشاغب بوصفه محاكاة ساخرة للمعالجات الهوليودية السابقة.

في مواجهته مع الفرعون، يتصرف موسى كإرهابي، هو يثني رجاله عن مهاجمة الجيش المصري ويأمرهم بالانقضاض على الشعب المصري وقطع إمداداته وموارد رزقه وقوافل تجاراته بواسطة الغارات والأعمال التخريبية، آملاً أن يدفع ذلك الشعب المعني للضغط على حاكمه كي يقبل بشروط العبيد الثائرين. من الجائز أن يكون المخرج يلمح هنا إلى عقيدة الجيش الإسرائيلي. المقاربة الأكثر أصالة تكمن في ظهور الإله التوراتي لموسى على شكل طفل سادي. هذه المزاوجة بين القسوة والبراءة هي بدون شك الفكرة الأجمل والألمع في الفيلم. من نواحٍ عدة، غيتو العبيد اليهود يذكر بمخيم فارصوفي وانتفاضته. يظهر ذلك بخاصة حينما يرسل الفرعون جنوده للقيام بحملة مداهمة بحثاً عن عائلة موسى فيخبئهم جد العائلة في حفرة تحت الأرض، وحين ينفذ المصريون عقوبات جماعية بحق سكان الغيتو لرفضهم الوشاية بالمقاومين (شنق عائلة مع كل يوم يمر من دون القبض على موسى). لكن حين يبدأ الإله اليهودي بإنزال الويلات بالمصريين والتنكيل بهم يغير موسى موقفه ويصبح مهتماً بإنقاذ شعبه المصري الذي نشأ في كنفه من بطش الإله اليهودي. حين يخطر الطفل الإله موسى بقراره بإماتة كل الأطفال المصريين يترجاه موسى أن يعدل عن ذلك الإنتقام الرهيب، فيجيبه الطفل الإله غاضباً وهو يكز على أسنانه بأن المصريين الفراعنة استعبدوا شعبه لأربعمئة عام وأنه يريد أن يراهم راكعين ومسحوقين.

يظهر هنا الإله التوراتي إلهاً وثنياً لا يعترف إلا بإنسانية شعبه، وغضبه هو غضب شعبه. من المعلوم أن الرواسب الوثنية في التوراة جذبت انتباه الباحثين منذ القدم. بحسب اسرائيل فنكلشتاين، الديانة اليهودية تبدأ وثنية ولا تغدو توحيدية إلا لاحقاً، وذلك يتزامن مع تحولها إلى ديانة تبشيرية (ظلت كذلك لأربعة قرون). يحاول موسى عبثاً إنذار الفرعون وحين ينفذ الإله التوراتي تهديده يأتي الفرعون المفجوع لرؤية موسى حاضناً جثة طفله ويقول له: «أهذا ربك؟ قاتل أطفال؟ أي صنف من المتعصبين ممكن أن يعبدوا إلهاً دموياً كهذا؟». عدا ذلك، يبدو المصريون في الفيلم شديدي الشبه بالرومان، وهناك محاكاة فعلية لديكور الأفلام الرومانية. في هذا السياق، صبّ السود الأميركيون سخطهم على الفيلم لاختياره ممثلين أوروبيي السحنة للعب أدوار المصريين، بينما لا يظهر السود إلا في أدوار خدم وعبيد. فات النقاد أن الأمر لا يتعلق بفيلم تاريخي، بل باستعادة مبتكرة ومشاغبة لأسطورة غربية لعبت دوراً مؤسساً لدى المستوطنين الأوروبيين الأوائل في القارة الأميركية.

«أكثر الأعوام عنفاً» للأميركي جي سي شاندور.. رعاة يوتوبيا المال

زياد الخزاعي (لندن)

الرأسمالية ليست دنيئة بالمطلق كي يسبّها الجميع، بحسب الأميركي جي. سي. شاندور. هي لعبة مال وذكاء وحظوظ ومصالح ونفوذ. واجبها رباني لإشاعة «سلطة ليبرالية كونية». يشي عنوان جديده «أكثر الأعوام عنفاً» ـ الذي ساهمت مؤسّسة «إميج نيشن أبوظبي» الإمارتية في إنتاجه، وعُرِض في الدورة الـ 11 (10 ـ 17 كانون الأول 2014) لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي» ضمن خانة «سينما العالم» ـ بأن الجريمة بخاطئيها ودمائهم ورصاصهم وآثامهم هي سيرورة لوحشية نيويورك التي شهدت شوارعها تقاتلاً «هوليوودياً» بين غيلان مال ومحاصصات وصفقات وفوائد. بيد أن هذا لم يكن هاجس نصّه، إنما صاغ رؤية قاتمة لكائن مسلكي أراد تحقيق حلمه الأميركي بالثراء. ثيمته معنية بمفهوم الأخلاق وقوانينها، العدالة وتوازناتها، الفرص ومخاتلاتها، المدينة وأشْرَاكها. كائن تقع مناوراته بين حدّي صفقات منعّمة وانتصاره في تحقيقها، في مقابل نظام حاكم يتوجب ضمان رضاه.

كان على الشاب ايبل موراليس (أوسكار آيزك)، وارث هجرة عائلته واستقرارها في الولايات المتحدة الأميركية وتجارتها المتعاظمة في توزيع «نفط التدفئة»، أن يوازن بين جشع آخرين وتنافساتهم اللئيمة واعتباراته الشخصية وحنكته الاستهلاكية، والالتزام بحدّ أدنى من خرق قوانين سوق وضرائب ومناورات أرباح. هو رأسمالي فطري لا يني يرمي بحِكم ثقيلة على شاكلة: «حينما يكون من المخيف أن تقفز، يُصبح من المحتّم عليك وفي تلك اللحظة بالضبط أن تقفز، وإلا فإنك تبقى في نهاية المطاف وطوال حياتك في المكان ذاته». أعاد هذا الشاب المتأنّق تشكّل عالمه، تماماً كما فعل إدواردو نوتولا بطل فيلم «الأيدي فوق المدينة» (1963) للإيطالي فرانشيسكو روزي، واستماتته للاستحواذ على نابولي.

ايبل أب وزوج مغرم بعائلة صغيرة مهدّدة بإرهاب قتلة مأجورين. مدير ذو ضمير نادر لن يتردّد في صون سلالات موظفيه حينما تطل المؤامرات ضدهم مع تصاعد سرقة حاوياته النفطية، وتطويق صفقة شرائه أرض «ميعاد» عند ضفة النهر الشرقي للولاية، تُمهّد إلى «أعجوبته» بتوريد أنبوب نفط مباشر إلى البيوت من دون شاحنات ومصائبها. عليه أن «يربح» معركتين ضد كسر عظمه التجاري، ولعنة تفتيت مملكته. فوقائع حكايته جرت خلال عام رجيم (1981)، شهدت فيه نيويورك فورة جرائم، نسمع صدياتها عبر الإذاعات، عدتها سلطاتها آنذاك الأكثر عنفاً في تاريخ «القلب المالي للعالم الحر».

لن يستثمر المخرج شاندور الترقّب كوسيلة شدّ عصبي برخص سينمائي في مشاهد سعى ايبل لإيقاف النزف المدمر ومطاردة مجرمه الوضيع، بل يحيله على تفرس سوسيو ـ اقتصادي لمجتمع مافيوي ومناورات دمويته، حيث يطلّ المتآمر برأسه من دون روع، أو يرمي مسدسه عند عتبة بيته لإفزاعه، أو يفتئت السلطات بوثائق مزوّرة لإدانته بتحريض مدعي عام عنيد (ديفيد أويلوو). فالمال لا قيمة له من دون سطوة، كما نصحه يهودي صفقات نافذ في بداية الشريط. تلبس ايبل ملامح شخصية سام روجرز (كيفن سبيسي)، بطل باكورة شاندور «مارجن كول» (2011، تعبير مصرفي بحت، يمكن ترجمته بـ»طلب تغطية مالية»)، في سعيه إلى تفادي فاجعة عائلية جماعية مع صرف موظفي شركة كبرى. فكلما تفاقمت المحنة، رأى المضارب العتيد أن وحدته مأتمية، حيث ينظر الجميع إليه مخلصاً، فيما سلطة الدولار لا ترهبها دموع مدحورين. واجه هذه المناحة بطل الفيلم الثاني لشاندور «كل شيء ضاع» (2013)، حينما تاه روبرت ريدفورد وسط محيط مرعب، ولم يبق عليه سوى الإيمان بشجاعة لا تساوم. جمعت البسالة الشخصيات الثلاث، إذ تمكن روجرز من تقليل ضرر مجزرة، وقرر التضحية بمنصبه مستقيلاً. فيما قاوم «الصنديد البحري» حتى النهاية مستجيراً بفطنته ودربته وطالعه ويقينه. أما ايبل، فانتصر لعزمه محوّلاً المواجهة لمصلحة يوتوبياه بمساعدة زوجته آنا (جيسيكا تشيستن) التي راهنت، كما الليدي ماكبث، على حراسة مبدأ أن «يبقى الفساد بعيداً عن شخصيته وبيته». مَثَل هذا الرأسمالي المصرّ على الحق والشرعية واللاشائبة في بناء جنته (صوّرها برونق برادفورد يونغ)، موعظة بائرة لرعاة سوق لا ترحم، انتسبوا إلى عقيدة رونالد ريغان وامبراطورية «الجشع نعمة» التي رفعها باعتزاز المضارب غوردن جيكو، بطل شريط «وول ستريت» (1987) لأوليفر ستون.

أفضل أعوام السينما الفرنسية في لبنان

أصدر «المركز الفرنسي في لبنان» و»السفارة الفرنسية» في بيروت بياناً مشتركاً حول الإيرادات التي حقّقتها العروض التجارية العامّة لأفلام فرنسية في الصالات المحلية. يبدأ البيان بالقول إن العام 2014 سيبقى «عاماً مميّزاً للغاية» بالنسبة إلى هذه الأفلام تحديداً، إذ تمّ عرض 28 فيلماً استقطبت أكثر من 235 ألف مُشاهد، بينما عُرض 12 فيلماً فرنسياً في العام 2012، و15 فيلماً فرنسياً في العام 2013. أضاف البيان أن عدد مُشاهدي هذه الأفلام في العام الفائت يُذكّر بنسبة المُشاهدة المُحقَّقة في العام 2011، بفضل عرض «وهلأ لوين؟» للّبنانية نادين لبكي بصفته إنتاجاً فرنسياً. ونوّه البيان بالتعاون الممتاز بين الموزّعين اللبنانيين للأفلام الفرنسية ومشغّلي الصالات في لبنان و»المركز الفرنسي في لبنان» و»أونيفرانس» (Unifrance)، وهي الهيئة المكلّفة الترويج للسينما الفرنسية خارج فرنسا. واعتبر البيان أن النشاطات التي طبعت العامين الماضيين وتكثّفت منذ عام تقريباً، «سمحت بتسليط الضوء على الأفلام الفرنسية المعروضة في لبنان»، كزيارة الممثلتين فريديريك بل وإميلي كاين اللتين شاركتا في فيلم Qu’est-ce Qu’on A Fait Au Bon Dieu?) 2014) لفيليب دو شوفورون.

إلى ذلك، توقّف البيان المذكور عند ضرورة التنبّه إلى تنوّع الأفلام الفرنسية المعروضة في الصالات اللبنانية، بتوجّهها إلى «كافة شرائح الجمهور اللبناني»، ومنها أفلام كوميدية، وأخرى «تحمل بصمة مؤلّفها»، بالإضافة إلى أفلام موجّهة إلى الشباب والعائلات. وذكر البيان أنه من بين الأفلام التي حقّقت نجاحاً باهراً «لوسي» للوك بوسّون، الذي شاهده نحو 80 ألف مُشاهد، وQu’est-ce Qu’on A Fait Au Bon Dieu ?، الذي شاهده نحو 40 ألف مُشاهد، والجزء الأخير من Les Vacances Du Petit Nicolas للوران تيرار، الذي شاهده نحو 25 ألف مُشاهد. واعتبر البيان أن السينما الفرنسية تواصل تألّقها طوال العام في المهرجانات والنشاطات السينمائية المختلفة، منها «أسبوع النقاد» (إحدى أبرز تظاهرات مهرجان «كانّ» السينمائي) و»أسبوع قناة آرتي» و»شاشات الواقع» (المتخصّصة بالسينما الوثائقية)، إلى العروض المختلفة التي تقدِّم لمحات تستذكر الماضي.

بالإضافة إلى هذا كلّه، أشار البيان إلى أنه بدءاً من الشهر الأول من العام 2015 سيتمّ تنظيم 3 عروض سينمائية أسبوعياً في «قاعة مونتاني» في «المركز الثقافي الفرنسي»، التي جُهِّزت مؤخّراً بنظام رقمي وبتجهيزات صوتية حديثة، وذلك في إطار برمجة مميّزة لا سابق لها، ومن بينها أفلام كلاسيكية، وأخرى منتمية إلى السينما الحديثة، وأفلام موجّهة إلى الشباب. وبفضل التعاون مع موزّعي الأفلام الفرنسية في لبنان، سيشهد العام 2015 تطوّراً متواصلاً لهذه العروض، لاستقطاب عدد أكبر من المشاهدين.

السفير اللبنانية في

08.01.2015

 
 

رسائل إيليا كازان: رجل إما أن تحبه أو تكرهه

24 ـ محمد هاشم عبد السلام

صدر من قبل، الكثير والكثير من الكتب عن المخرج الأمريكي الشهير "إيليا كازان"، اليوناني الأبوين والتركي المولد، أحد أهم الشخصيات المهمة والمؤثرة في الثقافة الأمريكية خلال القرن العشرين.
وقد تناولت تلك الكتب سيرة حياته ومسيرته المهنية، التي امتزجت بالسياسة بشكل أو بآخر، وأعماله كمخرج سينمائي ومسرحي أيضاً. وقد حاولت جميعها الاقتراب من إيليان كازان الإنسان والفنان والمهني بقدر الإمكان، وقد حملت كلها وجهات نظر أصحابها. وكان كازان بالطبع قد أصدر قبل وفاته بسنوات سيرته الذاتية التي حملت عنوان "حياة".

لكن الجديد مع صدور هذا الكتاب، "الرسائل المختارة لإيليا كازان"، الذي رحل عن عالمنا عام 2003 وهو في الثالثة والتسعين من عمره، أنه يطلعنا لأول مرة على أحد الأوجه الحقيقية لكازان بصوته الخاص أو بالأحرى بقلمه هو وليس بقلم غيره، والتي آثر أن يضمنها رسائله الخاصة ولا ينشرها في كتب.

وكازان صاحب مجموعة من أهم وأشهر المسرحيات والأفلام السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد عقود، ومنها على سبيل المثال "عربة أسمها الرغبة" (1951) و"وجه في الزحام" (1957)، و"شرق عدن" (1955)، وبالطبع فيلمه الأشهر، "أمريكا، أمريكا" (1963). وقد أخرج كازان في مجال المسرح العديد من المسرحيات المتميزة لأشهر كتاب عصره، وتعتبر "قطعة فوق صفيح ساخن"، و"موت بائع متجول" من بين أشهر أعماله المسرحية.

ولم يحدث من قبل أن كان هناك من هو على نفس القدر من الإبداع المتميز والتأثير العميق وتحقيق النجاح أيضًا سواء في برودواي أو هوليوود أو فيهما معًا في نفس الوقت في عصريهما الذهبي مثل كازان. وليس ثمة شك في أن كازان قد أسهم لسنوات في تغيير وتطوير المسرح والسينما في أمريكا خلال فترة عمله بهما.

وكتاب "الرسائل المختارة لإيليا كازان"، الذي صدر في النص الأخير من العام الماضي، من تحرير "ألبرت ومارلين ديلفين". وقد جاء الكتاب في نحو ستمائة وخمسين صفحة، ويضم قرابة ثلاثمئة رسالة متفاوتة الحجم، تبادلها إيليان كازان مع العديد والعديد من الأصدقاء، وزملاء المهنة، والممثلين المسرحيين، ونجوم السينما، والمخرجين، والكتاب، وأفراد عائلته. وقد امتدت المراسلات المختارة لفترة زمنية تزيد على الستين عامًا، والقاسم المشترك الذي يجمع بينها هو هذا القدر الكبير من الصراحة الذي يتحدث به كازان عن نجاحاته أو إخفاقاته سواء على المستوى المهني أو حتى الشخصي.

وينقسم الكتاب، بعد المدخل ثم مقدمة المحرر، إلى سبعة أقسام متباينة الصفحات، جاءت على النحو التالي: الجزء الأول "البدايات: من عام 1925 – إلى 1941"، الجزء الثاني "برودواي: من عام 1942 – حتى 1949"، الجزء الثالث "مُخرِج: من عام 1950 – حتى 1935"، الجزء الرابع "استقلال: من عام 1954 – حتى 1957"، الجزء الخامس "المسرح والسينما: من عام 1957 – حتى 1961"، الجزء السادس "كاتب: من عام 1962 – حتى 1969"، الجزء السابع "سنوات لاحقة: من عام 1970 – حتى 1988"، بالإضافة إلى الملاحق التي احتوت على الهوامش والفهارس والإحالات للتواريخ والأسماء والرموز التي وردت في متن الخطابات وكانت بحاجة لشرح أو توضيح.

تيبن لنا الرسائل العديد من الأمور، أولها مدى بدائية لغة كازان الإنجليزية في خطاباته الأولى الواردة بالجزء الأول "البدايات"، لاسيما في فترة العشرينات وأوائل الثلاثينات، ومع التقدم في القراءة، نلاحظ مدى تمكن كازان من اللغة ودقته الصياغية في التعبير عن والوصول إلى ما يريده ببراعة

وتطلعنا الرسائل على الكثير من متاعبه المهنية، ومنها على سبيل المثال، رسائله إلى مديرين الاستوديوهات، الذين كانت لهم الكلمة العليا في تنفيذ الأفلام في نهاية المطاف، يتحدث إليهم فيها عن المشاكل التي تواجهها أفلامه مع الرقابة مثل، "عربة اسمها الغربة" و"شرق عدن"، و"البيبي دول". كما يشكو في الوقت نفسه من بعض المشاكل التي يواجهها معهم ومع طريقتهم في إدارة الاستوديوهات، وبخاصة شخصية بحجم "جاك وارنر"، وضيقه ذرعًا بهوليوود ونظام العمل القاتل والخانق فيها. وكذلك المعارك أو الحروب، إن جاز القول، التي خاضها منذ منتصف الخمسينات من أجل المزيد من التحرر وإضعاف سلطة الرقابة وزيادة جرعة الجرأة في الأعمال التي يقدمها دون التعرض لها بأي شكل من الأشكال.

كما تكشف الخطابات عن طريقة كازان المؤثرة في جذب انتباه من يخاطبه لبراعة أسلوبه الكتابي لاحقًا، ففي رسالة إلى الممثل القدير مارلون براندو على سبيل المثال يفتتحها كازان على النحو التالي: "عزيزي مارلون: لا يمكنني الادعاء بأنه من السهولة أو البساطة الكتابة إليك". وكيف أنه كان داهية في الحصول على ما يريده بالضبط، وهذا جلي عبر قراءة رسائله إلى أصدقائه من الكاتب المسرحيين المشاهير مثل "تينيسي ويليامز" أو "جون شتاينبك" أو "ثورنتون وايلدر" أو حتى "آثر ميلر" صديقه الحميم قبل أن تفرقهما السياسة، وتبعات ما فعله كازان مع لجنة الماكارثية آنذاك، لأكثر من عشر سنوات.

كذلك توضح لنا الرسائل تحليلاته لمسرحية من المسرحيات أو إمساكه بعيوب سيناريو من السيناريوهات بطرق تهدف إلى تحسينها وتطويرها، وهنا يتجلى وجه إيليا كازان غير المعروف عنه من قبل، وهو دور الناقد، ورؤيته الفريدة للتمثيل والإخراج والإنتاج، وذلك عبر رسائله للعديد ممن تعاون معهم أو كان هو من اكتشفهم، مثل، مارلون براندون، وجيمس دين، ووارن بيتي، وغيرهم.

وأيضاً مدى بصيرته فيما يتعلق بنجاحه في مسيرته المهنية، ثم حدسه بأفول نجمه الإبداعي. وكيف أنه كان يشعر بالاستياء الشديد وعدم النجاح على المستوى الأدبي. إذ كان كازان قد أقدم على دخول عالم الكتابة والتأليف، بنشره لرواياته، وذلك في سنوات الستينات. وقد اتضح لاحقًا، وبعدما كف كازان عن تأليف الروايات وكتب سيرته الذاتية، اتضح لنا إحساسه بالمرارة الشديدة، لكونه لم يتحقق ككاتب على النحو الذي تحقق به في مجالي المسرح والسينما وحتى الإنتاج واكتشاف النجوم والنجمات.

كذلك تطلعنا الرسائل بطبيعة الحال على جانب كبير من سيرته الحياتية، وبخاصة مشاكله الزوجية الصعبة وغير المعقولة التي مر بها، سواء بسبب علاقاته مع مارلين مونرو وغيرها أو أسفاره وانشغاله في عمله، مع زوجته الممثلة "مولي داي تاشر"، التي استمر زواجه بها لأكثر من ثلاثين عامًا حتى وفاتها. وقد أنجبت له مولي داي تاشر أربعة أبناء، ولدان وابنتان، وكانت بالنسبة له موضع ثقته وناصحته، على حد قوله في الرسائل.

كما نرصد أيضاً عبر الرسائل مرحلة زواجه، بعد وفاة مولي بسنوات قليلة، من الممثلة والعارضة "باربرا لودين" التي أنجب منها ولدين وامتد زواجه بها لعقد ونصف العقد تقريبًا حتى وفاتها عام 1980. ثم أخيرًا، زواجه بعد وفاة باربرا بعامين من "فرانسيس رودج" زوجته الأخيرة التي امتد زواجه بها لأكثر من عقدين حتى وفاته هو.

وبالرغم من أن الرسائل لم تأت على ذكر تفصيلي لقضيته الشهيرة المتعلقة بشهادته أو بالأحرى وشايته عن زملائه أمام لجنة ماكارثي السيئة السمعة. لكن كازان، مع ذلك، أشار في أكثر من مكان بالرسائل إلى هذا الأمر، وفي تلك الإشارات دافع بالطبع عن شهادته، وقال إنها كانت نزيهة ولم تصل لحد الوشاية بالزملاء أو خيانتهم أو الإيقاع بهم، ولم يتطرق كثيرًا لمناقشة التفاصيل الدقيقة للأمر، واكتفى لاحقًا بالإتيان على ذكر من قاطعوه من الأصدقاء والزملاء بسبب تلك الواقعة.

موقع "24" الإماراتي في

08.01.2015

 
 

ريع أفلام هوليوود في السوق الأميركي بحالة تراجع

بعضها مكرر وإنتاجها باهظ.. لكن الصغيرة منها حققت رواجا استثنائيا

لوس أنجليس: محمد رُضا

عندما يسقط على الأرض شيء ما فإن الدوي الناتج بثقل ذلك الشيء. لذلك فإن سقوط فيلم بحجم «توب فايف» (الذي تكلّف صنعه أقل من 20 مليون دولار) يختلف عن سقوط فيلم بحجم «نوح» الذي تكلف 125 مليون دولار وجمع من الولايات المتحدة 101 مليون دولار فقط.

صحيح أن الفيلم الديني الذي أصر المخرج دارن أرونوفسكي على منحه وجهة نظر خاصّة لحكاية النبي نوح، جمع 250 مليون دولار خارج الولايات المتحدة، لكنه في حسابات السينما كان عليه أن ينجز أكثر من 350 مليون دولار قبل أن يستطيع دخول خانة الأرباح. الباقي يذهب في سبل وقنوات مختلفة تتوزّعها الحصص وطبع النسخ وعمليات التوزيع وما يصاحبها من حملات ترويجية. ما يعني إنه إذا ما ربح «نوح» عائدا صافيا فإنه لا يتجاوز 10 ملايين دولار.

الوضع غير الوردي

باراماونت، التي أنتجت الفيلم، طوته بين دفّتي أعمالها التي قامت بإنتاجها وعرضها في العام الماضي. فهو ورد في المركز السابع والعشرين في سلّم الإيرادات الأميركية في سنة 2014، وفي المركز الـ19 عالميا. ولديها 3 أفلام أخرى سبقته في مجال الإيرادات واحتلت مراكز أكثر تقدّما على القائمتين المذكورتين: «سلاحف النينجا المشوهّة الشابة» (المركز 14 عالميا و14 محليا أيضا) و«بين النجوم» (المركز 10 عالميا و15 عالميا) ثم «ترنسفورمرز: عصر الإبادة» (في المركز الخامس محليا وفي الأول عالميا).

«ترانسفورمرز: عصر الإبادة» Transformers: Age of Extinction الذي قام بتحقيقه مايكل باي وببطولته مارك وولبرغ جمع عالميا مليار و78 مليون دولار من بينها 257 مليون دولار داخل الولايات المتحدة وكندا فقط. بينما آل المركز الأول في شمالي أميركا إلى فيلم ديزني «حراس المجرة» Guardians of the Galaxy الذي جمع 333 مليون دولار بينما حل في المركز الثاني عالميا منجزا 772 مليون دولار.

لكن هذا ليس بالضرورة أخبارا سعيدة بالنسبة لهوليوود، ففي العام الأسبق، 2013. أنجز الفيلم الذي احتل المركز الأول عالميا، وهو الفيلم الكرتوني Frozen مليار و274 مليون دولار بينما تمتّع الفيلم الذي جاء ثانيا، وهو Iron Man 3 بمليار و215 مليون دولار، أي بفارق يقترب من 200 مليون دولار عما حققه «ترانسفورمز: عصر الإبادة».

هناك انحدار ملحوظ في إيرادات الأفلام الأميركية خصوصا داخل الولايات المتحدة ذاتها. فالحصيلة الكلية لما تم توزيعه من أفلام داخل الولايات المتحدة (688 فيلما بما فيها أفلام أجنبية) بلغت 9 مليارات و716 مليون و19 ألف دولار (أي بمعدل 14 مليون دولار للفيلم الواحد). هذه الأرقام مصدرها جهة واحدة، لكن جهة معنية أخرى ترفع رقم الإيرادات الكلي إلى 10 مليارات و300 مليون دولار. هذا الفارق الضئيل بين الرقمين يؤكد ولا ينفي أن الوضع ليس ورديا لسوق اعتاد أن يستوعب 12 و14 مليار دولار في بعض السنوات السابقة. في واقع الحال، هو أقل بنسبة 5.2 في المائة عما سجّله عام 2013 من إيرادات التي بلغت 10 مليارات و951 مليون دولار.

العامل الصيني

مسؤولو التوزيع والإنتاج في كبرى الشركات الأميركية (ديزني، باراماونت، صوني، وورنر، الخ…) يشيرون إلى أن صالات السينما واصلت رفع أسعار التذاكر (نحو 9 دولارات كمعدل عام للتذكرة الواحدة) ما يعني أنه لو بقيت على حالها فإن الأرقام المسجلة في 2014 كانت ستقل عن تلك المسجّلة فيما لو كان حجم الإقبال (مليار و260 مليون تذكرة) بقي على ما هو. لكن هذه الشركات تؤكد أن العكس كان سيحصل إذ كان الجمهور سيزيد من إقباله عوض أن يزيد من تراجعه.

لكن صالات السينما تنكر ذلك وتقول إن التراجع في الإيرادات مردّه أن شركات الإنتاج لم تنتج ما يكفي من أفلام ولا ما يكفي من تنويع. حسب باتريك كوركوران في تصريح لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر»: «الشيء الوحيد الذي تطلبه صالات السينما هو أفلام أكثر. أفلام أكبر. أفلام درامية أفضل. كوميديات ذات مستوى».

والأرقام الأخرى المتوفّرة تتجه لتأكيد شيء آخر: سواء أكان اللوم يقع على رفع صالات السينما المتواصل لأسعار تذاكرها أو بسبب إحجام المؤسسات الكبيرة عن المخاطرة بأعمال أكثر تنوّعا فإن موسم الصيف (الذي هو عمود التوزيع الفقري) حصد 15 في المائة أقل مما حصده صيف عام 2013 وإذا ما نظرنا إليه مجددا فإن عدد الأفلام الكبيرة التي عرضت فيه 8 أفلام أي أقل بـ4 أفلام عما عرضه صيف 2013 من إنتاجات.

هذه الأفلام تحديدا هي «هيركوليس» و«حافة الغد» و«غودزيلا» و«سبايدر مان المذهل - 2» و«فجر كوكب القردة» و«رجال إكس: أيام المستقبل الماضي»: «ترانسفورمرز: عصر الإبادة» و«حرّاس المجرة». وبعض هذه الأفلام خسر على الصعيد المحلي عوض أن يسجل أرباحا ومنها «حافة الغد» الذي بلغت تكلفته نحو 175 مليون دولار، لكنه لم يخترق سقف المائة مليون دولار كإيرادات محلية (ونحو 200 مليون دولار عالمية).

ما خسرته السوق المحلية عوضته بعض الشيء السوق الآسيوية خصوصا الصينية. خبراء الاقتصاد الأميركيون يرون أن الولايات المتحدة باتت، ومنذ سنوات، تعتمد وعلى نحو ينقصه الحكمة، على الصين التي تزيد من ضخ المزيد من أموالها في صلب الحياة الاقتصادية الأميركية ومنها صناعة السينما. وهذا واضح بالنظر إلى حصيلة هوليوود من السوق الصيني. في عام 2014 شهدت صالات السينما الصينية ارتفاع مداخيلها بنسبة 36 في المائة عن السنة الأسبق. مجمل الإيرادات الصينية بلغ 4 مليارات و760 مليون دولار علما بأن سعر التذكرة لا يزيد عن نصف معدل سعر التذكرة في الولايات المتحدة. الفيلم الأول في حصيلة سنة 2014 صينيا هو الفيلم الأميركي «ترانسفورمرز: عصر الإبادة» الذي جمع أكثر مما جمعه داخل الولايات المتحدة إذ بلغت إيراداته الصينية 301 مليون دولار وتربّع في المركز الأول بين كل ما عرض فيها من أفلام. لنا أن نتصوّر كيف كان الحال لو أن سعر التذكرة في الصين تجاوز الـ4 دولارات أو الـ5 دولارات.

* صغيرة - كبيرة

* في وسط كل ذلك، فإن العزوف عن أفلام ذات العضلات الكبيرة من نوع «حافة الغد» و«رجال إكس» و«ترانسفورمرز» (وكلها حققت أقل مما كان متوقّعا منها) وإزاء الإقبال على الأفلام المستقلة أو الصغيرة (ولو نسبيا) وهي حسب ترتيب مجموع إيراداتها الأميركية على النحو التالي:

1 - The Grand Budapest Hotel الذي حصد 59 مليون دولار (وبلغت ميزانيته 11 مليون دولار)

2 - Chef وجمع 41 مليون و400 ألف دولار مقابل ميزانية قدرها 11 مليون دولار

3 - Birdman وأنجز 24 مليون و300 ألف دولار بينما تكلّف 18 مليون دولار

4 - Boyhood وحقق 24 مليون و200 ألف دولار الذي بلغت كلفته أقل من أي فيلم آخر: 2 مليون و400 ألف دولار.

5 - The Theory of Everything وهو خرج بـ22 مليون و700 ألف دولار وهو كلف شركته (فوكاس) 16 مليون دولار.

هذه الأفلام الـ5 تحديدا لديها ميزتان إضافيّتان. الأولى أن عروضها العالمية تجاوزت كل رقم مسجل هنا في خانة الإيرادات والثانية أنها ما زالت معروضة بنجاح في الصالات حول العالم ما يعني أن نتائجها (نظير تكاليفها) هي النجاح المؤكد للعام السينمائي المنصرم.

* الأفلام المحلية الأكثر رواجا في بلدانها

* مصر: «الجزيرة 2» (أكشن: 5 ملايين دولار)

الهند: «بي كي» (كوميديا: 8 ملايين دولار)

بريطانيا: «بادينغتون» (كوميديا: 23 مليون دولار)

فرنسا: «ماذا فعلنا للسماء» (كوميديا: 105 ملايين دولار)

الصين: «صداقة فارطة» (أكشن: 187 مليون و970 ألف دولار).

شاشة الناقد

* Exodus: Gods & Kings

* لم يسع المخرج ريدلي سكوت لتقديم فيلم ديني رغم أن هذا الفيلم الجديد له يدور حول الصراع بين الفراعنة واليهود في غابر الزمان من خلال ما ورد في الكتب السماوية. ما سعى إليه فعلا هو تقديم عمل تاريخي - ملحمي يسرد فيه حكاية ثورة على وضع كما كان فعل في فيلمه الأسبق «غلادياتور». لكن في حين أن «غلادياتور» منح الثائرين على جور الرومان حقّا كاملا ينظر الفيلم ومخرجه نظرة ريبة حيال ما يرويه من أحداث.

النبي موسى (كرستيان بايل) يتمتع بمكانة قريبة من الملك سايتي (جون تورتورو) لكن بعد موت سايتي وقيام ابنه رمسيس (جووَل إدجرتون) بالجلوس فوق العرش، ينكشف أن موسى ما هو إلا يهودي. والخلاف يدب لا بين موسى ورمسيس فقط، بل بين كل اليهود وكل المصريين القدامى أيضا. الساحة تتحوّل إلى قتال ضار بين فريقين، كلاهما، من وجهة نظر الفيلم، على خطأ. همّ المخرج هو تحقيق فيلم ضخم وفي خلال ذلك لا يكترث إذا ما داس على التفاصيل.

بتوقيت القاهرة

* الطريقة الوحيدة لإحصاء عدد المرّات التي يقول فيها ممثلو هذا الفيلم «خلي بالك من نفسك» هي مشاهدته مرّة ثانية علما بأن المرّة الأولى كانت أكثر من كافية. نور الشريف هو الرجل الذي فقد ذاكرته وينطلق مع شاب (الجيد شريف رمزي) يعمل في بيع الحشيشة للبحث عن صاحبة الصورة القديمة (ميرڤت أمين) التي ما زال يحتفظ بها. الشاب في طريقه إلى بيت الممثل القديم (سمير صبري) الذي لجأت إليه، أما بالصدفة المحضة أو لأن عدد سكان القاهرة لا يتجاوز بضع مئات، صاحبة الصورة تحت وهم أنهما تزوّجا في أفلام سابقة وأصبحت الآن على ذمّته. وابنتها، كما يكشف لنا الفيلم ما يعتقده مفاجأة، وصديقها يختليان في شقّة استعاره الثاني لكي «يعملانها»، كما يقول الفيلم. ينتقل المخرج بين القصص الـ3 وأفشلها وأفدحها وقعا الحكاية التي تقع بين الشاب والفتاة في الخلوة التي تضيع هباء بسبب افتقارها للجديد بعد 5 دقائق من مدّتها. في نتيجته خلط تقليدي الكنية والتنفيذ لما بدا فيلما جادا يتطرّق فيه المخرج إلى الدين داعيا إلى نبذ التطرّف الذي يمنع الوصال بين المحبّين ويتسبب في انهيار العائلات.

زاحف الليل Nightcrawler

* تشويقي على قدر من الفوضى في التنفيذ حول شاب يتعلّق بفرصة تصوير وبيع ما يصوّره من أحداث عنف في شوارع لوس أنجليس ليلا. يجد المحطّة التي تشتري منه ويخطط لكي يصبح ذا مكانة في هذا المجال حتى ولو اخترق كل المعايير الأخلاقية للمهنة الإعلامية أو أي حدود أمنية مثل التلاعب بأماكن التصوير إذا ما كان البوليس غائبا.

المخرج دان غيلروي يصنع عملا ناجحا على صعيد الإثارة البوليسية كما عملا فنيا مزيّنا بتصوير روبرت إلويس الرائع الذي استخدم فيه الدجيتال ثم الفيلم عندما أدرك أن الأول لا يحقق ما يريد إنجازه فنيا. جايك جيلنهول يعكس الشخصية على نحو مخيف

لا تستطيع تأييده بل تجده يثير خوفك بكل تلك النوايا الشريرة المغلّفة بالطموحات. من خلال ذلك يعمد الفيلم إلى نقد عام لا يشمل الشخصية الرئيسية فقط، بل الظروف المعاصرة التي خلقتها وتسيّرها الآن، كما الإعلام الذي يتيح لها أن ترتقي.

Top10

«ذا هوبيت: معركة الجيوش الخمسة»

* منافسة بين فيلمين

*  «ذا هوبيت: معركة الجيوش الـ5» يواصل تمسّكه بالمركز الأول للأسبوع الثالث على التوالي وبغياب أفلام جديدة قادرة على المنافسة. الإضافة الوحيدة هي لفيلم رعب عادي المواصفات بعنوان «المرأة ذات السواد 2» الذي حل رابعا. في شكل عام، كل الأفلام الـ10 الواردة أنجزت هذا الأسبوع إقبالا عزز إيراداتها السابقة.

* الأفلام

* 1(1) The Hobbit: The Battle of Five Armies (Fantasy) $21,732,090 

2 (3) Into the Woods (Musical): $18,728,441 

3 (2) Unbroken (Drama): $18,169,840 

4 (-) The Woman in Black 2: Angel of Death: $15,027,415 ---

5 (4) Night of the Museum: The Secret of the Tomb (Comedy)$14,518,274 

6 (5) Annie (Musical): $11,251,383 

7 (8) The Imitation Game (Spy): $7,772,527 

8 (6) The Hunger Games: Mockingjay 1 (Adventure) $7,558,954 

9 (7) The Gambler (Drama): $6,332,554 

10 (11) Big Hero 6 (Animation): $4,646,002

سنوات السينما: 1946: ما بين فورد وهوكس

«حبيبتي كلمنتاين» مع هنري فوندا

لجانب فرانك كابرا وويليام وايلر وجون هيتشكوك وديفيد لين وروبرت سيودماك الذين بحثنا أفلامهم في الأسابيع الماضية، كان هناك مخضرمان آخران حقق كل منهما عملا مهمّا: جون فورد إذ قدّم «حبيبتي كلمنتاين»: وسترن يعيد تقديم حكاية الشريف وايات إيرب وصديقه المقامر دوك هوليداي كما لعبهما هنري فوندا وفكتور ماتيور على التوالي وهوارد هوكس الذي غاص في غموض رواية رايموند تشاندلر «النوم الكبير» وخرج بعمل متين. الطرفة التي تم تداولها منذ ذلك الحين أن المخرج وبطله همفري بوغارت تناقشا مشهدا ثم قررا الاتصال بالكاتب لتفسيره فإذا بذلك يعترف بأنه حين كتب ذلك المشهد لم يكن واثقا مما كتب.

المشهد:

الممثل حاز سليمان في مسلسل {قتل المسيح}

* في اليوم ذاته الذي وقع فيه ذلك الهجوم الشنيع على المجلة الكاريكاتيرية الفرنسية «شارلي إيبدو» كان الممثل الأميركي المسلم حاز سليمان، المولود في لبنان، يدافع عن قيامه بلعب دور السيد المسيح في مسلسل تعرضه قناة «ناشنال جيوغرافيك» الأميركية بعنوان «قتل المسيح» Killing Jesus.

* سبب الدفاع هو آراء صدرت عن مؤسسات يمينية متطرّفة تنتقد فيها المحطة الأميركية التي أنتجت المسلسل «اختيار ممثل مسلم لكي يلعب دور المسيح». وحين سأله صحافي عن رأيه في ذلك أجابه سليمان: «في الإسلام نؤمن بالمسيح كنبي ونحترمه» وأضاف: «وكشخص نشأ مسلما هذا فخر لي أن أقوم بتمثيل هذا الدور. أنا من الذين تمثّلوا على تعاليمه»

* في المؤتمرات الصحافية التي يجلس فيها الممثل أو المحتفى به في أي حقل أمام الصحافيين هناك طاولة بينغ بونغ غير مرئية تفصل بين الاثنين. من جانب، على الممثل أن يتولّى، حسب العقد الذي وقّعه، الترويج للفيلم الذي قام ببطولته بما في ذلك إجراء المقابلات الصحافية وهو يفعل ذلك بحوافز مختلفة. فهو لا يريد معارك جانبية حتى ولو تضمّن السؤال نقدا مبطّنا ولا يريد أن يبدو كما لو أنه مغال في البراءة والحلاوة لدرجة لا تطاق.

* من جانب آخر، يرمي الصحافيون إلى الخروج بعناوين كبيرة. وإذا كانت تلك الغاية لا تتم إلا بحشر الممثل، أو محاولة حشره، بالزاوية فليكن. وهذا ما يبدو أن البعض حاول فعله هنا وأحسن الممثل الذي سبق وأن شارك في بضعة مسلسلات درامية على شاشات التلفزيون الأميركية وقام بدور مساند في فيلم «الزائر» (أمام هيام عبّاس) معالجة الموضوع.

* طبعا ذلك الهجوم على المجلة الباريسية التي سمحت لنفسها بنشر ما يسيء إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم ولمشاعر المسلمين لا ينفع في إثارة التعاطف مع أي مسلم حتى وإن كان عاملا في محطة بنزين، فما البال بممثل وما البال، بعد ذلك، بممثل يلعب دور السيد المسيح؟ كم من مسلم وعربي حاليا بات عليه، من بعد هذه العملية الإرهابية، أن يحسب مائة حساب حين يدخل المحل الذي يدخله كل يوم لشراء حاجياته أو عندما يقف في الصف منتظرا وصول دوره عند الصرّاف؟

* من ناحية أخرى، هذه جرأة محسوبة من محطة «ناشنال جيوغرافيك» الأميركية إسناد دور المسيح إلى مسلم موزّعة الأدوار الأخرى على ممثلين آخرين معروفين مثل (اليميني) كلسي غرامر في دور الملك حيرود وروفوس سيووَل (الذي قاد بطولة «هركوليس») وجون رايز ديفيز (من «سيد الخواتم»).

* مع اقتراب موعد عرض الحلقة الأولى في 171 دولة تبث بـ45 لغة، فإن المشروع يعكس قدرة الصورة اليوم في التعبير عن التلاحم الحضاري العالمي الذي لا يمكن له أن يتحقق بنجاح إلا عبر تعاضد المثقفين والفنانين وأصحاب المشاريع بصرف النظر عن أديانهم ومشاربهم العنصرية.

* والمنفتحون منّا يعرفون قيمة أن يلعب الممثل عمرو واكد البطولة الثانية في فيلم «لوسي» بصرف النظر عن قيمة الفيلم الفنيّة. ليس لأنه فاز بقبلة من سكارلت جوهانسن، بل لأن هذا الظهور هو أيضا سلاح فاعل ضد التطرّف.

الشرق الأوسط في

08.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)