كاو لاك.. الفردوس المفقود
قيس قاسم
عشر سنوات، بالتمام، مضت على كارثة تسونامي في تايلاند وعن مآسيها
أُنجزت الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وأغلبيتها ركزت
على ملاحقة قصص الضحايا وتصوير حجم الخسائر التي لحقت بالمكان
ومسخته، فيما ظلت حكايات شخصية ليست قليلة مركونة بانتظار اللحظة
التي يقرر أصحابها سردها وبالأشكال التي يرونها مناسبة لتوصيلها
إلى العالم، وعند مشاهدة فيلم "كاو لاك" سيتأكد لنا أن المخرج
والمصور السويدي ينس ليند هو واحد من هؤلاء الذين تريثوا طويلاً
قبل أن يحكوا قصتهم مع تسونامي.
يشتغل ينس ليند على تحولات المكان بوصفها المحرك الديناميكي لكل
القصص التي يقدمها في وثائقيه وعلى أساسها يلاحق أيضاً مصير حيوات
رصدها فيما مضى وعاد ثانية ليسأل عنها، وبالضرورة ما دامه قد قرر
وضع نفسه بين تلك الشخصيات التي صورها أثناء زيارته الأولى لمدينة
"كاو لاك" فإنه سيضفي على منجزه طابعاً شخصياً به سيعطي الفيلم
دفقاً عاطفياً وحميمية. يسرد السويدي كما وردت في تسجيلات كاميرته
الشخصية التي لم تفارقه حتى في عطلته السنوية التي جاء لتمضيتها مع
عائلته في منطقة ساحلية صغيرة لم تكن معروفة حينها كوجهة سياحية،
عن المخاطر المحتملة من زوال منطقة "كاو لاك" كفردوس أرضي إذا ما
تدخلت شركات السياحة العالمية على الخط وبدأت بغزو المنطقة التي
أسستها عائلة فيرويذر، كمنتجع سياحي بمواصفات طبيعية وبحس امتلاك
غير طمّاع. أثناء وجوده هناك في ديسمبر من عام 2004 دفعه حسه
المهني لإنجاز ريبورتاج تلفزيوني عن النزل السياحي الذي أقام مع
عائلته فيه ويدعى "مايز كوايت زون".
سيتضح من مقابلة أصحابه؛ رجل الأعمال الأمريكي دوغلاس فيرويذر
وزوجته ماي التي سمي المكان باسمها على غرار "تاج محل" الهندي أن
وراء المشروع قصة حب رومانسية حقيقية انتهت بزواجهما والإقامة في
نفس المكان في تجربة مختلفة كثيراً عن تجارب زواج الغربيين الكثيرة
وبخاصة كبار السن منهم بشابات تايلانديات. وجد ينس فيهما وفي
مشروعهما قصة تصلح لنقلها تلفزيونياً ولهذا اشتغل طيلة وجوده على
الموضوع مركزاً على المخاوف من تشويه فكرته التي جعلت من المكان
جنة هادئة، العيش فيها يذكر بالحياة البدائية وقد التفت وأشار في
تسجيلاته إلى الطريقة التي بُني بها المنتجع وتصميمه الذي وضعته
الزوجة ماي، المزارعة في حقول الأرز، بنفسها وكيف أنها رفضت قلع
شجرة معمرة صادف وجودها في نفس المكان الذي خططت له أن يكون
مطعماً، وبدلاً من قلعها أصرت ماي على بقائها في وسطه. فكرة الحفاظ
على الشجرة صارت الفكرة المركزية في ريبورتاجه الذي عنونه "الفردوس
المفقود". هل كان العنوان يُنبئ بمصير المكان كله؟
قبل ثلاثة أيام من عصف تسونامي انتهت عطلة ينس فرحل مع عائلته إلى
أستراليا ليكمل ويسلم ريبورتاجه إلى الشركة التلفزيونية التي كلفته
به. بعد الكارثة تزاحمت في رأسه أسئلة مدعاة للحيرة والقلق، مثل:
ماذا لو بقينا في ذات المكان وحدثت الكارثة، ما الذي كان سيحصل لي
لو فقدت أطفالي، وأي مصير سينتظر عائلتي لو طوتني الأمواج ولم أظهر
على السطح ثانية. وهواجس أخرى عن الغير؛ ما هو مصير الناس الذين
التقيتهم وأجريت مقابلات معهم وكيف هو شكل الساحل الآن؟ أسئلة
ستعيده إلى "كاو لاك" عام 2005 ليصوِّر بنفسه مخلفات الكارثة من
زاوية تجمع بين انطباعاته الشخصية وبين تجربة من عرفهم في زيارته
الأولى. على التتابع الزمني، واختلافات طبيعة المشهد المكاني،
سيشتغل ينس ويستجمع مادته الفلمية متخذاً لنفسه أسلوباً مذهلاً في
التعبير عن التفاصيل الصغيرة للمكان وتشوهاته ولمآلات الناس الذين
تعرّف عليهم.
وفي ذكاء لافت سيتجنب تبريز الجراح على السطح، والاكتفاء بدلاً عن
ذلك برسم المشهد الجديد بكل إشكالياته وتبعاته ما استوجب البحث
المضني عن الأشخاص وتفاصيل التحولات المكانية والتي لا يعرف مسح
أسطحها وكشف المخفي خلفها إلا السينمائيين الوثائقيين المتمتعين
بموهبة وحصانة فكرية. سيعود إلى "كاو بلاك" عام 2009 بصحبة
الأمريكي دوغلاس الذي زاره في بيته في الولايات المتحدة وسمع منه
قصة نجاته العجيبة وكيف رمته الأمواج العاتية على ساحل يبعد عدة
كيلومترات من فندقهم، أما زوجته ماي فقد ماتت ولهذا قرر العودة إلى
بيته الأمريكي القديم وحيداً معزولاً لاتفارقه ذكريات المكان الذي
أحبه وأحب زوجته فيه.
لم يخرب تسونامي المناطق الساحلية التي وصل إليها فحسب بل غير من
تركيبتها الجيوغرافية حين قلص المساحة الرملية للساحل عدة مترات ما
يعني تقليص مساحة الحركة والاستثمار السياحي على طول الخط الساحلي
الذي يزيد عن 20 كلم. كما أن الأمواج صارت تصل إلى أبعد مما كانت
تصل إليه من قبل فأصبح البناء صعباً لأن المياه كانت وبين فترة
وأخرى تغمر ما يُبنى وتهدمه. حركة السياحة قلّت منطقياً، بسبب
الخوف فزادت هجرة العمال من المنطقة بحثاً عن مصادر رزق في مناطق
أخرى من البلاد. كل هذه التغييرات سجلها الوثائقي السويدي ومضى
أبعد من ذلك من خلال دوغلاس الذي وثق بدوره، عبر متابعته لمعرفة
مصير أراضيه وأمواله التي تركها خلفه، ظهوراً قوياً للبنوك التي
استغلت بجشع الكارثة لمصلحتها وقام عملاؤها بتشجيع الناس على بيع
أراضيهم بأسعار زهيدة وبطرق ملتوية ودعاية منظمة تعتمد على التخويف
من مجيء تسونامي جديد وإشاعة فكرة الكساد الدائم، كما يسجل
انتشاراً للفساد في مؤسسات الدولة وازدياداً في مستوى الرشاوى بين
أفراد الشرطة وتعاونها مع المافيات المحلية.
لقد حدث خراب روحي أشد وطأة من الخراب المادي وسيتجلى بطريقة غير
مباشرة في العلاقة الجديدة بين الأمريكي دوغلاس وامرأة تايلندية
تصغره بعقود، معيداً بزواجه منها نفس التجارب السابقة المبنية على
استغلال مادي صرف لحاجات الطرفين دون اعتبار للعاطفة والتواصل
الإنساني، على عكس تجربته الأولى التي كانت تطفح بالودّ والسعادة
الحقيقية. على مستوى ثانٍ تبرز روح تضامنية بين غربيين زاروا
الساحل من قبل وأرادوا للناس العاملين فيه الخير والاستمرار
فساعدوهم مادياً لكن النتائج لم تكن مشجعة بسبب ظهور موجة بناء
ضخمة في المنطقة المنكوبة حولتها من جنة هادئة وجعلتها منتجعاً
للأثرياء لا يخرجون من فنادقها الضخمة ولا يعرفون ما الذي يخفيه
الفردوس المحيط بها من جمال طبيعي نادر.
يذهب
بعد تسجيله الحقائق الجديدة، برفقة موسيقى تعبيرية رائعة كتبها
مجموعة من المؤلفين السويديين خصيصاً للفيلم، إلى جوانيات النماذج
البشرية التي عرفها ويسجل في أواخر عام 2013 توجساً لديها من
التغيير الجديد ومن احتمال ترك المكان ونسيانه إلى الأبد. فتجربة
دوغلاس مع زوجته الثانية انتهت بالفشل كما كان متوقعاً، والنساء
العاملات في المنطقة القديمة صرن يفكرن بتأمين رزقهن في الفنادق
الجديدة مع كل ما يرافقه من شعور بالندم والخيبة، وعلى المستوى
الشخصي اعتبر المخرج ينس ليند نفسه خاسراً أيضاً لأن الفردوس الذي
أحبه وتوقع له أن يختفي قد اختفى بالفعل وما بقي من المكان لم يعد
ينتمي إلى المكان ذاته، القديم الشديد الصلة بالناس والطبيعة. لقد
ضاع فردوس "كاو لاك" ومعه أشياء جميلة لن تعود ثانية وهذا ما تحقق
منه الوثائقي وقدّمه في نهاية عام 2014 كخاتمة لتجربة شخصية محزنة
مع مكان شهد سعادات حقيقية وغمرته في لحظة خاطفة نكبات مريرة.
المغرب يسمح بـ " خروج اليهود"
المصطفى الصوفي - الرباط
شكّل فيلم "خروج.. ملوك وآلهة" لمخرجه الأمريكي ريدلي سكوت، والذي
يتحدّث عن الخروج التاريخي لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام مع
قومه وأتباعه من بني إسرائيل من مصر، الحدث السينمائي العالمي
الأبرز في الساحة السينمائية والثقافية المغربية في نهاية السنة
الماضية، ومطلع السنة الجارية، وذلك بسبب التأشير في البداية على
عرض هذا الفيلم الأمريكي الجديدة في القاعات السينمائية، من قبل
لجنة المشاهدة الخاصة بالمركز السينمائي المغربي، المؤسسة الوطنية
الوصية على القطاع السينمائي، وبعدها تم اتخاذ قرار بسحب الفيلم
ومنعه من العرض، بدعوى، أنه يحتوي على مشاهد تحيل إلى تجسيد الذات
الإلهية، فضلا عن الحديث من قبل المتتبعين عن رواية أخرى لشق
البحر، غير الرواية المتعارف عليها، وهي أن نبي الله موسى، عبر
بقومه البحر هروبا من طغيان فرعون، وذلك بعد أن شق البحر بعصاه
السحرية.
تفشِّي ظاهرة القرصنة وإغلاق القاعات
بعد خروج الفيلم إلى القاعات السينمائية العالمية، تم منح رخصة إلى
الفيلم الأمريكي لعرضه في كبريات القاعات السينمائية المغربية،
وبخاصة في مراكش والدار البيضاء، والرباط وفاس، وغيرها من المدن
المغربية التي ما تزال، تحتفظ بقاعاتها السينمائية، رغم قلة
المداخيل، وفي ظل إغلاق معظم القاعات السينمائية، واختفائها،
وتحويل الكثير منها إلى عمارات، ومشاريع استثمارية واقتصادية تدر
على أصحابها أرباحا طائلة، وذلك بسبب عزوف رواد السينما عن ارتياد
تلك الفضاءات، وتفشِّي ظاهرة القرصنة، وانتشار وسائل التكنولوجيا
الحديثة، والتي ساهمت هي الأخرى في تدنِّي عملية عرض الأفلام
السينمائية.
فبعد ترخيص لجنة المشاهدة في بداية الأمر للفيلم الأمريكي بالعرض
في القاعات السينمائية المغربية، خلال تلك الفترة، تراجعت جهات
الاختصاص عن قرارها، وبدأت في توقيف عرض هذا الشريط، عبر رسائل
شفوية، في البداية، وهي التعليمات، التي لم تجد صدى قويا لها لدى
أصحاب بعض القاعات، ولم يرضخ لها البعض، وبخاصة الساهرين على
القاعة السينمائية بمراكش والدار البيضاء، ثم جاء المنع كتابيا
ليستجيب له أصحاب القاعات، وتبدأ الأزمة، التي خلّفت ردود فعل قوية
متباينة من قبل النقاد والمهتمين والسينمائيين ومنظمات حقوقية
وجمعيات ثقافية وفنية، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل
الإعلام التي أفردت صفحاتها لهذا الموضوع، وأعطت لهذا الحدث حيزا
كبيرا للتحليل والنقاش، تداخلت فيها الكثير من الآراء والأفكار
المتباينة.
وقد ذهب بعض المحليين بعيدا إلى اعتبار قرار المنع، تجري خلفه جهات
سياسية ودينية، على اعتبار أن الوزارة التي تشرف على القطاع
السينمائي هي وزارة الاتصال، التي يقودها وزير من حزب العدالة
والتنمية، ذو التوجه الإسلامي، وهي المسألة التي قد تكون لها
تداعيات كبيرة، وستضرّ بالقطاع السينمائي مستقبلا، وذلك بالنظر إلى
عدد من شركات الإنتاج العالمية والمخرجين الأمريكيين، الذين يتخذون
من المغرب، وبخاصة من مدينة ورزازات، التي تعتبر عاصمة السينما في
المملكة، وهي العملية التي تدرّ على البلاد الملايين من الدولارات،
بالإضافة إلى انتعاش الحركة السياحية والاقتصادية، وتوفير فرص
العمل للعديد من المواطنين والشركات والمهنيين المغاربة.
حرية الإبداع دون المس بالهوية والعقيدة
ويعتبر هذا الحدث السينمائي الأول من نوعه، في عهد المدير الجديد
للمركز السينمائي المغربي (سي.سي.إم)، صارم الفاسي الفهري، الذي تم
تعيينه مؤخرا، خلفا للمدير الأسبق نور الدين الصايل، وهو السينمائي
الذي كان يتميز بكاريزمية سينمائية قل نظيرها، وقرارات استثنائية،
أنعشت الممارسة السينمائية المغربية، وذلك من خلال إقرار صندوق
لدعم الأفلام، وإحداث لجنة لدعم المهرجانات السينمائية في مختلف
مدن وجهات المملكة، وقرارات جريئة لا تمس الإبداع السينمائي في
شيء، فضلا عن دفاعه الكبير عن كل ما يمسّ السينما المغربية، هذه
العملية ركب على إيجابياتها العديد من المهتمين، والذين وجدوا في
رحيل نور الدين الصايل، وتغييره بالمدير الجديد، خسارة للسينما
المغربية، على اعتبار أن الصايل، ما يزال في جعبته الكثير، وما
يزال قادرا على الدفاع عن اختيارات المركز السينمائي، وعلى حرية
الإبداع دون المسّ بكرامة وهوية وعقيدة المواطن والمتفرج. في حين
رأوا في منع الفيلم الأمريكي الجديد، وسحبه من القاعات السينمائية
بعد قرار إجازة عرض، بداية غير سعيدة وغير موفقة لمدير جديد،
وعملية متناقضة، ولا تبرز روح المهنية والاحترافية والمسؤولية التي
يجب أن تتوفر لمؤسسة سينمائية كبيرة تعرف جديا ما لها وعليها، وكيف
تتصرف في مثل هذه المناسبات.
المنع يرفع أسهم "ريدلي سكوت" في السوق السوداء
وسيرا على المثل الشعبي الذي يقول كل ممنوع مرغوب، أصبح الجمهور
المغربي بعد قرار هذا المنع، متلهفا لمعرفة خبايا هذا الفيلم
الجديد، وهو ما رفع اسم ريدلي سكوت، ووفر له دعاية مجانية ومضاعفة،
لمتابعة فيلمه الجديد، واكتشاف سحر مشاهده، إن كانت بالفعل تستحق
المنع، أم أن في العملية خبايا أخرى، تتستّر عليها الجهات
المسؤولة، تحت ضغط جهات دينية، ما دفع الجمهور إلى شراء نسخ
مقرصنة، بأثمنة مهمة، وهو الأمر الذي أنعش العديد ممن يمتهنون هذه
الحرفة في ظل غياب جهات مسؤولة تحارب هذا القطاع النشيط والخفي
والذي، أصاب الإنتاج السينمائي والموسيقي خاصة بالكساد، حيث ما أن
يصدر أي جديد في هذا المجال إلا وتجده في سرعة البرق لدى هؤلاء
المقرصنين، الذين يتصيدون كل فرصة سانحة من أجل تحقيق أرباح خيالية
على حساب المبدعين مغاربة وأجانب الذين صرفوا أموالا طائلة من أجل
إنتاج أعمالهم، وإيصالها إلى الجمهور بطرق مشروعة، حيث بعد هذا
المنع أصبح الفيلم متداولا بشكل كبير في السوق السوداء لدرب غلف،
أشهر سوق بمدينة الدار البيضاء، ولعل هذه القرصنة الشبح الذي يخيف
السينمائيين بالدرجة الأولى، يعد من بين الأسباب الحقيقية لإغلاق
العديد من القاعات السينمائية المغربية، التي أصبحت لا تتجاوز الـ
65 قاعة بعد أن كانت تحسب بالآلاف.
تباين في الآراء بين مؤيد ومعارض
وفي هذا السياق، ومن أجل احتواء الأزمة، والمساهمة بطريقة مباشرة
أو غير مباشرة لإعادة الشريط إلى القاعات السينمائية المغربية،
والبحث في شرعية قرار المنع من عدمه، استدلّ متتبعون ومهتمون،
بمراجع ومصادر قانونية، والبحث في مبررات المنع ودوافعها
وصلاحيتها، معتبرين أن قرار لجنة المشاهدة نهائي وغير قابل للطعن
فيه من جديد، وبالتالي ضرورة الحفاظ على عرض الفيلم، دون توقيفه
لإعادة النظر فيه من جديد.
وقد تفاعل الكثير من المتتبعين مع هذا المنع، وحبذّوا الفكرة، إن
كان بالفعل يعرض مشاهد لا تتماشى مع العقيدة الإسلامية، ودون أن
تخدش هوية المسلمين، في حين اعتبر آخرون المنع مجرد قرار غير
موضوعي، ولعل أبزر رد على هذا المنع، جاء من المكتب التنفيذي
للغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام، والتي يترأسها المخرج المغربي عبد
الرحمان التازي، والذي اعتبر المنع عملية سابقة خطيرة، قد يؤثر على
مستقبل الصناعة السينمائية المغربية.
وقال المكتب في بيان له إن" منع إبداع فني بسبب اعتقادات دينية هو
عمل مثير للسخرية، ولا معنى له وغير عقلاني وغير ديمقراطي"، والذي
لا يمكن أن يكون له إلا تأثير معاكس للمقصود منه، وربما أدى إلى
تفاقم الانقسامات والتوترات الواسعة الانتشار بين مختلف الديانات
والتيارات الدينية. ومثل هذا العمل لا يمكنه بأي شكل أن يثني الناس
عن مشاهدة الفيلم بكل الوسائل التكنولوجية المتاحة اليوم.
ورأى المكتب أن هذه الممارسة ضارّة بتطور صناعة السينما الوطنية،
موضحا أن مخرج الفيلم ريدلي سكوت صور معظم أفلامه الأخيرة في
المغرب، وهي كلها من الإنتاجات الكبرى ذات الميزانيات الكبيرة. وكل
الميزانيات المستثمرة في المغرب قد حركت العديد من القطاعات
الاقتصادية، ووفرّت العمل لكثير من الناس، من استوديوهات السينما
والفنادق والمطاعم والنقل والتقنيين والممثلين، ومن الواضح أن مثل
هذا القرار قد يعيق الاستثمار السينمائي في المغرب، ويحوِّل
الإنتاجات الأجنبية إلى وجهات أخرى، مما سيمثل ضررا كبيرا على
السينما الوطنية.
الدعوة لتجنب مثل هذه القرارات
كما لفت المكتب التنفيذي للغرفة المغربية إلى أن هذا القرار مُضرّ،
ويقوِض روح الانفتاح، وحرية التعبير والتسامح المشهود بهم والذين
يميزونه عن مجموع العالم العربي والإسلامي والبلدان النامية بشكل
عام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم هو
اختيار شخصي، ومنع شخص من التصرف بحرية في هذا الخيار هو انتهاك
للحرية الفردية التي يكفلها الدستور.
وأكد بيان المكتب التنفيذي الذي وقعه عبد الرحمن التازي أنه في
القوانين الجاري بها العمل، تعتبر لجنة النظر في صلاحية عرض
الأعمال السينيماتوغرافية ذات سيادة وقراراتها نهائية وغير قابلة
للنقض، مؤكدا أن منح هذه اللجنة التأشيرة للفيلم المذكور ليتم عرضه
للجمهور، وتم التراجع على هذا القرار تحت ضغط سلطوي وصفته
بـ"التعسفي". كما اعتبر المكتب القرار غير المسبوق، يفتح الباب على
مصراعيه لممارسات مسيئة وتعسفية وغير ديمقراطية ومناقضة، داعيا
السلطات المختصة لتجنب مثل هذه القرارات التي تضرّ بمصداقية المغرب
المتسامح المشجع لصناعة سينمائية في تطوُّر مستمر.
حذف مقطعين صوتين يحيلان إلى تجسيد الذات الإلهية
إجازة عرض الفيلم بدور السينما المغربية
وأمام هذه التفاعلات، والأحداث المتسارعة، وردود الفعل القوية
والغاضبة بين مؤيد ومعارض لهذا المنع السينمائي، حيث يرى بعضها، أن
الفيلم مجرد وجهة نظر إبداعية تخييلية، وليست واقعية، على اعتبار
أن السينما عمل إبداعي خيالي تتوافر فيه عناصر التخييل بكثافة، عاد
الفيلم من جديد إلى القاعات السينمائية المغربية، وتم السماح له
بالعرض من قبل لجنة المشاهدة، وذلك بعد حذف مقطعين صوتين منه
يحيلان إلى تجسيد الذات الإلهية، كشرط أساسي وضعه المركز السينمائي
المغربي أمام مسؤولي الشريط الأمريكي، لينتهي شريط مسلسل أزمة خيمت
على المجال الفني والسينمائي المغربي، على أمل ألا تتكرر مثل هذه
العملية في المستقبل، وجعل قرارات اللجنة المختصة لمنح تأشيرات
الأفلام نهائية ومسؤولة وصارمة، ولا رجعة فيها.
وأشار المركز السينمائي المغربي بالمناسبة، إلى أنه بعد قرار لجنة
النظر في صلاحية الأشرطة السينمائية بمنع الفيلم بوجود مشاهد تسيء
إلى المشاعر الدينية للمشاهد المغربي، أجرى مدير المركز صارم
الفاسي الفهري، اتصالات مع شركة (فوكس) التي أنتجت الفيلم، فضلا عن
مخرج الفيلم ريدلي سكوت، وهي محادثات اتسمت بالمهنية والودية،
بشكل راق واستثنائي، انتهت بقبول الطرفان تحفظات لجنة المشاهدة،
وتم تعديل المشاهد، والصوتين اللذين يجسدان الذات الإلهية، حيث أكد
المسؤولون عن الفيلم الأمريكي عدم وجود أية نية مسبقة للمسّ بمشاعر
وقيم المغاربة أو المسلمين بشكل عام، ليتم إعادة الفيلم بعد تعديله
على لجنة المشاهدة، التي قررت منح الشريط تأشيرة استغلال تجاري
جديد، لتجيزه بدورها من أجل عرضه، ويصبح للجمهور المغربي إمكانية
مشاهدته في القاعات السينمائية بكل حرية.
كما كشف المركز السينمائي المغربي الذي أعرب عن ارتياحه لهذا الحل
الذي وصفه بـ"الايجابي"، عن أنه لا يوجد بلد في العالم يملك
مسؤولوها السينمائيين الحق في قول كل شيء، وإظهار كل شيء باسم حرية
الإبداع، ولكن هذا لا يعني المسّ بالحريات الأخرى، وبخاصة مشاعر
الجمهور وخاصة الدينية والعقائدية.
وقف محاكمة النوايا تجاه لجنة المشاهدة
ودعا المركز بالمناسبة، وقف محاكمة النوايا تجاه لجنة المشاهدة، في
صلاحية الأعمال السينمائية التي تقوم بعملها كما يسمح لها بذلك
القانون، دون فعل رقابة كما اعتقد البعض، معربا عن تشكراته
وامتنانه للشركة المنتجة ولمخرج الفيلم تفهمهما العميق وتعاونهما
لحل هذه الأزمة، ما يبرز التقدير الكبير واحترام مشاعر المغاربة
والمسلمين، وتفنيد مخاوف الكثيرين، من احتمال وجود تداعيات سلبية
جراء هذا المنع على القطاع السينمائي والشركاء الأوفياء في هذا
المجال.
وقد
لقي هذا الحل التوافقي بين الطرفين، ترحيبا واسعا من قبل
السينمائيين المغاربة والمتتبعين، والذين رأوا في عودة الفيلم
الأمريكي، انتصارا لحرية الإبداع الجاد والمسؤول والحالم، ولسحر
السينما، التي تظل رغم الإشكاليات والصعوبات، فسحة إبداعية للمتعة
البصرية والفرجة والحياة، هذه الأخيرة تستحق أن تعاش سينمائيا، ومن
يحبها ويعشقها فعلا، عليه أن يذهب إلى السينما.
ويعرض حاليا شريط (ايكزوديس) الذي يلعب بطولته الممثل البريطاني
بيل كريستيان، بمختلف القاعات السينمائية المصنفة، ومنها سينما
النهضة بالعاصمة الرباط، ويحكي الشريط الذي كتبه ثلاث مبدعين كبار،
وهم ستيف زيلين، وآدم كوبر، وبيل كولاج، في قالب فني ومشوق وجميل،
قصة ملحمية للنبي موسى عليه السلام، أثناء خروجه ببني اسرائيل من
مصر، هروبا من بطش فرعون، الذي جسده الممثل جوين اجيرطون، وقد صور
هذا الشريط الضخم، في كل من معابد أسوان بمصر وبريطانيا وإسبانيا. |