المغربية
فاطمة بوجو:
لايزال البعض ينظر إلى الممثلة نظرته إلى بائعة الهوى
حاورها من باريس: حميد عقبي
فنانة ونجمة سينمائية ومسرحية وتلفزيونية، متنوعة في نشاطها الفني
وتولي اهتماما خاصا بالنشاط الجمعي، تركض في اتجاهات عديدة تصرخ في
المحافل مطالبة بحقوق الفنان المغربي وبقانون يحمي حقوقه وكرامته،
تشعر بالغبن للممارسات غير اللائقة تجاه الفنان المغربي، الذي أصبح
سلعة رخيصة تتقاذفها شركات الإنتاج وجهات رسمية لا تهتم بالنوعية
والجودة، تتقاعس في إيجاد وسائل تشجع تطوير الإبداع.
مع فاطمة بوجو نستكشف قضايا خطيرة، بقوة وشجاعة تتحدث لنا لتكشف
المستور والمسكوت عنه.. إليكم ضيفتنا الكريمة:
■
نود فهم وضع العاملين في السينما والتلفزيون المغربية.. هل توجد
قوانين في المغرب تحفظ حقوق الفنان، أم أن هناك قصورا في هذا
المجال؟
□ ما نعرفه هو أن قانون الفنان المغربي سبق تقديمه إلى الحكومة، ثم
صادق عليه مجلس البرلمان، ولكن لم يتم تفعيله إلى الآن.. الأمل
الوحيد هو تدخل الملك محمد السادس، الذي وجهت له رسالة في الموضوع
كما قيل لي. نفتقد في اغلب المسؤولين روح خدمة الصالح العام أولا
قبل خدمة مصالح أحزابهم.. والقيام بالمبادرة لإصلاح شؤون
المواطنين.. فهل سينتظر هؤلاء تدخلا من الملك لتفعيل قانون الفنان؟
حقا إنه أمر غريب.
■
هل توجد جمعيات نشيطة فنيا ولها دور ملموس وفعال؟
□ في السنتين الأخيرتين كثفت من حضوري في المهرجانات، لأنني اكتشفت
من خلالها وجود شباب متميز يطمح إلى دعم الفن السينمائي وإيصاله
إلى ساكنة المناطق خارج دائرة الرباط… شباب منهم من يتلقى دعما
محليا ومركزيا ومنهم من لم يحصل عليه.. حقيقة لمست النجاح الفعال
الذي تحققه هذه الجمعيات من خلال خلق تواصل سنوي بين عشاق السينما
وممارسيها محليا، وبين الفرجة السينمائية والفنانين.. إلى جانب
تفوقهم في تنظيم ماستر كلاس مع مخرجين كبار، وورشات تكوينية
ومسابقات يستفيد منها شباب يرغب في ممارسة عشقه للسينما. وأنا
افتخر بهذا الشباب الذي رفض أن يلعب دور الضحية في غياب سياسة
ثقافية فنية واضحة المعالم في البلاد، واختار أن يكون فاعلا في
الشأن الثقافي والفني كمواطن صالح .
■
بذخ مبالغ في مهرجان مراكش ـ هل هذه المهرجانات لها ثمار جيدة على
السينما المغربية، وهل تشعرون بأن هذه المهرجانات تهتم بالفنان
المغربي. قيل إن استضافة عادل إمام تساوي استضافة 30 فنانا مغربيا،
أي ليس هناك انحياز للغريب؟
□ استغرب أن يركز الإعلام المغربي في مهرجان مراكش الدولي على
التعليق على مصاريف المهرجان وعن لباس الممثلين، بدل التركيز على
البرنامج المهم والغني للأفلام العالمية التي ينجح في تقديمها إلى
جمهور متعطش للاستفادة من تجارب عالمية متنوعة في مجال السينما لا
تسمح ظروفه بالسفر لرؤيتها، ويتناسى الدعاية العالمية التي يحظى
بها المغرب خلال المهرجان، حيث يستفاد منها سياحيا واقتصاديأ
وفنيا، من خلال توافد بعض ضيوف المهرجان الذين يعودون إلى التصوير
بالمغرب، أو لقضاء عطلة وحتى الإقامة..
فأهداف المهرجان هي جلب النجوم العالميين وتعريفهم بمخزون المناظر
الطبيعية البكر بالمغرب، ما يوفر إمكانية الشغل للعاملين في
القطاع.. ثم أن هناك ملاحظة نغفل عنها هي، أن الممثل الأجنبي يقابل
بعناية خاصة، لأنه يرسل شروطه أولا قبل الموافقة على الحضور..
فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل الفنان المغربي يتقدم بالشروط
نفسها قبل قبول الدعوة.
■
الممثل المغربي قد يشارك بدور ثانوي في فيلم يعكس صورة سيئة عن
المغرب كبلد متخلف وبدوي وغير حضاري، مع مخرجين مغاربة أو أجانب..
فهل المسؤولية تقع على الممثل وكيف يمكن معالجة هذه المشكلة؟
□ في غياب موقف حاسم من المركز السينمائي، فإن توسيع مساحة اشتغال
الممثلين المغاربة في الاعمال الاجنبية صعب ومرتبك; حضور الممثلين
المغاربة في هذه الاعمال سيبقى حضورا باهتا ولن يرقى إلى التعريف
بهم عالميا، المسؤولية أولا تقع على المركز السينمائي المغربي،
وعلى لجنة قراءة السيناريو قبل منح الدعم للمغربي، وقبل منح رخصة
التصوير للأجنبي.. ولجنة مشاهدة الأفلام بعد التصوير. أما الممثل
فبحكم ظروفه المادية الصعبة وقلة فرص الشغل فانه يمكننا القول إن
الممثل لم يصل إلى مستوى الممثل صاحب المواقف الثابتة الذي له
الشجاعة للانسحاب من العمل إذا ما كان يسيء للبلد ولساكنته.. وفي
الأفلام الأجنبية قد لا يكون لديه علم بوجود هذه المشاهد لأن
مشاركته بدور صغير لا يسمح له بمعرفة تفاصيل الفيلم كاملة.
■
الواقع السينمائي مازال متعثرا قليلا.. ما التحديات الكبرى التي
تواجه السينما المغربية وكيف يمكن تجاوزها؟ هل الأزمة في السيناريو
أم في الاخراج أم الإنتاج؟
□ انا لا أراها متعثرة، هو واقع طبيعي لأن السينما في مرحلة إثبات
وجودها أمام المتفرج المغربي، هي مرحلة التجريب والبحث عن الذات
والهوية المغربية في السينما، مرحلة يغلب فيها طابع الارتجال
والنقل عن التجارب السينمائية العالمية .. بهدف إرساء دعائم
سينمائية مغربية ثابتة تؤسس للإبداع السينمائي مستقبلا.. إنها
المرحلة التي تفرز جيلا جديدا من الشباب إلى جانب الموجودين من
الرواد.. وبعدهم ستأتي مرحلة التأسيس الحقيقية.. أنا أصفق للجميع
بكل حرارة لأنهم نجحوا في إعادة تصالح الجمهور مع قاعات السينما..
ما تفتقر إليه السينما هو كتاب سيناريو حقيقيون.. وهم موجودون، فقط
على المسؤولين الرفع من قيمة الحافز المادي لجلب الكتاب والأدباء
المغاربة الحقيقيين، فرسان الكلمة والإبداع، ليمنحوا المخرجين
سيناريوهات قوية بعمق مواضيعها وشخصياتها… وبصورها البلاغية
الجميلة التي ستقدم للمخرج وعلى طبق من ذهب مفتاح الانطلاق في عالم
الإبداع والجمال، من خلال الصورة التي ستخاطب خيالنا ووجداننا، بدل
التركيز على عقولنا من خلال حوارات عقيمة وقصة فارغة.. والإبداع
ليس رهينا دائما بالمادة، بل بالتكوين المعرفي والعلمي للمخرج
وبانفتاحه على محيطه.. لأن المخرج الذي يفتقر إلى تصوره وفلسفته
الخاصة للحياة والوجود والدين والقيم سيبقى همه دائما، إنجاز قصة
مصورة ترضي فئة قليلة من الجمهور ولن يصل ابدا إلى العالمية.
■
تحبين العمل في التلفزيون الذي هو الطريق إلى قلوب البسطاء.. نود
التعرف على هذه التجربة؟
□ لا يمكننا الحديث عن حرية الاختيار في العمل بالتلفزة، أم
بالسينما في غياب البنية التحتية والقوانين المنظمة للمجال الفني،
ونظرا لتخلي القطاع الخاص عن خوض مجال الإنتاج الدرامي.. فإن فرص
الشغل نادرة مما يضعنا أمام وضع القبول بما يقدم إليك.. صحيح أن
التلفزة تمنحك الشهرة التي توسع جمهورك في المسرح والسينما وأيضا
تمنحك دعما معنويا من جمهور يحتضنك ويعاملك بكرم لا مثيل له.. فإن
العمل في التلفزيون هو مغامرة مجهولة المصير، كرة ذهبية يتقاذفها
المنتج بالشركات الخاصة وبعض المسؤولين في التلفزيون ، إنها بقرة
حلوب وما الممثل الا اليد التي تستنزف كل طاقتها لتخرج هذا الحليب
في ظروف مهنية بائسة تنعدم فيها أدنى الشروط الإنسانية.. وفي
النهاية لا يسمح لها بإرواء عطشها من هذا الحليب.. إنه عمل أمارس
فيه عشقي للتمثيل.
نقبل سيناريو ضعيفا.. ونجتهد في العمل على شخصيات فارغة من
الداخل.. ونشارك في أعمال لا ترقى إلى طموحنا.. أعمال تغيب فيها
شخصية المغربي الاصيل ذي الروح البطولية المنفتح على كل الثقافات..
ونشتاق فيها لشخصيات عظيمة من صفحات تاريخنا.. إنها تجربة عندما
أردت أن أختار فيها نوعية أدواري وجدت نفسي خارج الساحة الفنية
لسنوات.. إنها تجربة أن تقبل ما يقدم اليك أو تختفي عن الأنظار.
■
المسلسلات المدبلجة التركية بالمغربية عليها إقبال كبير.. بينما
نجد اللهجة متوسطة في المسلسلات المغربية والمتفرج العربي يغرق في
تعقيدات اللهجة؟
□ تجربة المسلسلات المدبلجة نتيجة عدم ثقة المسؤولين في الإنتاج
المغربي، وفي افتقادهم إلى حس الغيرة على الهوية المغربية.. وأيضا
في اختيار الطريق السهل لكسب مداخيل الاشهار التي توفرها نسبة
المشاهدة العالية لها…. وهي أعمال نجح صانعوها في إبهار المتفرج من
خلال عنصر التشويق.. اما عن اللهجة المغربية فإنها أبدا لن تكون
عائقا امام تسويق الدراما المغربية، لأنه كما تعود جمهورنا على
لهجة الخليجيين والسوريين و.. فان المتفرج العربي ايضا يمكنه ذلك
مع الدراما المغربية..
■
يمتلك المغرب كوادر فنية وبيئة جميلة ..مع ذلك الأعمال التلفزيونية
تنشط في رمضان فقط، فهل يظل الحال إلى الابد.. ألا توجد رؤية
لتطوير الدراما المغربية؟
□ انه سؤال بدون جواب..عندما تتوفر الإرادة القوية لخلق إنتاج
درامي متواصل طيلة السنة، فإنه لا شيء سيقف في وجه ذلك، خاصة أن
جمهورنا متعطش لرؤيتها ويشجعها دائما..
لن أقول إن المسؤولية تقع فقط على ذوي القرار، بل على المواطن
التشبث بجذوره وثقافته مع الانفتاح على ثقافة الآخر واحترامها. على
الجميع امتلاك الروح الوطنية، يجب السعي لتغيير واقع الدراما
الغائب طيلة السنة والحاضر في رمضان فقط.
■
فاطمة باجو متنوعة الإنتاج فهل حققت ما تمنيته كممثلة؟ ما الذي
دفعك إلى هذا المجال وهل انتِ راضية لما وصلت إليه؟
□ توجهت إلى التمثيل بعد تجربة المسرح المدرسي بالقنيطرة حبا في
العمل الجماعي التي بهرتني وقتها، وفي الوقت نفسه التمثيل كان
لمساعدتي في رحلة البحث عن ذاتية ومعرفة شخصيتي ومن اكون، للخروج
من حالة هذيان شخصي مع الرغبة في خلق فرجة ممتعة وراقية لي
وللمتفرج، نعم نجحت في الوصول إلى بر الأمان في رحلة البحث عن ذاتي
ونجحت في التصالح مع نفسي، وفشلت في تحقيق طموحي في لعب شخصيات
بطولية تبصم مساري الفني وتؤثر في المشاهد… لأن فرجتنا الدرامية
تدغدغ المتفرج وتمنحه متعة آنية مؤقتة تزول مع اطفاء جهاز التلفزة..
ولم ارو حتى الآن عطشي من التمثيل وما زلت في خطواتي الأولى حتى
وإن قالت سيرتي الذاتية غير ذلك.
■
هل تنصحين الشابات بمهنة التمثيل.. وهل نظرة المجتمع للممثلة
تغيرت؟
□ أنا أومن بأن الحياة تجربة مستقلة خاصة بكل فرد وليس من حقي
تسميم أفكار الآخر.. أقول مرحبا بهن وبالجميع وليكن حكمهن الخاص من
خلال تجربتهن الذاتية.. أما عن نظرة المجتمع للممثلة بصراحة اقول
لم تتغير ولم نتخلص بعد من النظرة السلبية للممثلة، حتى إن كانت
ساحتنا الفنية زاخرة بممثلات ناجحات في الميدان الفني، وايضا في
حياتهن مع أزواجهن، فما زال العديد من افراد مجتمعنا ينظر إلى
الممثلة نظرته للعاهرة، أذكر انه في التسعينيات كان أول رجل تقرب
مني كان لظنه انني متحررة جدا في علاقتي بالرجال.. والشيء نفسه مع
الرجل الثاني، والآن ايضا مع أنني متزوجة أتعرض لهذه المواقف.
السيناريست
الراحل عبد الحي أديب…
بين الكلاسيكية والحداثة
رانيا يوسف
عبد الحي أديب.. الحاضر البديهة والنكتة، بهذه الكلمات بدأ الكاتب
إبراهيم الدسوقي أول فصول كتابه «عبد الحي أديب بين الكلاسيكية
والحداثة»، الذي صدر حديثاً عن سلسلة آفاق السينما الهيئة العامة
لقصور الثقافة، في محاولة لتحليل خطوات مشواره في فن كتابة
السيناريو، الذي امتد على مدار 50 عاما، السيناريست الراحل عبد
الحي أديب (22 ديسمبر/كانون الأول 1928 – 10 يونيو/حزيران 2007) ،
يعد أحد أهم كتاب السيناريو في تاريخ السينما المصرية منذ بداياته
عام 1958، رسم لنفسه خطاً إبداعياً يميزه عن باقي ابناء جيله.
يشير المؤلف من خلال رؤيته الشخصية وقراءته لسينما عبد الحي أديب
بالإضافة إلى مجموعة من الحوارات التي أجراها في السابق مع
السيناريست الراحل، إلى الدور الذي لعبته البيئة التي ولد فيها
أديب على تكوينه الذي ارتبط بفن السينما، وأسهمت عدة عوامل
اجتماعية على نمو هذه الذائقة معه على مدار سنوات شبابه، حيث كان
يداوم على مشاهدة الأفلام السينمائية من شرفة منزل شقيقته، التي
تطل على إحدى قاعات السينما الصيفية، والتي أتاحت له توفير مشاهدة
يومية لكل الافلام الحديثة التي كانت تعرض فيها، خاصة أعمال شارلي
شابلن، ويؤكد المؤلف على دعم عائلة أديب له، خاصة والده الذي شجعه
على متابعة العروض السينمائية، كما ساعده التحاقه بفريق التمثيل في
المدرسة على التعرف على مفردات صناعة الفيلم السينمائي، ويؤكد أديب
في حوار له مع مؤلف الكتاب، أن المخرج الراحل أحمد بدرخان شكل وعيه
الفني، وكان أول من فتح هذا العالم الساحر أمامه، خاصة بعدما التحق
بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبدأ بدراسة نصوص المسرح العالمي،
حيث أسهم الفنان زكي طليمات صاحب التأسيس العلمي لخلق النموذج
الفني والمهني في طلاب هذه المعهد ذلك الوقت، ويضيف أديب: «تعلمت
الفن الحقيقي من رواد لا نزال مدينين لهم بكتاباتهم وأعمالهم
الفنية».
ويحيل المؤلف شخصية عبد الحي أديب في كتاباته السينمائية إلى قدرته
على اختيار المكان الرئيسي للأحداث، ليدفع فيه أحداثه وشخصياته إلى
الصراع معاً ليصل بهم إلى وحدة الزمان، في فيلم «باب الحديد» اعتمد
أديب على ثراء ذاكرته للمكان الذي كان يطل منزل عائلته عليه، وهي
محطة سكة حديد بمدينة المحلة، مستخدماً خياله الدرامي في توصيف
شخصيات واقعية تنتمي إلى هذه البيئة، بما فيها من مشاكل وفقر
ورغبات وأحلام، ويشير الكاتب إلى أن هذا العمل لم يكن فيلماً من
داخل إطار السينما المصرية في تلك الفترة، حيث خرج أديب من إطار
الكوميديا الهزلية والموضوعات التي تتعرض للطبقات الارستقراطية أو
الافلام الغنائية العاطفية، إلى كشف الحياة البائسة لفصيل كان
مهمشا فنياً لسنوات طويلة، لكن الفيلم استقبل بهجوم شديد من جانب
الجمهور الذي لم يكن معتادا على مثل هذه الموضوعات الميلودرامية.
بعد الفشل الجماهيري الذي استُقبل به فيلم «باب الحديد» الذي لم
يصمد في دور العرض سوي يومين فقط، ابتعد عبد الحي أديب عن صخب
المدينة إلى قصة أكثر خيالا عبر شخصية نسائية تبحث عن الغواية في
مكان أقرب إلى الصحراء، فيلمه الثاني «امرأة في الطريق»، الذي يقول
عنه مخرجه عز الدين ذو الفقار في أحد حواراته، إنه عبر في هذا
العمل عن الغريزة التي يحملها كل إنسان في شخصيته، خلق هذا الفيلم
أول رابط بين سيناريوهات أديب والجمهور الذي وجد فيه ضالته، فهو
ينتهج مبدأ الأفلام السائدة الذي اعتاد الجمهور على مشاهدتها، وكتب
الفيلم شهادة ميلاد جماهيرية للسيناريست الشاب.
يوضح المؤلف أن السيناريست عبد الحي أديب فرض اسمه على سيناريو
الفيلم السينمائي عام 1958، من خلال لقائه مع المخرج الكبير نيازي
مصطفى بعد النجاح الذي حققه فيلمه الثاني «امرأة في الطريق»، حيث
تبناه نيازي فنياً وقام بإشراكه في كتابة 4 أعمال سينمائية، فتحت
موضوعاتها المختلفة عن النوعية التي كان يتطرق إليها أديب افاقاً
أخرى لخياله الإبداعي، لكنه اختزل هذا التأثر وأعاد صياغته بما
يوازي موهبته.
دخل أديب مع نيازي مصطفى في نمط أفلام الحركة الذي تحمس لها الفنان
فريد شوقي وانتجتها الفنانة هدى سلطان، مثل فيلم «سواق نص الليل»
و»ابو حديد» و»سلطان» وغيرها، حيث اضفى عليها أديب روح الحياة
الشعبية وتناول موضوعات واقعية وتجسيد شخصيات تلامس الشخصيات
الحقيقية التي تدور في بيئتها الأحداث، وتوالت الأعمال بين أديب
ونيازي حتى بلغت 36 فيلماً حتي عام 1985، تنوعت بين الأكشن
والكوميديا والاستعراض والتراجيديا.
يقتطع مؤلف الكتاب إبراهيم الدسوقي أكثر من ثلاثة فصول يحلل فيها
بعض الأعمال السينمائية التي جمعت بين أديب ونيازي مصطفى، والتي
تعتبر أهم وأبرز كتاباته السينمائية، عوضاً على مشاركته لمخرجين
آخرين، مثل المخرج كمال عطية الذي قدم معه فيلم «سوق السلاح»،
وعودته للعمل مرة اخرى مع المخرج يوسف شاهين في فيلم «نداء
العشاق»، ومع المخرج محمود ذو الفقار في فيلم «العملاق»، لكن تظل
علاقته مع نيازي مصطفى والثنائي الفني الذي كونوا علامة في تاريخ
السينما المصرية على مدى 27 عاماً.
اتجه عبد الحي أديب في مرحلة متقدمة من حياته المهنية إلى كتابة
النصوص التي تحمل قدراً من الإسقاط السياسي والتي تعكس حالة
التدهور التي أعقبت ثورة عام 1952، في عام 1963 قدم اديب مع المخرج
توفيق صالح معالجة فنية لنص فيلم «صراع الأبطال» الذي يرصد انتشار
مرض الكوليرا في القري المصرية نهاية الاربعينات، ويواصل أديب في
فيلمه «العرافة» الذي أخرجه عاطف سالم عام 1981 قصة طالبة وناشطة
سياسية تقوم السلطة باعتقالها بسبب أفكارها السياسية، معبراً بهذا
النص عن معاناة جيل كامل تعرض للاعتقال أثناء فترة حكم السادات،
خاصة طلبة الجامعة المعارضين لسياسات النظام.
يختتم المؤلف كتابه عن الكاتب الراحل عبد الحي أديب بسرد لأهم
الأفلام التي شكلت مسارا مهما لمشوار اسم أديب في تاريخ صناعة
السينما، التي تنوعت موضوعاتها بين الكوميديا والواقعية والحركة
والميلودراما، كما استغل أديب ثراء التاريخ العربي من الحكايات
والقصص الشعبية الأسطورية وأعاد صياغتها بما يتناسب مع سوق صناعة
السينما في مصر.
في عام 1985 قدم مع المخرج أشرف فهمي فيلم «سعد اليتيم» موضوعه
مأخوذ من الموروث الشعبي، ويتناول عصر الفتوات في فترة الأربعينات،
لم يغفل أديب أيضا الاقتباس من النصوص الأجنبية، يوضح المؤلف أن
الكاتب اقتبس عدة موضوعات من روايات أجنبية قام بمعالجتها وإعادة
تمصيرها وإضافة أجواء مصرية حقيقية على أحداثها، كان آخرها فيلم «استاكوزا»
الذي أخرجته ايناس الدغيدي عام 1996 عن نص وليم شكسبير «ترويض
النمرة».
يشير الكاتب في ختام الكتاب إلى أن أعمال عبد الحي أديب في مجال
كتابة السيناريو تجاوزت 93 فيلماً على مدار نصف قرن، متجاوزاً
مجموعة من الأفلام أنتجت في تركيا لعدم وجود الأفلام نفسها أو
إمكانية الرجوع إليها وتوثيقها.
فيلمان
محفوران في ذاكرة جيل الخمسينيات (1 من 2)…
«الوسادة الخالية» لـ إحسان عبدالقدوس
عبدالله المدني*
شاهد جيلنا في سنوات مراهقته العسيرة أفلاما سينمائية كثيرة، عربية
وهندية وأمريكية المنشأ. لكنه لم يتوقف كما توقف عند فيلمين مصريين
أجزم أنّ أحداثهما لا تزال حاضرة وعالقة بأذهان الكثيرين، رغم
تقادم الأيام والسنين وتنوع الاهتمامات وازدحام المخيلة بالصور
والمشاهد والتجارب المختلفة.
الفيلم الأول الذي أسر جيلنا فانشغل به طويلا هو فيلم «الوسادة
الخالية» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب إحسان عبدالقدوس
ابن إحدى أشهر صحافيات مصر في عهدها الذهبي، فاطمة اليوسف» الشهيرة
بـ «روز اليوسف» من زواجها بالممثل محمد عبدالقدوس الذي شارك في
عدد من أفلام الأربعينات والخمسينات مثل، «رصاصة في القلب»، و»أنا
حرة»، و»رسالة من امرأة مجهولة) مؤديا أدوار الأب الحنون أو العجوز
المتصابي أو صديق العائلة الظريف.
الميزة الأولى لهذا الفيلم، الذي أنتج عام 1957 وعرض للمرة الأولى
في مصر في سينما ريكس في العام ذاته، وكانت البحرين أول أماكن عرضه
في الخليج، في العام التالي، قبل أن يعرضه تلفزيون أرامكو من
الظهران في عام 1959، هي أنه يجسد على الشاشة قصة الحب الأول
ولوعاته في حياة الإنسان، ومدى ما يكابده من آلام ومتاعب وصراعات
نفسية للوصول إلى محبوبته والاقتران بها، في مجتمع لا يعترف بالحب
أو على الأقل لا يسمح به علنا. هذا الحب الذي يصفه البعض بحب
المراهقة، قائلا إنه سرعان ما يذبل وتنطوي صفحته بمجرد أن يكبر
صاحبه ويشق طريقه نحو الحياة العملية ويكوّن أسرته الصغيرة، بل
الحب الذي وصفه كاتب الرواية نفسه بـ«الوهم الكبير»، حينما قال في
مقدمتها: «هناك وهم كبير في حياة كل واحد منا، اسمه الحب الأول»،
وكأنما أراد أن يقول إن الحب الحقيقي هو ذلك الذي يأتي بعد نضوج
الإنسان فكريا واستقراره نفسيا. لكني أعتقد جازما أن الحب الأول
ليس وهما، فقد ينسى الشخص حبيبته الأولى وربما تنساه هي أيضا، إذا
ما تفرقت بينهما السبل والظروف، لكنه يظل حقيقة، ويبقى مدفونا في
دواخل المرء مهما تقادمت به الأيام والسنون… يجتره كلما خلد إلى
نفسه، وتعاوده ذكرياته وإرهاصاته حتى بعد أن يقترن بأخرى وينجب
منها البنين والبنات، بل أن طرفي الحب الأول إذا ما صادف أن تقابلا
فجأة في مكان ما بعد طول افتراق فإن كل ذكريات حبهما البريء ستعود
دفعة واحدة، من دون أن يعني ذلك عودة الحب نفسه مرة أخرى. وهذا
أكبر دليل على أنّ أثره كامن ويمكن أن ينفجر في صورة دقة قلب أو
ارتباك أو رعشة أو دمعة. أما سبب نفينا لصفة الوهم عن الحب الأول
فهو أنه حب زمن المراهقة الذي يمثل لكل إنسان مرحلة شبابه وطهره
وبراءته وعفويته وأحلامه الوردية. فكم كان صادقا الشاعر الكبير
أبوتمام حينما أنشد:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحـُب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منــزل
أما الميزة الأخرى لفيلم «الوسادة الخالية» فهي أنه لم يبالغ ولم
يتكلف، فجاء مطابقا لواقع حال السواد الأعظم من المحبين والعشاق في
تلك الحقبة الخمسينية. وبكلام آخر لم يلجأ منتج الفيلم «الشركة
العربية للسينما»، ومخرجه صلاح أبوسيف إلى اختيار فتاة ذات جمال
صارخ، وشعر ذهبي مموج، أو ذات الدلال الزائد والثراء الفاحش، لتلعب
دور البطولة وإنما عمد إلى اختيار فتاة عادية – وإنْ كانت بقوام
رشيق وعينين خضراوين وجفون ناعسة وصوت مغر هامس – مثل لبنى
عبدالعزيز.
وبالمثل فهما لم يختارا لأداء دور البطولة أمام الأخيرة شابا رياضي
البنية، يتقطر وسامة، وينتسب إلى أسرة ذات حسب ونسب، وإنما وقع
اختيارهما على عبدالحليم حافظ، الطالب الجامعي الفقير الذي لا
يرتدي طوال الفيلم سوى كنزة واحدة من النوع البسيط فوق بنطال بدا
عليه أنه من خياطة دكانين الخياطة الشعبية في منطقة «العتبة»، ولا
يجد قيمة فطيرة أو تذكرة دخول إلى «جنينة الحيوانات» إلا بالتحايل
مع صديقيه في الفيلم أحمد رمزي وعبدالمنعم إبراهيم. وأخيرا فربما
كان من الأسباب التي جذبتنا للفيلم احتواؤه على أربع أغنيات من
أجمل ما غنى العندليب الأسمر من ألحان الثلاثي الخالد بليغ حمدي
ومحمد الموجي وكمال الطويل. وهذه الأغنيات هي: تخونوه، في يوم من
الأيام، مشغول وحياتك، وأول مرة تحب يا قلبي.
*كاتب وأكاديمي من البحرين |