تأليف: وحيد حامد
عن قصة: عبدالرحمن فهمي
إخراج: تامر محسن
تمثيل: محمود حميدة – محمد فراج
إنتاج: دولار فيلم (نيوسنشري)
مدة الفيلم: 100ق
في ثاني تعاون بينهم بعد مسلسل«بدون ذكر اسماء»من إنتاج 2013 يقدم
الكاتب وحيد حامد والمخرج تامر محسن تجربتهم السينمائية«قط
وفار»متخذين من الشكل الكرتوني اطارا لصراع عباس القط وزير
الداخلية وحماده الفار المواطن الغلبان حول جثة«أم حماده»بنت عم
الوزير التي تصبح رمزا لبلد جميل الكل يرغب فيه ولكنه في النهاية
سوف يسقط من طوله مصابا بأزمة قلبية مفاجئة ليبدأ الصراع حول من
احق بدفن الجثة.
ولكن ماذا يعني الشكل الكرتوني؟ ولماذا لجأ إليه صناع الفيلم؟
يعني أن تصبح الصياغة الدرامية والبصرية للفيلم أقرب إلى نوعية
أفلام الكارتون بكل ما تحمله من سخرية وطرافة وجنوح نحو الفانتازيا-الأجتماعية
والسياسية-بداية من اسماء الشخصيات عباس القط وحماده الفار مرورا
بأداء الممثلين الكاريكاتوري ووصولا إلى ذروة الفيلم بالأنتقام من
الوزير عبر افشال الجنازة التي يعتمد عليها لبقائه في الوزارة على
اعتبار انه ابن الشعب.
وعادة ما يلجأ صناع الأفلام إلى هذا الشكل في محاولة لتمرير مساحة
النقد الأجتماعي والسياسي الموجودة في الفيلم من تحت أنف الرقابة
خاصة إذا ما كان الفيلم يتعرض لاحد افراد السلطة بشكل مباشر ولاذع
ووحيد حامد نفسه هو أكثر مؤلف سينمائي تعرض للوزراء ورجال السلطة
في أفلامه خاصة في الربع قرن الأخير وعقب 2011 لم تعد مسألة التعرض
للوزراء بأمر يحتاج إلى أي قدر من الألتفاف أو المواربة بل صار من
السهل أن يتعرض العمل الفني إلى شخصية رئيس الجمهورية ذاته وبالأسم
الصريح.
ان اختيار الشكل الكرتوني لتقديم معالجة للقصة القصيرة التي كتبها
الكاتب الراحل عبدالرحمن فهمي سببه الأساسي والواضح هو الوقوف على
حجم العبثية والهزل التي وصل إليها واقع المجتمع المصري والذي
بالمناسبة لم يعد يرتبط تحديدا بحقبة مبارك الذي نرى صورته في
خلفية مكتب وزير الداخلية لكي نتعرف على زمن الأحداث ولكنه اقرب
لجين من العبث اصبح كائنا في شخصية المجتمع المصري أي باختصار لو
أن احداث الفيلم تدور في الحقبة الحالية فان ما حدث بين عباس القط
وحماده الفأر من صراع طبقي اجتماعي سياسي سوف يحدث بالتفصيل مع
اختلافات بسيطة.
أن زمن الأحداث الحقيقي هو زمن معنوي وليس مجرد حقبة مبارك لاننا
في النهاية لسنا أمام واقعة فساد من تلك التي كانت منتشرة ولا تزال
في أورقة السلطة ولكننا أمام رؤية لطبيعة العلاقة ما بين قط السلطة
وفأر المواطن.
محمد فراج هو حماده الفأر بأداء كرتوني يحاكي شكل وطريقة الفأر لو
أنه اتخذ ملامح بني ادم مواطن بسيط أزمته في الحياة أن أمه سيدة
جميلة«سوسن بدر»وأن كل رجال الحتة يريدون الزواج منها بل أننا
نكتشف أن عباس القط نفسه وزير الداخلية وابن عمها كان يرغب فيها
قبل أن يتزوج من ابنة احد البورجوازيين«سوزان نجم الدين».
يمنح الشكل الكرتوني شخصية الفأر وأمه مساحة من التعاطي مع أنواع
أخرى كالبارودي أو المحاكاة الساخرة فحماده على سبيل المثال يحلم
بأمه في فستان أحمر ورجال كثيريون يريدون اشعال سيجارتها تماما مثل
البرومو الشهير لفيلم«حلاوة روح»بل أن الكثير من لقطات أم حماده في
الحارة وهي تقوم نشر الغسيل مستعرضة قوامها الفاتن-مع فارق السن
والشكل بالطبع-تذكرنا بمشاهد الأغراء التي قدمتها هيفاء وهبي في
نفس الفيلم في حين نسمع صوت حماده الفأر وهو يحادث أحدى المذيعات
التي تستمع لأعترافاته الليلية وهو يشتكي عذابا من وضع أمه
الشهواني وسط رجال كلهم يريدون اقتناصها.
وبالمناسبة فأن الشكل الكرتوني ليس أن يقوم الممثلون بالمبالغة
الكاريكاتورية طوال الوقت في الأداء وان يصبح لدى كل شخصية معادل
حيواني أو فانتازي بل يكفي أن تصبح الشخصيات الرئيسية هي محط
التصور الكاريكاتوري على أن تتسم بقية الشخصيات بالأنسجام والتفاعل
مع اداء الشخصيات الرئيسية. مثل اهل الحارة أو زملاء حماده في
العمل في جريدة الأهرام، وحتى محمود حميدة نفسه قدم شخصية عباس
القط بالكثير من النضج والتوازن دون هزل في الأداء بل جاءت الطرافة
والتعبير عن روح القط عبر التفاصيل الدرامية وردود الأفعال
والقرارات التي يتخذها في محاولة للأستفادة من وفاة ابنة عمه التي
اخذت الصحافة عنها خبر. بينما نجد الاداء الهيستيري لسوازن نجم
الدين زوجة الوزير وكذلك الأداء القريب من خليط هانا مونتانا
وباربي لأبنة الوزير كلاهما يتسق مع الأداء الكرتوني لحمادة الفأر
على مستوى الشكل والمضمون فنحن في النهاية أمام واقع عبثي تُرسم
فيه ملامح الشخصيات بضخامة مضحكة ولكن لكي نتأمل ملامحها الداخلية
التي تشكل واقعنا المعاش.
وبدون أن يضع المخرج خطة بصرية للتعاطي مع اداء الشخصيات
الكاريكاتوري فأن أي شكل أو نوع بصري يفقد نصف قيمته تقريبا وكل
تأثيره تقريبا ويتحول إلى هزل سمج وليس اداة توصيل فكرية وشعورية،
فأختيار زوايا الكاميرا المواجهة للشخصيات وأحجام اللقطات المتوسطة
والقريبة والعدسات التي تمنح وجوه الممثلين خاصة الرئيسيين منهم
شكلا مقعر كوميديا كل هذه العناصر هي جزء من النوع الكرتوني، وهي
المساهمة البصرية الأساسية في التعاطي مع سياق الدراما الهزلي
والعابث.
أن الوقوف على شكل الفيلم وطبيعة النوع الذي يقدم الفكرة من خلاله
هو ما يجعلنا نحدد إذا ما كان الأداء يميل للمبالغة الغير فنية
والأحداث تميل للسطحية والتفاهة والامنطقية أم أن كل هذه المبالغة
تصب في صالح توصيل الفكرة واحداث التأثير المطلوب على المشاهد.
ينتمي الفيلم دراميا إلى ما يمكن أن نطلق عليه(دراما كرة الثلج)اي
تلك الدراما التي تنشأ من حدث صغير جدا وعابر (كأن تطلب زوجة
الوزير من ام حمادة أن تأتي إلى قصرهم يوم خطبة ابنتها من أجل أن
تزغرد) فتموت أم حمادة بأزمة قلبية ويكتشف مدير الأهرام أنها ابنة
عم الوزير فيبلغ رجالات السلطة من أجل التعزية ليصبح الوزير بين
عشية وضحاها في موقف لا يحسد عليه ما بين الأعتراف بقرابته لهذه
الخادمة والغاء خطبة ابنته وإقامة جنازة تصلح لأن يحضرها مندوب من
رئاسة الجمهورية أو تجاهل الامر كله والمخاطرة بالطرد من الوزارة
مع أول تغيير.
وبالتالي عند اختياره للحل الأول تتطور الأحداث وتتضخم الأزمات ما
بين تهريب الجثة من القصر ثم استعادتها من الحارة ثم اصرار حمادة
على جنازة شعبية واستبدال الجثة بأخرى ثم هرب حماده واقحامه
لمجموعة من أهل الحارة البلطجية والشمامين لجنازة الوزير وافساد
لحظات الحزن المفتعلة والتمثيلية التي كل الغرض من ورائها المحافظة
على الكرسي.
هذا هو المقصود بدراما كرة الثلج أن يبدأ الحدث صغيرا ثم يتطور
كأنه كرة ثلج كلما تدحرجت نحو الأسفل بقوة الدفع كلما ذاد حجمها
وتحولت إلى صخرة ثلجية ضخمة لا تلبث ألا ان ترتطم بوجه احدهم
فتحطمه. وهنا يصبح من الطبيعي أن نرى عباس القط في لقطة اخيرة
والصحافة تصوره وهو مندهش ومذهول من هجوم ابناء الحارة الشعبية
عليه اثناء الجنازة وادعاء احد البلطجية الشمامين أنه حماده الفار
قريب الوزير وذلك بالتعاون مع حمادة لأفشال الجنازة والأنتقام من
احتجاز الوزير لجثة أمه.
عادة ما تدور دراما كرة الثلج في زمن قصير نسبيا على المستوى
الطبيعي فأحداث الفيلم تقريبا تدور في حوالي 48 ساعة وهو ما يعطي
الأيقاع العام قدر من الرشاقة والحيوية في الانتقال من أزمة إلى
أخرى وفي نمو الشخصية التي تتعرض مع الدراما إلى تحولات هامة تؤثر
على واقعها ومستقبلها وهو ما حدث مع حمادة الفأر الذي حولته أزمة
استيلاء الوزير على جثة أمه من شاب ضعيف ووهن وخائف طوال الوقت حتى
من مصارحة زميلته في العمل بحبه ومشاعره إلى ثائر على سلطة الوزير
ومدبر لمؤامرة من اجل فضحه أمام الجميع.
وبما ان الفيلم يتخذ الشكل الكرتوني على مستوى الدراما والصورة فمن
المنطقي أن تبدأ كل الازمات التي سوف تواجه الشخصيات بسبب عنصر
طريف وعبثي جدا وهو ان ابنة الوزير تحتاج إلى أن تسمع زغرودة حية
في القصر لتشعر بالسعادة يوم خطبتها وبما انها مدللة لدرجة مقززة
فأن استدعاء ام حمادة خصيصا من أجل الزغرودة يجعل الأحداث تتقدم
بأتجاه مزيد من العبث خاصة عندما تقع من طولها وتموت في قصر
الوزير.
ويحافظ الفيلم تقريبا على هذه المساحة من العبثية طوال الوقت لضمان
وصول الرمز إلى مستحقيه من المتلقين، فالفيلم يتجاوز فكرة الصراع
التقليدي بين السلطة والمواطن إلى تحليل طبيعة السلطة عندما تتحول
إلى كيان مطلق الأرادة ولكن تلك الأرادة المطلقة لا تتجسد في عملية
دفع حضاري واجتماعي وسياسي للدولة ككل ولكنها تسخر لتلبية مطالب
ورغبات بل واهواء اصحاب هذه السلطة(مجرد زغرودة بسيطة يمكن أن
تتسبب في ازمة انسانية واجتماعية وسياسية ضخمة) بل أن ام حمادة
تتحول إلى رمز للبلد التي تتصارع عليها السلطة المطلقة مع المواطن
الغلبان، ولكن اذا كانت البلد هي بنت عم السلطة إلا أنها في
النهاية أم المواطن فأيهما احق بها إذن؟ ولماذا لا تشترك السلطة مع
المواطن في تكريمها بدلا من النزاع حول جثتها بعد أن ماتت بالسكتة
القلبية نتيجة استهلاك الجميع لها – من ارادوا الزواج بجسدها أومن
ارادوا أن ترقص لهم وتزغرد في افراح انجالهم-.
يعود وحيد حامد للكوميديا السياسية بقوة والتي تخلى عنها طوال
سنوات لصالح تجارب لم تتسم بعمق الرؤيا أو طزاجة التحليل أو تجلي
المختلف كما عودنا خلال تجارب سابقة، هنا يبدو الفيلم موصولا مع
أفلام«الأرهاب والكباب»و«اللعب مع الكبار»و«المنسي»و«النوم في
العسل»- ثلاثة منها على الأقل تحمل سمات دراما كرة الثلج لو اننا
دققنا قليلا فيها، حيث الموقف الذي يبدأ بسيطا عابرا ويتحول إلى
ازمة ضخمة كما في الأرهاب والكباب والمنسي والنوم في العسل-.
ويمكن بالنظر إلى طبيعة السلطة في الأفلام الثلاث التي اشرنا إليها
وطبيعتها في فيلم قط وفأر أن نرصد الكثير من تطور رؤية وحيد حامد
للمجتمع المصري والعلاقة ما بين السلطة والمواطن خلال السنوات
الأخيرة.
ويكفي أن نقارن ما بين اللواءات المحيطين بوزير الداخلية
في«الأرهاب والكباب»أو«النوم في العسل»وبين اللواء بدين القوام
ومجموعة اللواءات الأخرين الذين يتسمون بمنتهى الثقل والكسل وكأنهم
لم يكونوا ضباطا ذات يوم وفي قطاع عسكري يستلزم الرشاقة والصحة
البدنية.
ان شكل مساعد الوزير البدين وهو يلتصق بالوزير اينما ذهب بكل ما
فيه من كاريكاتورية لهو تلخيص درامي وبصري بديع لحال السلطة
المترهلة والثقيلة والبدينة في البلد، فهم قطط سمان لا يغادرون
مكاتبهم إلا من اجل رغبات كبيرهم والذي نراه يعيش في قصر فخم
اسطوري وحين ينام فهو لا يحلم بالدولة ولا الامن ولا القانون بل
يحلم أنه يمسك بالصاجات ليراقص عشرات الفتيات كأنه سلطان في عصر
الحريم.
وهل يوجد عبث اكثر من أن يستدعي وزير الداخلية أحد رؤساء تحرير صحف
المعارضة لكي يستشيره في كيفية ادارة أزمة جثة أم حمادة!! إذن
فالعبث الحقيقي في الفيلم ليس لعبة الكاريكاتورية الهزلية في رسم
ملامح الشخصيات وبيان العلاقات بينها ولكنها قادم بالاساس من
الواقع المعاش الذي يفوق أفلام الكارتون طرافة ولا معقولية.
على مستوى التجسيد فأن محمد فراج في افضل حالاته بعد أن خذلنا بشكل
غير متوقع في«القشاش»ولكنه هنا يستعيد لياقته الأدائية التي عودنا
عليها منذ ظهوره في مسرحية«قهوة سادة»مرورا برجب الفرخ في«بدون ذكر
اسماء»مع الثنائي تامر ووحيد- نلاحظ أنه يرتبط في الشخصيتين بنموذج
حيواني يؤديه شكلا ومضمونا بأسلوب ناضج وبلا ابتذال فهو اقرب للفرخ
الصغير المنكوش في بدون ذكر اسماء وهو اشبه بالفأر المذعور في قط
وفأر وهي قدرة على التقمص تحسب لموهبته الواعدة-.
أما محمود حميده المخضرم في حضرة الشباب محسن وفراج ووحيد حامد
نفسه-وهو الكاتب الأكثر شبابا من كثيرين في نصف عمره-يؤدي عباس
القط بصيغ ملامحيه واساليب في النطق وردود الأفعال تبدو للوهلة
الأولى نمطية شاهدناها على وجهه من قبل لكنها يعرف جيدا كيف يدير
تلك النمطية لصالحه، فيجعلها بصمة محببة واسلوب خاص به سواء في
مشاهد الأستسلام للأزمة أو الصراخ نتيجة التفاقم العنيف. وهنا ايضا
نؤكد على أهمية الفيلم في عودته مرة أخرى إلى ساحة الأداء الناضج
بعد العديد من الأدوار التي مرت مرور الكرام خلال السنوات الأخيرة.
سوازن نجم الدين اكتشاف كوميدي لامع من الصعب تصور ممثلة أخرى اكثر
اتساقا وتفهما وتقمصا للدور منها خاصة مع طبيعة الملابس التي
اختارها تصميم الأزياء لكي تجعل صدرها كبيرا وحركتها مفتعلة فبدت
بالفعل شخصية كرتونية أقرب لشخصيات الساحرات الشريرات في أفلام
ديزني.
اما تامر محسن فقد استطاع أن يقدم نفسه في أولى تجاربه الأخراجية
ضمن سياق مختلف عن كل ما يعرض حاليا من تجارب حيث اختار منطقة
الفيلم الكرتوني لكي يلعب في مساحتها الواسعة بشكل حر. وهي منطقة
متاخمة للمنطقة التي اختارها الثلاثي فهمي وشيكو وماجد أو«سمير
وشهير وبهير»ومن قبلهم مكي في«طير أنت»و«لا تراجع»وهي منطقة
المحاكاة الساخرة/البارودي، لأن الساحة السينمائية المصرية متخمة
بتركيبة السبكية الهزلية التي تقوم على مطرب المهرجانات والراقصة
والأفهيات الجنسية أو الكوميديا الجسدية المعتمدة على الصفع
والشلاليت، أو الكوميديات الرومانسية التي ليست سوى تمصير ساذج
للأفلام الأمريكية وإعادة إنتاج للكوميديات المصرية في الأربعينيات
والخمسينيات. ولكن محسن يفسح لنفسه مساحة خاصة وسط كل هذا بصيغ
إخراج كرتونية لم تُفقد الفكرة عمقها ولم تجنح للتجارية الفجة التي
تحط من شأن أي تجربة ناضجة وتقصف عمرها. |