المخرج السويدي روبن أوستلوند:
الكثير من الناس يعتقدون إني أحمل إحساس كوبريك
ترجمة: نجاح الجبيلي
روبن أوستلوند مخرج سويدي ولد عام 1974 حصل فيلمه الرابع "السائح
Force Majeure"
على جائزة لجنة التحكيم في قسم "نظرة ما" في “كان” 2014 والآن
رشّح لأفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار هذه السنة. التقاه موقع
"أنديواير" في هذا الحوار عن فيلمه الجديد:
·
ما الذي أثار اهتمامك أساساً في أزمة الزوجين؟
- بدأت المسألة مع الانهيار الجليدي: كنتُ أتزلج كثيراً حين كان
عمري يتراوح بين2 25- ، كنتُ أصنع أفلاماً في جبال الألب وأسافر
حول أوربا وشمال أميركا. ثم ذهبت إلى مدرسة الفيلم وتركتُ عالم
التزلج خلفي وكنتُ أحاول أن أرجع إلى عالم التزلج كي ألقي الضوء
على لامعقولية ذلك العالم. كنت أستمد الالهام من مقطع في اليوتيوب
عن مجموعة من الناس الجالسين في مطعم خارجي مصوراً انهياراً
جليدياً يضرب الجبل. كنتُ مهتماً بالثواني الثلاث التي فيها سمعتً
صيحة "واو، جميل" ثم ضحكة عصبية ثم ذعر كلي.
ثم طورتُ الفكرة ووصلت إلى النقطة إذ أن أحدهم قال: "ماذا لو أن
الأب هرب بعيداً عن زوجته وأطفاله حين يحدث هذا". فهمتُ حالاً بأن
هذا الموقف يثير الأسئلة حول الجندر والتوقعات حول الجندر ودور
الرجل والمرأة. إذا ما رأيت منتجع التزلج فإنك ستراه مبنياً كلياً
حول عائلة نووية. كل الشقق مصنوعة من أجل الأم والأب وأطفالهما.
كان ترتيباً للعطلة والانهيار الجليدي والرجل يعمل شيئاً ممنوعاً
جداً حين يبلغ الأمر تطلعاته وذلك جعلني أتعمق في الأسئلة التي
تكمن بين العلاقات بعد ذلك الحادث.
قرأتُ دراسات سوسيولوجية عن خطف الطائرات. تستطيع أن تستشف من تلك
الدراسة بأن معدل الطلاق عال جداً بعد خطف الطائرة. إنه يشير إلى
التوقعات حول كيف أننا يجب أن نتصرف في موقف الأزمة وأنّ الرجل ليس
هو الشخص البطولي الذي نتوقعه والزوجان لديهما حقاً وقت صعب كي
يتغلبا على ذلك.
·
ما هو الغريب في عالم منتجعات التزلج؟
- السياح يرتدون ملابس ذات ألوان براقة كالنيون ومناظير الوقاية،
الناس المرفهون الذين ليس لديهم مشاكل في حياتهم. كنتُ مولعاً
بفكرة الأمور الفوضوية لأولئك الناس التي تلبيها الأوليات
الإنسانية التي تراها في كارثة حرب أو كارثة طبيعية، ليس لديهم أي
تجربة في كيفية استجابتهم حين يكونون في حالة غريزة النجاة.
المنتجع نفسه هو مثل المجاز: ثمة صراع ثابت بين الإنسان والطبيعة.
الفرد المدني الذي يحاول السيطرة على قوة الطبيعة. المنتجع دائماً
يحاول أن يثبت الثلج. كان هناك شيء حول ذلك يناسب الفيلم تماماً.
·
هذه الفكرة عن العائلة التي ترغب في أن تطرحها. هل هي خصوصية
أوربية أم هي فكرة كونية عن العائلة؟
- كانت في ذهني عائلة سويدية لكني أعرف أيضاً بأن العائلة هي
تقريباً أكثر قداسة حين تصل إلى الولايات المتحدة. ذلك هو أحد
الأسباب التي جعلت من بعض ردود الفعل جيدة جداً هنا في شمال أميركا
وفي كندا وفي الولايات المتحدة كانت أفضل وأقوى مما في أوربا.
·
"إيبا" و"توماس" خصوصاً غير قادرين على مناقشة أي شيء. لكن عموماً
، أو مع الأصدقاء فهي جدّ صريحة حول شعورها عن توماس وأفعاله خلال
الانهيار الجليدي. لماذا؟
- حين تكون في علاقة مزدوجة فإن دماغيك الاثنين يحاولان أن يقارنا
نظرتهما لما حدث. الدماغ الأقوى سوف يتلاعب بالدماغ الأضعف. توماس
سوف يقول "قولكم ممتع لكني لا أتفق معه". إذا كان هناك شخص ثالث
هناك فإنهما يمكن أن يقولا مباشرة:" يبدو هذا كأنه غير صحيح". لكنك
حين تكون في علاقة مزدوجة فإن الأمر يبدو وكأنك في فقاعة. هي بحاجة
لجلب الموضوع أمام الناس الآخرين كي لا يتلاعب بها توماس الذي
يستعمل بلاغة الذكر كي يسيطر على الموقف.
·
توماس مهرج. لمَ تجعله متعاطفاً. حتى حين انخرط في البكاء فهو مثير
للشفقة. هل كنت تحاول أن تخرق صورة الأب النمطية في السينما؟
- حين يحاول إنسان أن يحبس مشاعره لمدة طويلة فإنه سوف ينفجر. فهو
ليس لديه سيطرة عليها. نحن معتادون جداً على أن نرى بكاءً حين يكون
شعرياً فإنه يثير العاطفة. لكن حين يكون على تلك الشاكلة؟ فماذا؟
حين تنظر إلى تطلعات "إيبا" عن توماس فإنه يتصرف بغريزة النجاة وهي
تقيّم تصرفه. هي تعتقد بأنها تستطيع أن تحكم على شخص من موقفه، لكن
حين نضع غريزة النجاة فإن كل الأفكار تتبخر. إنها في الواقع تؤنب
نفسها لسبب ما. إنه صعب جداً أن يلوم شخص ما فعله. إذا ما نظرت إلى
تاريخ السينما مثلاً فإن شخصية البطل الذكر هي الشخصية الذكورية
الأكثر نسخاً، لهذا فإن كل تلك التوقعات التي لدينا الواحد عن
الآخر هي أيضاً تأتي بشكل كبير من التحركات التي رأيناها، وحين تحل
الحقيقة بطريقة أخرى نشعر بأننا مضطربون. "يفترض أنك شخص آخر!".
حين تنظر إلى أغلب الأفلام فإنها تبدأ حين يفقد أحد ما كرامته ثم
يستعيدها قبل النهاية. في أفلامي كل فرد يفقد كرامته لكن لا
يستعيدها.
·
في هذه المشاهد الطويلة من الحوار السجالي بين توماس وإيبا
وضيوفهما هل دونته في دفتر أم جعلت من ممثليك أحراراً ؟
- الكثير من الحوارات التي أعطيتها للممثلين كانوا أحراراً في
ارتجالها. أقوم بالارتجالات حين أوزع الأدوار ثم أدون الحوار
والأمور التي تظهر بطريقة جيدة وأبقيهما للسيناريو. حين نكون في
موقع التصوير يتوجب عليهم أن لا يتبعوا السيناريو 100% لكننا
نتبعها بدقة تماماً.
·
في كل مشهد يبدو الممثلين أحراراً جداً ويستجيبون الواحد للآخر مع
ذلك، وتحت إشراف مدير التصوير لك "فردريك فنزل" تبقى الكاميرا
ثابتة جداً وتكون اللقطات متناهية الطول. لماذا؟
- إنه تقريباً نوع من أسلوب اختلاس النظر. إننا نراقب بدلاً من أن
"نكون" داخل عواطف الشخصية. الجملة الأخيرة قبل أن يضرب الانهيار
الجليدي :"ألا يوجد جبن جاف؟" إنه يلقي الضوء على الدعابة حين يكون
عليك في الأحداث الدرامية الحقيقية وقريباً منها أن تشعر بتفاهة
الحياة. إن اللقطة الثابتة الساكنة التي لا تقطع الأشياء تستطيع أن
تلقي الضوء على تلك الأمور.
·
هل صورت مشهد الانهيار الجليدي بتقنية "الصورة المخلقة بالكومبيوتر
CGI"؟
- شيء واحد وضعناه كهدف إذ كنا نريد أن نصنع مشهد الانهيار الجليدي
كونهُ الأشد إثارة في تاريخ السينما. وضعنا الهدف نصب أعيننا. لكن
الانهيار الجليدي صور في كولومبيا البريطانية. كان مشهداً مثيراً
تماماً: إنه انهيار جليدي أميركي شمالي يثير الاضطراب لدى عائلة
سويدية في جبال الألب الفرنسية. بنينا مطعما خارجيا في أستوديو
بغوتنبرغ وكان لدينا حائط على شكل شاشة خضراء هي كبيرة حقاً ثم
نفخنا دخاناً صناعياً في موقع التصوير، في الموقع هكذا كان مزج
الانهيار الجليدي على الشاشة الخضراء، يؤثر على الموقع لكنه يؤثر
أيضاً على مرحلة ما بعد الإنتاج: إنه بالتأكيد المشهد المميز من
بين كل المشاهد في الفيلم الذي بذلنا فيه جهداً. ربما استغرقت
تقنية الـ"CGI"
شهراً واحداً بعد ذلك. لكن لم يوجد حضور لهذه التقنية في الانهيار
الجليدي نفسه.
·
هل هناك مخرجون أو صانعو أفلام أثروا على ذهنك؟
- الكثير من الناس يعتقدون أني أحمل إحساس كوبريك. متى ما كان هناك
فندق وأنت محجوز بسبب الثلج فإنّ الناس يقفزون إلى ذلك الاستنتاج.
أحب روي أندرسون. أحب حقاً دعابته والطريقة التي يشتغل بها مع
الكاميرا الثابتة.
·
وجاك تاتي؟
- نعم بالتأكيد. كذلك مايكل هانكه لكن مع شيء من الدعابة.
·
مشاهد فيلم "السائح" تجربة باردة. لكن لا يوجد هناك اتجاه خفي من
الشر. إنّ الأمر كله نكتة كونية. هل كان هذا كوميديا؟ قد يجري هذا
بالطريقة التي كانت تعمل بها دراما برغمان الجدية.
- في الواقع أنا أحب تجاور المشاعر الكوميدية مع التراجيدية. في
لحظة واحدة تستطيع أن تشعر بالروع وفي اللحظة التالية تضحك. حين
يواجه توماس أفعاله وتحلق دمية النحل على المنضدة فذلك ما أرغب به:
الضغط الاجتماعي الذي هو في منتهى الثقل وأنت تخرقه في ثانية
واحدة.
ذاكرة السينما: فيلم الليل
عرض: كمال لطيف سالم
•
تمثيل: جان مورو- مارشيلو موسترياني
•
اخراج: انطونيو ني
في فيلم الليل يقدم المخرج في المشاهد الأولى قضية لا يوضحها
مباشرة بل يترك امر ايضاحها للجمهور رغم الاشارة اليها في المشاهد
الأخيرة من الفيلم. وهي تلك طريقة وأسلوب انطونيو ني. ونرى في قصة
الفيلم جيوفاني وهو كاتب مشهور هو وزوجته ليديا بيزوران صديقهما
المريض تومازو حيث يدور بينهما حوار فلسفي وتدور نقلة الحدث عندما
تغادر ليديا الغرفة ويقبل المريض يدها امام زوجها بطريقة تدل على
انه يحبها وتنجلي هذه العلاقة في مشاهد حية تخبرنا أنه كان يحبها
ويرغب في الزواج منها غير أنها ضاقت به لأن يتكلم عنها كثيرا ولا
يتكلم عن نفسه على عكس بونتانو- الذي فضلته ليديا حيث أنه يتكلم عن
نفسه كثيراً.
ويطرح المخرج عقدة الفيلم وماهية العلاقة بين بونتانيو وليديا
وتوماز ولم يوضح هذه العلاقة إلا في المشاهد الختامية للفيلم،
ونتابع تكنيك المخرج وكيفية استخدامه اللقطة كنصر من عناصر تكوين
الفيلم فقد استخدم الرمز الايحائي داخل مشاهد الفيلم فحين تخرج
ليديا من الحفل خائفة هائمة على وجهها وتسير في الشوارع بدون هدى
حيث تدخل بيت قديم مهدم ونجدها في المشهد تقف بجوار ساعة حائط
قديمة وضعت بإهمال ونرى في اللقطة القريبة يدها وهي تمسك الحائط
الذي يتساقط رماده. وهذا يرمز إلى انها اصبحت قديمة مثل الساعة أن
هذا التكوين يرمز إلى أن ليديا عندما كانت وزوجها بونتانو في زيارة
إلى جيراردين مضيفة الحفل في هذه المشاهد نجد مدى الملل الذي تعمد
المخرج ان يضعها في مساحة ضيقة طريقة انطونيو ني في التكوين تعبر
عن مدى العلاقة بين السينما والعفوية التكنيكية واستخدامه الباهر
للإضاءة والمخرج بعد كل ذلك يهتم بتأثير الصوت وتكوين الكادر حيث
نرى ثمة لقطات تتجنب الاطالة فهو يستخدم المونتاج السريع ولا يميل
إلى هيئة الديكوباج. وعرف عنه انه دكتاتور في الإخراج وإدارة
الممثلين. وبطلة الفيلم جان مورو ممثلة فرنسية ولدت عام 1928 حصلت
عام 1960 على جائزة احسن الادوار الثنائية في مهرجان كان. من اشهر
افلامها المودموزيل، العلاقات الخطرة، أما الممثل الإيطالي ماسترو
ماسترياني ولد عام 1923 مثل أول ادواره في فيلم يوم الاحد في اب
عام 1949 ومن افلامه الشهيرة زهرة عباد الشمس مع صوفيا لورين
والزواج على الطريقة الإيطالية اخراج دي سيكا، والمخرج انطونيو ني
ايطالي الجنسية ولد عام 1912 بدأ كناقد سينمائي وكاتب سيناريو وعمل
في السينما التسجيلية وهو ينتمي إلى الواقعية الايطالية.
بريجيند.. مدينة الموت الجماعي الغامض
روتردام/ عدنان حسين أحمد
ربما يكون "بريجيند" هو الفيلم الروائي الأخطر في ثيمته من بين
الأفلام المشاركة في مسابقة جوائز النمر للأفلام الطويلة في الدورة
الرابعة والأربعين لمهرجان روتردام السينمائي الدولي حيث يتمحور
موضوع الفيلم على سلسلة الانتحارات الجماعية التي قام بها 79 شاباً
وشابة من قرية بريجيند التابعة لإقليم ويلز البريطاني بين عامي
2007 و 2012 من دون أن يتركوا أية ملاحظة توضح الأسباب الحقيقية
التي دفعتهم للانتحار.
اللافت للنظر أن غالبية المنتحرين هم من الشباب الذين شنقوا أنفسهم
بالحبال تاركين أناس هذه القرية الويلزية الصغيرة ينغمسون في خوفهم
وقلقهم الدائمين. ويبدو أن السلطات الرسمية في هذه القرية قد ضاعفت
من نسبة الغموض حينما أحجمت عن توضيح الأسباب التي دفعت هؤلاء
الشبان إلى وضع حدٍ لحياتهم بهذه الطريقة المروِّعة. المثير
للانتباه أيضاً أن المنتحرين يعرفون بعضهم بعضا بشكل جيد، فهم إما
أصدقاء أو جيران أو حتى أبناء عمومة!
لم تبقَ حوادث الانتحار المروِّعة في إطارها الواقعي، بل قفزت إلى
الإطار الفنتازي حينما اعتقد أهالي القرية والسلطات الرسمية فيها
أن اللعنة قد حلّت على هذه المدينة أو أن الأرواح الشريرة قد وجدت
طريقها إلى عقول الشباب وأرواحهم فحرّضتهم على الانتحار الجماعي.
ثمة تأويلات عديدة أخرى طغت على الساحة آنذاك من بينها أن النخبة
الشابة التي تتعامل مع شبكة الإنترنيت قد تكون متورطة في التحريض
على فعل الانتحار أو تسويغه وقد رأينا سارة "هانا موري" تتواصل مع
بعض شباب القرية عن طريق المحادثة النتيّة وتتعرف إلى جيمي "جوش
أوكونور" وتقع في حبه عن طريق هذه الوسيلة الإليكترونية الحديثة
التي وصفها سكّان القرية باللعنة الجديدة التي حلّت عليهم جميعا.
وقد ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك حينما تصور أن الاختلالات
الكيميائية الناجمة عن أبراج الهواتف الخليوية المنصوبة بالقرب من
القرية قد تكون السبب المباشر الذي دفع هؤلاء الشباب إلى الانتحار.
لم تسعَ السلطات المحلية إلى وضع حدٍ لهذه الشائعات أو التوقعات،
بتعبير آخر، بل أنها لم تسمح لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمكتوبة من التواصل المباشر مع أهالي الضحايا وذويهم، بل أن
السلطات الرسمية متهمة في التعتيم على حوادث الانتحار الجماعي. وأن
ما بذله المخرج الدنماركي جيبه روند هو جهد شخصي لا علاقة للسلطات
المحلية فيه حيث كرّس ست سنوات من حياته للتعرف على ذوي الضحايا
والتحدث معهم علّه يجد خيطاً بسيطاً يقوده إلى حل لهذا اللغز الذي
حيّر الويلزين خاصة والبريطانيين بشكل عام.
الثيمة الخبرية
يستقي العديد من المخرجين السينمائيين أفكار أفلامهم من الأخبار
المنشورة في الصحف والمجلات المحلية أو العالمية. وحينما يرون أن
هذه الأفكار تنطوي على محمولات فنية وفكرية عميقة يحولونها إلى
أفلام روائية أو وثائقية. لقد قرأ جيبه روند خبر الانتحار الجماعي
لشباب بريجيند في صحيفة دنماركية محلية صدرت في 27 يناير 2008. وقد
علقت هذه الفكرة في ذهنه فأخذ يتردد على قرية بريجيند عشرات المرات
معتقداً أن البحث الدقيق هو الذي يمكن أن يوصله إلى جانب من
الحقيقة أو إلى خيط من خيوطها في الأقل. ثم بدأ بكتابة القصة
السينمائية مع توربن بيك وبيتر أسميسون قبل أن يتبنى المصور المبدع
ماغنوس نوردنهوف عملية تصوير اللقطات والمشاهد الحرفية المتقنة
التي أمدّت الفيلم بالكثير من عناصر النجاح والتألق الفنيين.
يمكن اختصار القصة السينمائية المقتضبة أصلاً ببضعة سطور حيث تذهب
سارة إلى بريجيند بصحبة أبيها ديف "ستيفن وادينغتون"، ضابط الشرطة
المكلف بالبحث والتحري عن أسباب الانتحار الجماعي ومحاولة الوصول
إلى جانب من الحقيقة في الأقل. تتواصل سارة على حذر مع بعض شباب
القرية عبر الإنترنيت وتلتقي بجيمي، وهو شخص خطير يتعرض للعديد من
الانتهاكات النفسية والجسدية الأمر الذي يدفعه للتفكير في الانتحار
غير مرة وحينما تفشل جهود سارة في إنقاذه تقْدم هي على الانتحار
لكن من حسن الحظ أن والدها كان قريباً من موقع الحادث حيث أسعفها
في الحال ثم نقلها إلى المستشفى لينقذها من المصير المحتوم أو
اللعنة الأبدية التي استشرت في القرية برمتها على مدى خمس سنوات.
على الرغم من تراجيدية القصة السينمائية إلاّ أن جمالية الفيلم
وعمق خطابه البصري يكمنان في الأفكار والثيمات الثانوية المؤازرة
مثل السباحة في البحيرة الكائنة عند مشارف القرية حيث كان الشباب
يسبحون عراة تماماً في مشاهد لا يمكن أن ينساها المتلقي المتذوق
للفن السينمائي خصوصاً وأن الفتيات في أعمار الزهور المتفتحة حيث
يعُمنَ على ظهورهن في المياه الراكدة بينما تبرز أثداءهن المكوّرة
من سطح الماء في مشهد إيروسي شديدة الإثارة مسّ، على ما أظن، جميع
المتلقين ولم يستطع أن يتفاداه أحد دون أن يتصور شفاهه تلامس حلمات
النهود المدوّرة. أو مشهد استدعاء الموتى حيث يتجمع الشباب في وسط
الغابة ويصرخوا بأعلى أصواتهم منادين بأسماء الشباب الذين رحلوا
منتحرين. الألعاب الخطرة التي كانوا يقومون بها أمام أحد أنفاق
القطارات هي لقطات تثير الترقب والخوف والإثارة حيث يتعلق أحدهم
بحبل ليخطف من أمام القطار السريع حال خروجه من النفق. وقد قامت
سارة بهذه المجازفة أيضاً ونجت من الموت بأعجوبة كما نجى بقية
المجازفين الذين يذهبون إلى حتفهم بأقدامهم.
لم تنفتح سارة بهذه السهولة على شباب القرية لولا تواجد لوريل "إلينور
كرولي" التي تحدثت إلى سارة ودعتها للمجيء إلى البحيرة والتعرف إلى
الشباب عن كثب حيث رقصت معهم واندمجت في مناخهم الشائك الذي لا
يخلو من غرابة وتطرّف. وفي الوقت الذي كانت تتبادل فيه القُبل مع
بعض الأشخاص الذين تستلطفهم كان والدها يمارس الحب مع امرأة أخرى
ويخون زوجته التي تركها في مدينة أخرى.
نخلص إلى القول إن قصة الفيلم المبني بناءً رصيناً تركز على جوانب
متعددة من بينها العلاقة بين الآباء والأبناء حيث تهيمن القطيعة
بين جيلين وزمنين، إن شئتم، جيل لا يعير اهتماماً لوسائل الاتصال
الحديثة، وجيل جديد ينهمك فيها حتى أذنيه لتصبح في خاتمة المطاف
مثل لعنة أبدية غامضة لا خلاص منها. ربما يشكِّل السلوك العنيف
لبعض شباب القرية تجاه بعضهم الآخر كما حصل لجيمي الذي تعرض للضرب
المبرح والاعتداء الجنسي سبباً في إقدام البعض على الانتحار. أما
القراءة الثالثة التي يمكن أن نستشفها من هذا الفيلم والتي يمكن أن
تكون سبباً مباشراً في الانتحار فهي العزلة الروحية والجسدية
لهؤلاء الشباب وما يكتنف حياتهم من يأس وسأم وضجر. أما القراءات
الأخرى التي تذهب صوب الطقوس الموروثة فهي ضعيفة ولا تستطيع الصمود
أمام القراءات العلمية المقنعة ومع ذلك فقد منحت الفيلم أبعاداً
أسطورية أبقت دوافع الانتحار مجهولة تاركة ذوي الضحايا يتخبطون في
ظلام دامس لم يفضّ حلكته مخرج الفيلم الدنماركي جيبه روند.
من الجدير بالذكر أن المخرج الأميركي جون مايكل وليامز قد أنجز عام
2013 فيلماً وثائقياً عن هؤلاء الضحايا لكنه لم يتوصل هو الآخر إلى
الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انتحار 79 مواطناً غالبية من
الشباب. وربما يتفق المخرجان فقط على توصيف بريجيند بمدينة الموت
التي يلفها الغموض حتى الوقت الراهن.
فيلم "مردان" في مهرجان غوتنبرغ السينمائي
قحطان جاسم
يشارك الفيلم العراقي الكردي "مردان" للمخرج للمخرج باتين قبادي
ضمن مهرجان غوتنبرغ السينمائي الذي بدأ من يوم الثالث والعشرين من
كانون الثاني ويستمر حتى الثاني من شباط القادم في السويد.
وقال الناقد السينمائي مهدي عباس:"ان الفيلم يتناول شخصية
تدعى"مردان" وهو قائد في "قوات البيشمركة" الذي يتولى مهمة التحري
عن ملابسات اختفاء شخص باسم "مراد"، بعد أن مرّت أيام على فقدانه
جاءت زوجة مراد للبحث عن زوجها وظلت أثناء البحث برفقة مردان ممّا
ولد مشاعر خاصة بينهما، وهذه هي الذكرى المؤلمة، والشعور بالذنب
الذي سيظل يرافقه طيلة حياته".
ومن أحداث الفيلم سيكون عامل المقبرة "كرزان" أيضاً في صراع مع
الخوف والشعور بالذنب بعد الحادث الذي تسبب به، ما يضعه مع "مردان"
أمام خيارات صعبة، وهذا الفيلم الناطق باللغة الكردية من انتاج
حكومة اقليم كردستان.. لذا فهو يملك مقومات وخصوصيات كردية.
يذكر انّ فيلم "مردان" هو أول فيلم روائي للمخرج باتين قبادي
ويشارك فيه الممثل حسين حسن والمغنية الكردية هيلي لوف والفنان
اسماعيل زاكروس وفياض دومان إلى جانب العديد من الأسماء الأخرى، و
تم تصويره في إقليم كردستان عام 2013، بعد عدد من الأفلام القصيرة
منها "اسألوا الرياح" الذي حصل على جائزة الدب البلوري في مهرجان
بيرلينال في عام 2010 وفيلم "بالتأكيد اليوم" عام 2002 وفيلم
"معزول عن العالم الخارجي عام 2003 وأخيراً فيلم "الجندي المكسور"
عام 2004 الذي حصد عدداً من الجوائز في عدة مهرجانات عالمية.
جديرٌ بالذكر ان "مردان" تم عرضه في السادس من شهر أيلول عام 2014
في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، وهو أحد الأفلام العراقية
الكردية ممثلاً عن العراق كأحسن فيلم مرشح للمنافسة على جائزة
الأوسكار لعام 2015 في فئة الأفلام الأجنبية بدورتها الـ87، وتم
نشر إعلان مشاركة الفيلم، على الصفحة الرئيسية لمهرجان الاوسكار
السينمائي. |