أنجز المخرج الأميركي الشاب لوك موران فيلمه الروائي الأول "أولاد
أبو غريب" كما ساهم في كتابة قصته السينمائية وتجسيد شخصيته
الرئيسة جاك فارمر، إضافة إلى قيامه بإنتاج هذا الفيلم بالإشتراك
مع كرو إينيس آخذين بنظر الاعتبار أن المُنتجَين المُنفذَين لهذا
الفيلم هما المخرجان المشهوران إدوارد زويك ومارشال هيرسكوفيتش.
وعلى الرغم من احتشاد الفيلم بأسماء فنية لامعة مثل جون هيرد، شون
أستِن، سارة باكستون إلاّ أن الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب الذي
يوازي نجومية هذه الأسماء وشهرتها الواسعة.
لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن المتلقي هو: ما السبب الذي
يقف وراء فشل الفيلم؟ هل أن الخلل يكمن في القصة السينمائية، أم في
أداء الممثلين، أم في الرؤية الإخراجية؟ وقبل الإجابة على هذا
السؤال لابد من الإشارة إلى بعض الأفلام الوثائقية التي تناولت
فضيحة سجن "أبو غريب" ونجحت نجاحاً باهراً مثل "أشباح أبو غريب"
للمخرجة الأميركية روي كيندي التي اعتمدت على نظرية "التفاحة
الفاسدة" التي تُسبِّب فساد الصندوق وتَعفُّنه بالكامل، وفيلمي
"عُرِفَ المجهول" و "إجراءات التشغيل القياسية" للمخرج الأميركي
أيضاً إيرول موريس الذي عرّى نهج الإدارة الأميركية في تعاطيها مع
قضايا الشعوب الأخرى.
ربّ سائل يسأل مُحاججاً إيانا بالقول: "إن نجاح هذه الأفلام
الوثائقية قد يعود إلى الحقائق الدامغة التي كشفتها وأقنعت
بالنتيجة المتلقين الذين شاهدوا هذه الأفلام وتمثلوها جيداً؟".
والجواب على هذا التساؤل المشروع هو أن فيلم "أولاد أبو غريب"
الروائي يعتمد بالأساس على قصة حقيقية غير مُختلَقة وهي الصور
الفظيعة التي سُربت من سجن أبي غريب وعلى رأسها صورة علي شلال
القيسي، المُجلل بالسواد والذي كان يتعرض إلى الصعق الكهربائي في
الزنزانة رقم 49 لكن الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب على الرغم من
الكادر الشهير الذي ذكرناه قبل قليل.
القصة المسطّحة
لا ينصح النقاد أن يقوم كادر الفيلم كالمخرج والمؤلف بأدوار مزدوجة
إلا في حالة "سينما المؤلف" التي تتيح للمخرج أن يكتب النص ويجسد
رؤيته الإخراجية بالطريقة التي يراها مناسبة. ومن المبكر جداً أن
نضع فيلم "أولاد أبو غريب" ضمن تصنيف "سينما المؤلف" التي تأتي في
الأعم الأغلب بعد تجربة إخراجية طويلة نسبياً. إذن، ثمة مشكلة
حقيقية في القصة السينمائية التي سقطت في البساطة والتسطيح و
"السذاجة" لأن كاتبها أبقى القصة ضمن إطارها الخبري الذي استهلكته
كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ولم تُبقِ من
مضمونها إلاّ النزر اليسير الذي يحتاج إلى ذهنية إبداعية تعيد
صياغة الحدث وتقدمه للجمهور على وفق مقاربات جديدة ورؤى فكرية غير
مطروقة من قبل. وهذا ما لم يفعله المخرج والمؤلف والممثل والمنتج
لوك موران نتيجة لأسباب عديدة من بينها قلّة الخبرة، والرغبة في
الاستحواذ، واستعجال الشهرة والذيوع على أصعدة فنية متعددة.
تدور أحداث هذا الفيلم في أثناء الاحتلال الإنكلو- أميركي للعراق
عام 2003 حيث يتطوع جاك فارمر "لوك موران" هو ومجموعة من الشباب
لتأدية خدمة الاحتياط في الجيش الأميركي لأسباب وطنية وشخصية
أبرزها أن يكون شيئاً أكبر مما هو عليه الآن، وأن يغيّر من مجرى
حياته الرتيبة ضمن أسرة ميسورة الحال، وأن يؤكد ذاته على أقل
تقدير. علماً بأنه قد حظي بمباركة الوالد سام فارمر "جون هيرد"
الذي تمنى له السلامة، وبدعم صديقته بيتون "سارة باكستون" التي
ودعته على أمل أن تقترن به حينما يعود سالماً من هذه المغامرة غير
مأمونة العواقب.
استعمل المخرج تقنية (الفويس أوفر) للحديث عن هذه الرحلة إلى
العراق ولا بأس في ذلك لكن الاستمرار في استعمال هذه التقنية
لاحقاً سوف يضر بالفيلم وخصوصاً حينما يتحدث الراوي عن السأم ولا
يستطيع أن يجسّده على أرض الواقع. يمكن اختصار القصة السينمائية
برحلة جاك فارمر إلى العراق التي يُفترض أن تستغرق ستة أشهر لكنها
تطول لمدة عام أو يزيد حيث يسقط هو وأقرانه في خانق الضجر والعزلة
والفراغ، ويتحوّل من سجّان إلى سجين حتى وإن كان طليقاً، كما يُصبح
عرضة للصدمات النفسية الناجمة عن القصف الذي يتعرض له سجن بو غريب
يومياً.
وبما أن جاك قد طلب من آمره النقيب هايس "سكوت باترسون" أن ينتقل
إلى قسم العقوبات المشددة ويصبح على تماس مباشر مع السجناء الخطرين
للنظام السابق فإن حياته ستنقلب رأساً عقب حيث يتعاطف مع السجين
غازي حمود "أوميد أبتاهي" ويبدأ بالكلام معه مُنتهكاً القوانين
الصارمة التي تقضي بعدم التواصل مع السجناء والإبقاء على عزلتهم،
فالعزلة هي واحدة من الأسلحة القوية التي تستعمل ضد النزلاء وهي
مثلها مثل الحرمان والإذلال والحطّ من الكرامة الإنسانية. سوف
يتعرف جاك على غازي ويقتنع بأن هذا الأخير بريء ولا علاقة بالإرهاب
فلا غرابة أن يدافع عنه حينما يكتشف أنّ المحققين الأميركيين قد
عذبوه وأساؤا إليه كثيراً إلى الدرجة التي دفعتهُ للقيام بمحاولة
الانتحار شنقاً داخل الزنزانة.
وعلى الرغم من أن جاك قد تعرض هو الآخر إلى إساءات كثيرة من قبل
بعض السجناء إذ رشقه أحدهم بالغائط مغطياً وجهه بالكامل، فيما حاول
سجين آخر طعنهُ بآلة يدوية صغيرة على هيئة سكين لكن جاك تفاداها
بسرعة إلاّ أنه لم يغيّر موقفه من كل السجناء الذين ينظر إليهم
كبشر بخلاف كل القائمين على قسم الأحكام المشددة الذين يعاملون
السجناء "كحيوانات وقتلة وكائنات شرّيرة"، لكن شيئاً ما يطرأ على
تفكير جاك فارمر فيغيره كلياً حيث ينقلب إلى كائن عدائي لا يختلف
كثيراً عن أقرانه السجانين، بل إنه بدأ يتلذذ بتعذيبهم بواسطة
تشغيل الموسيقى المعدنية التي تسبب انهيارات عصبية وحرمان من النوم
في أقل تقدير هذا ناهيك عن الضرر الذي تسببه لخلايا الدماغ. وإذا
ما دققنا جيداً في أسباب هذا الانقلاب المفاجئ من كائن رقيق رحيم
إلى شخصية عدوانية شريرة لوجدنا أن حرمانه من الإجازة بعد ستة أشهر
وتطويل مدة بقائه إلى ستة أشهر أخرى هي السبب الأول في انهيار
معنوياته، كما لعبت قنبلة الهاون التي سقطت بالقرب من المرحاض
المتنقل الذي كان في داخله وسببت له اضطراب ما بعد الصدمة الذي
سيرافقه لمدة طويلة بعض الشيئ، هذا إضافة إلى إحساسه بالعزلة
والفراغ واللاجدوى. ونظراً لحاجته النفسية والجسدية للجانب الجنسي
فإنه كان يضطر لممارسة العادة السرية من خلال استرجاع اللحظات
الحميمة مع صديقته بيتون التي كان يعانقها، ويقبلها، ويمارس معها
الحب.
لم يستطع المخرج وكاتب النص لوك موران أن يطور هذه القصة
السينمائية التي ظلت عالقة في مفاصل متعددة من بينها سبب تحول جاك
فارمر من شخصية حميمة إلى شخصية عدائية متوحشة لا تجد ضيراً في أن
تدفع رأس الضحية غازي حمود في سطل البول والغائط أو في استعماله
الموسيقى القوية المتعبة لأعصاب السجناء؟ لقد استغل أحد الحراس هذا
المشهد المروع فصوره على عجل، كما صور لقطات أخرى اشتهرت بعد نشرها
مباشرة وأحدثت ما سُميّ بفضيحة "سجن أبو غريب" وكان من بين اللقطات
المروعة صورة لجاك فارمر وهو يصرخ بوجه غازي ويعنفه الأمر الذي
يلفت انتباه صديقته بيتون التي تفغر فاها دهشة حينما تشاهد هذه
اللقطة التي ينتهي فيها الفيلم.
وحسناً
فعل المخرج موران حينما ترك للمتلقي إمكانية تخيل النهاية الدرامية
لقصة الحب التي كانت تربط بين جاك وبيتون والتي ستنتهي نهاية صادمة
حيث ترفض حتماً الزواج برجل كان يعذِّب الناس ويحطّ من كرامتهم
البشرية.
هشاشة البناء
يعتمد بناء الفيلم على هيكيلة القصة السينمائية، فكلما كانت القصة
رصينة محبوكة كلما كان البناء قوياً أو خالياً من بعض العيوب
الرئيسية. فالمشهد الأول الذي رأينا فيه سجن أبي غريب لم يُحِلنا
إلى سجن أبي غريب الذي نعرفه في العراق حيث الأرض المحيطة ببغداد
سهلة منبسطة على العكس من السجن المكسيكي الذي كان مُحاطاً
بمرتفعات وجبال واضحة المعالم شاهدناها في اللقطات العامة الأمر
الذي يصيب المتلقي بنوع من الخيبة أو الصدمة الأولية. ولو تجاوزنا
هذا الخلل وذهبنا إلى بناء القصة نفسها لوجدنا أن شقها الذي يحدث
داخل السجن لم يتطور على مستوى الأحداث والشخصيات إذا ما استثنينا
شخصية جاك فارمر الرئيسية بوصفها شخصية مهيمنة تلتف حولها مجمل
الأحداث، لكن هذه الشخصية كانت تفتقر إلى النموّ العضوي.
فلقد جاء هذا الشخص بحثاً عن المغامرة والمعنى الجديد لحياته التي
كانت رتيبة مملة من قبل، لكننا في واقع الحال لم نرَ مغامرة واضحة
أو معنىً حقيقياً، فلقد بلغ عدد الجنود نحو 150 ألف جندي أميركي قد
يصادف معظمهم مغامرة هنا أو هناك لأنهم مقاتلون تتربص بهم المفاجآت
لكن ما الذي يراه حُرّاس أبو غريب سوى التعذيب الممنهج الذي لا
يترك آثاراً على أجساد الضحايا؟ ربما تكون المفاجأة الوحيدة هي
تحول جاك فارمر من شخصية إنسانية إلى شخصية همجية متوحشة سوف تنال
عقابها على أكثر من صعيد، الأول تأنيب الضمير، والثاني رفض صديقته
بيتون الاقتران به، والثالث موقف الأسرة التي ستكتشف أن ولدها الذي
ربّته على منظومة القيم الاجتماعية الأميركية قد خيّب ظنها ووضعها
في موقف لا تُحسد عليه أبدا.
هل أراد المخرج أن يقول من خلال هذه الشخصية الهشة أن عدد الناس
الأميركيين الذين يرفضون فكرة التعذيب الممنهج هم قلة نادرة لا
تشكّل شيئاً ضمن التعداد السكاني للولايات المتحدة الأميركية، وأن
هذه الشخصية سوف تعود إلى طبيعتها الأصلية لتمارس عنفاً مضاعفاً
على السجناء الذين مازالوا في طور الاتهام؟ وهذا الأمر ينسحب على
النساء الحارسات في السجن أيضاً إذ رأينا امرأة واحدة في لقطة
مبتسرة بينما تستقر في أذهاننا صورة صورة المجندة الأميركية "ليندي
إنغلاند" وهي تؤشر بيديها إلى سجناء عراقيين عرايا ومضرجين
بالدماء، إضافة إلى صور الترويع بالكلاب البوليسية التي لم تفارق
أذهاننا حتى الوقت الراهن.
قد يكون السأم فكرة ثانوية مؤازرة في هذا الفيلم لكن المخرج لم
يجسدها بطريقة فنية ناجحة خصوصاً وأن الشخصية الرئيسة التي تبدو
وكأنها معنية دون غيرها بالسأم قد قالت في أثناء الروي:"نحن لا
نقاتل الإرهابيين وإنما نقاتل السأم"! ولهذا رأيناهم غير مرة وهم
يرفعون الأثقال أو يتبارون في حلبة الملاكمة، فلقد صُوِّر السجن
كمكان موحش لا ماء فيه ولا كهرباء ولا وسائل إتصال حديثة فلابد أن
يكون السجناء والسجانين ضحايا سهلة للسأم المروع والفراغ المخيف.
نخلص إلى القول بأن الخلل الأساسي في هذا الفيلم إنما يكمن في قصته
السينمائية التي أسفرت عن هشاشة في البناء على الرغم من أنّ أداء
الممثلين كان مقنعاً ومستوفياً لكل شروطه الفنية حيث أدى العريف
تانر "شون أستِن" دوراً مشابها في وحشيته ولا إنسانيته كما يؤديه
أي سجّان ضالع في مهنته، وكذلك بقية الجنود الذين جسدوا بدقة
الأدوار التي أسندت لهم. فلا خلل في التصوير أو الأداء أو المؤثرات
الصوتية والبصرية وإنما في ضعف القصة السينمائية، وهشاشة بنائها
المعماري الذي أسفر بالنتجية عن رؤية إخراجية مشوشة تستدعي المخرج
أن يعيد النظر في هذين المفصلين اللذين لا يستقيم من دونهما أي
فيلم سينمائي يريد أن يكون ناجحاً فنياً و مؤثراً في أذهان
المتلقين ومشاعرهم الإنسانية على حد سواء.
PK
مخلوق فضائي يحطّ في الهند .. بلد العجائب
ندى الأزهري
فيلم يثير الجدل في الهند، الاحتجاج والغضب، التظاهر و إحراق
ملصقات الفيلم أحيانا، وبحسب جريدة هندية، فإن ثمة "حرب
افتراضية" قامت كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الملايين
تتدافع لرؤيته.
الممثل النجم عامر خان يقوم بالدور الرئيسي في"
PK".
مخلوق
فضائي على شكل إنسان إنما مع بعض تفاصيل مميزة: أذنان أطول من
المعتاد مثلا، عينان لامعتان ببريق غريب... يهبط ليكتشف الأرض
وعالمها العجيب فيحطّ به المقام في... الهند! و يالهول ما يكتشف
وما يقع عليه بصره من تناقضات مثيرة!
في مكان ساحر غني كشبه القارة الهندية حيث تتعايش ثقافات وأديان
وأعراق متعددة، لن يكون مستغربا في شيء كثرة ما سيثير حيرة هذا
المخلوق بل ذهوله. لكن تركيز الفيلم على النواحي الدينية
وممارسات أتباع الديانة الهندوسية بالذات أثار احتجاج الحركة
القومية الهندوسية و لجوء ناشط فيها إلى العدالة في دلهي. لكن
المحكمة العليا رفضت الاتهامات التي تصف الفيلم بأنه " دعوة إلى
كراهية مجموعة ( محددة)".
أيضا اغتاظ البعض من قصة الحب التي ربطت بين مسلم باكستاني وفتاة
هندوسية من الهند وربما من تلك القبلة بينهما فوق جسر على قناة في
بروكسل، وهو أمر غير معهود في السينما الهندية حيث "الايحاء"
بالقبلة هو الأكثر شيوعا.
هذا الجدال والاعتراض لم يمنعا الفيلم الذي أخرجه راج كمار حيراني
أن يكون من أكثر الأفلام التي حققت الإيرادات في تاريخ السينما
الهندية ( 99 مليون دولار بعد حوالي شهر ونصف من عرضه). كما بلغ
الإقبال عليه درجة اتُّهمت معها دور عرض باللجوء إلى أسلوب البيع
بالسوق السوداء وتعليق لافتة" كامل العدد" بعد عشر دقائق من فتح
كوة البيع وهذا لتسهيل بيع البطاقات بأسعار مبالغ بها
.
بلد العجائب
تحط عربة الفضاء بـه في إقليم راجستان، في هذا القسم من الفيلم
تتمّ أول مواجهة مع لا أخلاقية البشر وشرورهم فتسرق منه ميداليته
التي توصله بعالمه الفضائي.. تبدو الشخصية هنا بعينينها شديدتي
اللمعة بخضرتهما الزجاجية وأذنينها النافرنين ، وعضلاتها المفتولة
والمنفوخة، بريئة في نظراتها ساذجة في سلوكها وهي ترى العجب في بلد
العجائب وفي هذه المخلوقات التي أمامها والتي تعجز عن فهمها.
في القسم الثاني يتغير المكان ليصبح العاصمة دلهي بكل فورانها
وصعوبة الإحاطة بها حتى لساكنيها فكيف لهذا المخلوق " البريء"؟
الشخصية تثير التعاطف طوال الفيلم بحركاتها الساذجة واندهاشها و
سذاجتها أمام المكر البشري... إنما يفهم سريعا أن الهدف من الفيلم
والذي حقّق له كل هذا الإقبال الجماهيري ، ليس دراسة الشخصية، فهي
على أية حال مفتعلة وأي فعل صادر عنها مقبول سلفا نظرا لغرابتها.
الهدف كان إبراز تناقضات البلد والممارسات فيه، الدينية منها على
وجه الخصوص.
PK
لا يفهم الناس المفتونين بطقوسهم، المشغولين بها. فهو لا يستطيع
التمييز بين الهندوسي والمسلم والمسيحي والسيخ و الجايين... ولا
يفهم لما يطالب رجال الدين أتباعهم بدفع الفلوس ويندهش لهذه
المواجهات التي تحصل بين " مؤمنين" و"مؤمنين"! ويذهب بكل براءة إلى
مستشفى الولادات ليرى هل ثمة فروق في هذه المخلوقات الجديدة تحدد
انتمائها الديني منذ الولادة؟ كل هذا يتم في إيقاع سريع، لاهث
يستغني بالصورة أحيانا عن أي حوار.
وتُميّزُ الفيلم بضعة مشاهد ذات دلالات قوية. فحين يراقب البطل
الناس في مراكز العبادة يحاول التصرف على شاكلتهم للتقرب منهم. لقد
لحظ في الكنيسة أن الناس يقدمون النبيذ وهو لا يفهم فيما بعد لما
قام بعضهم بمطاردته لضربه حين حمل زجاجة من النبيذ وذهب بكل نية
حسنة لتقديمها في المسجد! و المشاهدون لا يكفون عن الضحك، مواقف
كتلك امتلأ بها الفيلم فهو اعتمد الكوميديا لتمرير خطابه القاسي
تجاه الممارسات الدينية واستثمارها لظاهرة الخوف من الإله لدى
الفرد كي يحقق البعض أرباحه وسيطرته.
ولم يوفر الفيلم أي دين لكنه ركزّ على ظاهرة " الغورو"( رجل دين
مؤثر وله أتباع) في الديانة الهندوسية، كما لعب على وتر حساس في
الهند وهو العلاقات الهندية الباكستانية عبر قصة الحب التي جمعت
بين الباكستاني والفتاة الهندوسية (الصحافية التي ساندت رجل الفضاء
في صراعه مع البشر وشرورهم) و أظهر السيناريو الباكستاني كشاب مخلص
أخلاقي، ما يناسب العلاقات الحالية بين البلدين كما علق ناقد بمكر.
الفيلم لا ينكر الأديان ولا الرب بل كان على العكس حريص على القول
بأن الإله بريء من تأويلات عباده والدين بريء من سلوكهم. وهو لا
يمكنه أصلا سوى مسايرة المشاعر الشعبية في هذا الخصوص. المسايرة
كانت كذلك في اعتماد الخلطات السحرية للفيلم الهندي الشعبي من قصة
حب رومانسية مع الاستعانة بالموسيقى و ببضعة أغان ورقصة على الأقل
مع كاميرا تلهث وراء أبطالها.
عامر خان من الممثلين الذين يقال هنا أنهم يفكرون جيدا قبل قبول
الدور. وهو، كما صرح في مقابلة لجريدة هندية لا يبحث عن المضمون
الاجتماعي أو الرسالة التي يقدمها الفيلم بل عن الشخصية التي
يجسدها ويعبر عن ذلك بقوله" الكاتب والمخرج هما من يريد قول رسالة
ما وأنا أنضم إليهما". وفي معرض رده على الاحتجاجات التي طالت
الفيلم اعتبر أن لابد أن تحتج مجموعة ما على كل فيلم" وأن هذه هي
الديمقراطية و"من له رأي فليكن ومن لم يحب الفيلم فليس عليه
مشاهدته".
اتهم الفيلم أيضا بأنه لم يركز على أحوال المسلمين، ولو بيّنها كما
فعل مع الهندوس" لكانت فتوى ربما ستقضي عليه" كما علّق أحدهم! |