«أعرفه
منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما لم يتغير.. ربما زاد وزنه قليلا..
غزا الشيب مفرقه... أصابه بعد الوهن الجسدى.. ولكن هيهات أن تزيده
الخطوب والصعاب إلا إصرارا وصمودا دفاعا عن أفكاره.. لم ولن يغزو
عقله إلا الإيمان بالوطن.. ولن يصيب فكره خنوع الانتهازيين.
أنا بصراحة ووضوح متحيزة للانسان وحيد حامد.. ومن المؤمنين
بإبداعه.. والمصدقين لأفكاره... الكتابة عنه لا تحتاج إلى
معلومات... والتحاور معه لا يحتاج إلى سؤال واجابة ولكن إلى فتح
شواطئ العقل لتقبل تلك الأمواج العاتية من الأفكار.
وحيد حامد حالة إنسانية وفكرية خاصة وكتاب مفتوح؛ صفحاته متجددة
ولكن ليس بين سطورها تناقض وكلماته كالرصاص فى وجه ما يراه ضد
مصلحة الوطن... ولانه كاتب سيناريو ماهر فإن حياته مشاهد بها
الكثير من الفلاش باك الذى تجد نفسك مجبرا عليه لتعرف ما يحدث الآن
وتستقى بعضا مما قد يحدث غدا...».
<
منذ سنوات مضت كنت التقى به فى أحد الفنادق المطلة على النيل والذى
تغير الى فندق آخر مجاور.. الجميع يسمون هذا المكان بركن وحيد
حامد, وهى تسمية ليست لتواجده اليومى به ولكن الأمر تعدى إلى أن
روحه ونبض أفكاره منتشرة فى المكا ن, والذين يعرفون «وحيد حامد»
جيدا يعلمون أن تأثيره مثل طبقة الأوزن يحمى من حوله ويعطيهم
الاحساس بالطمأنينة دون أن تشعر بوجوده إلا إذا غاب.
كنت أشعر دائما أنه يضع أفكاره فى فناجين قهوته الصباحية ويرتشفها
مغلفة بحبات البن .لذلك كانت تصل إلى وجدان المتلقى فتعطيه ما
يحتاجه من توهج ورؤية واضحة للواقع الذي يحياه.. الآن تحولت فناجين
القهوة بأمر الاطباء الى أكواب من الشاى الأخضر... الذى تمنيت أن
يتمرد عليه لساعة واحدة لعل وعسى أستشعر نبرة التفاؤل التى كنت
أراها مرسومة على ملامح وجهه التى تبدلت الآن الى صوت يتقطر قلقا
وخوفا على الوطن... استوقفتنى الأقلام الجديدة الموجودة أمامه فهذا
إعلان بممارسة الكتابة؛ مما يعنى حالة التواصل من جديد مع
الإبداع!.... ولكنه قرب منى البلاك نوت الجديدة وفتحتها لأجد جملة
(ربنا يبعت الكتابة).. وأبحر فى قارب شجونه قائلا: الكتابة بالنسبة
لى كالحب لا تأتى بقرار؛ ولكنها تصيبنى بسهامها فأصبح أسيرا لها
أعبر عما يجيش داخلى من أفكار من خلال وريقاتى؛ لأعرف متى تبدأ
قصتى معها؛ ولكنها عندما تجيء تصبح كالشلال وأنا قادر على الإبحار
داخل الشلالات.
·
ولكننى أرى أمامك الحلقة الاولى من الجزء الثانى من الجماعة؟
-
قررت قراءة المسلسل من جديد لإقرر متى سأبدأ فى تصويره؛ فالعمل
انتهى ولكن اختيار وقت تصويره ؛أحدده طبقا للظروف!
·
هل هناك ما يمنع إنتاجه؟
-
لا.. ولكن لكل مقام مقال.. وأنا أعرف الوقت الذى يجب ظهور العمل
فيه وسأقدمه فى ذلك الوقت؟
·
كيف ترى الرئيس السيسى بعد أن جلست معه عن قرب؟
-
السيسى... مخلص... واعى... مالك لادواته لديه ما يقدمه؛ يعمل ليل
نهار متابع لكل ماحوله؛ قراراته ليست ردود أفعال؛ ولكنه يقوم
بدراسة كل المعطيات ليأخذ القرار ويتحمل النتائج.
·
هل كان توقيت الضربة الجوية ضد داعش فى ليبيا موفقا؟
-
الضربة كانت فى وقتها تماما.. وكان من الخطأ الانتظار حتى 24 ساعة؛
والطائرات تحركت وهو يقول كلمته؛ السيسى قراره ليس وليد اللحظة
ولكن هو متابع للأحداث ويتخذ قرارات استباقية يعمل عليها؛ ثم يتبع
ذلك إصدار قرار التنفيذ فى وقته. إننا أمام رئيس مالك لادواته
ومحرك للاحداث وليس بالشخص الذى يصبح رد فعل للحدث ولكن هو فى حد
ذاته الحدث نفسه.
·
ماذا تتوقع من العالم هل سيقف مع مصر؟
-
ما قالوه فى الامم المتحدة جزء من كل ... بيان البنتاجون بدأ
الإشارة الأولى ويتبعه أفعالهم؛ ولكن مصر لا تعول كثيرا على الآخر
القيادة السياسية مخلصة للوطن وتعرف ما تفعله ومطلوب من المصريين
التفاعل معها ومساندتها. فالعالم يخاف من نجاح المؤتمر الاقتصادى
الذى سيخرج المارد من غفوته، لذلك يفعلون أى شئ لإفشاله.
·
المصريون واقفون صفاً واحداً مع الضربة الجوية؟
-
الوقوف بالافعال ليس بالأقوال.. نحن ننفعل مع الحدث ثم ما نلبس ان
نعود إلى الكلام عن فين حقوقنا؛ الجميع يريد أن يأخذ ولا يفكر فى
العطاء؛ لا أحد لا يريد أن يعمل ثم يطلب الأجر؟
·
تذكرنى بمقولتك الشهيرة على لسان بطلك خالد صالح فى فيلم «عمارة
يعقوبيان» (الناس مسكة فى ديل الحكومة زى أمها)؟
-
تلك هى الحقيقة فى كل الأزمنة والآن بشكل أكبر الجميع يتعامل مع
الحكومة على أنها أمه يريد منها فعل كل شئ؛ ولا أحد يعمل؛ المصرى
مستعد يتغرب ويشوف الذل؛ عشان قروش يحوشها ولا يفعل ذلك فى بلده.
·
لكن لا توجد فرص عمل فى مصر؟
-
غير حقيقى... العمل موجود فى قناة السويس.. المصانع التى تغلق
أبوابها بسبب عدم وجود العمالة... لا يوجد عمل على المكاتب وهو ما
يريدونه؛ المصريون فى الخارج وخاصة فى لييبا ينامون عشرين فى غرفة
واحدة ويقطرون على أنفسهم من أجل القليل من الجنيهات لماذا لا
يفعلون هذا فى وطنهم ويعيشون بكرامتهم ويحافظون على أروحهم.
·
أنت ترى أن المصرى مسئول عنما يحدث له فى الخارج؟
-
يحزننى أن أرى أن هناك من جعل أمه تبيع جاموسته وأخذ فلوسها ليموت
فى قارب للهجرة غير الشرعية!... صيادون لا ينفذون تعليمات عدم
الدخول للمياه الاقليمية لدول أخرى فتحدث المأساة المتكررة ويقبض
عليهم.
·
والحل؟
-
المصرى يحتاج على ثورة على نفسه ؛يجب نسف كل عيوبه من جذورها
الممتدة من سنوات... المصرى أصبح نهماً شرهاً لكل شئ يفعله؛ انظرى
له وهو يشرب السيجارة بشراهة وكأنه يأكلها؛ معدلات الصرف على
الطعام مهما كان مستوى الأسرة ترعبك؛ الجميع يتكلمون عن التدين
واتباع السنة ولا يطبقها فى سلوكه اليومى مع طعامه... المصرى تم
تجريفه من الداخل منذ أكثر من ثلاثين عاما... المشكلة ليست مصر
ولكن المصريين هذا ما يحزننى. الحل لن يكون فى يد السيسى فقط،
فالبلاد لا تصعد إلا على أكتاف الجميع؛ ربما فى مصر نحن نحتاج
لقائد ولكن المعجزة لا تحدث إلا بتضافر الجميع.
·
ما هو الثالوث المتحكم فى المصريين؟
-
الثالوث المتحكم فى المصريين (النهم والفساد والجهل)... منذ وقت
قصير كتبت مقالة بعنوان «الآفات الأربع..!!».... تعالى نعود الى
مضمونها.. فإذا كنا قد نبهنا إلى خطورة ظهور ظاهرة النهم للمصرى
بشراهة فى السطور السابقة؛ لذلك أقول إن الجهل له مجدفان الغباء
والعناد وكلاهما قاتل ومدمر للشخصية المصرية ودعينى أسأل كم مصرى
يمارس آفة الغباء؟... إنهم للاسف كثيرون!... يفعلون الغباء
ويمتنعون عن إعمال العقل الذى وهبنا الله العلى القدير إياه، فلا
يحرمون فقط من تلك النعمة التى وهبها الله للإنسان ولكن بغبائهم
يدمرون أوطانهم.. هؤلاء لا يعرفون أن أعمال العقل يعنى التفكير
والتدبير، هم مأسورون ويساقون بأفكار غيرهم إلى الهاوية!... أما
العناد فيمارسه مدعو الدين؛ ومن يعتقدون أنهم ظل الله فى أرضه؛
وللأسف أن منهم من لم يعلن حتى الآن أن داعش جماعة إرهابية... ولكن
ما يسيطر على مخيلتى دائما وأشرت إليه فى ما أكتب هو لماذا يقاتل
التيار السلفى كل هذا القتال ويعاند كل هذا العناد من أجل احتلال
منابر المساجد بينما أهل العلم هم الأحق.. هناك العالم الدارس
المؤهل وهناك من هو بلا علم دينى ولا دراسة ولم يتم تأهيله ويريد
بث أفكاره ومعتقداته الدينية على الآخرين بالتجبر والإرهاب.. أما
الفساد فللأسف يرعى فى البلاد كأنه قطعان من الجاموس المتوحش حاميا
نفسه بنفسه، فأصبح دولة مناهضة للدولة ومن داخل نفسها ومن صنعها فى
غالب الأحيان.. وهنا تستحضرنى تجربة شخصية من فترة وجدت كشكاً فى
شارع رئيسى بالمهندسين؛ خاطبت رئيس الحى بوجوده وبعد الكلام الرائع
والوعد بالتحرك السريع؛ اتصل بى أحد المسئولين فى مكتبه فى اليوم
التالى ليخبرنى أن الكشك لديه رخصة كشك متحرك لبيع الخضار؛ فقمت
بكتابة مذكرة تفصيلية أرسلتها لمكتب رئيس الحى بها أن الكشك غير
متحرك ولا يبيع خضار الى جانب أنه صورة مسيئة لشكل شارع مهم فى
القاهرة وتركت اسمى ورقم تليفونى... فجاءني تليفون فى اليوم التالى
من سيدة قالت لى: (أنا صاحبة الكشك إنت عايز إيه؟)... هذا هو
الفساد بعينه الذى يعطى الحق لغير صاحبه ويسهل كل أنواع الجرائم
ويعمل على نشر كل الرذائل.. الفساد فى المحليات مثال لما يحدث؛
والكل يعلم به وهو مرئى ومسموع وظاهر وعلنى ورائحته مثل الرائحة
المنبعثة من حظائر الخنازير، والشرفاء فى المحليات- وهم قلة قليلة-
لا حول لهم ولا قوة لأنهم محاصرون ومقيدون ومعذبون، لأن قاعدة
الفساد صلبة.
<
إذا أردت رسم خريطة من لحم ودم للوطن الحزين الصامد المقتول بجهلنا
وتخاذلنا فشاهد أعمال وحيد حامد(البرىء.. اللعب مع الكبار.. احكى
يا شهرزاد...إلخ).. واقرأ مقالاته.. ودعنى أساعدك بالاقتراب من
إبداعه ورؤيته للوطن وأحزانه من خلاله.. ففكرته ورؤيته عن الإخوان
أثبتت الايام صحتها. تكاد تقترب من واقعنا ملخصة مشاكل مصر.. هذه
الكلمات رددها أحد أبطال مسلسله؛ الجماعة:(الحكومات تصنع آلام
الناس بينما الإخوان والأحزاب تتاجر فيها لكن لا يوجد أحد مع الناس
وهذا هو رأيي )...
·
سألته ألا تزال مقتنعاً أن الإخوان متاجرون بالوطن؟
<
بل هم متاجرون بالدم فماذا يعنى استهداف المصريين والمنشآت
العسكرية؛ ألا يعد هذا أعتى أنواع الإجرام، وللأسف نحن أمامنا وقت
طويل حتى نتخلص من المأجورين والمتاجرين بدماء الوطن، ورغم ان
الناس قد ضاقت بالإرهاب ولكنهم لازالوا لم يفعلوا الكثير للخلاص
منهم ومن كل من يتعامل معهم؛ وأهم شئ ألا نمكن أذنابهم من دخول
مجلس الشعب. انتبهوا أن هذه الجماعة لا تريد سوى مصلحتها حتى ولو
بالعودة على جثة كل المصريين؛ لقد ذاقوا طعم الحكم ولن يتراجعوا عن
فعل أى شئ للعودة إليه؛ لذلك فالجماعة أعطت الضوء للقتل العشوائي،
من خلال زرع القنابل، التي تودي بحياة الأبرياء، أو إحراق
القطارات، واستهداف المنشآت العسكرية والشرطية. فعلى الشعب النهوض
لحماية نفسه من هؤلاء المجرمين فالغاية القذرة لديهم يتبعها أبشع
وسيلة؛ إنهم كالفئران المتوحشة الحاملة لداء الطاعون. أن مصر للاسف
محاصرة من الداخل والخارج، وبداخلها الكثير من العملاء والخونة،
الذى يجب التخلص منهم، فعلى المصرى الحقيقى المحب لوطنه النهوض
والتخلص من كل السلبيات الموجودة فى المجتمع. أنا لا أدعو إلى حرب
أهلية. ولكن أن تعرف عدوك وتتعامل معه، أليس التخلص من عدو يقتلنى
ويعمل على تدمير جيشى وشرطتى، ويفجر ابراج الكهرباء ومواسير المياه
و يعطل حياتى واجباً وطنياً؟.. يجب ألا نتركه إننى أريد التعامل
معه بالقانون والمحاكمات المنجزة والوعى لعناصره المتخفية والزاحفة
للعودة للحياة من جديد. |