The interview..
لا يفل الخبال إلا الخبال
جنة عادل – التقرير
لعلك تتذكر في نوفمبر 2014، عندما أعلنت مجموعة من الهاكرز يطلقون
على أنفسهم اسم “حراس السلام” مسؤوليتهم عن اختراق بيانات شركة
Sony pictures،
وهددوا بنشر ما لديهم من معلومات سرية (مثل أجور الممثلين عن أفلام
سوني الحالية والقادمة، ومكاتبات شخصية بين العاملين في الشركة،
ومعلومات خاصة أخرى) إذا لم تتراجع سوني عن عرض فيلمها القادم
The interview.
ثم جاءت تحقيقات الـ
FBI
لتؤكد ما هو واضح بالفعل، مجموعة (حراس السلام) تلقت تمويلها من
كوريا الشمالية، وكل تلك الجلبة سببها أن الفيلم القادم مسيء لحاكم
كوريا الشمالية الحالي،
Kim Yong-Un.
ومع رفض (سوني) التام للتراجع عن عرض الفيلم، هددت(حراس السلام)
بتدمير دور العرض التي سيعرض فيها الفيلم، وقامت بتسريب بعض ما
لديها من معلومات بالفعل على سبيل إثبات سوء النية، وفي النهاية
سحبت (سوني) الفيلم من دور العرض، وقررت عرضه إليكترونيًا للشراء
أو للإيجار في الرابع والعشرين من ديسمبر، قبل أن تعيد عرضه في
السينمات الأمريكية على نطاق محدود.
الأمر كله بدأ في نهايات العقد الأول من الألفية الثانية، حين حدث
ذات يوم أن اجتمع كل من
Seth Rogan
وEvan Goldberg،
مؤلفا الفيلم ومخرجاه، وبدءا المزاح حول ماذا سيحدث إذا طلب الأمن
من أحد الصحفيين اغتيال أحد رؤساء العالم؟
وقع اختيارهما على
Kim Jong-il
زعيم كوريا الشمالية آنذاك، وبدت الفكرة مناسبة جدًا كمشروع فيلم
كوميدي، ولسبب ما قرر الاثنان تأجيل التنفيذ، ثم مات كيم يونج إيل
عام 2011، وورث ابنه
Kim Jong-Un
حكم كوريا، فشجعهما سنه القريب من سنيهما وحماقته المعروفة دوليًا،
على أن يكون هو بطل فكرتهما القديمة، فبدءا الكتابة بمساعدة
صديقهما
Dan Sterling،
و وبدأ التصوير عام 2013، ليخرج الفيلم للأضواء مع نهاية 2014،
مسبوقًا بكل تلك الضجة التي تكلمنا عنها.
تبدأ أحداث الفيلم في احتفالية ما في كوريا، حيث تغني طفلة ما يشبه
النشيد الوطني، متمنية الخير والازدهار لوطنها ورئيسه، قبل أن تبدأ
في صب اللعنات على الولايات المتحدة وشعبها.
ثم ننتقل لواحدة من حلقات
Skylurk
، أحد البرامج الترفيهية ذات الشعبية العالية، حيث يستضيف
Dave Skylurk
مقدم البرنامج الذي يقوم بدوره النجم
James Franco،
نجم الراب الأشهر عالميًا
Eminem،
ليشعل المطرب الشاب الحلقة باعترافه للمرة الأولى بكونه مثليًا.
منذ اللحظة الأولى، سيكشف لك الفيلم الوجه القبيح لعالم الميديا في
أمريكا، ربما في العالم كله، اللهاث المستمر خلف نسب المشاهدات
مهما بلغت تفاهة المحتوى المذاع وسطحيته، تصنع تلك النسب نفسها،
نجومًا من حفنة من الحمقى العاملين في الإعلام، ومنهم (دايف) نفسه.
يقرر معد البرنامج الذي هو في الوقت ذاته صديق (دايف) المقرب،
Aron Rapaport
الذي يؤدي دوره
Seth Rogan
نفسه، أن ينهي كل تلك التفاهة، ويبدأ في تقديم محتوى جاد للجمهور،
ويعرض هذا على (دايف) في الوقت ذاته الذي يعلن فيه رئيس كوريا
الشمالية أن برنامج
Skylurk
هو برنامجه المفضل.
يقترح (دايف) أن يستضيفا الرجل في برنامجهما، وبعد عناء، يتمكن من
إقناع (آرون)، فيجري الأخير اتصالاته ويتم ترتيب اللقاء المرتقب،
في كوريا، بعد موافقة (دايف) على الالتزام بالأسئلة التي أعدها
الرئيس بنفسه.
قبل السفر، تتواصل الاستخبارات الأمريكية مع (دايف) و(آرون)،
وتقنعهما العميلة
Lacey
التي تؤدي دورها
Lizzy Caplan
بقتل (كيم يونج أون) أثناء اللقاء، بعد أن تعدد لهما جرائم الرجل
الذي يترك شعبه ليموت جوعًا بينما ينفق الملايين على ترسانته
النووية، موضحة أن هذه ربما الفرصة الوحيدة للتخلص منه. يوافق
(دايف) فتعطيهما (لايسي) لاصقًا طبيًا يحتوي سمًا عالي التركيز،
بحيث يضعه (دايف) في يده أثناء مصافحة الرئيس، ليقتله السم بعد 12
ساعة من ملامسة يده.
يصل الاثنان كوريا الشمالية، ويحلا ضيوفًا على الرئيس، الذي يقوم
بدوره
Randall Park،
لنجد أن الرئيس الكوري الذي يمثل كل هذا الإزعاج للولايات المتحدة
والعالم ليس سوى ساذج في الـ31 من العمر، غير مستقر نفسيًا، يحب
المارجريتا التي كان والده يراها مشروبًا أنثويًا، ويفضل أغنيات
Katy Perry،
أيقونة موسيقى البوب عند المراهقين في أمريكا.
يظن (دايف) في البداية أن الرجل مظلوم إعلاميًا، لاسيما بعد أن
يصطحبه الرجل في جولة بإحدى دباباته، ويمضيا بعض الوقت الجيد، ويهم
بالتراجع عن المهمة، إلا أنه يرى حقيقته عندما يفصح أمامه -في لحظة
غضب- عن استعداده لقصف العالم أجمع بالأسلحة النووية ليثبت أنه أهل
ليحل محل أبيه.
ثم يكتشف (دايف) و(آرون) بالصدفة أن فتاة (كيم) المسؤولة عن
اللقاء،
Sook
التي تؤدي دورها
Diana Bang،
تكره الرجل بدورها وتريد كشفه للشعب؛ لأن قتله هكذا سيعيد الأزمة
بأكملها من جديد مع أحد إخوته، فيتعاون الثلاثة ليقدم (دايف) أولى
حلقاته الجادة، ويواجه الرئيس بفشله على الهواء، فينهار الرجل
تمامًا ويدرك شعبه أنه ليس إلهًا، وأنه مجرد أحمق يمتلك ترسانة
نووية، فينجح (دايف) في خطته ويتمكن الاثنان بعدها من الهروب من
كوريا، بمساعدة رجال (كيم) المنقلبين عليه، والاستخبارات
الأمريكية، لتنتهي الأحداث بأن يصبح (دايف) بطلًا، ويثور الشعب
الكوري على رئيسه الساذج.
الفيلم يقدم كوميديا المبالغة ببراعة، بدءًا من أداء (جيمس فرانكو)
المتميز الذي اعتمد فيه على المبالغة في كل شيء، حتى ليمكنك
أحيانًا أن ترى فيه شيئًا من أسلوب
Jim Carry
، كذلك أداء
Randall Park
الممتاز في دور الزعيم الكوري الأحمق المختل، والذي اختار أن يؤديه
بشكل طفولي خجول متقلب بدلًا من الصارمة التي كانت في التصور
المبدئي للدور، المبالغة في السباب والمبالغة في افتعال اللكنة
الأسيوية، وحتى المبالغة في الدموية بشكل كوميدي في الكثير من
المشاهد، دعك من خبال حركة الكاميرا المفرطة الغرابة في بعض
المشاهد، كل هذا يصب في قالب الكوميديا المميز الذي قدمه
Goldberg
وRogan،
أما عن اختيارات الموسيقى، فهي مناسبة تمامًا لحالة الجنون
المسيطرة على أغلب الأحداث.
الضجة التي أثيرت حول الفيلم خدمته ولا شك على مستوى الإيرادات،
المعادلة معروفة وتثبت صحتها في كل مرة، أي محاولة لطمس عمل ما أو
مهاجمة صانعيه هي بمثابة حملة دعاية مدفوعة لهذا العمل، يتناسب
نجاحها طرديًا مع ضراوة الهجوم، دعني أذكرك بمبيعات مجلة (شارلي
إيبدو) قبل الهجوم على مقرها في باريس وبعده، وهنا مجددًا، تسبب
فضول الجمهور للتعرف على هذا العمل الذي جعل قراصنة كوريا يهاجمون
(سوني بيكتشرز) بتلك القوة في أن تجني (سوني) 40 مليون دولار من
حملة مبيعات الفيلم الإلكترونية، لتصبح بذلك أفضل حملات سوني
الإلكترونية على الإطلاق.
على الصعيد الآخر، تسببت تلك الضجة ذاتها في النقد القاسي الذي
تعرض له الفيلم، فبعد كل هذا الهلع أنت تتوقع فيلمًا ملحميًا تمزق
فيه أحشاء الرئيس الكوري على الشاشة أو يسب فيه بأقذع أنواع
السباب، أو حتى تتعرف فيه على أسباب كراهية أمريكا لـ(كيم) بالقليل
من التفصيل، ولكنك تكتشف أن الأمور ليست كذلك بعد مشاهدة الفيلم،
نحن أمام فيلم كوميدي جيد جدًا، حقق به صانعوه ما أرادوا تحقيقه
على المستوى السينمائي منذ أن كان فكرة عابثة بين صديقين، لا
وثائقي عن العلاقات الأمريكية الكورية، وفي النهاية نحن أمام صورة
جيدة وموسيقى جيدة وأداء مميز.
في الوقت ذاته، ولعل هذا يحسب للفيلم لا عليه، نجح
The interview،
من خلال رد الفعل الذي تسبب فيه دون قصد، وعلى بساطة محتواه وخفته،
من إثبات أن ما جاء فيه عن (كيم يونج) لا يخلو من الصحة، في
النهاية، الرجل الذي لا يحتمل دعابة سينمائية كتلك، فيهدد ويتوعد
ويخترق بيانات الشركة المنتجة، لا يمكن أن يكون بالقوة التي يتظاهر
بها أمام شعبه وأمام العالم. |