المخرج الفرنسي ليوس كاراكس..
أسئلة الهامش الصاخب بتلاوين الظلم الإنساني
عمان - ناجح حسن
رأى المخرج الفرنسي المثير للجدل ليوس كاراكس النور مع بزوغ العام
1960 في إحدى ضواحي باريس بفرنسا، لأسرة صغيرة مكونة من أم أميركية
ووالد فرنسي.
بدأ كاراكس مشواره في السينما متذوقاً للأفلام، وهو العاشق للرقص
والغناء والتمثيل ومشاهدة كلاسيكيات الفن السابع الرومانسية،
وقرءاته لإتجاهات وكتابات النقد السينمائي في مجلة طدفاتر السينما»
الفرنسية.
إزاء هذا كله، آثر كاراكس ان يتحول إلى عالم الإخراج، ليقدم مجموعة
من الأفلام القصيرة، من بينها فيلمه اللافت (بلوز مخنوق) 1980،
الذي اثبت فيه انه صاحب موهبة تمتلك خصوصيتها الجمالية والدرامية
المؤثرة، ثم أعقبه بعد أعوام بفيلم روائي طويل أول تحت مسمى (لقاء
فتى بفتاة) 1984، أبدى فيه فهمه الخاص لمعنى تلك السينما التي
ينشدها، وحققه بمتانة الصنعة من الناحية الجمالية ستطوف مع بقية
أعماله القليلة المنجزة طيلة ثلاثة عقود من الزمان في مسيرته
الشاقة.
شكّل كاراكس، حالة خاصة وفريدة في عالم الإخراج السينمائي بفرنسا،
حيث يعيش في انزواء عن أجياله من السينمائيين، لكنه في الوقت ذاته
يحظى بميزانيات غير مسبوقة في تحقيق الأفلام، وكان لفت الانظار
اليه بفيلمه الروائي الطويل (دم فاسد) العام 1986، وفيه يقدم عملاً
أشبه ببحث بصري خلاّب، وهو في الوقت ذاته، قاتم وعنيف ومدمر لدواخل
النفس البشرية يحتشد بتلك التعقيدات الكامنة في مفهوم الحب والحرية
لدى قطاعات عريضة من الشباب المعاصر الذين يتحركون في هذا العالم
الشاسع، حيث صوّر واقع أولئك المشردين على نحو حقيقي وصادق بكل
سلوكياتهم وهمومهم وآلامهم التي قادتهم الى مصائر على ارصفة وشوارع
وساحات المدينة.
(دم فاسد) فيلم له مذاق سينمائي خاص، كونه جاء من رحم لغة جماليات
الفن السابع، فيه تحضر عناصر السينما مجتمعة، تطمئن قطاع عريض من
عشاق السينما على قدرة السينما في ابتكار عناصر جديدة للغتها، إذا
قدّر لها أن تجذب موهبة شابة مثل ليوس كاراكس تنهل من التجريب
والموسيقى وحركة الأبدان وسرديات الملاحم الأدبية, على الرغم إن
هذا العمل السينمائ جاء أشبه بلقاء طويل مليء بالمشاعر, حين تلتقي
فتاه في مقهى وتأخذ في طلب متكرر لمشروبها, إلى أن يمضي وقت من
الإنتظار الممل، إلى أن تشعر بإنسياب وتدفق تلك الأحاسيس والمشاعر
الدافئة.
في احد حوارات فيلم (دم فاسد)، التي تجيء على لسان ممثلة الفيلم
جولييت بينوشيه تقول فيه: الناس الصامتون , يعتبرونهم بلهاء , أو
عباقرة، وهو القول الذي تجسد في مجمل أحداث الفيلم، الذي أصرّ فيه
كاراكس على تتبع حالات من الهامشيين البسطاء في دوائر محكمة من
التمرد والإنعتاق والرفض للمؤسسات والقواعد والأحكام التي تضبط
ايقاع حراك اجتماعي، مزنر بأركان الجماليات البصرية الطاغية،
والبديعة في قدرتها على الإمساك بمفردات اللغة السينمائية، وهي
تدين قبح وتشوهات سلوكيات طبقة، لكن هذا لم يمنع من انكار فئة من
النقاد على المخرج مبالغته في إضفاء مظاهر بشعة على وجه الممثلة
الفرنسية الحسناء بينوشيه!.. لكن خلف تلك البشاعة والقذارة توارى
جمال داخلي حميم.
في العام 1991، قدّم كاراكس فيلمه اللافت (عشاق الجسر الجديد) في
ميزانية انتاجية ضخمة أدت إلى إنهيار شركة أنتاج الفيلم، الاّ أن
الفليم رغم الدور البليغ الذي أضطلعت به النجمة بينوشييه، وتلك
الأراء الإيجابية التي تثني على العمل وفكرته غير المسبوقة التي
تحتفي بمهمشي باريس وصعاليكها من الجنسين، فعلى رغم كل هذا الحشد
من الاكسسوارات والديكورات الضخمة وتنوع الموسيقى المستمدة من
موروث ثقافات إنسانية متباينة–حضرت فيه أغنيات فيروز وألحان
الرحابنة–الاّ أنه لاقى الصد من رواد شبابيك التذاكر!.
بدت في الفيلم أفكار المخرج، كأنها موجات تتراقص على الجسر
الباريسي وهي محمّلة بأشكال من أضواء الأسهم النارية على خلفية من
الرقص والغناء اللتي تلتحم بايقاعاتها ذوات أفراد وجماعات لشريحة
المهمشين وطارحة في الوقت عينه جملة من الاحاسيس والمشاعر المتبدلة
بين اليأس والحبور على نحو يشي برغبة كاراكس في تصوير شخصيات
مضطربة, مدمرة, ومتشرده، لكنها متمردة على انماط السينما الفرنسية
السائدة.
انتمى الفيلم الى اسلوبية تنهج التيار الذي خطه كراكس لطموحه في
إيجاد فهمه الخاص لوظيفة الفيلم على شكل تلك النماذج المضيئة في
الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، كاشفاً فيه عن طاقة تمثيلية
ابداعية للنجمة الفرنسية جولييت بينوشيه – الحائزة لاحقاً على
جائزة أوسكار عن دورها بفيلم (المريض الانجليزي)–وهو دور مغاير
لأداء أدوار زميلاتها من الممثلات الراسخات في السينما الفرنسية.
عشاق الجسر الجديد
اشتهرت جولييت بينوشيه بطريقة ادائها المميزة في السينما، فهي تعبر
عن المشاعر المختلفة التي تشعر بها شخصيتها الروائية، حيث تجسدها
دون اي مبالغة في الكلام او الضحك او البكاء، وهذا لا يمنع من وصول
المشاعر بشكل فعال الى المتفرجين، لان الشيء الاول الذي ينبع من
شخصية جولييت هو الحس المرهف الممزوج بالبراءة والبساطة، كما بدا
على نحو جليب بدورها في الفيلم الشاق (عشاق الجسر الجديد) الذي دام
تصويره ثلاثة اعوام كاملة بسبب تنحي منتجه عن تمويله اثر ما اطلق
البعض على مخرجه كاراكس صفة الجنون جراء نظرته غير المبالية الى
الامور المالية، ورغبته في بناء ديكور باريسي ضخم وسط مدينة ريفية،
ووحدها بينوشيه بطلة الفيلم وقفت الى جوار المخرج الشاب وساندته في
قراراته الصعبة لاخراج فيلمه كما يريد، برفضه الخضوع الى القواعد
التجارية المفروضة، وثباته على موقفه في تصوير المهمشين كما يرغب
بانهم اخيار العصر وليسوا مجانين، في الوقت ظلت بينوشيه ترفض
الانسحاب من الفيلم وهي تصد العديد من العروض المغرية الآتية من
اوروبا وهوليود التي تلقتها طوال ثلاث سنوات للمشاركة في افلام
كبيرة ولافتة، وكانت النتيجة فوزها بجائزة فيليكس الألمانية كأفضل
ممثلة اوروبية للعام 1992عن دورها في فيلم (عشاق الجسر الجديد) تحت
ادارة المخرج كاراكس.
عدّ هذا العمل الصاخب (عشاق الجسر الجديد)، الآتي للسينما من حالة
شغف مخرجه المبكر تجاه نجوم السينما الكلاسيكية وأفلام العنف
والتشويق البوليسي، التي كان يضطلع بالأدوار الرئيسية فيها الممثل
الأميركي الراحل تشار لز برونسون، انه صاحب ملحمة مفعمة بالحنان
والبؤس والتشرد, وفيه اثبت انه يستطيع بعد مخاض انتاجي تقديم فيلم
على هيئة ظاهرة ابداع وعبقرية مبكرين.
على هذا المنوال، أثار كاراكس الصخب والجدل النقدي بفيلمه المعنون
(اكس بولا ) 1999 في عمل تصالح فيه على نحو استثنائي له مع تلك
اللغة السينمائية التي عرف بها مخرجون كبار، لهم بصمتهم الخاصة في
الإبداع في التعاطي مه الاحاسيس والمشاعر الانسانية الآتية من
أسلوبيته الشاعرية الفطنة، وتصويره الممتع والفريد لألووان من
عذابات دواخل النفس، المستمدة حكايته عن نص يحكي قصة مجرم مضطرب
الشخصية يرتكب سلسلة من حوادث القتل الشديدة الالتباس والغموض.
العزلة والحياد
إتسمت إشتغالات كاراكس، بالنأي عن صخب السينما الفرنسية وأفلام
أقرانه من المخرجين، وهو في افلامه القليلة، التي بالكاد تتجاوز
اصابع اليد الواحدة، حيث نجح في صياغتها على نمط تأثيراته ولمساته
الخاصة المشبعة باجواء العزلة والحياد عن وتيرة إيقاع مجتمعه،
لكنها تبدو جميعا كأنها تغرف من الهامش وتلاوينه المخضبة بعوالم
الحب والموت والرصيف والجريمة والعنف الذي برع فيها بمزاجه الشخصي
في تأمل مصائر الذات المليئة بصنوف التشاؤم والشك، والفراق،.. فهو
رغم كل تلك الخيوط الرومانسية المستمدة من شغف المخرج بالشعر
والموسيقى والفنون الأدائية التي تنهض على الحان وترانيم وأغنيات
مستمدة من فسيفساء الثقافة الأسيوية والإفريقية واللاتينية.
ثم لا يلبث أن يعود كاراكس بعد غياب، وتحديدا في العام 2012، إلى
إنجاز سينمائي جديد، حضر تحت مسمى (هولي موتورز)، الذي ينبش فيه
بوقائع غريبة وعجيبة، تجمع في ثناياها ثقافات متعددة في المجتمع
الباريسي، وهو الذي شارك فيه بالمسابقة الرسمية في مهرجان (كان)
السينمائي ونافس فيه بقوة على جائزة السعفة الذهبية.
مشهدية ساخطة
في (هولي موتورز) نحن ازاء مشهدية مشحونة بالغضب والحيرة والقلق
والبؤس والوهم، يجسدها اداء انفعالي صارخ مدروس يلم بضجيج الحياة
وصخب عوالمها المتداخلة والمتطاحنة وهي تفرز تعقيدات وتحولات
جسيمة.
يتأسس الفيلم على ذلك الاداء الخلاب لبطله الذي يقوم بدور رجل
اعمال هامشي غير آبه باسرته او عائلته مؤثرا الجريمة ورصيف المدينة
فهو يختار احيانا المقبرة اقامة له بصحبته احدى ضحاياه الى ان
تداهمه نزاعات الموت في واحد من فنادق الطبقة الثرية.
فيلم (هولي موتورز) ترنيمة شاعرية بليغة في رثاء انسان هذا العصر،
كاشفا عن عزلة وفراغ وإحباط وصدّ وعجز، كلها تسير على دفتي الخيال
الرحب وقتامة الواقع وافرازاته لحالات مسكونة بالشغف والحب
والتحرر، وصولا الى تلك الذروة الكامنة بمفردة الموت كخلاص لتلك
الارواح البريئة التي داهمتها ايقاعات اسئلة العصر ولوثتها بهديرها
الصاخب.
كتاب جديد يعاين أحوال السينما العربية تاريخها ومستقبلها ودورها
النهضوي
عمان - الرأي
احتوى كتاب (السينما العربية، تاريخها ومستقبلها ودورها النهضوي )
الصادر حديثا عن مركز دراسات الوحدة العربية، جملة من الدراسات
والابحاث والقراءات التي تقرأ نقديا هموم وتطلعات السينما العربية،
والتي جاءت ضمن ندوة متخصصة عقدت في تونس.
جاء في مقدمة الكتاب: في حضرة الفكر السينمائي، وحضور الدور
النهضوي الذي قدمته السينما العربية للفكر العربي، الماثل في
أذهاننا، منذ أن كانت أجيال عربية تذهب إلى السينما، إلى زمن سجّل
حضور السينما في بيوتنا تفوّقاً لا يُبارى؛ عبر تلك الصداقة
الوطيدة التي جمعت بين السينما والتلفزيون، وفي جملة مبرّرات
تستدعي الاحتفاء بالسينما، من أهمها: ما للسينما من حق على الثقافة
العربية، ومن فضل أيضاً، وما لها من تأثير في عملية بناء وغرس
الوعي، وما لهذه السينما من قدرة عجيبة في إعادة تشكيل الصوت،
والكلمة، والحدث، والموقف، وحتى التخيّل...؛ إذ تصوغ الواقع من
منظورها الفني، فإذا مسار الزمن غير متفلّت، كأنه في إسار زمني
محدد، لكنه بليغ الإيحاء والترميز والدلالة؛ وإذا بهذه السينما في
مجمل الأحوال أكثر انتقاداً لمضمون قضايانا وطرائق معاشنا
وتفكيرنا، وكذلك مفردات تعبيرنا عن الأشياء؛ لذلك، استحقت السينما
العربية اهتماماً في هذه الندوة.
استهلت موضوعات الكتاب بالبحث المعنون (راهن السينما العربية)
بسؤال.. هل يمكن تحديد راهن السينما العربية باللحظة الآنية؛ ثم،
ما هو المشترك في السينما الراهنة، من نقاط أساسية، تتجاوز المكان،
من دون أن تتحرر كلياً من المحلية التي تساهم في إضفاء خصوصية
درامية وجمالية؟
ويقرن البحث هذا الراهن للسينما بما يرافقها، وتحديداً ما يكون
امتداداً طبيعياً لها: المهرجانات، وصالات السينما، وإصدار
الكتب.ولعل مدار التساؤل أيضاً: هل توجد سينما عربية موحّدة
الهوية، أم نحن أمام سينمات؟ وهو تساؤل عُقّب عليه مطوّلاً، إذ
أُشير إلى محاولة يتيمة لإيجاد سينما عربية ذات مواصفات متقاربة،
في العام 1972، وقد دعا منظّرو هذه السينما البديلة إلى الاستفادة
من المنهج الوثائقي في إخراج الأفلام، لأن الأفلام الوثائقية
برأيهم تشكّل مدرسة يتعلّم فيها السينمائيون كيف يقاربون ويعالجون
قضايا الواقع العربي بصدق.شدد الكتاب في الدراسة المعنونة (كيف
نكتب تاريخ السينما العربية؟) على أن كتابة تاريخ السينما العربية
لا يمكنها أن تتم، كما ينبغي لها، من دون وجود خزانة سينمائية أو
سينماتيك عربية، تضمّ كل الإنتاجات السينمائية العربية، كما تضمّ
الوثائق المرتبطة بها (من مجلات ومقالات صحافية نقدية وكتب وملصقات
وبرامج إذاعية وتلفزيونية...)، ونصح الباحث باعتماد التخزين
الرقمي، وطبع نسخ من هذا المحفوظ على أقراص مضغوطة، ووضعها رهن
إشارة الباحثين والراغبين في الاستفادة منها ثقافياً باتفاق مع ذوي
الحقوق.وعاين الاصدار مسألة التمويل والإنتاج، والإنتاج المشترك في
تركيز على تجربة المغرب، فرآها الباحث وضعية إنتاجية راكدة، واقترح
عدة إجراءات لتجاوز هذا الراهن؛ فدعا إلى ضرورة التفكير في إخراج
السينما (في المغرب) من «مرحلة التعاونيات»، والدفع بها إلى بناء
صناعة سينمائية حقيقية، وإعادة النظر في الوظائف التي يمكن أن
يلعبها صندوق الدعم في تحسين جودة الأفلام، وضرورة تشجيع الدولة
للقطاع الخاص لدعم عملية الإنتاج وتجاوز «الشبّاك الواحد»، وضرورة
الرفع من وتيرة الإنتاج ليصل في أفق العام 2020 إلى 40 فيلماً في
السنة، وذلك عن طريق البحث عن موارد جديدة للإنتاج، وتشجيع
المستثمرين على الاشتغال في القطاع السينمائي، إضافة إلى اتخاذ
التدابير اللازمة لإعادة الحياة للقاعات السينمائية، وإيجاد قاعات
جديدة.
تتبع الكتاب تاريخ المُخرج في السينما العربية من خلال دور
الاقتصادي طلعت حرب بتأسيس استديو مصر (1935) الذي اكتشف أن
الأهمية القصوى في صناعة السينما إنما تكمن خلف الشاشة وخلف
الكاميرا اي تتمثل بالمُخرج، فعمد إلى إرسال عدد من الشبان
المصريين لدراسة الإخراج السينمائي في أوروبا.وأوضح الكتاب ان
الوقت حان لوضع تاريخ حقيقي للسينمات العربية، انطلاقاً من الصانع
الحقيقي للسينما، أي المُخرج؛ فالتاريخ الحقيقي لهذه السينما برأيه
هو تاريخ المُخرجين لافتا الى جهود المُخرجين الروّاد، بدءاً من
عبدالقادر التلمساني وكمال سليم، وصولاً إلى صلاح أبو سيف وكمال
الشيخ ويوسف شاهين، الذين شكّلوا علامة مرحلة هامة، قادت إلى
المرحلة الجديدة في تاريخ السينما، أي تاريخ المُخرج، وهي مرحلة
الثمانينات التي شهدت ولادة وترسيخ تيار تاريخ الواقعية النقدية
الذي نهل منه صلاح أبو سيف، وتيار السينما الذاتية التي يُبدع فيها
المُخرج، انطلاقاً من ذاته، أعمالاً شاعرية حميمة ولافتة.وركز
الكتاب في موضوع (السينما وصورتها) على مسار السينما العربية، في
مراحلها المختلفة، والمعوقات التي واجهت هذه السينما، ومنها
التحديات والعوائق التي قلصت من دور الفن والتصوير والسينما.وجرى
فيه ايضا استعراض حالات الصعود والهبوط في مسارها التي استطاعت أن
تتحول إلى فن شعبي، وتحوّلت إلى أداة جيدة للرواية، غير أنها لم
تتحول إلى نوع من الصناعة الراسخة، كما هي حال السينما في
استوديوهات هوليود و الهند واوروبا.وعن التداخل بين الأدب
والسينما، تناولت ورقة بحثية تعامل حكايات عدد من المخرجين مع
الأعمال الأدبية التي اقتبسوا منها أعمالهم السينمائية، مشيرة إلى
ان تلك العلاقة لم تقتصر على الاقتباس من وجه واحد، كما اختلفت
درجات ملامح هذا الاقتباس باختلاف هوية العمل السينمائي ورؤية
المخرج للنص الأدبي وامكانات تحويله إلى الشاشة الكبيرة، مع ما
يتطلبه العمل السينمائي من شروط، كي يكون الفيلم كائناً جمالياً
مستقلاً.تحت عنوان (من سينما القضايا إلى سينما الفرد)، قدم الكتاب
قراءة واعية مفادها ان الفكر العربي المعاصر لم يعمل على مقاربة
السينما كظاهرة ثقافية مركبة، وبالتالي لا يعثر على أعمال عربية
تتخذ من ظاهرة السينما موضوعاً للتفكير، فهي بقيت على هامش التفكير
العربي.
اعتبر فصل (السينما والقضايا الكبرى: الدين، المرأة، والسياسة) ان
الحدث السياسي الراهن والمتغيرات التي قدمها صناع افلام في مصر
وتونس على الشاشة، تردد اصلا قبل الاندلاع الفعلي للتحولات
السياسية الحادة هناك.
وحول القيمة الجمالية في السينما المستقلة واحتمالاتها، رأى الكتاب
ان صناع الفيلم العربي يتوجب عليهم الخروج عن الخط التجاري
الاستهلاكي، وتنويع طرائق السرد في اشتغالاتهم لتقديم محتوى ابداعي
أكثر حرية ورقياً، تكون معبرة بقوة عن آراء المخرجين الذين يتحركون
ويعملون بقرارهم كسينمائيين اصحاب افكار ورؤى ومواقف، وهم يبذلون
اقصى طاقاتهم في طرح حلول ومعالجات لأزماتهم التمويلية وتطوير
قدراتهم الدرامية والجمالية.
يشار الى انه شارك في موضوعات الكتاب كل من: ابراهيم العريس، محمد
نور الدين أفاية، محمد كامل القليوبي، مصطفى المسناوي، قيس الزبيدي،
أمل الجمل، بشار ابراهيم، خليل الدمون، صباح ياسين، عصام زكريا،
علي سفر، فكتور سحاب، فيولا شفيق، كمال الرياحي، وليم العروسي،
ونديم جرجورة. |