عادة ما يبدأ الفنان مسيرته الفنية مجهولا. بعض الفنانين يقفز من
الغموض الى الشهرة العالمية بشكل مفاجئ وآخرون يشتهرون بشكل
تدريجي. منهم من يصمد امام تحديات وإغراءات الشهرة ومنهم من ينهار
تحت وطأتها. ولكن السؤال الذي يطرحه فيلم «داني كولين» من اخراج
دان فوغلمان ومن بطولة آل باتشينو هو كيف تؤثر الشهرة على فن
الفنان؟
فيلم «داني كولين» مستلهم من قصة الموسيقيّ والملحن ستيف تيلستون،
الذي لقي ألبومه الاول نجاحا نقديا وتجاريا عام 1971. وفي لقاء
صحافي مع مجلة الموسيقى زيغ زاغ رد على سؤال ما إذا كان الثراء
والشهرة سوف تؤثر على ألحانه؟ قائلا: «طبعا، سوف يكون لها تأثير
ضار جدا». ولكن بعد اربعة عقود من سيرته المهنية، تيلستون بقي
صادقا مع نفسه ولم يتأثر فنه من الشهرة والمال. وفي عام 2005،
اكتشف وجود رسالة بيد مجمع تذكارات، كان بعثها له نجم فرقة البيتلز،
جون لينون، بعد ان قرأ تلك المقابلة، وفيها يقول له لينون «الثراء
لا يغير تجاربك كما تظن». هذه القصة ألهمت فوغلمان أن يسبر رد فعل
شخصية فيلمه، داني كولين، على اكتشاف رسالة من لينون لو انه كان
فعلا مشهورا جدا وغنيا جدا وتعيسا جدا. فعلى غرار تيلستون، تنطلق
مسيرة كولين المهنية في اوائل السبعينيات وبفضل أغنية ناجحة «هي
بيبي دول» فيتحول الى نجم موسيقى عالمي في اوائل العشرينيات من
عمره. وبعد مرور 40 عاما، ما زال يضطر أن يغني هذه الاغنية أينما
ذهب ليرضي الجماهير التي لا تعير أغانيه الحديثة اهتماما. وهذا ما
أتعسه وسد سيل ابداعه. فبدلا من كتابة ألحان جديدة، استمر في تكرار
اغانيه القديمة ورضخ لتعاطي المخدرات والكحول والحفلات لكي يملأ
الفراغ الذي كان يخنقه.
هذه معضلة يواجهها الكثيرون من مشاهير الموسيقى، اذ انهم يتحولون
الى روبوتات يتحكم بها المعجبون. فمن ناحية يود الفنان ان يطور فنه
ويبتكر الجديد ومن ناحية اخرى لا يريد ان يرفض طلبات معجبيه، الذين
هم وقود فنه وشهرته. ولكن عندما يجد كولين رسالة لينون، يقرر ان
يترك قصره في هوليوود ومعجبيه وينتقل للعيش في فندق مجهول في
نيوجرسي قرب بيت ابنه، الذي كان هجره طول حياته، ويبدأ بكتابة لحن
جديد.
«جون لينون كان صادقا» يقول باتشينو عندما قابلته في فندق هيلتون
في بيفيرلي هيلز. «يمكنك ان تكون مشهورا وأن تبقى أنت نفسك. ذلك
كان سيترك أثرا كبيرا عليه في ذلك الوقت لأن لينون كان بطله ولكن
في الوقت هذا سوف ينقذه من الهلاك، اذ يجبره على التوقف والتأمل في
حياته. هو يرى انه يعيش بلا امل، غارق في المخدرات، الكحول
والنساء».
طبعا باتشينو ليس غريبا عن الشهرة، فهو واحد من أشهر نجوم السينما،
ارتقى قمة هوليوود ايضا في بداية السبعينيات بعد النجاح الهائل
لفيلم المخرج فرانسيس فورد كوبولا «الغراب». «أحيانا عندما نكون
مشهورين نبتعد عن فننا. والشهرة تجرك إلى عالم آخر ليس عالمك،
ولهذا فإن تذكيرك بمن انت وكيف تتصرف في هذا الواقع مهم جدا» يقوم
باتشينو، الذي ينسب نجاحه في تفادي مخاطر الشهرة لمرشده شارلي
لاوتون، الذي درسه التمثيل منذ السابعة عشرة من عمره. «كان دائما
معي، ويرشدني الى الطريق الصحيح ويبعدني عن الأعمال المضرة. وعندما
اضل كان دائما يذكرني بمهنتي ومن اين جئت ويرجعني الى عملي، وكان
ايضا فعالا في توعيتي عن المخدرات وغيرها من المواد الذي نتجرعها»
يقول باتشينو.
المعضلة الأخرى التي واجهها باتشينو عندما تحول من ممثل مسرح ابن
عائلة فقيرة من حارة بروكلين لنجم هوليوودي كانت في تعامل الناس
معه وخاصة الذين كانوا في محيطه الاجتماعي. فجأة صار الكثيرون،
الغريب منهم والقريب، يتدافعون لصحبته لأسباب مختلفة. «عندما كنت
شابا كان عليّ ان اقوم بعملية فصل الحقيقي من الزائف في هذه
العلاقات، وهذا يؤثر على طريقة تعاملك مع الناس وخاصة القريبين
منك» يعلق باتشينو.
ولكن الشهرة ليست فقط مشاكل وتحديات فهي هذه الأيام المعيار الذي
حَسبه يدرج الفنان. حتى في هوليوود، يأخذ المنتجون بعين الاعتبار
شعبية الممثل في مواقع التواصل الاجتماعي عندما يختارونه لأداء دور
في مسلسل تلفزيون او فيلم. فالشهرة لم تعد خيارا للفنان وانما
ضرورة بدونها لا يمكنه ان يحقق نجاحا. اليوم، هناك مشاهير عديمي
المواهب، حققوا شهرتهم من خلال برامج تلفزيون الواقع السخيفة او
قاموا بعمل شاذ جذب اهتمام الاعلام، وصاروا يمارسون الفن كالموسيقى
والتمثيل، محققين نجاحا أكبر من الفنانين الحقيقيين، الذين يكدحون
ليل نهار من اجل اتقان وتطوير فنهم.
حتى بداية القرن العشرين كان على الفنان ان يقدم عملا مميزا فوق
عادي لكي يحقق الشهرة ولكن ظهور المفكر الإيرلندي، أوسكار وايلد،
غيّر ذلك اذ نال شهرته بدون ان يقدم أي عمل فني او أدبي. موهبته
كانت جماله ولباقة حديثه وأناقة لبسه. وبعد ان أصبح مشهورا في
اوروبا وامريكا يضاهي شهرة شكسبير، شرع في كتابة المسرحيات والشعر
وأصبح واحدا من اهم كتاب القرن العشرين. ولكن معظم مشاهير اليوم لا
ينتجون شيئا غير الكشف عن عوراتهم من حين الى حين من اجل تذكير
العالم بوجودهم.
الشهرة ايضا تمنح الفنان الحرية وتسنح له بإبداع وابتكار اعمال
جديدة لا يمكنه القيام بها كمجهول. فمهما قدّم الفنان المشهور فسوف
يجد اهتماما نقديا وجماهيريا. اما الفنان الغير معروف فعليه ان
يكدح بالترويج لعمله حتى لو كان أفضل بكثير من عمل الفنان المشهور.
الطريف هو انه عندما يصبح الفنان المجهول مشهورا، يرتفع رصيد
اعماله السابقة، التي لم يعرها أحد اهتماما، الى القمة وتصبح تحفا
فنية. بلا شك الدعم الجماهيري الناتج عن الشهرة، يشجع الفنان ويشد
من أزره ويعزز ثقته بنفسه وبفنه. ومن جهة اخرى، يفقد المشهور
خصوصيته التي تصبح ملك الجماهير وتجبره احيانا على الاختفاء
والاختباء في بيته. «لا يمكنني ان استخدم القطار الارضي في
نيويورك» يقول باتشينو ضاحكا. «الكل يعرفني والكل يريد ان يتكلم
معي مما يجعل مشواري طويلا جدا. وأطفالي لا يريدون الخروج معي
وينصحونني بالبقاء في البيت ليتخلصوا مني لأن الناس يهجمون علينا
عندما اكون معهم».
رغم ذلك فان باتشينو لا يود العودة الى ايام كان غير معروف لأن
فوائد الشهرة أكثر بكثير. «انت كمشهور تحصل على كل شيء تحلم به»
يقول باتشينو ضاحكا. «الكل يعرفك وهو ينتج ثقة الناس بك والحديث
معك. كما تحصل على اكراميات كثيرة في المطاعم، الطائرات وغيرها».
ولكن كل هذه النعم التي يعيشها كولين جعلته تعيسا ولم تجلب الشهرة
السعادة التي كان يسعى لها. المرة الاولى التي نلاحظ فيها ملامح
ابتهاج على وجهه كانت عندما قابل حفيدته في بيت ابنه الفقير. هذا
الرابط العائلي وعلاقة غرامية مع مديرة الفندق أيقظا روح الانسانية
فيه وأعاداه الى الواقع وعبآ الفراغ الروحي في نفسه وألهماه كتابة
لحن جديد. فبينما كان الجمهور يطالبه بأداء أغنيته الاولى، كانت
عائلته تحثه على ابتكار أشياء حديثة.
بلا شك ان الشهرة هي مهمة جدا في حياة الفنان المعاصر وخاصة في
مجالات الترويج والتسويق ولكنها قد تكون ايضا عقبة في تطوير فنه
وابداعاته. اما الفنان الذي يتفادى الانغماس في متع الشهرة ويبقى
صادقا مع نفسه ومربوطا بعائلته فإنه سيستمر في الابداع الفني
وتطويره.
«الحل بسيط. عليك ان تتأقلم مع كل واقع جديد» يقول باتشينو ضاحكا.
فيلم
سينمائي من قلب مخيم اليرموك استشهد اثنان من مخرجيه وترقب لمصير
الباقين: «حصار»: حكايات المخيم الفلسطيني في دمشق كما يرويها
أبناؤه
راشد عيسى - باريس ـ «القدس العربي»:
لم يكفّ مخيم اليرموك منذ بدء الحصار عن كتابة يومياته، كلمات
وأشرطة تسجيلية وبيانو يتجول في أزقة المخيم وساحاته. كذلك يخرج
اليوم من قلب الحصار تسجيليٌ يحمل اسم «حصار، أربع حكايات من
اليرموك، وفيه يكتب المخيم سينمائياً جزءاً من يومياته، بعد أن
تعلم بعض شبابه خلال ورشة عمل بالسكايب كيف يصنعون أفلاماً عن
حياتهم، لنجد أنفسنا أمام بشر تعلّموا أولاً كيف يخترعون أنفسهم في
قلب حصار متعدد الوجوه والطبقات.
«حصار» (9:14 دقيقة – 2015) هو عبارة عن أربعة أفلام يتراوح زمن
واحدها أقل من دقيقتين، أخرجها عبدالله الخطيب، ضياء يحيى، مؤيد
زغموت، براء نمراوي، جمال خليفة، محمد سكري، وسيم منور، عبد الرحمن
سليم، عمر عبدالله، نوار اليوسف. ويبدو أن الفيلم نفسه لم ينج من
الحصار والقصف والتنكيل، فحسب الجهة المنتجة («بدايات» بالاشتراك
مع مؤسسة «وتد») تعرّض عبد الله، أحد مخرجي هذا الفيلم إلى محاولة
اختطاف، كما اغتيل فراس الناجي منسق مركز «وتد»، والشريك في صناعة
هذا الفيلم. واستشهد جمال خليفة، أحد مخرجي الفيلم، خلال هجوم
«داعش» الأخير على مخيم اليرموك.
يُعنْوَنُ أول هذه الأفلام بـ»دانا»، وهذا اسم الطفلة بطلة العمل.
تصور الكاميرا دانا وهي تجر عربة تحمل بعض غالونات الماء إلى بيتها
في المخيم. صورة هي نقيض لكل الصور الرومانسية لملء الماء، حيث
النبع والجرار وقصص الحب في طريق النبع أو النهر. لا نرى النبع هنا
ولا البيت، نرى فقط طفلة وحيدة في الطريق الخالي من الناس، هي
وصعوبات الطريق، كيف تجر البنت عربة سطول الماء. الكاميرا تصور
محاولاتها الدؤوبة للسيطرة على العربة وسط الحفر. أحياناً تبدو
الكاميرا نفسها وكأنها تحاول إخراج العربة من الحفرة. فوق ذلك هناك
شعور البرد الذي يوحي به معطف الطفلة. تصل دانا إلى حيث تريد، تفرغ
دلاء الماء البلاستيكية، يصبح صوت الماء ساطعاً ليبدو أقرب إلى
خاتمة سعيدة لحكاية الفيلم، قبل أن تقفل البنت في رحلة جديدة. حركة
العربة تذكر بوعورة طريق سيزيف، دانا هي سيزيف اليرموك، وعربة
الماء صخرتها.
لحظة للكاميرا لا تنسى، تلخص فحوى الفيلم، ففي لقطة خاطفة تبدو
العربة وكأنها أرجوحة للبنت، ذلك يلخص الوضع المأساوي، فالبنت تزج
في هذا الوضع السيزيفي، في وقت يستحق جيل دانا الأراجيح، يستحقون
طفولتهم.
حكاية «أمبير» تصور لحظة عودة التيار الكهربائي، قبلها لا نرى سوى
مجموعة أضواء بسيطة في العتمة، ودردشة لشبان حول أركيلة، لحظة عودة
التيار تستحق أن تكون مرآة لتسجيل انفعالات الناس في سوريا. لا نرى
وجوه الشبان هنا، بل انفعالهم، صراخهم، حركتهم الدؤوبة في المكان
بحثاً عن أبسط حاجاتهم. هنا لا بد أن يكون للحدث الراهن، أي الهجوم
الذي تشنه «داعش» على مخيم اليرموك، بل وأنباء سيطرته على المخيم،
أثر كبير في التلقي، لا شك أننا سنترقب غداً ما سيكون مصير أصوات
هؤلاء الشبان وصرخاتهم.
في حكاية «ولاد الأرض السمرا» سيبدأ المشهد بصورة حقل أخضر، تعرف
الكاميرا أن اللون غريب على المكان المدمر، فتقف طويلاً فوق الحقل،
كأنما لتخدعنا، أو لتقول لنا «نعم، لقد صنع هذا الحقل في حطام مخيم
اليرموك». بعد هنيهات سنرى أنه حقل من الفجل زرع في مساحة فارغة في
المخيم، كما سنرى توزع الناس في الحقل يجنون شيئاً من «المحصول»،
بل أن طفلة انكبت لتأكل أوراقه مباشرة في الحقل. الإشارة إلى جوع
المخيم واضحة، لكن الأوضح منها الإشارة إلى ناس المخيم وشبابه
الذين يساعدون الأهالي. حضور الناس هو كل شيء في هذه الأفلام،
أصواتهم خصوصاً، لكن هذا الفيلم بالذات يبدو وكأنه مهدى إلى شباب
المخيم، الذين يزرعون، ويجنون من أجل الأهالي. هكذا يختم الفيلم
بصوت شاب يغني «ولاد الأرض السمرا، ضحكتهم هدّارة، تطليعتهم حرة،
وجبين منارة. ما جاعوا وما باعوا…».
يرموك ـ كراجات
«أتوق إلى زحمة الناس والمشاغل»، هذه عبارة إيفان في «عنبر رقم 6»،
قصة أنطون تشيخوف، ولعلها تصلح تفسيراً لرغبة شاب في مخيم اليرموك
الآن في أن يركب سرفيس (حافلة صغيرة وشعبية للنقل العام) على خط
اليرموك – كراجات، المتوقف الآن بعد أن كان الأكثر ازدحاماً على
الدوام قبل الثورة. ازدحام لا يشتهيه إلا سجين أو عاطل عن العمل،
أو محاصر في مخيم.
فكرة فيلم «يرموك- كراجات» تكمن هنا، في هذه الرغبة الحارقة للناس
والزحام. لا ندري إن كانت المصادفة وحدها قد حمّلت الفيلم بهذا
الكم من الرموز، حيث يصل الخط الآنف الذكر بين الكراجات، التي
تستقبل المسافرين من كافة المدن السورية، والمخيم، وقد كان على
الدوام ملاذاً للكثيرين من أبناء المدن والأرياف البعيدة، بالضبط
كما شكل ملاذاً آمناً لنازحي المناطق الساخنة في دمشق، قبل حصار
قوات النظام للمخيم وقصفه. لكن لندع ذلك جانباً، فليس هذا هو
الأهم، الفكرة الأساس في أن شاباً في المخيم يمارس حنينه وتوقه
ذاك، فيذهب إلى سرفيس، أو بقايا سرفيس، ليس سوى كتلة من الحديد
الصدئ ليحكي حلمه. يتذكر الشاب في تعليق مرفق رحلته في ذاك السرفيس
وكيف كان يحشر فيه، مع عشرين راكباً، هو الذي لا يتسع إلى نصف هذا
العدد. يعلق الشاب «حصار صغير مع عشرين راكب في ميكرو بيوسع عشرة،
بس بياخدك لوين ما بدك أجمل بكتير من حصار بأرض كبيرة بس مسيجة
بالموت والسواتر»، ثم يمضي الشاب، وهو هنا في الصورة جالس في
السرفيس الصدئ بيده كتاب، كما لو أنه يقلد رحلة في الذاكرة، يصف
السرفيس «هو مكان تختلط فيه الروائح، كيس الخضرا، مع ريحة شيخ،
وصبية حلوة. وبيختلط صوت إذاعة السائق مع صوت شب عم يحكي مع صبية
ويقول لها ربع ساعة وبكون عندك على باب الجامعة». وهنا، يأتي صوت
المغني، كما لو أنه فعلاً جاء من مذياع السائق، وتحديداً بعد كلمة
«يقول لها»: «الشام لولا المظالم كانت فوق المدن جنة». (أغنية
للمغني الشعبي أبو رياح، ويقال إنه اعتقل بسببها).
وفي الصورة أمامنا كان الشاب جالساً إلى الشباك، يتأمل الخارج، كما
لو أنه يتأمل الطريق الذي كان يعبره سرفيس الذاكرة. وفي داخل
السرفيس توزعت عناصر الحياة، وكأن الشاب يعيد تمثيل المشهد، كيس
الخضرة احتل مكاناً، والكوفية الفلسطينية وحقيبة ظهر احتلتا كرسياً
آخر، فيما أخذت دمية لـ»دبدوب» بلون زهري مكاناً أيضاً.
هكذا يتابع الشاب تعليقه «خط اليرموك- كراجات هو الخط الواصل بين
قلب المخيم وقلب الشام. هالخط اليوم واقف، بس القلب لساته عم
ينبض». ومع هذه الكلمات سنرى إلى أحد مسننات محرك السرفيس الصدئة
قد دارت لتتوقف مع نهاية فيلم لعله الأكمل بين الحكايات الأربع.
الفيلم الأخير، «يرموك- كراجات» حين يصل بين قلب اليرموك وقلب دمشق
يتناغم مع فكرة انتماء المكان الفلسطيني لمحيطه السوري الأوسع،
ينتمي إلى نكباته كما إلى أحلامه، لذلك سيرد في «تيترات» الفيلم
تعليق يقول «هذا جزء صغير من حكاية جنوب دمشق المحاصر»، فاليرموك
قبل أن يكون مكاناً خاصاً بالفلسطينيين هو جنوب دمشق، إذن فالمخيم
«جزء لا جزيرة»، وربما أراد صناع الفيلم رسالة سياسية من وراء
ذلك.
فيلم «حصار» أنجز خلال أربعة شهور، وقد أُهدي «إلى روح فراس الناجي
وجمال خليفة.. استشهدا وهما يوثقان مجزرة «داعش» وحلفائه المجهولين
المعلومين في مخيم اليرموك». ولا ندري ما سيكون مصير الشهداء
الأحياء، صنّاع الفيلم، عند نشر هذه السطور.
إختتام
فعاليات مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط
الإيطالي «الشاب الرائع» أفضل فيلم والمصري آسر ياسين أفضل ممثل
فاطمة بوغنبور - تطوان ـ «القدس العربي»
اختتمت فعاليات الدورة 21 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض
المتوسط بحصول الفيلم الإيطالي «الشاب الرائع» للمخرج ماريو
مارتوني على جائزة «تمودة « الكبرى للمهرجان وسلمت الجائزة النجمة
المصرية منى زكي إلى مديرة مهرجان روما «جينا فوكا» نيابة عن مخرج
الفيلم، وعادت جائزة أفضل دور رجالي للممثل المصري أسر ياسين عن
دوره في فيلم «أسوار القمر» للمخرج طارق العريان هذا الأخير الذي
تسلمها من يد الفنانة أصالة نصري نيابة عن الممثل الفائز اسر
ياسين، وذهبت جائزة أفضل دور نسائي للممثلة الإسبانية «لولا
دونياس» عن فيلم «الظواهر» للمخرج ألفونسو زاروزا، وحصل الفيلم
التركي «سيفاس» للمخرج التركي «كان مجدسي» على جائزة العمل الأول،
كما حصل الفيلم الفرنسي «أرض متلاشية» لجورج أولاس فيلي على جائزة
لجنة التحكيم وذهبت جائزة الجمهور للفيلم المغربي «أفراح صغيرة»
للمخرج محمد الشريف الطريبق ، فيما حصل الفيلم المغربي «نصف
سماء» الذي يتحدث عن فترة الاعتقالات السياسية في مغرب السبعينات
للمخرج عبدالقادر القطع على جائزة حقوق الإنسان التي خصصها المجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان في المغرب للفيلم الذي يناقش مواضيع ذات
صلة مباشرة بحقوق الإنسان. ونوهت اللجنة بفيلم «بدون 2» للمخرج
التونسي جيلاني السعدي.
وصرح» للقدس العربي « رئيس لجنة تحكيم الفيلم الطويل المخرج
المغربي الفرنسي علي سكاكي بأن جودة الافلام الطويلة فاقت كل
التوقعات وكانت عبارة عن خليط غني من المواضيع والأفكار وطرق
التناول والإخراج والأداء، وعن كيف مرت أشغال لجنة التحكيم قال
بأنها واجهت اختلافات في الرأي ونقاشات مطولة استمرت إلى ساعات
الصباح الأولى، لكن التجربة أكدت له أن هناك بالفعل سينما متوسطية
متكاملة الأركان والملامح ينقصها فقط على مستوى المغرب الاشتغال
أكثر على عنصر السيناريو والكتابة لأن السينما ليست تقنيات وإضاءة
وممثلين بل هي قبل كل هذا سيناريو وكتابة قوية، وأيضا ينقص التحكم
في إدارة الممثل وحسن توجيهه».
الفيلم القصير:
ضمن 16 فيلم قصير من 8 دول متوسطية فاز الفيلم المغربي «مول الكلب»
لمخرجه كمال لزرق، والذي وصفه رئيس لجنة تحكيم الفيلم القصير
المخرج المغربي «سعد الشرايبي» بالاختيار الذكي للموضوع والوصف
الواقعي المقترن بتحكم حرفي في تقنيات الإخراج. وفاز بجائزة
الابتكار فيلم “فلاش ” للإسباني ألبرتو رويز روخو أما جائزة لجنة
التحكيم فعادت للفيلم الفرنسي «اخر الفرنسيين الأقحاح» للمخرج «
مانويل يوركا»، فيما نوهت اللجنة بالفيلمين الإيطاليين «صلاة
الغائب» لفالنتينا كارنلوتي و» نجمة البحر» لجياكومو أبروزيزي.»
الفيلم الوثائقي:
حصل على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان فيلم «روشمية» للفلسطيني سليم
أبو جبل، وجائزة التحكيم الخاصة لفيلم “حلاوة الديار” للبنانية
نادين ناعوس، فيما عادت جائزة العمل الأول لفيلم “قراصنة سلا”
للمخرجة المغربية مريم عدو.
الفيلم التربوي:
فاز فيلم «طفلة القمر» على جائزة الفيلم التربوي الكبرى من إنجاز
ثانوية أبي بكر الصديق في تطوان، ونالت التلميذة منال علي ياسين
جائزة أحسن ممثلة عن دور وردة في فيلم «حتى لا يذبل الورد» وعادت
جائزة أحسن ممثل للتلميذ نجيب عبو عن دور حميد في فيلم «الطريق نحو
الهاوية» وذهبت جائزة التصويرلفيلم «ميساج» لمدرسة «القدس» وجائزة
السيناريو لفيلم «كلام الحشومة» لنادي السينما والمسرح بثانوية
المكي الناصري. وقال رئيس لجنة تحكيم الفيلم التربوي أن الجائزة
التربوية كانت مناسبة لإشعاع الثقافة السينمائية بين صفوف التلاميذ
والطلبة وفرصة لاكتشاف مواهب صاعدة في التمثيل والتصوير وبوادر
رؤية إخراجية محترفة. وتسلم التلاميذ الفائزين جوائز عبارة عن
كاميرات رقمية وألواح إلكترونية.
تكريم أحمد عز:
شكل صعود الممثل المصري «أحمد عز» منصة سينما أفنيدا أحد أقوى
لحظات حفل الاختتام حيث سلمه الفنان المغربي محمد مفتاح درع
التكريم، وقبل ذلك عرض الحفل شريطا استعرض بعضا من أهم محطات 30
سنة من عمر المهرجان على مدار 21 دورة بمن كُرم من النجوم منها
أسماء فنية رحلت كفريد شوقي وفاتن حمامة وخالد صالح والفنان
المغربي محمد البسطاوي وأيضا نجوم شباب كأحمد حلمي وكريم
عبدالعزيز وهاني سلامة، وعقب الحفل صرح احمد عز للقدس العربي قائلا
بأن هذا التكريم يعني له الكثير لأنه جاء بعد أسماء كبيرة لأساتذة
كبار في التمثيل ، مضيفا بأن هذه زيارته السادسة للمغرب والثالثة
التي يحظى فيها بتكريم مشيدا بالحفاوة والترحاب الكبير الذي قابله
به جمهور مدينة تطوان.
جدل حول «أفراح صغيرة»:
خلق الفيلم المغربي «أفراح صغيرة» لمحمد الشريف الطريبق عقب عرضه
ضمن المسابقة و الذي حاز جائزة الجمهور جدلا واسعا في مواقع
إخبارية مغربية اتهمته بالإساءة للأسر التطوانية المحافظة وذلك
لعرضه قصة حب مثلية بين مراهقتين في طور اكتشاف جسديهما وذلك بسبب
تواجدهما في وسط محافظ ومنغلق على الجنس الاخر. وعن هذا الجدل صرح
المخرج محمد الشريف الطريبق للقدس العربي قائلا: «جائزة الجمهور
بالنسبة لي هي الأفضل لأننا نصنع الفيلم أولا وأخيرا للجمهور وهي
أيضا رد قوي على الحملة الشرسة التي تعرض لها الفيلم وعلى ادعاءات
قالت بأن الجمهور انسحب من القاعة أثناء عرض الفيلم احتجاجا، لهذا
أعتبر هذه الجائزة التي جاءت تحديدا بفضل تصويت جمهور مدينة تطوان
الذي حطم أرقاما قياسية على مستوى الحضور ليلة العرض، ويضيف
الطريبق بأنه يتوقع أن يتفاقم الجدل مرة أخرى عند عرض الفيلم في
القاعات على العموم وبأن الأمرقد يكون بالفعل صادم لكنه واقع
وحقيقة ومن يقل العكس يثبت ذلك.
إسدال الستار:
قال مدير المهرجان «للقدس العربي» أنه راض عن الدورة التي حققت جل
أهدافها رغم بعض الهفوات، وبأنها كانت دورة متقدمة على مستوى
الاحتراف في عمر المهرجان الذي بلغ الثلاثين سنة والذي أثبت وجوده
وانتماؤه للفضاء المتوسطي، وعن المستقبل دعا المسؤولين عن الشأن
الثقافي والسينمائي في المغرب للتفكير في تطوير كل المهرجانات
السينمائية في المغرب وليس فقط تطوان بتوفير كل فرص التطوير
والدعم، وختاما ضرب بتفاؤل موعدا لدورة مقبلة متمنيا أن تكون أيضا
حلقة متميزة ومتقدمة وجب منذ اللحظة البدء في تحضيرها.
ويشار إلى أنه عقب حفل الاختتام تم عرض الفيلم الجزائري «الوهراني»،
من إخراج الممثل إلياس سالم الذي أدى فيه دور البطولة أيضا. وهو
فيلم يتحدث عن يوميات المجاهدين في ثورة التحرير الجزائرية. |