في عام 1996 كان أول أفلام المخرجة ساندرا نشأت، وكان بعنوان "مبروك
وبلبل" ويمكن القول بأن الفيلم قد لفت أنظار النقاد، لأن مخرجته شابة وفي
بداية تعاملها مع السينما تختار نتوعية معينة من القصص التى لها علاقة
بالشخصيات الهامشية أو شخصية الرجل المجذوب الذي يعامله الجميع على أنه
مختل عقليا، غير أن الفتاة من الشارع ترتبط به على خلاف ما يراه الآخرون
فيها، فهو مبروك الوحيد الذى قبل بها وبكل ماضيها، في مقابل رفض الاخرين
لها اجتماعيا، وما اجتماع أصحاب الهامش إلا لغرض تقوية هذا الهامش الذي
تعيش فيه الفتاة.
في عام 1999 قدمت المخرجة فيلما عاطفيا وهو "ليه خلتني أحبك". وفي هذا
الفيلم وكذلك الذي سبقه لم تمكن هناك مشكلة نسائية ولا قضية المرأة بل سارت
المخرجة باتجاه الفيلم العام الذي له علاقة بالجمهور والمجتمع كليا، حتى لو
قلنا بأن هناك غلاف أنثوي قد سيطر على مسار الفيلمين.
تجارب في الاخراج
من جانب آخر دلت معظم التجارب النسائية في الاخراج السينمائي بأن قضية
المراة تبقى هي الاساس بالنسبة الى كل مخرجة، وهذا ما نجده يتردد في أكثر
من مكان وتاريخ، ولعل أشهر مخرجة من حيث كم الفلام المنتجة هي "ايناس
الدغيدى" والتى تقيس أفلامها بمقاييس الذكورة والانوثة والصراع احيانا
بينهما وايضا المقياس التجاري.
ايضا سوف نجد بعض المخرجات قد سرن في نفس الاتجاه تقريبا، ومنهن مثلا
المخرجة "نادية حمزة" التي قدمت أفلاما لها علاقة بالمرأة مباشرة، بل إن
هذه المخرجة قد قدمت فيلما غريبا من نوعه وهو "نساء صعاليك" لا يظهر فيه أي
رجل.
هناك مخرجات متميزات كان رهانهن حول القضية الاجتماعية ولكن بمنظور
انثوي، ومن ذلك افضل المخرجات وهي "هالة خليل" في فيلمين متتالين.
لا يقترن الأمر بمصر، فهناك مخرجات في اماكن أخرى كانت السينما
بالنسبة اليهن مجرد قضية نسائية ونذكر من ذلك المخرجة التونسية مفيدة
التلاتلى في أهم أفلامها:- "صمت القصور، موسم الرجال، وسارة ونادية"
بالاضافة الى مخرجات اخريات مثل ملثوم برناز في فيلمين "الكسوة – شطر
محبة".
واذا ذكرنا بعض التجارب الأخرى في لبنان وسورية وفلسطين، فسوف نجدها
أوضح من خلال تجارب بعض المخرجات اللاتى انشغلن بقضايا المرأة من بعيد أو
قريب وتعتبر جوسلين صعب هي الشهر بحكم اخراجها لفيلمين وهما اولا فيلم غزل
البنات وثانيا فيلم دنيا.
ان التجارب تمتد ايضا الى مخرجات فى فلسطين والمغرب، بالنسبة للفليم
الروائي الطويل، ولاسيما وأن هذا الافلام تترك وراءها بعض المشكلات
الرقابية احيانا، ويقف بعض الناس ضدها لما تحتوى عليه من جرأة في طريقه
التناول.
أفلام لاحقة
بالنسبة لمخرجه ساندر، يمكن القول بانها قد وجدت من خلال صناعة
الافلام وممارسة الاخراج بصفة مهنية تقريبا، لذلك نراها تتوجه الى الفيلم
البوليسي في ثلاثة أفلام لاحقة وهي: ملاكى اسكندرية انتاج عام 2005، يلى
ذلك فيلم الرهينة ثم آخر افلامها "مسجون ترانزيت" انتاج عام 2008.
لقد دلت الأفلام المذكورة بصفة عامة على الحضور الفنى لهذه الأفلام،
ولاسيما من الناحية التقنية والفنية.
كمات أن نسبة التشويق يمكن اعتبارها عالية، ولهذا السبب لقيت هذه
الأفلام النجاح التجاري الجيد.
اذا تحدثنا عن فيلم "مسجون ترانزيت" نجده يختلف كثيرا عن باقي القصص
البوليسية المتداول، والتى اقتربت منها السينما العربية، وهو ما تناولته
السينما العالمية أقرب، حتى أنك تشعر في اللحظات بان الفيلم مغترب قليلا عن
واقعه، والخلفية الظاهرة تبدو بعيدة نسبيا عن شوارع القاهرة وتفصيلات
المدينة أو غيرها من المدن العربية فالفيلم يحاصر نفسه بامكان تصوير مختار،
بعناية وكذلك شقق وبنايات متميزة الاختيار، والأهم بان الشخصيات تبدو
احيانا وكأنها قادمة الى مكان غير مناسب لها. إن الأجواء الاجنبية تحاصر
هذا الفيلم، ولكن في حدود ضيقة.
بداية الفيلم هى لعلي وصديقه ليلا، في انتظار التسلل الى محل صرافة
وسرقة الخزانة، حيث يجيد "علي" عملية فتح الخزائن، وهذا المعنى هو الذي
يؤكد عليه الفيلم لأنه سيقود الى مسارات جديدة تتجاوز عملية السطو نفسها،
والتي تنتهى بالفشل بسبب يقظة الحارس، ثم اصابة صديق على بالرصاص ودخولهما
السجن ليقضى علي حكما يصل الى المؤبد، بسبب قتله للحارس ولو عن غير قصد،
ويقضي صديقه حكما أقل عن ذلك بكثير.
حادثة وقصة
يحاول الفيلم أن يركز على مرارة السجن، من خلال حادثة اعتداء المساجين
على السجين علي، ويصبح الخروج من السجن هو الحلم الذى يصعب تحقيقه، ولكن
يتحقق هذا الحلم بواسطة شخصية تظهر بسرعة "شوقي" والذي عرض نفسه باعتباره
عميد في البوليس وهو مستعد لاخراج "علي" بوصفه مسجون ترانزيت، ثم الاعلان
عن موته اثناء رحلة التوصيل واختيار اسم جديد له مع هوية وجواز سفر وكل
الاحتياجات الادارية المطلوبة، وبالفعل تم ذلك: وحضر علي مراسم جنازته،
وحاول أن يرى وجه امه على الاقل وهي المرأة التى لم تظهر إلا في مشاهد
قليلة جدا في البداية لا تعبر الا عن وجه شبه ضائع.
سوف نجد في شخصية شروقى بعض الاقناع باعتباره أحد القيادات المؤثرة في
البوليس، ولكن الأهم هو رغبة على فى عدم طرح الاسئلة وزرع الشكوك، حتى يضمن
خروجخ بعد تنفيذ العملية المطلوبة.
قصة تتكرر
بدأ الفيلم وكأنه محاولة لاعادة قصة رأفت الهجان، بل هناك بعض المشاهد
التي تتضمن ذلك، لكن نقطة الضعف ظلت واضحة، وتتمثل في وجود شخص واحد أسمه
شوقى يتحرك لوحده، بدون مساعدة أحد، ولا خلفية واضحة لأي مظهر من مظاهر
ادارة البوليس وبالاضافة الى استخدام التأثير الانفعالى المتمثل في اعادة
تحريك شخصية رأفت الهجان، هناك استخدام مفرد "علي" والاشارة الى بطولة علي،
حيث سيقوم بواجب وطنى وهو أمر يتداخل مع فيلم "رد قلبي" وشخصية بطل الفيلم
"علي" نفسه.
لا نريد اضافة الطريقة التى استخدامها الممثل نور الشريف الذي قام
بدور العميد، فهي طريقة تبعث على الثقة وعدم التردد، وفرض أسلوبه في أداء
الشخصية الكثير من الصدق على شخصية هى مجرد افتراض مبدئى لابد من حضوره فى
البداية، وبهذا الشكل. رفم ذلك فإن الممثل نورد الشريف كان فاقدا للياقة
الممثل ولم يقع بينه وبين الكاميرا أى انسجام، ولاسيما والوجه الذى بدا
مرهقا ومنتفخا بعكس باقي الممثلين.
كلف "علي" أن يأتى بملفات محفوظة فى خزانة أحد الجواسيس كما ادعى بذلك
شوى في عرض البحر، وكانت النتيجة أنه قتل هذا الشخص ونجح في مهمته، ليصبح
بعد ذلك شخصية أخرى "عبد الرحمن" ويكسب مبلغا كبيرا من المال يبني به
مشروعا تجاريا وهو معرض لبيع السيارات.
بدت المهمة ذات طابع وطني، فهي تتمثل فى قتل جاسوس اسرائيلي، يملك
وثائق ومستندات مهمة يجب أن تسلب منه بأية طريقة. والأمر على خلاف ذلك
بالطبع.
مستندات
ان الفيلم يؤكددائما على فكرة الوثائق المهمة بدون تحديد أو توضيح،
فبطل الفيلم لا يطرح اسئلة كثيرة، وهو لا يحاول أن يصور نسخا من هذه
الوثائق.
في مقابل ذلك تحتوي الخزانة على كيس فيه بعض الالماس الثمين، وفي
الحقيقة فإن هدف المهم هو هذه الغنيمة، والتى يسرق منها "علي" قطعة واحدة،
ويصوره شوقى وهو يقوم بالسرقة، قتصبح نقطة ضعف ضده..
كما قلنا كاد الفيلم أن يسير مع اتجاه الفيلم المعروف "أرض الجنون"
وخصوصا وأن كل من اللص ورجل البوليس قد اتفقا على عدم اللقاء نهائيا بعد
انتهاء العملية.
تصور المخرجة فيلهما بالكثير من الرشاقة والاهتمام بالمشاهد مع اختصار
شديد في الأحداث واحيانا في عدد الشخصيات ايضا.
بعد رحلة من العمر، يصبح أو عبد الرحمن رجل اعمال ناجح، لديه زوجة
"ايمان العاصى" ولديه ابن صغير، كما أن سكرتيره "صلاح عبد الله" رجل مخلص
في الظاهر، يقوم بكل شىء تقريبا الى أن يظهر شوقى من جديد في حفل عيد ميلاد
الولد الصغير.
واقع وخيال
فى مشهد جيد الصنع تتحرك صورى عبد الرؤف بين الواقع والخيال امام
انظار عبد الرحمن، بينما مجريات الاحتفال بعيد الميلاد تسير بهدوء، ثم
يلتقى رفاق الأمس من جديد من أجل القيام بعملية أخرى، وهكذا يتضح أن
العملية الأولى لم تكن إلا لمقدمة لعمليات قادمة.
فى تعليق بارع يؤكده شوقى بأنه لواء فقد مضت سنوات منذ أن كان عميدا،
وهو يغري رفيقه ويهدده ايضا بالسرقة وربما اعادته الى مصيره الأول.
إن العملية المطلوبة سوف تكون ضد أحد اعضاء مجلس الشعب، والهدف أوراق
مهمة موجودة في الخزانة داخل بيته، والقصد من سرقتها عدم استخدام هذه
الأوراق والاستفادة منها، لأنها تمس مصلحة البلد، وهو أمر زرع الشك في
شخصية علي، في محاولة منه التخلص من هذه العملية غير واضحة المعالم.
ومثل العادة تتحول الزوجة الى مصدر ازعاج بسبب شكوكها في تصرفات زوجها
وفى علاقته مع شوقى والذي فرض نفسه على البيت، وصار لا مناص من تنفيذ
العملية.
نهاية مرتبكة
يرتبك الفيلم في آخر فصوله الثلاثة، حيث لم يتمكن عبد الرحمن من سرقة
الأوراق، لأنه وجد امامه النائب البرلماني مع عشيقة له، وفي نفس الأمر يقتل
ابن النائب اثناء اشتباكه مع عبد الرحمن بطريقة متسرعة. اما الأوراق فغن
عبد الرحمن ينجح في سرقتها بعد فتحه للخزانة، ليضعها في مقر عمله بعد
محاولة ثانية.
تسير الاحداث نحو فيلم آخر عندما يشرع النائب البرلمانى في الانتقام
ويختطف ابن عبد الرحمن الصغير، بل يقتله، لنكتشف بأن زوجة رؤوف هي نفسها
عشيقة النائب البرلمانى، ولا يوجد تبرير لهذا الاختيار السطحى، إلا من أجل
أن يجتمع الجميع فى نهاية الفيلم وينتقم شوقي لشرفه من النائب، ثم يقتل بعد
ذلك بواسطة علي. أما الشريك الملاصق لعبد الرحمن فقد تغير بسرعة وبزاوية
منفرجة، وتحول الى رجل مخادع، فقد باع الوثائق لرؤوف اولا، ثم أنه وبكل
بساطة يثق في الرجل الذي خدعه عبد الرحمن، ليوافق على بيع الوثائق للنائب
البرلماني ايضا.
عملية خداع
يكرر الفيلم بعض التعبيرات القانونية، مثل مسـألة الدفاع عن النفس
ولكنه لا يستفيد منها عمليا، كما انه لا يضع أى مداخل لتغيير سلوك
الشخصيات، فالزوجة في النهاية تعود الى زوجها، رغم كل شيء، والزوج عبد
الرحمن في طريقه الى السجن ليعود الموضوع الى بدايته الاولى، بعد أن اكتشف
الجمهور أن شوقي ليس عميدا ولكنه مزور شهير قام بتزوير كل شيء من البداية
الى النهاية، وهو ما يزيد من غربة الشخصيات وعدم واقعيتها؛ رغم الجهد الفني
المبذول في الاخراج والذى يتطور مع المخرجة ساندرا مع مرور الايام وتعدد
التجارب وتنوعها.
هذا الفيلم مكسب للممثل أحمد عز في دور مناسب له جدا، وبنجاح ايضا
يجتهد صلاح عبد الله في دوره، رغم أنه لم يغير من طريقته في الاداء وفوق
ذلك هناك عناصر جيدة أخرى أهمها التصوير والموسيقى، ووراء كل ذلك اجتهاد
مخرجة تعمل بوصفها مخرجة وليست مجرد امرأة انثى.
العرب أنلاين في
29/07/2009 |