اختار أحمد زكي أن يجسد حياة عبدالحليم حافظ سينمائيا
وشاء القدر أن يرحل الفتى الأسمر في يوم رحيل العندليب
الأسمر
القاهرة ـ درويش برجاوي
.. يا سبحان الله.. في مثل هذا اليوم (أمس) الأحد 27 مارس قبل 27 سنة،
رحل عن الدنيا العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وها هو هذا التاريخ يعيد
نفسه بإعلان الأطباء في مستشفى دار الفؤاد وفاة الفنان الأسمر أحمد زكي،
الذي وقف أمام الكاميرا قبل شهرين ليجسد قصة حياة العندليب في فيلم سينمائي
يحمل اسم «حليم»، وصور غالبية مشاهد الفيلم الداخلية، ولم يتبق الا المشاهد
الخارجية التي كان من المقرر تصويرها في العاصمتين المغربية والفرنسية، لكن
تصاعد حدة الاصابة السرطانية في جسده، ودخوله المستشفى، وعجز الأطباء
وتسليمهم بقضاء الله وقدره، حال دون استكمال تصوير هذه المشاهد. وكأن احمد
زكي ومن شدة تعلقه بحياة عبدالحليم وبظروف طفولته المشابهة تماما لحياته،
تمنى وهو في مرضه الميئوس من شفائه ان تكون وفاته في يوم وفاة عبدالحليم
نفسه، الى درجة انه طلب ان تصور جنازته في الفيلم.
وكان الأطباء في المستشفى قد أعلنوا صباح أمس. نبأ وفاة أحمد زكي بعد ان
تدهورت حالته الصحية بشكل كبير اثر انتشار السرطان في الكبد والبطن ووصوله
الى المرحلة الثالثة، وأكدوا ان الوفاة كانت طبيعية نتيجة الجلطات التي
اصيب بها الفنان الراحل في الرقبة والساقين.
وقد توافد على المستشفى عدد كبير من نجوم الفن اثر اعلان الوفاة لالقاء
النظرة الأخيرة على زميلهم الراحل، وشوهد فاروق الفيشاوي ومحمد هنيدي وحنان
ترك يجهشون بالبكاء الى درجة الانهيار.
وستشيع جنازة الفنان الراحل بعد صلاة ظهر اليوم الاثنين من مسجد مصطفى
محمود بالمهندسين في موكب شعبي يشارك فيه عدد كبير من رجال الدولة
والمسؤولين وزملاء الفنان الراحل في الحياة الثقافية والفنية والسينمائية.
____________________________*
أحمد زكي..
غياب الجسد وحضور المعنى
العبقري.. أبو وضع مختلف.. الذاهل بسحر السينما عن كل
أحلامه الأخرى
سعدية مفرح
رحم الله الفنان أحمد زكي وجزاه خير الجزاء على ما أضافه من ألوان مبهجة في
بانوراما الذاكرة العربية طوال أكثر من 35 عاما، رفد خلالها الشاشة الفضية
بأفلام سينمائية لا تنسى قبل ان يرحل صباح أمس عن 56 عاما قضاها عاشقا
للسينما، ذاهلا بسحرها الفاتن عن كل أحلامه الأخرى، التي ربما حققها صورة
بعد صورة على الشاشة التي صار فتاها الأول في غفلة من اشتراطات المنتجين،
ورغبات الجماهير المتكئة على ما يقدم لها من صورة نمطية لأبطال الشاشة
غالبا.
رحل أحمد زكي اذن.. قبل ان يتم حلمه الأخير، الذي أراده تجسيدا لحياة
الفنان الراحل عبدالحليم حافظ في جملة من التقاطعات الفنية والحياتية
بينهما، بدءا من يُتم مبكر، وانتهاء بمجد جماهيري صاخب، مرورا بمحطات كثيرة
لا بد للمرء أن يتوقف عندها كثيرا ليتم المشهد المأساوي المثير للشخصيتين،
ويردم فجواته بمزيد من الدهشة والمحبة والاعجاب.. والدعاء أيضا. واذا كان
«العندليب» عبدالحليم حافظ قد تحوّل الى اسطورة في نظر جماهيره الكثر حتى
قبل ان يرحل استسلاما للمرض الذي ألمّ به وراوغ مسيرته طوال حياته، فان
«العبقري» أحمد زكي في طريقه الآن إلى ذلك التحول غير المحسوب الذي بدأ حتى
قبل وفاته استسلاما للمرض الذي فاجأه في الشهور الأخيرة لكي يكتمل المشهد
الثنائي بين الاثنين، وتستمر المأساة في رسم تجلياتها فرحا وصخبا وغناء
وموسيقى وسينما جميلة عبر ما هو غير مألوف في ذاكرة الفن ومحفوظاتها
التقليدية، فاذا كان عبدالحليم قد ظهر في زمن العمالقة من المطربين العرب،
أمثال أم كلثوم، وعبدالوهاب ليحقق قفزته الخرافية عبر موهبة شكك الكثيرون
بمستواها، وحماسة لم يتشكك أحد في انها بلغت ذروتها، فان أحمد زكي سار على
الدرب نفسه.. ووصل!
فهذا الممثل الذي ظهر ظهوره الأول كواحد من طلبة مدرسة المشاغبين في تلك
المسرحية التي قدمها عادل امام مطلع السبعينات بهذا الاسم، وبمساحة دور هي
الأقل بالنسبة الى المساحة الممنوحة لبقية الممثلين الأكثر شهرة منه آنذاك
كان يردد عبارته الشهيرة في المسرحية مخاطبا ناظر المدرسة بانكسار بالقول
«أصل أنا وضعي مختلف».. كمن يتنبأ بتفاصيل هذا الوضع المختلف فأحمد زكي
الذي بدأ صغيرا ونحيفا وذا وضع مختلف في تلك المسرحية ـ وكما كتبنا عنه قبل
عدة سنوات تعليقا على زيارته للبلاد آنذاك ـ سرعان ما قلب موازين السينما
المصرية وغيّر صورة بطلها المثالي الذي قدمته طويلا فتى وسيما بملامح «خواجاتية»
في الغالب.
لقد دشن «أبو وضع مختلف» أحمد زكي وضعا مختلفا في الشاشة العربية الأشهر
وبدا كأنه فارس السينما المنتظر في سلسلة فيلمية منتخبة عبر تعاونات
وثنائيات مختلفة، خصوصا مع محمد خان الذي انجز معه مجموعة من أشهر أفلامه
بدءا بفيلم «طائر على الطريق» وانتهاء بفيلم «أيام السادات» مرورا بأفلام
أهم منها «موعد على العشاء» و«زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا».
اما الراحل عاطف الطيب فقد انجز لأحمد زكي من الأفلام ما يمكن اعتباره هوية
عاطفية ونفسية لهذا النجم المستمر عبر الشاشة كممثل لجيل كامل ولد في ظل
المد القومي، وترعرع بين طيات الحلم الناصري الجميل على مدى الستينات
الذهبية قبل ان يتحمل مسؤوليات «النكسة» وما خلفته وراءها من نكسات كبيرة
وصغيرة وبتجليات مختلفة. ولعل في المشهد النهائي لفيلم «البريء» الذي يعتبر
أحد أهم أفلامه صورة نموذجية لانكسار ذلك الحلم الذي قدمه أحمد زكي بتلك
العبقرية الذهبية التي وجدت هواها في هذا النوع «الثوري» من أفلام عرف
الراحل عاطف الطيب بواقعيته الضرورية وذكائه السينمائي النادر وحسه الفني
المرهف كيف يرسمها بمزاج أحمد زكي الذي لا يعجبه العجب.. كما يبدو!
ولعل هذه الصفة الأخيرة، التي تستمد جذورها الخفية من النشأة المرهقة لأحمد
زكي عبر طفولة كثيرا ما تذكر مراراتها في لقاءات صحفية نادرة، هي نفسها
الضمان الذي اتكأ عليه محبو فنه بعيدا عن الحسابات السياسية للآخرين عندما
راهنوا على النجاح الفني الذي يمكن ان يتحقق لفيلم «أيام السادات» في مرحلة
الاعداد له، خاصة ان أحمد زكي لم يعجبه العجب فعلا في رحلة الاعداد لهذا
الفيلم (...) لكن الفيلم أنجز في النهاية وقدمه أحمد زكي متعاونا مع أحمد
بهجت ومحمد خان، وبرؤية خاصة له هو شخصيا حرص على ان «يبصمها» على كادرات
الفيلم. ثم ان الفيلم وعبر هذه البصمة الخاصة تحول الى ما يشبه اعادة تقييم
السادات ومرحلته برمتها، ففي الوقت الذي هاجم فيه الناصريون الفيلم
باعتباره مجرد تسويق للحلول الساداتية لمشاكل «السلام» التي انجرفت المنطقة
كلها بوصولها، رحب به الساداتيون باعتباره محاولة لإعادة الاعتبار للرجل
الذي ذبح على المنصة في لحظة تاريخية ضحية لسياساته «السلامية» التي مشى
عليها الجميع بعد ذلك ببضع سنوات فقط!
لكن أحمد زكي «الناصري» قلبا وقالبا وحلما.. وحده سار على ذلك الخيط الذي
يفصل بين الرجلين وبين الزمنين برؤية فنية قدمها من خلال عشق عبدالناصر عما
ينبغي ان يكون عليه العشق في فيلمه الأثير الى نفسه «ناصر 56» واحترام
متأخر للسادات في فيلمه «أيام السادات».
انتهى بعض كلامنا القديم، لنبدأ كلاما جديدا عن هذا الفنان الذي رحل أمس
قبل ان يتم آخر أفلامه «حليم» الذي أراده ايقونة جميلة لزمنه المشوش في
مشهد بانورامي ظل يحلم به كعنوان للسينما التي يحب، تلك السينما التي لم
تكن مجرد عشق أول في سيرة ذاتية متعثرة بين ثنايا اليتم المستمر وحسب، انما
وسيلة ناجعة للعلاج مما يمكن أن يكون قد ترسب في قاع الشخصية من عقد
ومشكلات وأمراض.
لكن يبدو ان هناك من الأمراض ما يستعصي على الفن الجميل، ليودي بالجسد الى
تهلكة الغياب، على رغم الحضور الذي لا يختلف اثنان من عشاق سينما أحمد زكي
على انه سيبقى طويلا وكثيرا في الذاكرة العربية واحدا من المعاني الخاصة
والمختلفة جدا.
رحمه الله.. وجزاه خير الجزاء.
___________________________*
فنــانـو الكويت: خسارة للسينما العربية
كتب محمد فاخر ومفرح حجاب
تلقى فنانو الكويت بحزن شديد نبأ وفاة الفنان احمد زكي. «القبس» التقت بعض
من عرفوا الفنان الرحل عن قرب، وبعض من أحبوه على الشاشة وتابعوا أعماله.
قالت الاعلامية امل عبدالله: ان علاقتي بأحمد زكي كانت متميزة، وممتدة على
فترات طويلة من السنين. تعرفت عليه وعلى اسرته الصغيرة عن قرب، حين كان
متزوجا الفنانة الراحلة هالة فؤاد. كان احمد انسانا رقيق المشاعر، يتحسس
هموم الآخرين في كل وقت، وكان بسيطا في نجوميته ومجده، وبسيطا عند وفاته.
ان رحيله احزنني وابكاني فعلا، ان عزاءنا ان هذه سُنة الحياة.
من جانبه قال المخرج خالد الصديق: اعجبت بأحمد زكي منذ ان بدأ يتألق في
مشواره السينمائي، لذا كنت حريصا على ان يشاركني في بطولة فيلم «شاهين»
وبالفعل جرى توقيع العقد الا أن ظروفه حالت بينه وبين حضوره للمشاركة في
الفيلم عندما بدأ التصوير. لقد احترمه اكثر، وشعرت بأهميته كفنان يعرف ماذا
يريد حين احسست انه اعتذر عن العمل لخشيته من عدم قدرته علي ان يقدم
الشخصية كما يجب.
كان انسانا بمعنى الكلمة، والسينما العربية فقدت في رحليه نجما موهوبا كان
في قمة النجومية.
اما الفنان ا براهيم الصلال، رئيس فرقة المسرح الشعبي فقال: بداية اقدم
تعازيَّ وزملائي الفنانين الى ذويه والساحة السينمائية والفنية العربية
بوفاته. ان فقدان نجوم امثال احمد زكي يترك مساحات شاغرة في الساحة
السينمائية لا يمكننا ان نسدها ونحتاج الى سنوات عدة كي يأتي من يملؤها.
وبين الصلال ان لقاءات عديدة جمعت بينه وبين الفنان الراحل احمد زكي وقال:
حضرت اكثر من مرة تصوير افلامه وكانت ذكرياتي معه قد بدأت من «مدرسة
المشاغبين»، ان اسم احمد زكي سيبقى منقوشا في ذاكرة الآجيال المقبلة.
وقال الفنان جاسم النبهان: ان احمد زكي وشم الساحة الفنية بأعمال سينمائية
ومسرحية اكثر من رائعة ستخلد لفترة من الزمن. كان مخلصا في عمله وصادقا في
تجسيد الشخصيات التي اداها، وتمكن من اختراق جدار الفنان الوسيم، ليكون نمر
السينما العربية.
وقال عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، الدكتور خالد عبداللطيف رمضان:
ان تواجد الفنان احمد زكي على خشبة المسرح وهو في السنة الاولى بالمعهد
العالي للمسرح في «مدرسة المشاغبين» كان ينبئ بميلاد فنان حقيقي جاد، وصاحب
اتجاه معين، له خصوصية فنية في كل مايقدمه من ابداع، ولعل تجاربه المسرحية
القليلة خير شاهد على ذلك، مشيرا الى ان «مدرسة المشاغبين» ومسرحية «العيال
كبرت» و«هالو شلبي» ما زالت عالقة في وجدان الجماهير. وزكي فنان متنوع، ولم
يحصر نفسه في ادوار معينة، بل صال وجال في السينما والتلفزيون وكان مميزا
في كل ما يقدم، حيث قدم للدراما شخصية عميد الادب العربي طه حسين واذهل
الجميع بادائه وفي السينما قدم البواب ورئيس الجمهورية بشكل مدهش، وبطريقة
مختلفة فيها روح حمد زكي المبدع والفنان.
واكد الفنان القدير علي المفيدي: ان الساحة الفنية العربية فقدت احد أعمدة
الابداع الجاد في الفن واخلص الفنانين الذين يحبون اعمالهم.
واضاف: ان احمد زكي اشبه بالريحاني، في حبه للفن، حيث انني كنت من متابعي
الخطب التي كان يلقيها في فيلم عبدالناصر ولقد كنت شاهدا على حقبة
عبدالناصر وقد ذكرني بها زكي من خلال ما قدمه في هذا الفيلم، كذلك مرافعته
في فيلم «ضد الحكومة» وكأنه يقارع الفساد في العالم العربي وينطلق بلسان كل
انسان يتحدث اللغة العربية. لقد استطاع زكي ان يكون لسان البسطاء في الفن،
ويعبّر عن همومهم.
اما الفنان القدير منصور المنصور، فقال: احمد زكي فنان صعب جاء في زمن صعب،
وهو اشبه بالفنانين العظماء في العالم العربي، مثل عبدالوهاب، وعبدالحليم،
لانه كان يتقن فنه بشكل عال، ويقدم شخصيات شديدة الصعوبة، لانه كان لا يحب
سوى الادوار الصعبة، التي يقتنع بها. لقد اثرى زكي السينما العربية وجعلها
تنتعش من خلال ما قدمه من اعمال لها خصوصية.
تلفزيون الكويت يؤبن النجم الراحل
يشارك تلفزيون الكويت في تأبين الفنان الراحل النجم أحمد زكي، حيث يبث في
سهرته غدا برنامجا تحت عنوان «الفارس» من اعداد محمد الدريع وتقديم إيمان
نجم، واخراج أحمد الظفيري، وإشراف محمد المسري، يتناول سيرة حياة النجم
العربي الراحل وأبرز المحطات المميزة في رحلته الفنية.
المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة
لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم
المخرج فيلماً متقناً في
حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي،
ولكن هذا لا
يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.
___________________________*
احمد زكى.. وداعا ايها العزيز
عماد النويرى
وكانت الساعات الاخيرة واللحظات الاخيرة . وكان المشهد الاخير فى اسطورة
الفنان.
الفنان الذى مات فنا . وكان لنا ان نحبه .
هذا الحب الجارف سر الحياة .
حياة احمد سبع الليل فى ( البرىْ ) وشكرى فى ( موعد على العشاء ) وعبد
السميع فى ( البية البواب ) وهشام فى ( زوجة رجل مهم ) وطة حسين وجمال عبد
الناصر والسادات .
منذ بدايته وحتى رحيله لم يتوقف عن الحياة فى حياة الاخرين وكان على
الانسان داخله من كثرة العمل والابداع والجنون والعبقرية . كان على الانسان
داخلة ان ينفجر موتا قبل ان يعيش
عاش احمد زكى لنا منذ ثلاثة عقود او يزيد . عاش ليعزف لنا احلى المقطوعات
التمثيلية على اوتار قلبه المكسور وعلى ايقاع احزانه التى سكنته منذ
الطفولة .
فى كل شخصية كان يلعبها كان يعطينا قدرا من طاقته , وبعضا من عطائة الفنى
الفياض , وكطفل يتيم فاقد للابوة كان احمد زكى يعطينا الفرح لقاء كسرة
اعجاب وبعض الحنان . وسرعان مايرتمى فى بحر عذابات لاتنتهى .
احمد زكى لم يكن شمعة تضىْ لنا لتنير حياتنا حتى تذوب . احمد زكى كان شعلة
متوهجة لاتعترف بالذوبان وانما تتجدد نارها عند كل مغيب .
عندما ظهر اول مرة استطاع ان يحطم كل مقاييس النجومية واستطاع ان يقدم
للسينما العربية مذاقا مختلفا للبطولة الحقيقية لبطل عربى واقعى تجرع مرارة
الهزيمة وتم اجهاض احلامه الكبيرة فلم تبق له سوى احلام صغيرة يتقاذفها
شباب ضائع على رمال بلا شطان . ورغم كل الانكسارات استطاع احمد زكى ان
يلملم بقايا الاحلام فى حضن دافى من الفن الراقى واستطاع من خلال اختياراته
الواعية ان يكون دائما فى حالة تماس مع الواقع الاجتماعى والسياسى .وان
يكون مراة يظهر على سطحها الكثير من المتغيرات التى حدثت خلال الثلاث عقود
الماضية .
كان ( موعد على العشاء ) انتصارا للحب فى مواجهة الجمود والكراهية والتسلط
.
وكان ( البرىْ ) صرخة مواطن طاهر برىْ ضد القهر السياسى والفكرى الذى ينتهك
حرمة العقل والروح .
وكان ( ضد الحكومة ) دعوة لمحاسبة كل المسؤؤولين عن الفساد , وكل الذين
تامروا لتخريب الذمم والتكسب من وراء قتل الحياة .
وفى ( الاحتياط واجب ) و( مستر كاراتيه ) و( احلام هند وكاميليا ) كانت
تتدفق الصور لتنقل لنا اصرار الذين يعيشون على هامش الحياة على العيش بشرف
رغم قسوة العيش وعتمة الصباح .
وفى ( زوجة رجل مهم ) ارتفع احمد زكى ليحتل مكانة مهمة بين نجوم التمثيل
فى هذا العصر
وفى ( ناصر 56 ) كانت موهبة الممثل وقدرته الفذة على المعايشة .
وفى ( السادات ) كانت عبقرية الممثل ونجاحه الكبير فى التحدى . تحدى الممثل
داخلة الذى يرغب فى لعب كل الادوار ومعايشة كل الشخصيات .
وفى رحلة الفن ككل كان احمد زكى مرتبطا بنا كاخ عزيز وصديق مخلص .
وفى رحلة الحياة ككل كان احمد زكى زاهدا فى مباهج الحياة الا قليلا ولم
يضبط متلبسا حتى مماته فى مايشين .
نحب صهيل الجياد الراكضة فى الفضاءات البعيدة .
نحب طيور الصباح وهى تنفض ريشها من بقايا ندى الفجر المغادر فى دلال .
نحب رحيل المراكب ترفع صواريها فى شموخ الى المرافىْ البعيدة .
نحب الاشجار ان تموت واقفة .
رحل احمد زكى الانسان وهو يعطينا درسا فى المقاومة .
مات الانسان فى احمد زكى قبل ان يعيش .
وسيبقى الفنان .
وداعا ايها العزيز .
ولد يتيما واستعان بعالم نفسي لعلاجه من آثار اليتم والطفولة البائسة
___________________________*
النجم الأسمر أحمد زكي.. السيرة أطول من العمر
القاهرة ـ علاء طه ـ محمد سليمان
في الأشهر الأخيرة بدا احمد زكي كمحارب من الأساطير الإغريقية، كان عليه
عبء الدفاع عن جسده النحيل، أن يواجه مرض السرطان بشراسة. كان بالضبط
مقاتلا في صدره خنجر لكن نبله وتعلقه بالحياة وجنون الفن أمدوه طيلة عام
وثلاثة اشهر ـ منذ أزمته الأولى ـ بقوة لا تتوافر للبشر العاديين المصابين
بهذا المرض، ضارباً بذلك مثالاً في فن حب الحياة، فلم يستسلم للداء اللعين
00كافحه بالإيمان، والصبر والعمل والأبوة وبالأطباء والإبر الصينية
والأحلام والأصدقاء وبالكلام والفضفضة والصدق ولا يهم بعد ذلك كيف جاءت
النهاية: مباغته أم مصاحبة بمضاعفات.. بطيئة أم بتفشي الفيروس في كل
الأعضاء على سرير المستشفى أم أمام كاميرا التصوير فما تركه احمد زكي من
أعمال فنية وما ضربه من صيغة إنسانية للحياة والكفاح ستحفظ اسمه كثيرا في
التاريخ العربي والسيرة أطول من العمر.
يليق بأحمد زكي وبموهبته وأعماله الرائعة محاكاة اسمه بالنجوم العالميين
كآل باتشينو، وروبرت دينيرو فهو لا يقل عنهم شأنا، وإن كان يفوقهم
بالمقاييس العالمية في التمثيل والتشخيص.
لا يمكن سبر غور هذه العبقرية دونما العودة إلى البدايات، إلى الطفولة
وأحلام الصبا وعثرات الشباب.. فأحمد زكي عبد الرحمن ـ هذا اسمه بالكامل ـ
حينما ولد عام 1949 مع نهاية مرحلة فارقة في تاريخ مصر والعالم بعد الحرب
العالمية الثانية لم يكن يتوقع له أحد بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة
الشرقية سوى أن يصير مزارعاً أو عاملاً باليومية، وكان أقصى تقدير لمستقبله
في حال أكمل تعليمه أن يتحول إلى موظف بالمجلس المحلي لهذه المدينة
الصغيرة.
والده توفي وهو رضيع في عامة الأول، والأم الصبية الجميلة القروية خاف
عليها الأهل من لقب الأرملة وما يحمله من مشاكل فزوجوها مباشرة، ليربى
الطفل في بيت الجد والعم والأقارب، ولا يهنأ أبدا بنطق كلمة «ماما» أو
«بابا» كأقرانه الأطفال.
يحكي عن أمه وعن طفولته الصعبة قائلا: حياتي ميلودراما كأنها من أفلام حسن
الإمام. والدي توفي وأنا في السنة الأولى. أتى بي ولم يكن في الدنيا سوى هو
وأنا، وها هو يتركني ويموت. أمي كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء،
فزوجوها وعاشت مع زوجها، وكبرت أنا في بيت العائلة بلا اخوة. ورأيت أمي
للمرة الأولى وأنا في السابعة.. ذات يوم جاءت إلى البيت امرأة حزينة جداً،
ورأيتها تنظر إلي بعينين حزينتين ثم قبلتني من دون أن تتكلم ورحلت. شعرت
باحتواء غريب، هذه النظرة تصحبني إلى الآن. في السابعة من عمري أدركت أنني
لا اعرف كلمة «أب وأم» والى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة
بابا أو ماما أشعر بحرج ويستعصي علي نطق الكلمة.
هذه الطفولة الصعبة لم تمر مرور الكرام في حياة أحمد زكي الذي سيصير بعدها
بـ25 عاماً أشهر نجم في تاريخ السينما العربية فقد تركت له ذكريات أليمة
وندوباً نفسية لا تمحى واضطر بسببها وما تركته بداخله من اكتئاب وانطواء
ويأس إلى الاستعانة بطبيب نفسي أكد له أن مشاكله النفسية تعود إلى الطفولة
اليتيمة، أيام كان مجرد طفل يود أن يحنو عليه أحد ويسأله ما بك.
صبـي خجـول
وهذه الطفولة أيضا شكلت صباه.. كان صبيا ساكنا لا يتحدث كثيرا، خجولا،
ومنطويا وهذه صفات اليتيم الفقير.. كان يتأمل ويتفرج ويشاهد وبداخله صدام
مع العالم، وغليان أكبر من طاقة صبي وفي المدرسة الابتدائية كان لابد من
تفريغ الغليان لابد من لهو يشبع الطفولة فالتحق بفرقة التمثيل، وواصل
التمثيل في الإعدادية بعد أن صار أهم مشاهد لأفلام الترسو (الدرجة الثالثة)
بدور عرض الزقازيق الرخيصة. لكن الحظ حالفه في الثانوية بمدرسة الزقازيق
حيث كان ناظر المدرسة هاويا للتمثيل فوجهه لإكمال تعليمه في المعهد العالي
للفنون المسرحية، وكان أحمد قد نال شهرة بالزقازيق على أنه فنان هاو صعلوك
عاشق للتمثيل لأقصى الحدود.
ومثلت هذه الفترة «الثانوية العامة» وانتقاله إلى القاهرة بعدها نقطة
مضطربة لكل من يكتب عن حياة أحمد زكي فهناك روايات تردد أنه حصل على دبلوم
الصنايع وجاء إلى القاهرة، وفشل في الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية لأنها
تشترط في الطلاب الملتحقين الحصول على الثانوية العامة، ووصل به الأمر إلى
أن يعمل سائسا لسيارات المدرسين والدكاترة بالمعهد حتى ساعده أحدهم في
الالتحاق بالمعهد، ويستدلون على ذلك بكلام أحمد نفسه الذي أكد في أكثر من
حوار أنه جاء إلى القاهرة كشاب ريفي وعمره 20 عاماً عقب انتهائه من الدراسة
وهو ما يعني أنه نال دبلوم الصنايع 5 سنوات لأن طلاب الثانوية ينهون هذه
المرحلة وعمرهم 17 عاما وآخرون يرون أن أحمد كان متعثرا في دراسته الثانوية
وهذا سر عمره المتقدم عندما التحق بالمعهد. وحرص أحمد زكي دوما على الكلام
بعمومية عن هذه الفترة من حياته.
لكن المهم أنه كافح للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية حيث إنه جاء
إلى القاهرة من دون سند أو معين سوى موهبته وحبه الجارف للتمثيل وهو قال عن
هذه السنوات في حياته (السنوات الأولى في العاصمة القاهرة): يا لها من
سنوات صعبة ومثيرة في الوقت ذاته من يوم ما أتيت إلى القاهرة اعتبر أنني
أجدت مرتين في امتحان الدخول إلى المعهد ويوم التخرج وثلاثة أرباع طاقتي
كانت تهدر في تفكيري بكيف أتعامل مع الناس، والربع الباقي للفن كم مرة شعرت
بأنني مقهور، صغير، معقد بعدم تمكني من التفاهم مع الناس، فقد كنت أعيش في
وسط مشحون بالكثير من النفاق والخوف والقلق، أشاهد الناس يسلّمون على بعضهم
بحرارة وأول ما يدير أحدهم ظهره تنهال عليه الشتائم ويقذف بالنميمة. ومع
الوقت والتجارب، أدركت أن الناس في النهاية ليسوا بيضاء السرية دائما أو
سوداءها، إنما هناك «المخطط والمنقط والمرقط والأخضر والأحمر والأصفر»
أشكال وألوان.
قسـوة القاهـرة
والحياة لشاب يتيم عاشق للفن في القاهرة بلا عمل اشد قسوة وتخيلوا كيف كان
ينام، ويأكل، ويلبس ويذهب إلى المعهد، ويحب، ويصادق من دون أن يمتلك شيئا..
إنه المستحيل.. خاصة أنه حسب جداول المعهد ونتائجها كان متفوقا في الدراسة
فكان تقديره عند التخرج عام 1973 من قسم التمثيل ممتاز والأول على دفعته،
وهو التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة.
أثناء دراسته في المعهد ظهر بمسرحية «هالو شلبي» لكن بدايته الفنية
الحقيقية كانت مع «مدرسة المشاغبين» مع عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي
وهادي الجيار وسهير البابلي ثم انطلق في السينما مبكرا بفيلم «بدور» عام
1974، ثم تلاه بأفلام مهمة صنعت هالة من النجومية مع مطلع الثمانينيات هي
«أبناء الصمت» و«صانع النجوم» و«العمر لحظة» و«وراء الشمس» و«شفيقة ومتولي»
و«إسكندرية ليه» و«الباطنية»..
وكما لمع سريعا في المسرح والسينما تألق كما لم يتألق أحد في مسلسل
«الأيام» قصة حياة عميد الأدب العربي طه حسين وهذا المسلسل تحديدا كان
نبوءة العبقرية عنده وأنه الفنان الذي لا يحاربه أحد، والمنفرد في أدائه
وقد قال للكاتبة سناء البيسي في جلسة خاصة ضمتهما مع مفيد فوزي وآمال
العمدة أنه كي يقوم بالدور الصعب المقنع لطه حسين درس ما يقرب من 40 شخصية
أعمى منها الضرير الذي يولد فاقدا للبصر وكيف يتصرف داخل المكان، والأعمى
الذي فقد نظره بعد أن رأى النور وطريقة سيره في الحارة مائلا برقبته تخوفا
من أن تلقي إحداهن بمياه قذرة على رأسه، والأعمى الذي عاش مبصرا، أصابه مرض
بعينيه في كهولته والذي غاب بصره إثر حادث مؤلم.. ومن هنا جاء صدقه في هذا
الدور الذي يعد من كلاسيكيات الدراما التلفزيونية.
على أن الموهبة وحدها لا تكفي، والحب والعشق للتمثيل لا يصنعان نجومية فكيف
صعد إلى سلم الشهرة والأضواء من دون تنازلات تذكر ووسط احترام الجميع، هذه
نقطة مهمة جدا وتختص بتكوين الفنان بداخله.
الـذكـاء الحـاد
ولعل أحمد امتلك ذكاء حاداً، ووعياً مرهفاً جعله يلتقي دوماً بصانعي
الإبداع والثقافة وينضج في تؤدة على نار أفكارهم. ومن الذين ارتبط بهم
وصادقهم وتأثر بهم بشدة وترسخ بسببهم الاكتئاب بداخله صلاح جاهين، وعلاقة
أحمد بصلاح لم تكن علاقة فنان بآخر متعدد المواهب والإبداعات: شاعر ملهم،
ورسام كاريكاتير شهير، وسيناريست، وممثل، ومنتج، وإنما كانت علاقة صعلكة
وخواطر، فالعين الذكية لصلاح جاهين التقطت احمد زكي وتبنته كممثل وصديق
وزميل صعلكة وقهاوي وجلسات خاصة وكان من الطبيعي أن يكتب له والسندريلا
فيلم «شفيقة ومتولي» وينتجه أيضاً، وأن يكرر معهما التجربة في مسلسل «هو
وهي» مع الكاتبة سناء البيسي وهو لا يزال من أجمل والطف المسلسلات المصرية
التي تجمع خفة الدم بالحس الاجتماعي بالغناء والشعر والأداء الراقي وتسبر
غور المرأة والرجل بشكل فريد ولصيق بعلاقاتهما الخاصة.
واثر صلاح جاهين على أحمد زكي عميق جدا إلى درجة أن أحمد يحفظ عن ظهر قلب
رباعيات صلاح جاهين وقال: «لم يمر على يوم اسود كيوم وفاة صلاح جاهين»،
وانحياز أحمد زكي في أفلامه العديدة «البيه البواب» و«مستر كاراتيه» و«كابوريا»
و«شادر السمك» للبسطاء والهامشيين الذين يعيشون في منطقة محايدة بعيدا عن
القانون والتقاليد هو انحياز لفكر صلاح جاهين.
التصق أيضا أحمد زكي بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية
بالثمانينات ومبدعيها المخرجين: عاطف الطيب، وخيري بشارة، ومحمد خان، وداود
عبدالسيد، وصادقهم وصنع معهم أهم أفلام الربع الأخير من القرن العشرين في
السينما العربية «عيون لا تنام» و«موعد على العشاء» و«طائر على الطريق»
و«العوامة 70» و«الاقدار الدامية» و«درب الهوى» و«المدمن» و«النمر الأسود»
و«الحب فوق هضـبة الهـرم» و«البريء» و«أربعة في مهمة رسمية» و«زوجة رجـل
مهم» و«أحـلام هند وكاميليا» و«الدرجة الثالثة».
وذكاء أحمد زكي دفعه إلى عدم تسييس نفسه كنور الشريف، ولم يجاري الواقع
السياسي للارتباط بالمؤسسة المركزية الحاكمة كعادل أمام، ولم يستغفل
الجمهور بشعارات واهية وبراقة وكاذبة وخادعة.. كان دوما تعبيرا عن نبض
المواطن المصري وعن أحلامه وهذا سر حب الجميع له من دون أدنى تحفظات.
المرأة في حياته
على أن نقاط ضعف أحمد زكي كانت بداخله نفسه بمشاكلة النفسية وبعلاقته
المتوترة مع المرأة. كان من الطبيعي أن يتزوج الجميلة التي أحبها الممثلة
هالة فؤاد والتي كان يهيم بها عشقاً، وأن ينجب منها.. لكن نهاية علاقتهما
كانت أمرا غير طبيعي. لا دلالات لها سوى أنه رجل مجنون بشيء أكبر من
العلاقة مع الأنثى، والاستقرار والأبوة، وأكثر خلوداً من السلطة والتعامل
مع السياسيين.. شيء يحقق له النشوة وهو بلا جدال الفن.
وتصوروا أن أحمد زكي بكل قوته الشخصية ونجوميته لآخر إطلالاته رجل خجول
ورقيق يحدث المرأة فلا يتطلع إلى عينيها ولا إلى وجهها.. خاض علاقات نسائية
كثيرة ارتبطت بإشاعات وأحاديث نميمة لكنها كانت تتحطم دوما عند حافة أحلامه
الفنية، والعجيب أن كل النسوة اللائي مررن بعلاقات سريعة أو ممتدة على
فترات معه عشقنه وما زلن يحتفظن بذكريات جميلة معه فقد كان قادرا أن يحول
كل قصة حب إلى وردة لا تذبل، وعطر لا يضيع شذاه، وإلى صداقة تدوم إلى
النهاية. والأمثلة كثيرة لكن من العيب الحديث عن أسمائها وتفاصيلها فهذا لا
يليق الآن.
وهو الممثل الذي لم يختلف معه الكثيرون عندما فاجأهم بـ«ناصر 56» كل
الألوان السياسية شاهدت الفيلم وقمة السلطة سمحت له بالعرض، وحتى عندما قدم
«أيام السادات» لم يختلف معه الذين عارضوا كامب ديفيد وذاقوا ويلات
اعتقالات سبتمبر.. هو ممثل قادر على إقناع الجميع، وعلى جعل الفن رسالة
بسيطة يفهمها الجميع، ولمقطوعة موسيقية يستمتع بها الجميع ولم يكذب عمر
الشريف عندما قال عنه «الواد أحمد لو متعلم انكليزي وسافر لهوليوود سيكون
أشهر ممثل في العالم».
ولو اكتمل فيلم «حليم» آخر مشاريع أحمد زكي بطريقة أو بأخرى خاصة أن 80% من
مشاهده صورت بالفعل سيكون هذا ختام مسك لحياته وهو المشروع الذي يظل يحلم
به لسنوات عديدة لأنه يرى تشابها كبيرا بينه وبين عبد الحليم في الكفاح
والشقاء والنجومية واليتم والغريب إنه منذ أربعة أعوام يعد لهذا الفيلم
وواصل بكفاءة حلمه وهو على سرير المرض.. لكن المدهش هو ما اكتشفناه عند
النظر في أرشيفه ففي فبراير 1988 نشرت مجلة الموعد الفنية على 8 صفحات في
العدد 1302 تحقيقا مصورا عن احتفال الوسط الفني بعيد ميلاد الفنانة نبيلة
عبيد، وكان حفلا أسطوريا قدمت فيه فرقة عمرو سليم موسيقي استعراضية، وشدت
مطربة الفرقة مها كمال بأعذب الأغنيات، وجعل المطرب الشاب عمرو دياب
الساهرين لا يكفون عن التصفيق، وغنت صابرين مع فرقتها، وحيت شريفة فاضل
صديقتها بأحلى الأغنيات، ورقصت فيفي عبده على رغم أنها كانت في شهر الحمل
السادس مخالفة تعليمات الأطباء، وغنى محمود عبد العزيز أغنيته الشهيرة «ياقفا»
ورقصت يسرا.. أما النجم الأسمر أحمد زكي فقد وقف على المسرح وأخذ يقلد عبد
الحليم حافظ ويغني له.. فهل كان يستعد لنهايته منذ 17 عاما، وهل صبر على
حلمه طيلة هذه الأعوام؟ ويا ترى ماذا كتب أحمد زكي في وصيته التي وضعها تحت
مخدة المرض خاصة أنه لا يعد ولا يحصى ما يمتلكه لابنه هيثم ولا ما يتبرع به
وإنما اشياء فضل الا يعرفها أحد ألا بعد رحيله!
___________________________*
كلمات الوداع بدموع الفنانين
القاهرة - علاء طه - محمد سليمان
دموع اهل الفن تنثال على فقيدهم النجم الاسمر وهي لن تجف سريعا، لان الفقيد
له مكانة حب كبيرة في قلوبهم، يصفها النجوم بأنها «جدعنة» وتصفها النجمات
بأنها «رجولة» فيما يراها النقاد «عبقرية» لذلك انثالت كلماتهم تودع أحمد
زكي كأنها فضفضة «المحبين الملتاعين»
رغدة ورحلة الأصدقاء
تتماسك رغدة، وترتجف وهي تتحدث عبر الهاتف، كأنها لا تريد أن تفقد تماسكها،
وتقول وهي تهرب من وصف الموت، في اجترار للايام والساعات واللحظات الاخيرة
الى جوار أحمد زكي: «يوم الاحد قبل الماضي، كانت الامور طبيعية، لكن في
المساء التالي ساءت حالة احمد زكي الصحية وتدهورت، وكان أحمد يشعر بأنه في
أيامه الاخيرة، وكان منفعلا جدا إلى درجة انه بكى وقال بصوت مرتفع «أريد ان
اخرج من المستشفى، واطلبي وزير الصحة، وعايز اشوف الدكتور احمد عكاشة».
وتضيف رغدة: انا بدأت أقوم بما طلبه احمد مني في قمة توتري، فيما دخل هو في
شبه غيبوبة كاملة، ومن الواضح ان الاطباء كانوا يعلمون بها، ففوجئت بمنعهم
كل المقربين اليه من زيارته، وخصوصا انا، واعتقد انهم فعلوا ذلك لانهم
يعلمون انه لن يفيق مرة اخرى.
وتشير رغدة إلى ان احمد زكي في المرات السابقة، عندما كان يصحو من الغيبوبة
او اغفاءته يسأل عمن معه، وتقول: «كان يلقي علينا بعض النكات» رغبة منه في
ان نطمئن عليه، إلى درجة اننا تعودنا على ذلك، وفي احدى المرات قال لي:
عندما نخرج من هذه الازمة يا رغدة سوف نذهب في رحلة يكون فيها كل اصدقائي،
وطلب مني ان اكتب معه قائمة الاسماء التي سترافقه في الرحلة، وكان كلما صحا
من غيبوبته، يتساءل: هل سجلنا اسم «فلان» ضمن القائمة؟
وتختصر رغدة ذكرياتها مع احمد قائلة: لقد كتب احمد قائمة اصدقائه لكي يقضي
معهم اجازة يبتعد فيها عن الألم، لكنه رحل وترك القائمة كلها، كان فارسا
وشجاعا، واخا وصديقا، وتحدى المرض الى آخر لحظة في حياته، وحتى هذه اللحظة
اشعر بأنه في غيبوبة كالعادة، وسوف يصحو مبتسما.
نحيب يسرا
اما الفنانة يسرا، فقد لازم البكاء والنحيب صوتها على الهاتف وقالت: «احمد
ليس صديقا، انه أهم واكثر من احبهم في حياتي، عندما قالوا «انني مت» لم
اتضايق، لكن عندما قالوا ذلك عن احمد، انهرت وغضبت جدا، وكنت خلال الايام
الاخيرة كالمجنونة ما بين المستشفى والهاتف، وما بين اتصالات الاصدقاء
لنبحث له عن دواء جديد او وصفة، أو لنخفف عنه محنته، وانا اشعر الآن بعدم
تصديق رحيله، واشعر بخوف حقيقي، فأحمد كان يملأ حياتي وحياة الجميع بالامل
والحب والصداقة والعفوية.. الله يرحمه.
منى زكي.. الوالد والحبيب
منى زكي، اصغر النجمات اللائي وقفن امام احمد زكي على الشاشة، تقول عنه:
كان احمد بالنسبة الي الوالد والحبيب واليوم اشعر بأنني افتقد شيئا مهما في
حياتي الفنية والانسانية بشكل عام، ولا اصدق انه مات فعلا، واشعر بان خبر
الوفاة مجرد اشاعة «بايخة» جدا وليست حقيقية.
حنان ترك: فقدت نفسي
عندما تلقت حنان ترك خبر وفاة احمد، وكانت في الاستديو تصور احد مشاهد
مسلسل «سارة» انهارت واوقفت التصوير، واخذت تصلي وتقرأ القرآن لكنها غالبت
دموعها وقالت على الهاتف: الحقيقة انه عندما مات الراحل علاء ولي الدين
شعرت بأنني فقدت جزءا من حياتي، واما اليوم فبرحيل احمد زكي اشعر بأنني
فقدت نفسي، فأحمد كان المثل الاعلى والقدوة وهو استاذنا جميعا، الله يرحمه،
ودخلت في هستيريا بكاء، بعد ان انهارت في زيارتها للمستشفى فور اعلان
الوفاة.
محفوظ عبدالرحمن: فنان عبقري
ويقول الكاتب محفوظ عبدالرحمن، مؤلف فيلم «حليم» الذي رحل احمد من دون ان
يكمل تصوير مشاهده، «لقد فقدنا واحدا من اهم الفنانين في الوطن العربي، من
الصعب تعويضه، ولقد اقتربت جدا من احمد زكي منذ قدمنا «ناصر 56» وكنت في
مرحلة التحضير للفيلم، وسمعنا معا تعليقات كثيرة من شخصيات كبيرة شككوا في
قدرة احمد زكي على تجسيد شخصية جمال عبدالناصر، وعندما عرض الفيلم كانوا
اول من اتصل به لشكره.
ويضيف محفوظ: الشيء نفسه حدث مع بداية التحضير لفيلم «حليم» إلى درجة انني
شخصيا شعرت بالخوف، وكنت مترددا في الكتابة، فاتصل بي احمد زكي، وقال
بالحرف الواحد: انا مريض يا استاذنا، هل ترغب في زيارتي والاطمئنان عليّ؟
فذهبت اليه مسرعا، فإذا به يجعلني اشاهد بروفة قام بتصويرها لاغنية «قارئة
الفنجان» وكان التصوير بلا ماكياج فانبهرت، إلى درجة البكاء الداخلي، وقلت
له بالحرف الواحد: «انت عبقري يا أحمد».
هند رستم: وجه مشرف
وتقول هند رستم: «انا حزينة جدا على رحيله فهو فنان قوي، ووجه مشرف لمصر،
امتعني عندما شاهدته في فيلمي «ناصر 56» و«ايام السادات» والغرابة ان
نهايته شبيهة بنهاية عبدالحليم حافظ، لقد كان يجسد شخصية العندليب ومات من
دون ان يكملها، كما مات العندليب قبل ان يكمل مشواره الفني.
حسن يوسف: كما ولدته أمه
ودعا الفنان حسن يوسف لاحمد زكي بأن يكون مثواه الجنة، وقال: لقد اغتسل
احمد زكي من ذنوب الدنيا بهذا المرض وآلامه، ومدى شدة ازمته دليل على حب
الله له لكي يصل اليه نظيفا كما ولدته امه، وادعو له بالرحمة، وكان رحمة
الله عليه من الفنانين المقربين الى قلبي .
|