أحمد زكي
رحيل الذي لم يكذب.. ولم يتجمل
كتب: نــــادر عـــــدلي
سنة كاملة عشناها معه في رحلته مع آلام السرطان, حاول بمقدرة مدهشة أن
يتعايش مع المرض المدمر, يقاومه ويصاحبه ويهزمه, ولكن المرض تملك من
جسده حتي فاضت روحه.. روح الفنان المتمرد الصعلوك الذي عاش حياته بين
شخصياته, وأخذ منها وأخذت منه!.. وسجل في تاريخ السينما الناطقة
بالعربية أن فنانا مهما زغردت الشرائط بموهبته ألوانا ودراما واستمتاعا.
أي صناعة سينما في الدنيا تعيش بصانعيها, ولكنها لاتبقي نابضة إلا
بفنانيها الكبار, وموهوبيها المهمين.. وأحمد زكي هو أحد الموهوبين
الكبار في تاريخنا السينمائي.
أحمد زكي فنان شق طريقه بصعوبة بالغة, لم يكذب ولم يتجمل.. لاملامحه
ولاتكوينه الجسماني, ولا سمرة وجهه تسمح له بأن يكون بين فتيان الشاشة,
وحلم الفتيات, وبائع الاحلام والاوهام والبطولات.. ولكن المدهش فعلا
انه أصبح كذلك!
كان سنده الأكبر: الموهبة والاصرار.. وجاء الشاب الريفي للعاصمة,
للقاهرة يتلمس ان يجد له مكانا.. والمفاجأة ـ رغم كل الصعوبات التي
واجهته ـ أن السينما اكتشفت أنها في حاجة حقيقية لهذا الفتي, ففي
الثمانينات مصر كلها كانت تتغير وتتبدل: النظام السياسي اتجه من
الاشتراكية نحو رأسمالية الانفتاح, وظهرت تحولات سياسية واقتصادية
واجتماعية سريعة أثرت علي كل شيء, وتأثرت السينما بدورها, ورصدت وقرأت
مايحدث, فكان ماعرف بالواقعية الجديدة لمخرجين شباب: محمد خان وعاطف
الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد ورأفت الميهي.. وهؤلاء كانوا يبحثون
عن فتي آخر ـ غير تقليدي ـ للسينما التي يريدون أن يقدموها.. ووجدوا في
أحمد زكي ضالتهم.
فكانت أفلام: عيون لاتنام ـ طائر علي الطريق ـ العوامة70 ـ أنا لا أكذب
ولكني أتجمل ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ البريء ـ زوجة رجل مهم ـ وأحلام هند
وكاميليا.. وبرع فتي الشاشة الأسمر الجديد في اكساب هذه الافلام نبضا
خاصا.. وأصبح من فتيان الشاشة المعتمدين من النقاد والجمهور.
وبعد نهاية الواقعية الجديدة قدم أحمد زكي أفلاما تقليدية عديدة, ولكنها
متميزة في اتقانها الفني, وفي قدراته علي التقمص.. ثم يتوقف الفتي
الأسمر, ويعيد حساباته, يريد أن يستمر مختلفا, وموهبته تؤرقه وتدفعه
ليقدم الجديد.. وتأتي الصحوة, ويتذكر كم كان بارعا عند تقمص شخصية عميد
الأدب العربي تليفزيونيا طه حسين, وطاردته فكرة تقديم شخصية جمال عبد
الناصر في فيلم تاريخي عن تأميم قناة السويس, ووسط ذهول الجميع, يتفوق
الفيلم ويصبح حديث العالم العربي كله, وتسترد السينما جمهورها(1996)
الذي يقف طابورا أمام شباك التذاكر من أجل فيلم ناصر56 ثم يقدم فيلميه
المهمين: اضحك الصورة تطلع حلوة وأرض الخوف.. ثم يقدم الفيلم السياسي
أيام السادات.. وهكذا يترك أو تترك موهبة أحمد زكي بصمته في السينما
المصرية مرتين, الأولي مع الواقعية الجديدة, والثانية مع فيلمي عبد
الناصر والسادات.
كان أحمد زكي ـ رحمه الله ـ موهبة حقيقية فذة, ويملك ألمعية وحضور التقمص
والتشخيص العبقري.. وقد نجح مع بعض ممثلي جيله في تقديم الاداء السهل
التلقائي المعبر والمؤثر, ويتطور بفن الاداء التمثيلي نفسه علي شاشة
السينما العربية.
لقد فقدنا ممثلا مهما بما قدمه من شرائط وابداع تمثيلي, وسوف تتذكره
السينما العربية طويلا, وتتذكر ماقدمه من ابداع ومتعة للمشاهد العربي وفن
السينما نفسه.
.. وبقيت لنا أعمـالـه
كتبت:* ماجدة حليم
يضعنا الموت أمام الحقيقة الخالدة, وهي الفراق, ويبدو الفرق
واضحا حين تفارقنا شخصية عامة فالاهتمام يتزايد عندما يـؤدي الإنسان واجبه
في الحياة.. في عمله.. وفي التزامه بمبادئ قد تظهر في فيلم أو عمل
إنساني أو عمل اجتماعي.. أو واجب وطني.. أو رأي حر يدافع فيه عن قيمة
عليا من قيم الحياة.
وقد مات الفنان أحمد زكي لكنه ترك لأجيال من المشاهدين أفلاما لن تنسي..
لقد كانت بعض افلامه نوعا من النقد الاجتماعي لشخصيات أو أحداث مثل افلام:
شفيقة ومتولي, والبيه البواب, وزوجة رجل مهم, وامرأة واحدة لا
تكفي, وضد الحكومة, والبرئ.. كما أحيا ذاكرة المشاهدين بمسلسل الأيام
عن حياة عميد الأدب العربي طه حسين.. وبفيلميه ناصر56, وايام
السادات.. وقدم في فيلم النمر الاسود نموذجا للإنسان المصري البسيط الذي
يكافح ليصل الي القمة حتي لو كان غريبا عن بلده وأهله مع انتمائه الشديد
للأرض التي خرج منها.. ووقوفه ضد العنصرية الغربية للملونين.
كان تقمصه لأدواره المختلفة يثير دهشة الناس والنقاد.. فقد قدم في مسلسل
هو وهي نماذج متعددة كان في كل منها يختلف عن الأخر.. وعندما قدم
ناصر56 كان الشباب يتدافعون الي دور العرض ليشاهدوا الرئيس جمال
عبدالناصر الذين لم يعاصروه.. وحدث هذا أيضا في تجسيده للرئيس أنور
السادات كان كأنه نفس الشخصية.. وكان الفقير ذو المباديء في الصورة تطلع
حلوة ورجل المباحث في زوجة رجل مهم والرجل العاشق للنساء في امرأة واحدة لا
تكفي.
هذه الموهبة لا نراها عادة إلا في بعض نجوم السينما العالمية مثل آل
باتشينو وروبرت دي نيرو..
هذا هو الفرق بين موت رجل عادي وموت شخصية أدت دورا للمجتمع علي كل
المستويات.. ودائما عندما يأتي الموت يقفز الفراغ.. وتخلو الساحة ويضم
السكوت صوته لصوت الليل فلا تسمع شيئا.. إلا أنه كان هناك إنسان يمشي علي
حرف من الخيال.. ثم انتقل للحياة الحقيقية التي نجهلها نحن البشر.
المبدع.. المتفرد
كتب:* مشـير عـبد الله
قد تصنع المعاناة مجرما أو فنانا مبدعا جملة قالها الكاتب الكبير نجيب
محفوظ.. والمعاناة جعلت من أحمد زكي مبدعا متفردا.
عرفت أحمد زكي حينما كان يمثل فيلم هستيريا, فهذا الفنان مختلف عن كل
فناني جيله, فالتمثيل هو عشقه الأول والأخير, وهو لايتحدث عن نفسه
كثيرا إلا من خلال معاناته فقط فهو أبدا لم يخجل منها بل دائما يضعها أمامه
في البلاتوه.. وفي ديكور شقة( زين) أحمد زكي في هيستيريا كانت هناك
صورة معلقة لأحمد زكي وهو شاب, وجلس يحكي عنها وأنها أول صورة التقطت له
حينما جاء إلي القاهرة سعيدا وكله أمل فيها ولم تخيب أمله..
نشأ أحمد زكي وحيدا, وكإن يجد سلوته في كل دور يقوم بأدائه فكان يتقمص أي
شخصية من اخمص قدميه وحتي آخر خصلة في شعره, فرغم قوته كممثل عبقري
لايختلف عليه أحد, إلا أنه كان يتعامل مع كل لقطة يقوم بأدائها وكأنه
مازال ممثلا في بدايته يريد أن يثبت لنفسه قبل من حوله انه استطاع اداءها,
فينظر لكل من حوله ليعرف كيف أدي اللقطة فهو غيور جدا علي فنه ويريد أن
يؤدي اللقطة أحسن ماتكون.
كان لايستطيع أن يحيا دون أن يتنفس الهواء, والهواء عند أحمد زكي هو
التمثيل فدائما يبحث عن شخصية جديدة.. وفي مرضه الأخير كانت حالته
المرضية متأخرة منذ اكتشافها ولكن وجود شخصية مثل حليم جعل أحمد زكي يبقي
معنا قليلا لأنه وجد الهواء الذي يحييه, استطاع أن يحفر اسمه في التاريخ
السينمائي, فقد قال عنه يوسف شاهين حين: رحل الدنيا ضلمت, ونحن
نقول: ستظل أعماله وشخصياته في النور.. رحم الله أحمد زكي وعوض فن
التمثيل عنه خيرا..
.. وبكي الجميع
كتب:* محمود موسي
بقدر ما اعطيت كان الحزن..
وبقدر صدقك وعطائك كانت الدموع من الملايين قبل المقربين.
وبقدر ما حملت من حب للوطن كان الاهتمام وكان الدعاء.
وداعا احمد زكي اخي وصديقي.
الان اكتب لك رسالة لاتمثل سوي سطر من سنوات علاقتي واقترابي منك واقول لك:
انا الان في حاجة اليك اكثر من اي وقت.
عارف يا احمد زكي.. انا نفسي اكتب كلاما كثيرا وعايز اقول لك ان ناس
كثيرة قوي النهاردة بيبكوا عليك حزنا لفراقك وهم لم يتقربوا منك.
اما انا فأقول: ان فراقك وجعني من جوايا.
اما فنيا..
فان رحيلك هو فاجعة كبيرة للفن العربي فأنت اخذت كل الالقاب بجهدك وحبك
وتفوقك.. انت وحدك نصف موهبة السينما فاكر لما قلت لك هذه الجملة وضحكت
وقلت لي ياحبيبي ان لسه عندي حاجات كثيرة وعلشان انت بتحبني بتقول كده.
اه يا احمد يازكي لو تعرف الدموع التي ذرفت حزنا عليك لانك صادق ومن اهل
الخير, وستظل في قلوب جمهورك وستظل اعمالك شاهدة ودعوات الناس ستكون لك
رحمة.. اللهم ارحم احمد زكي.
البرئ.. القدوة
كتب:* أحمد عاطف
رحم الله احمد زكي, فقد كان مثلا يحتذي في الفن والسلوك الانساني معا
ولهذا فلن يكتب تاريخه من خلال افلامه فقط ولكن ايضا من خلال محاسنه وصفاته
كانسان نقي بمعني الكلمة لايقول الا الصدق ولايعرف الخبث طريق إلي قلبه
ولايشغله النظر للاخرين بما لايعنيه, ولايحسد احدا وكان مستعدا لأن يقف
بجانبك اذا كنت تدافع عن الحق واذا اخطأت في حقه فسوف يرد في وجهك ولن
يطعنك في ظهرك ابدا وهو ايضا كثير التسامح ساخر كبير, لكن لايخوض في سيرة
الناس اوفي اعراضهم, كان مليئا بالخير كثير التصدق ومساعدا للمحتاجين
رحيما بالضعفاء.
ولم يكن ضميره الفني اقل من ضميره الانساني بأي الاحوال فقد كان فنانا شديد
التواضع مع الجمهور ومع زملائه وكان يحترم جهد الاخرين ولا يقلل من قيمة
احد, وكان رأيه ان كان إنسان موهوب في شئ ما, ولهذا فقد عمل مع مخرجين
متنوعين من حسن ابراهيم لداود عبد السيد.. ولم يمارس أيا من افعال
النجومية المريضة, لكن كان يفتح قلبه للجميع واذا عرض عليه سيناريو يقرؤه
بكل جدية بدون احكام مسبقة علي شخص كاتبه او حتي علي عنوان الفيلم وكفنان
لم يكن هدف احمد زكي جمع وكنز الاموال كما يحدث للكثيرين فلايقبل افلاما
لكي يحافظ مثلا علي اجره كنجم فالمال بالنسبة له وسيلة وليس غاية.
ولم يكن ككل الممثلين همه التواجد في كل موسم او كل عام لكنه يختار الافلام
التي يقتنع بها فقط وكان ممثلا مؤمنا بالتنوع فلم يسقط ابدا في فخ تقديم
شخصية واحدة حتي لو كانت ستدر عليه ذهبا, كان قارئا كبيرا ومثقفا ومراقبا
جيدا للحياة وكانت لديه قدرة هائلة علي اختزان شخصيات من يراهم واعادة
افرازها في اعماله.
ولانه من مدرسة الاندماج في التمثيل, فكثيرا ما كانت تضيع الحدود بينه
وبين الشخصيات فيأكل ويشرب ويتحرك من خلالها وحتي لو كلفه ذلك من ضريبة
التأزم النفسي لعدم خروجه من الشخصيات بسهولة بعد الانتهاء من تمثيلها,
فانه لم يتوقف قط عن قناعاته بان الاندماج الكامل هو مرادف للصدق الفني.
كان الفنان الكبير لاينشغل بأي شئ سوي فنه حتي اصدقاؤه كانت حواراته معهم
عن مشروعاته الفنية وكان يصنع احلامه بنفسه ويحارب من اجل تحقيقها يبحث عمن
يكتبها له ثم عن جهة انتاج او يتصدي هو لانتاجها بنفسه حتي لو كانت ستكلفه
كل ما يملك, وكان فيلم السادات ابلغ مثال علي ذلك.
احمد زكي هو ممن اختصه الله من عباده بنعم كثيرة وقد أحسن استخدامها وأدي
رسالته علي أكمل وجه وليت الممثلين الشباب من هذا الجيل يتأملون حياته جيدا
ويعون دروسها.
مخرجون عملوا معه.. يتكلمون
متابعـة:علا السعدني ــ هناء نجيب ـ علاء سالم ــ لينا عادل
* المخرج داود عبدالسيد: كان من الفنانين الذين لديهم قدرة هائلة علي
تجسيد الأدوار ببراعة شديدة, وقد تعاونت معه في فيلم أرض الخوف فهو من
القلائل الذين يجعلون المخرج يصل الي أقصي درجات الإبداع من خلال أدائه
الرائع في تجسيد الشخصية التي يقدمها.. وعبقرية أحمد زكي تكمن في عاملين
أساسيين: ملامحه المصرية القريبة من أي شاب مصري وهو ماجعله قريبا من
الجمهور خاصة أنه تزامن وجوده مع صعود تيار السينما الواقعية, وهو ماشجعه
علي تقديم عدد من الشخصيات الواقعية لنماذج مصرية.. وأعتقد أن الظروف
الاجتماعية والتاريخية هي التي تثقل الإنسان, وتجعله قادرا علي تجسيد
الشخصية وهذا ماتحقق للفنان أحمد زكي.
* المخرج رأفت الميهي: أحمد زكي عملة نادرة وكان عنيدا في مشواره
الفني, كما كان عنيدا في مقاومة المرض, فكان التمثيل بالنسبة له مسألة
حياة أو موت, وساهم في تغيير ملامح البطل فجعله أشبه بملامح الإنسان
البسيط, لذلك كانت أفلامه تعبر عن هذا الإنسان.. وساهم في حركة التغيير
التي قادها مخرجو الثمانينات ويعتبر أحد أعمدة هذه الموجة وساعد مخرجيها في
التعبير عن رؤيتهم.
* المخرج محمد فاضل: أداء أحمد زكي يتمتع بالصدق والالتزام الشديدين,
مما ينعكس علي عمله فهو يجيد معايشة شخصياته معايشة كاملة عن طريق التفرغ
الكامل لها ودراسة كل تفاصيلها.. وجاء هذا الاخلاص في العمل علي حساب
حياته الخاصة, فقد ضحي بكل شيء من أجل عمله.. وقد ظل يستعد لشخصية
عبدالناصر في ناصر56 لمدة عام كامل مما سهل تقديم فيلم صعب ومركب.
* المخرج علي عبد الخالق: كان عاشقا لفن التمثيل الي أقصي درجة وجعله
محور حياته. وكان يجيد التحضير الداخلي والخارجي للشخصية, وكان ينغمس
في الشخصية الي درجة أنه ينفصل عن عالم أحمد زكي ويدخل الي عالم الشخصية
طوال فترة التصوير.. وكان شديد الالتزام ويحضر الي الاستوديو قبل موعد
التصوير بساعات وشديد الانشغال بعمله.. وكان يمتلك القدرة علي تصوير مشهد
طويل وصعب دون توقف وهي قدرة يملكها قليلون.
* المخرج مجدي أحمد علي: جمعني مع أحمد زكي أربعة أفلام ثلاثة منها
كمساعد مخرج.. ومهما استحضرت من كلمات أصف بها هذا العملاق لن أستطيع,
فهو صاحب مدرسة التلقائية في التمثيل وموهبة نادرة لن تتكرر وأعتقد انه
لايوجد من يضاهيه في موهبته.. وأثناء عملنا معا كان شديد الالتزام
احتراما لعمله فهو لايتدخل إطلاقا في عمل المخرج.
* ممدوح الليثي نقيب السينمائيين: الفنان الحقيقي ينال حقه في التكريم
من الجمهور, والإعلام, وهذا ماحدث مع النجم أحمد زكي, الذي رحل ولم
يترك شيئا, لكن الإعلام والجمهور أعطاه حقه وقد انتجت له معالي
الوزيروالحقيقة أن ماقدمه أحمد زكي من أعمال جسدت حياة المشاهير مثل
ناصر56 وأيام السادات وأخيرا حليم يجعلنا نفكر في تقديم رحلة كفاحه
وحياته في عمل فني.. وتبقي كلمة أخيرة هي أن الفنانين اللذين أعطوا للفن
خلاصة فكرهم وأفنوا عمرهم في اسعاد الآخرين سوف تظل سيرتهم وأعمالهم
خالدة.
حياته ومشواره وكلماته
* حياة أحمد زكي, كانت شريطا سينمائيا طويلا, ربما تكون أطول من عمره
القصير.. فهي مليئة بالقصص الدرامية كأفلامه تماما.. هو أحمد زكي عبد
الرحمن, ولد بقرية الحسينية بمدينة الزقازيق عام1949 ولقب باليتيم منذ
ولادته, فقد توفي والده وهو في عامه الأول, وتزوجت أمه بعدها وتركته
يعيش مع جده.
* أصبح رئيس فريق التمثيل في المدرسة الابتدائية والاعدادية, وكانت نقطة
انطلاقه إلي احتراف الفن عندما التحق بالثانوية.. فلحسن حظه أن ناظر
المدرسة كان يهوي التمثيل فنصحه بضرورة الالتحاق بدراسة المسرح, وفي
أثناء دراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية جاءته الفرصة في مسرحية هالو
شلبي, وكان طبيعيا أن يكون الأول علي دفعته عام1973, لتأتي فرصته
الأكبر في مسرحية مدرسة المشاغبين ثم العيال كبرت.
* أول أدواره في السينما كان دورا صغيرا في فيلم بدور وتألق في التليفزيون
من خلال مسلسل الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين... وعرف فتي مصر الأسمر
كيف يتنقل من دور إلي آخر ببراعة.. فهو الفلاح في البريء, وتاجر العملة
قي أحلام هند وكاميليا, والشاب غير الموهوب الذي بحث عن العالمية في
كابوريا, والضابط القاسي في زوجة رجل مهم.. وهذه المقدرة في عطائه لكل
الأدوار ناتجة عن اهتمامه منذ الصغر بالملاحظة وحب التعبير.. وقد قال عن
ذلك: اختزنت الكثير من الاحساسيس والرغبات الكامنة في التعبير عما أشعر
به.. لذلك تراني لا أهتم بالمدة التي ستظهر فيها الشخصية علي الشاشة..
بل الشخصية نفسها اذا استطاعت إثارتي ووجدت فيها فرصة جديدة للتعبير عما
بداخلي!!
* وهكذا وجد أحمد زكي لنفسه مكانا في الصف الأول أو بمعني أدق حفر لنفسه
بأظافره طريقا إلي الصف الأول.
ويقول النجم الكبير عن حياته ومشواره الفني ايضا: جئت إلي القاهرة وأنا
في العشرين حيث الطموح والمعاناة والوسط الفني وصعوبة التجانس معه..
وعندما تكون قد قضيت حياتك في الزقازيق مع اناس بسطاء بلا عقد ولاهستيرية
شهرة.. ثم الافلام والوعود والآلام والأحلام.. وفجأة في يوم عيد ميلادي
الثلاثين نظرت إلي السنين التي مرت وقلت أنا سرقت نشلت مني عشر سنوات,
ويقول ايضا عن نفسه: وأنا بطبعي انسان حزين سريع البكاء, لا ابتسم,
لا أفرح, آخذ كتاب ليلة القدر لمصطفي أمين لاقرأ فيه وأبكي.. أدخل إلي
السينما وأجلس لأشاهد ميلو دراما درجة ثالثة فأجد دموعي تسيل وأبكي..
ولدي صديق عالم نفسي ساعدني كثيرا في السنوات الأخيرة لاجتياز حزني..
بعدها أكد لي أن معاناتي كلها تعود إلي طفولتي اليتيمة ففي العاشرة كنت
كأنني في العشرين, وفي العشرين شعرت بأنني في الأربعين, عشت دائما أكبر
من سني.
خلاص يا أحمد
سناء البيسي: عن مجلة نصف الدنيا
كده برضه يا أحمد. واخد في وشك وماشي. ماشي مع إن منزلتك العالية لا
أحد غيرك مرسوم لها ولا مقاسها محبوك علي غيرك. كده برضه وانت اللي فيهم
وانت اللي ألفة عليهم وأنت اللي معجون فن وانت اللي فقت الجن وانت اللي
أثبت نظرية أن التاريخ ممكن يعيد نفسه بشخوصه ودروسه.. مفارق.. خلاص يا
أحمد مروح.. رايح للبر الغربي.. مغادر وادي النبض لوادي الصمت.. وداع
يا أحمد من غير أي وعد بلقاء لا في الغد ولا بعد غد ولا حتي بعد سنين فخلاص
راح الخلاص وراح أي بصيص من أمل للشفاء من الداء الألد.. ومنين يا أحمد
كان ييجي الشفاء بعدما دخلت في جب غيبوبة برزخ انسلاخ الروح من الجسد..
ترجع لنا منين بعد ما كشف عنك غطاء البصيرة لتطل من طاقة الفناء علي رحابة
دار البقاء..
موهبته
تتسع لكل مخرجي مصر
تعامل كل مخرجي مصر ـ تقريبا ـ مع موهبة أحمد زكي, حيث تعامل مع27
مخرجا في أفلامه التي بلغت56 فيلما.. ومن هؤلاء المخرجين: يوسف شاهين
وصلاح أبو سيف وعاطف سالم وحسين كمال ونادر جلال وأشرف فهمي وداود عبد
السيد وسمير سيف ورأفت الميهي ومحمد فاضل.. اما أكبر عدد من الافلام
فكانت مع: محمد خان(6 أفلام), وعاطف الطيب(5 أفلام), وعلي بدرخان
ومحمد راضي(4 أفلام), وخيري بشارة وعلي عبد الخالق(3 أفلام).
ينشر لأول مرة كلام أحمد زكي:
الغرور يقتل الفنان
هناك حالات استثنائية في تاريخ الفن العربي عموما ويأتي في مقدمة هؤلاء
النجم الكبير أحمد زكي الذي ودعناه أمس الاول.
نجح أحمد زكي خلال مشواره في ان يجعل من الشخوص التي قدمها علامات حقيقية
لدرجة انه في افلام كثيرة اشعرنا انه الشخصية وليس أحمد زكي.. وهو كان
يقول التمثيل هو الكذب المتفق علي تصديقه.. ومن يجيد أكثر هو المبدع.
وننشر اليوم ـ للمرة الأولي بعض من احاديث جرت بينه والزميل محمود موسي.
·
هل الزمن يمثل أزمة للفنان؟
ــ طبعا.. لانني لما كنت في سن صغيرة في سن الشباب الموجودين حاليا كنت
اعمل ادوارا تليق بعمري, فعملت الحب فوق هضبة الهرم شاب يبحث عن فرصه
عمل.. وعملت البريء عسكري في الامن المركزي... والنمر الاسود... ولد
سافر بره علشان يشوف حظه في الحياة... وبعدين اعمل انا لااكذب ولكني
اتجمل يعني كنت اعمل افلاما تليق للعمر ده وتناقش هموم الشباب في هذه
الفترة.
وكان المنتجون لايطلبوني في ادوار اكبر سنا لآن سني صغيرة.. فأنا في تلك
الفترة كنت اعبر عن شريحة كبيرة تطابق السن, وبعد ذلك انتقلت الي مرحلة
عمرية أخري, وكنت محروما وانا صغير من مثل هذه الادوار وهي ادوار الرجل
وقدمتها في زوجة رجل مهم والامبراطور والهروب وضد الحكومة والراعي والنساء
وبعد ذلك قدمت الرجل الناضج, ومع كل مرحلة اصبح فيها وجها جديدا أيضا
اقدم مايليق لسني وعمري ومشاكل عصري.. وقدمت ارض الخوف واضحك ومعالي
الوزير وعبدالناصر والسادات..
..... أنا في كل مرحلة اكون وجها جديدا فيها وعملت بانوراما من الادوار
الشعبية مثلا في احلام هند وكاميليا وكابوريا وكمان ادوار فيها سياسة زي
زوجة رجل مهم وادوار اجتماعية مثل نزوة والراعي والنساء... والبيه البواب
وشادر السمك.. وقدمت في كل مرحلة عمرية ما بها من افلام شعبية وسياسية
واجتماعية.. ولهذا عندما يأتي لي موضوع لايتناسب مع المرحلة العمرية لازم
انصرف عنه.. لانني مع كل مرحلة احتاج فيها لعمل يغطي جموع الناس التي
تكون علي شاكلة هذا العمر... وممكن يكون معايا مجموعة من الشباب لكي
يحدثهارموني وانسجام لاننا نعبر عن الشارع والبيت وده فيه الرجل والشاب
والشيخ... فانا راجل عملت افلام كثيرة وزملائي ايضا عملوا افلام وأثروا
السينما باعمال عظيمة ولهم تاريخهم... وأتمني من الشباب أن يعملوا تاريخا
فنيا.
·
هل كل شخصية تقدمها لابد ان
تحبها؟
ــ عندما أوافق علي شخصية افتح لها ملفا وأسلط الضوء علي دماغي.. وانا
الحقيقة سعيد بافلامي ويحضرني الان فيلم انا لااكذب ولكني اتجمل.. فيه
ناس عايشة وسط المقابر وكانوا متضررين من الواقع بتاعهم وانهم عايشين في
مثل هذا المكان وحصل لما نزل الفيلم واثناء سيري في المنطقة دي وجدت كثيرا
منهم فرحانين لان الناس تعاطفت مع الشخصية التي قدمتها... فالواقع ليس
ذنبهم.. وان الانسان ليس بالمكان واعتقد ان الافلام قد تحدث حالة من
التصالح للنفس البشرية مع الواقع
وعندما قدمت الحب فوق هضبة الهرم بعض الشباب قالوا لي احنا عندنا نفس
المشكلة.. فقلت لهم لم تعد مشكلتكم وحدكم.. طرحت امام الرأي العام,
فالفن ممكن يقدم حلول.. وممكن يعرض لمشكلة دون حل... وانا سعدت جدا
عندما علمت ان زوجة رجل مهم يعرض علي طلاب الشرطة علشان يعرفوا مشكلة
الضابط ايه.. ولايقلدوه.. فاذن الفن مرآة للمجتمع والوطن.
·
لماذا أنت متواضع.. وهناك من
هم اقل منك يشعرون بانهم أهم النجوم؟
ــ لو وضعت في دماغك حكاية نجم النجوم.. مش هتفن ثم يعني أيه نجم.. انا
في النهاية فنان.. ومهنتي اقدم شخصيات.. فلماذا أتغر... ثم أتغر علي
ايه وليه.. دا الحياة فيها من الرصد الانساني في الشارع المصري من شخوص
وشخصيات وكل يوم تصرفات الناس واسلوبهم.. وكل ده محتاج رصد, والفنان
يترك الدنيا وناقصه ادوار كثيرة.. يبقي ايه لازمة الغرور هنا.. الفنان
عايز يمسك الشمس ومستحيل يمسكها... والفنان ممكن يترك الدنيا وسايب ادوار
كثيرة جدا...فاذن الغرور هنا علي ايه... لماذا الغرور
الفنان يقعد طول حياته يلهث ويجري وراء الشخصيات ووراء الحياة لغاية لما
يموت.. ويموت وهو بيحلم بشخصيات جديدة يضحك.. لماذا الغرور,..
ومن يصيبهم الغرور عليهم ان يقعدوا في بيوتهم.. لان الغرور نوع من انواع
القتل والموت للفنان.. فالغرور يجعل الانسان ذاتي قوي, وغرقان في
نفسه.. طيب كيف سيقدم الفن.. الفنان لازم يكون بره نفسه قوي علشان
يلتقط الاشياء من الحياة ويقدر يبثها طول الوقت.
·
هل التواضع من اسباب النجاح
والتفرد والتميز؟
ــ الاساس.. التصالح والرضا.. وحب واتقان العمل.
عماد الدين أديب: رفضت تصوير الجنازة لتعرض في فيلم حليم
كتبت:* إلهام الحجر
عندما تحدثت مع الصحفي الكبير عماد الدين أديب منتج فيلم حليم عن مشواره
وصداقته مع النجم الراحل أحمد زكي عقب الجنازة, كان في شدة الحزن
والكلمات تتحشرج في حنجرته, وعن علاقته بالنجم الراحل قال:
نحن أصدقاء منذ30 سنة, منذ كان في فرقة الفنانين المتحدين, وكنت
طالبا, ثم أصبحت صحفيا تحت التمرين, وتوطدت العلاقة بيننا وتطورت,
وعندما مرض بالمرارة كنت في لندن, وحضرت وأخذته وسافرنا إلي لندن,
وأجري عملية المرارة, ثم جمعتنا الصداقة القوية عندما مثل فيلم امرأة
واحدة لاتكفي عن قصتي, وتقابلنا مرة أخري في أول انتاج مشترك, وهو فيلم
حليم.
·
وكيف بدأت قصة فيلم حليم؟
ـ عندما جاءني أحمد زكي وقال: أنا بقالي10 سنوات أحاول أن أعمل
الفيلم, واتفقنا, وكان المبدأ بيننا أن نشترك معا في الانتاج, وعندما
قررنا أن نبدأ التصوير, اكتشف بعدها بشهرين المرض اللعين الذي أصابه في
الرئة, وأصابنا جميعا بالذهول والحزن الشديد.
وكان حب الناس له وثقته وايمانه بربه, يدفعه لمقاومة هذا المرض و التغلب
عليه, وهذا ماجعله يكمل جزءا كبيرا من الفيلم رغم أن السرطان انتشر بشكل
كبير ونشط في جميع أجزاء جسده.. واستطاع أحمد زكي بقوة ارادته أن يصور كل
المشاهد الخاصة بعبدالحليم وهو كبير, ولكن شخصية عبدالحليم وهو مراهق سوف
يقوم بتمثيلها هيثم ابنه إن شاء الله.
·
متي يعود تصوير بقية أحداث
الفيلم؟
ـ أوقفنا التصوير احتراما لمرضه, وسوف ننهي الفيلم, ويعرض في آخر الصيف
أي شهر يوليو.
·
ألا تري أن الضجة الكبيرة التي
حدثت أثناء مرضه ثم موته, كان مبالغا فيها؟
ـ عندما اتكلم عن الفنان المبدع أحمد زكي.. فأنا أتكلم عن أم كلثوم,
وعبدالوهاب.
·
ماذا طلب أحمد زكي منك قبل أن
يرحل؟
ـ قال أريد تصوير الجنازة بشكل حقيقي في الفيلم بعد موتي.. ولكن أنا رفضت
بشدة لأني لا أتاجر بمشاعر واحاسيس أحمد ز كي, وجثمان أحمد زكي.
|