هناك فيلم سابق للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفة
عنوانه حكاية الجواهر الثلاث, ملخصه أن صبيا وقع في الحب, والفتاة
الصغيرة التي
أحبته طلبت منه ثلاث جواهر من المحال له ـ وهو فلسطيني لا يستطيع حتي
الانتقال من
بلدته إلي الأخري من دون خطر التعرض للحواجز الإسرائيلية ــ
الحصول عليها من دون
سفر إلي البلاد البعيدة. الفيلم- أو علي الأقل- عنوانه يعود إلي
الذاكرة,
ونحن نتابع ما حدث مع ثلاثة مهرجانات, كل منها يعتبر نفسه جوهرة ومن
حقه. وكل
منها أقيم في وقت واحد ــ إذا كنت سوبرمانا فمن الهين
تغطيتها, أما إذا كنت مجرد
ناقد سينمائي فإن عليك اختيار ما تراه مناسبا لك, لكن هل هذا التضارب
مقدمة لحرب
النجوم علي الطريقة العربية؟
يتحدث محمد العدل عن زيارته لـمهرجان دبي وعن عدم
بقائه في جوار مهرجان القاهرة هذا العام, مشيرا إلي أن
المهرجان اعتاد تجاهل
التنسيق مع السينمائيين المصريين في السابق, فلم يغضب إذا ما اختار
العديد منهم
قبول دعوة مهرجان آخر, ولو كان يقام في التوقيت نفسه ويضرب مثلا:فوجئت
ذات يوم
حين وصلت إلي حيث يعقد مهرجان القاهرة بأن اسمي علي قائمة
المحاضرين, و لم أكن
أعلم شيئا عن الموضوع, ووجدت نفسي مطالبا بالحديث فيما لم أكن مستعدا,
له لم
يتصل بي أحد ويسألني إذا كنت أريد التحدث في هذا الموضوع أم لا؟.
الجلسة كانت
واحدة من عدة جلسات ضمت سينمائيين عديدين, يتحدثون في موضوع المهرجانات
العربية
المتضاربة. والحديث يدلف في كل جلسة إلي الحديث عن موقع
مهرجان القاهرة, حيث
يري الفنانون أنهم- علي نحو أو آخر- مستثنون خارج نطاق المقابلة
الصحافية,
حيث أشار مخرج معروف:ليس صحيحا أننا نقاطع مهرجان القاهرة لكننا لا نشعر
بأننا
جزء منه ولا أعتقد أن هناك تنسيقا بينه وبيننا.
رئيس مدينة دبي ميديا سيتي عبد
الحميد جمعة, قال أكثر من مرة في أكثر من حديث: إن مهرجان دبي لم يقصد
مطلقا
منافسة أي مهرجان آخر وإنه يحترم مهرجان القاهرة ورئيسه, وسوف يسعي
للتنسيق مع
المهرجان المصري الدولي في العام المقبل, أما المهرجان
الثالث القابع في المغرب
البعيد, فإنه التزم الصمت تماما, كما لو أن المسألة لا تعنيه.
طبعا في
عالم مثالي, فإن المنافسة مطلوبة ولا يمكن أن ينتج عنها إلا ما يفرزه
التنافس في
كل مجال: النتائج الجيدة لكن في عالم كالذي نعيش, في عصر
كالذي نحيا وفي وضع
سينمائي كالذي نشهده, فإن هذه المنافسة قد تضر بالمهرجان الذي لم تتح
له-
خلال28 سنة- ميزانية فاعلة وفعالة تمكنه من السيطرة علي كل مقدراته
المعنوية
والمادية والانطلاق من دون عثرات.
وهناك بعض الكوميديا السوداء الناتجة عن كل
ذلك, فبينما صب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي شريف الشوباشي نقده علي
الفنانين
الذين تسللوا من القاهرة, لحضور مهرجان المغرب أو دبي, وجدنا هنا في
دبي أن
عددا كبيرا من العاملين في قيادة المهرجان, أي في لجنته الرئيسية وفي
اللجان
الأخري القريبة منها, وصل إلي دبي مشاركا أيضا بينهم من يقوم
عادة بإدارة الندوات
الصحفية, لإجادته الفرنسية والإنجليزية, وبينهم بعض من يختار الأفلام
ويساعد في
البروتوكولات, إذن المشكلة الأولي ليست في قبول الفنانين والسينمائيين
دعوة دبي
أو مراكش, لكن في هجرة عدد من العاملين عن كثب مع إدارة
المهرجان, أو في تلك
الإدارة نفسها, إلي هذين المهرجانين من دون أي تبرير سوي تلبية دعوة بدت
أكثر
إغراء.
أسئلة وردود
السينمائيون الغربيون الذين لبوا
دعوة مهرجان دبي, لا يعرفون شيئا عن هذه الإشكالات جميعا. بالنسبة إلي
أورلاندو
بلوم أو مورجان فريمان أو سارا ميشيل جيلار, فإن تلبية الدعوة لها علاقة
بالسمعة
التي سطعت لمدينة دبي عبر سنوات من العمل الشاق والعمل
الإعلامي الصحيح, كذلك لها
علاقة, متساوية, بالقدرات المالية الوفيرة التي تمتع المهرجان
بها.
الخطوات التي اعتمدها المهرجان انطلاقا من فكرة تأسيسه إلي حقيقة
قيامه, تمحورت حول الاستفادة من موضع دبي الاقتصادي, ثم
موضع إنشاء مدينة
سينمائية حافلة, ومن ثم الاستفادة من ذلك الترويج للترويج علي نحو متواز
للمهرجان
الوليد, وضمن ذلك الهدف تمت الاستعانة بخبرة مدير كندي كان قد شارك في
إدارة
مهرجان تورنتو السينمائي الدولي نيل ستيفنسون, وهذا جلب معه
فريقا كنديا كبيرا
لكنه لم يكتف بذلك بل جلب أيضا نظام مهرجان تورنتو
الإداري.
هنا تبرز الأسئلة الكبري
1ـ لم قبل فنانون
أجانب دعوة مهرجان عربي يقام للمرة الأولي, بينما لا يزال
العديدون يرفضون دعوة
مهرجان القاهرة؟
2ـ وبالتالي هل كان سينجح المهرجان لو أن إدارته كانت
عربية؟
3ـ هل نجحت الإدارة الأجنبية أم أخفقت؟
نتحدث عن أكثر من80 فيلما
عربيا وعالميا معظمها لم يسبق له العرض في الدول العربية, وعن نجوم
يتدلعون كلما
استلموا دعوة لحضور مهرجان ما, كما عن مهرجان صمم علي النجاح ولم يكتف
بأنه
تمناه, أو حتي سعي إليه لم يكن أمام دبي إلا أن ينجح والنجاح
كان حليفه.
ردا
علي السؤال الأول: هناك لغة مخاطبة وحوار بين أي مهرجان وضيف من
النجوم, خصوصا
الأمريكيين, الضيف يريد أن يتأكد من ثلاثة أمور:
أن المهرجان يتحمل كل
التكاليف بما فيها المبلغ الذي سيدفعه له مباشرة, من دون شكوي أو تذمر أو
حتي,
في بعض الأحيان, تردد أو مساومة.
أن المهرجان حقيقي سيؤمه جمع غفير من
السينمائيين الأجانب, وجمع محترم من الإعلاميين.
أن يقام في بلد آمن وهناك
فرق بين آمن بكلمة واحدة أكيدة وآمن حسب التأكيدات ذات المصدر الواحد,
ودبي من
النوع الأول كل الإمارات كذلك فهي آمنة سياسيا وآمنة أمنيا وآمنة سياحيا,
وآمنة
من حيث التطور التكنولوجي والاقتصادي للبلد, دبي لم تسع فقط
لتكون هونج كونج
الشرق الأوسط, بل- وحسب إخصائيين في مجالات متعددة- أصبحت هونج كونج
الشرق
الأوسط, وخطط الأعوام المقبلة الجاري تنفيذها ستؤكد أنها ستخلف هونج كونج
علي
الصعيد العالمي بأسره.
دبي, للحقيقة, آمن للأمور الثلاثة كلها ما يدلف بنا
إلي السؤال الثاني: هل كان المهرجان بحد ذاته سينجح لو أن
مديره عربي؟
الرئاسة
غير الإدارة, الرئاسة تخطط وتؤمن الاحتياجات وتترك مهمة التنفيذ إلي
الإدارة.
والحقيقة أن الأذن الأجنبية علي الخط الآخر سترتاح أكثر بكثير
لو أن المتحدث كندي
أو أمريكي العين- حين استلام خطاب الدعوة أو أي خطاب من المهرجان-
ستقرأ اسم
المرسل واسما غربيا- بل أمريكيا- يعني الكثير من التأكيدات والتطمينات,
بالإضافة إلي أسلوب اللغة وأسلوب التعامل وعدم التردد والبعد
عن المساومة من نوع
لا. الأجر الذي تطلبه غال هل تستطيع تخفيضه؟ أو من نوع نوفر ثلاث وجبات
لكن
المكالمات الهاتفية الدولية تتحملها أنت, أو أي شيء من هذا القبيل هذا لا
يستطيع
مدير عليه أن يؤم حقل التواصل مع الغربيين أن يبرز فيه ليس الآن.
أما من حيث
إذا ما استطاع نيل ستيفنسون النجاح فيما قام به, فالجواب الشامل نعم
الجواب
التفصيلي هو أن نظام التذاكر الذي تم تطبيقه, لم يكن عمليا
إلي الحد الكافي,
إنه النظام الذي يتبعه مهرجان تورنتو هناك معظم الحاضرين باستثناء كبار
الضيوف
عليهم الحصول علي تذاكر مسبقة, حتي لو كانت بطاقاتهم تخولهم حضور أي
عرض, كان
هذا يعني أنه في كل يوم عليك أن تأتي إلي شباك التذاكر وتقدم
لائحة بالأفلام التي
تريد مشاهدتها, اليوم أو الغد وإذا لم تخولك بطاقتك حجز كل شيء, فإن
عليك أن
تأتي باكرا قبل العرض وتنضم إلي الصف خارج الصالة الواقفون في الصف هم
الذين
سيدخلون, إذا ما بقيت هناك أماكن في الصالة, في تورنتو
الصالات التي يستأجرها
المهرجان كبيرة وكثيرة والأفلام بالمئات, ما يعني أن هناك أكثر من احتمال
لكن هنا
فإن هذا التنظيم خلق ارتباكا بين الضيوف كما بين الجمهور العادي.
اعتدال وتطرف
كل ذلك لم يمنع تدفق الناس علي
المهرجان هناك أفلام سمع الجمهور الإماراتي عنها, وأقبل عليها بكثير من
الشغف
الذي يعكس قصور شركات التوزيع العاملة في المنطقة العربية, حين تقرر أن
الفيلم
الوحيد الذي تريد توزيعه هو الفيلم الأمريكي أو المصري أو
الهندي وليس كل فيلم مصري
أو هندي, لكن بالتأكيد معظم ما هو أمريكي. الفيلم الذي نفذت تذاكره
أسرع من
غيره مفكرة الدراجة للبرازيلي وولتر سايلز, وبعده خلية هامبورغ لأنتونيا
بيرد,
كلاهما يختلف في اللفتة التي يتعامل معها مع وضع سياسي.
مفكرة الدراجة: لا
يحكي عن السيرة السياسية لتشي جيفارا, بل عن الرحلة التي قام بها وهو لا
يزال في
مطلع العشرينيات من عمره. في ثلاث دول لاتينية فتحت عينيه علي الوضع
الاقتصادي
والاجتماعي البائس, وأسست لمنحاه اليساري المعروف. لكن
خلية هامبورج يتعامل مع
الوضع السياسي المباشر واحد من مخلفات عالم ما بعد11/9 مستندا أيضا إلي
شخصية
عربي محب لزوجته الأجنبية, سلس المعشر, مسالم الأسلوب إلي متطرف يؤمن
بالجهاد
العنيف والموت في سبيل ذلك, الفيلم لا يناهض الإسلام إنما الإرهاب وفي
ذات الوقت
يحاول استيعاب المسببات والمبررات التي دفعت أمثال بطله الي
هذا الوضع.
هذا
الفيلم من بين عدة أفلام في شتي الأقسام تعاملت ومحور التواصل بين ما هو
إسلامي
ومسيحي, شرقي وغربي متطرف ومعتدل, من هذه الأفلام فيلم
الافتتاح المغربي ـ
الفرنسي الرحلة الكبري مهاجر عربي يقطع المسافة من باريس إلي مكة لكي يحج
مصطحبا
معه ابنه الشاب غصبا عنه. السيد إبراهيم وزهور القرآن الذي سمعنا أنه رفض
من
مهرجان القاهرة يحتوي علي رحلة تعريف بالدين الإسلامي معتدلا
وخارجا من غبار الأيام
الحاضرة. في هذا العالم لمايكل وينتربوتوم رحلة أفغانيين يحلمان بحياة
أفضل من
بلديهما إلي بريطانيا, واحد منهما فقط يعيش محققا الرحلة إلوها مثل بكهام
رغبة في
التواصل بين مجتمعين الهندوسي والمسيحي البريطاني ومحاكاة
بوليوود بهوليوود,
موجود في بوليوود/هوليوود.
الأفلام العربية كانت متعددة أكثر وفرة من تلك
التي اشتركت في القاهرة أو في المغرب الأمير وصندوق عجب
والكتيبة من تونس, الرحلة
الكبري وفوق الدار البيضاء لا تطير الملائكة وخيط الروح من المغرب, أحلي
الأوقات, بحب السيما من مصر زنار النار وطائرة من ورق من لبنان.
كسنة أولي,
ولد مهرجان دبي كبيرا وهو يعلم أن النجاح نصفان: البداية نصف والاستمرار
بالنجاح
نفسه هو النصف الثاني*
|