يوميات
مهرجان
"كان"السينمائي
الدولي...(6)
الأفكار الجميلة على الورق تصبح شيئاً آخر
"باريس أحبك" فيلم لجمهور مجهول و”فصول”
يثير الإعجاب
“كان” محمد رُضا:
هل كانت
السينما بحاجة الى 20 مخرجاً ليقول كل منهم رأيه في باريس؟ وتحت أي مبرر تم
التقدّم لهم بطلب أن يحقق كل منهم فيلماً قصيراً عن باريس كما يحبّها؟ من
هو المخرج الذي انسحب لأنه قال بصراحة: “لكني لا أحبها؟”.
جالت هذه
الاسئلة في بالي وأنا أتابع واحداً من تلك الأفلام التي ربما تبدو جميلة
على الورق، لكنها تتحوّل الى أقل من ذلك حينما ينتهي العمل عليها. متابعة
فيلم يحتوي على عمل عشرين مخرجاً مثل مشاهدة
“فوتو
مونتاج” جمع من أفلام غير منتهية. اذا ما تجاوزت هذه العثرة وأنت تنتقل ليس
فقط من فكرة الى أخرى او من مجموعة مشاهد الى مجموعة تالية، بل من أسلوب
الى آخر أيضاً، واجهتك المشكلة الثانية: هل تستطيع أن تشاهد فيلماً من هذا
النوع من دون أن تميل الى مقارنة الأفلام فيما بينها تتحيز الى هذا الفيلم
أكثر من ذاك؟ وأي غرض يمكن لهذا التحيز غير الممكن تلافيه أن يلعبه
ايجابياً لمصلحة الفيلم كله؟
نواصل
قراءة بعض مما يعرض هنا في هذا العرس السينمائي السنوي، وما لدينا اليوم
حديث عن فيلمين أحدهما في المسابقة..
“باريس
أحبك”.
إخراج: 20
مخرجاً.
تمثيل:
نحو 50 ممثلاً
فرنسي
(قسم “نظرة ما”
تقييم
الناقد: **
المقارنة
لا مفر منها، بل تأتي تلقائية علماً بأن معظم المخرجين المشتركين لديهم
وجهات نظر فيما يقدّمونه وبعضهم من السينمائيين المشهود لهم بالجودة. أتحدث
عن الهندية جورندر شادا والأمريكي جس فان سانت، والأمريكيين جوويل وايثان
كووين، والبرازيلي وولتر سايلس، والمكسيكي ألفونسو كوارون من بين آخرين.
باريس
مقسّمة الى ثمانية عشرة مقاطعة وكل مخرج استلم مقاطعة ونقل منها وعنها
شرائح من الحياة اليومية. وبما أن باريس هي أيضاً مستويات من الحياة
والطبقات الاجتماعية فان ما يُنقل الينا في هذا الشأن، ولو تمثيلاً، مثير
للانتباه على قلّته. الأمر الآخر المثير للانتباه هو أن بعضهم لم يكتف بسرد
قصّة قصيرة بل حاول تلوينها ببعض المفردات الأسلوبية المكسيكي جوارون لعب
على الألوان واستخدم لقطة “تراكينج شوت” تصاحب ممثليه نك نولتي ولودفين
سبانييه على نحو قريب مما فعله رتشارد لينكلاتر في “قبل الغروب”.
لكن هذه
الحسنات تعلو وتهبط بلا انقطاع. بكلمات أخرى هذا الفيلم يتميّز بعدم توازنه
نظراً لأن بعض النتائج أفضل من سواها. وحتى لو لم يكن هذا اللا توازن
موجوداً فان السؤال سيبقى: لماذا هذا الفيلم؟ ولأي جمهور؟ لا يمكن أن يكون
للباريسيين فهم يعرفون باريس أفضل منا جميعاً.
“فصول/
طقوس”
إخراج:
نوري بيلج سيلان
تمثيل:
نوري بيلج سيلان، اربو سيلان، نازان كيرلميس.
تركي
(المسابقة)
تقييم
الناقد: ***
من داوم
على متابعة دورات مهرجان “كان” السينمائي على هذه الصفحات خلال السنوات
الماضية قد يذكر مدى اعجاب هذا الناقد بفيلم المخرج التركي نوري بيلج سيلان
“عن بعد”. في ذلك الفيلم تناول المخرج حكاية شاب من القرية ينزح الى
اسطنبول ويطرق باب ابن عمّه الأكبر سناً لينزل ضيفاً عليه الى أن يجد
عملاً. وابن عمّه، الذي يستضيفه مرغماً، كان قد تغيّر وأصبح أقل تعلّقا
بأخلاقيات القرية. الطارئ الشاب يبدأ بالبحث عن عمل من دون أن يجده بينما
الحقيقة تصفعه حول الحياة في المدينة وحول سلوكيات ابن عمّه. كل هذا خلال
فصل واحد من فصول العام هو الشتاء. للمخرج سيلان الذي لديه عين جمالية
رمادية كئيبة خاصة لذلك الفصل من العام طريقة يرصد بها الثلج المنهمر
ويعبّر فيها عن البرد الشديد الذي يكاد يتسلل الى جسد المشاهد وهو يتابع
العرض.
لكن جلّ
ذلك الفيلم عن شخصيتين لا تتلقيان (على الرغم من قربهما العائلي) كما هو عن
رجل (ابن العم الأكبر) الذي من الصعب معاشرته. شخص دقيق يحب أن يتصرّف
الآخرون حسبما ينص عليهم التصرّف المطلوب.
هذان
العنصران هما الواضحان في فيلمه الجديد بالاضافة الى موضوع الفصول. هنا
يدور الفيلم (الذي يحمل باللغة التركية عنوان “فصول” لكن العنوان التجاري
الخارجي “طقوس”) في ثلاثة فصول الصيف والخريف ثم الشتاء. أبطال هذا الفيلم
لا يصلون الى الربيع (الفصل الغائب). كذلك هو عن رجل (يقوم به المخرج نفسه)
صعب المراس لديه ميل جانح لاخبار من حوله ماذا يفعلون ويقولون؟ أمور صغيرة
مثل: ارتدي سترتك، او كلي هذه الحبة. وهو يصر جاعلاً من التواصل معه أمرأ
صعباً. هذا ليس سوى خيط من خيوط العلاقة بينه وبين زوجته التي ترقبه من
بعيد في اللقطة الأولى من الفيلم وهو يمشي بين الأطلال ملتقطاً صور قلاع
رومانية (او بيزنطية) قديمة. ترقبه وتفكر. ثم ترقبه وتبكي.
مثل “ عن
بعد”، هذا الفيلم هو أيضاً عن عدم التلاقي بين شخصيتين قريبتين. كل من
الزوج والزوجة يدرك أن الأفضل له وللآخر أن ينفصلا. لكن في حين أنها تدرك
أنه لن يتغيّر يعد هو بالتغير الذي لا يقدر عليه. في أحد مشاهد الفيلم تعود
الى زيارته. تلك الليلة بينهما ليست غرامية بل مجرد اعادة رصف محتمل
للحياة. الليلة التي تنام فيها الزوجة السابقة ليلة هانئة وحين تستيقظ تحكي
لزوجها منامها، فقط لتكتشف حين تنتهي انه ليس هنا. لا يكترث. أول كلمة
يقولها لها بعد انتهائها من سرد الحلم عليه “يجب أن تحضّري نفسك للعودة الى
العمل”.
ملامحها
كلها تتغير. تدرك انها أضاعت وقتها مجدداً.
ينتهي
الفيلم هكذا من دون احكام الخاتمة، لكنها مقبولة. ما هو أقل قبولاً هو أن
التأثير الكلي أقل مما يبدو أن المخرج حاول الوصول اليه. انه فيلم فراغات
في الصورة وفي الدراما معمول حول شخصيتين رئيسيتين وباستثناء لحظة واحدة
ليس هناك أكثر من ثلاثة ممثلين في لقطة واحدة (اللحظة تقع في مشهد تناول
عشاء بين بطلي الفيلم ورجل وزوجته. تنسحب الزوجة لتحضر القهوة سريعاً لكنها
لا تعود مطلقاً). ما يثير الاعجاب أولا وأخيراً التعبير بالصورة. لحظات
الصمت الطويلة. دمج الوقت (يتدرب الزوج كيف سيخبر الزوجة بقراره الافتراق
وهي بعيدة عنه. لقطة ثانية له يكرر ما قاله خلال التدريب لنكتشف أنها الآن
تجلس بجانبه). اجمالاً وجدته أقل أهمية لكنه ليس أقل بدعة في الصنع.
لقطات
* وصل
المخرج السعودي عبد الله المحيسن لعرض فيلمه الروائي الأول “ظلال الصمت”
عرضاً خاصاً وغير رسمي. الفيلم يدور حول رحلة امرأة وصبي تكشف عن الوضع
الصعب الذي يعيشه المثقف وعن تغييب دوره في الحياة العربية. وهو باللغة
الفصحى. هذا هو ثاني فيلم سعودي روائي طويل يعرض هنا بعد “كيف الحال” الذي
سيعرض خلال يومين أو ثلاثة. هذا الفيلم الثاني من انتاج سعودي مع ممثلين
سعوديين ولهجة سعودية لكن المخرج فلسطيني كندي اسمه ايزودور مسلّم.
* ناوومي
واتس وصلت الى المدينة وستحضر مؤتمراً صحافياً خاصاً بتوقيعها على بطولة
“وعود شرقية” لشركة “فوكاس”.
*
والمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد لديه مشروع مع شركة فوكاس، أعلن عنه أمس.
المشروع لا يزال بلا عنوان، لكن خلال تصريح للشركة تم التأكيد على أن هاني
لديه مطلق الحرية في اختيار الموضوع الذي يريد وكتابته. هاني أخرج “الجنة
الآن” الذي فاز بجائزة “جولدن جلوب” مع مطلع هذا العام.
المخرج
والمنتج الجزائري رشيد بوشارب (لديه فيلمان في المسابقة واحد من اخراجه
والآخر من انتاجه) منكب على كتابة سيناريو فيلمه الأول بالانجليزية وذلك عن
حياة المغني بوب مارلي (رحل سنة 1981): “دائماً ما شعرت بأني أريد أن أعرف
حياة هذا المغني وكيف وصل الى الشهرة العالمية من بدايات متواضعة تشابه
بداياتي في السينما”.
* بروس
ويليس وصل الى “كان” لأن له دوراً صغيراً في فيلم “أمّة الطعام السريع”
لرتشارد لانكلاتر. لم يكن لديه الكثير مما يستطيع قوله عن الفيلم سوى
المدح، لكنه استغل فرصة وجوده لأجل أن يروّج لفيلمه المقبل: “سأعود الى
سلسلة “داي هارد” في جزء رابع. انتهينا من وضع اللمسات الأخيرة على
السيناريو ونتطلع للبدء في التصوير بعد الصيف مباشرة”.
المفكرة
يحدث ذلك
في كل أنحاء العالم. صحيفة “دايلي نيوز” في نيويورك التي كانت صرفت واحداً
من أفضل نقادها السينمائيين قبل سبع سنوات (ديفيد كير) ، صرفت الناقدين
اللذين بقيا في حوزتها في أسبوع واحد (أحدهما جامي برناردي) واستبدلتهما
بناقد شاب ذي خبرة مسرحية فقط. صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” اشترت لأحد
ناقديها (كيفن توماس) تذكرة ذهاب بلا اياب قبل شهر واحد. وعدد النقاد
السينمائيين الذين يداومون على البحث عن مكان للعمل في لندن أو في باريس أو
نيويورك أو سواها من المدن الكبيرة في ازدياد. بعضهم ينتهي الى الكتابة في
مواقع الانترنت،
وبعضهم الآخر يحاول تحصيل قوته بالكتابة في مجلات السينما (او ما تبقّى
منها
أيضاً).في عالمنا العربي، النقد الصحيح متوفر في عدد من الصحف اليومية بلا
ريب. لكن هناك معتدين على المهنة يغيرون على باقي المواقع، ورؤساء الأقسام
الثقافية فيها لا يدركون شيئاً من شيء فيسمّون كتابة شيء مثل “والتمثيل كان
جيداً لكن الحوار كان رديئاً” (كيف يمكن للتمثيل أن يكون جيّداً اذا كان
الحوار رديئاً؟) أو مثل “فيلم متميّز يحقق المعادلة (اياها) معادلة السهل
الممتنع (اكتشاف!). هنا في “كان” كتب أحدهم بعدما شاهد فيلم “حليم” آخر
أفلام الممثل أحمد زكي: “لم يكن أحمد زكي مبدعاً كما كان له بالعادة”... يا
رجل كان أحمد زكي على شفير الموت حين قرر مغالبة أوجاعه وتمثيل الدور الذي
حلم به طويلاً! وفي غير هذين العالمين تمضي الكثير من الصحف اليومية اما في
تسطيح المادة النقدية كمادة ثقافية أو الاستغناء عنها تماماً. كل عام أسمع
شكاوى من زملائي البريطانيين وفي هذا العام، هنا في “كان”، يقول لي فيليب
فرنش (الأوبزرفر): “لولا أن بعضنا لديه سُلطة معنوية وتاريخ حافل لتم
صرفنا”. الناقد ديريك مالكولم يقول مازحاً: “سأبيع قلمي... كم تدفع لقاء كل
نجمة من النجوم”. وحين نتداول الأمر قليلاً يضيف: “أنا الآن في الثالثة
والسبعين من عمري، ولكي أعيش عليّ أن أنافس الشباب. كل أسبوع أجبر نفسي على
مشاهدة كل فيلم جديد يصل الصالات. في بعض الأحيان
يبلغ
العدد ثلاثة عشر فيلماً في الأسبوع الواحد”. وديفيد كير يكتب: “انهم
يحاولون التخلّص من النقد والنقّاد لأجل استقطاب الجمهور الشاب”. وهذا صحيح
في الغرب، حيث يسود الاعتقاد أن تغيير الطاقم القديم بآخر جديد سيجذب
القراء الصغار (جمهور المراهقين حتى سن الثامنة والعشرين).
لكن مشكلة
هذا التفكير هي أن هذا الجمهور هو الجمهور الذي لا يكترث لقراءة الصحف.
م. ر
merci4404@earthlink.net
|