شفرة دافنشي...رحلة إثارة
دعاء الشامي –قلم رصاص-القاهرة
"نصيحتي
هي ألا تشاهد الفيلم إذا كنت تعتقد انه سيزعجك" عبارة قد تتخيل أن تصدر من
ناقد سينمائي أو صديق عزيز يخاف على مواردك المالية، ولكن المثير أنها صدرت
من مخرج سينمائي ليس هذا فقط ولكنه يتحدث عن فيلمه شخصيا.!، أما المخرج فهو
"رون هوارد" وقالها عن فيلمه المثير للضجة "شفرة دافنشي".
أفيشات
وصور نجوم متناثرة تكاد تملأ شوارع وطرقات باريس وشاب يقف في محطة المترو
يتأمل أفيش الفيلم الذي سبقته دعاية واسعة...
وسيدة
عجوز تبدو من ملامحها وملابسها المحتشمة أنها راهبة مسيحية تمسك بيدها
الصليب وتفترش الأرض وتحمل لافته ترفض فيها عرض الفيلم و تدعو إلى
مقاطعته...
مشهدان
مختلفان ومتعارضين إلى أقصى درجه ولكنهما يعبران عما أثاره هذا الفيلم من
ردود أفعال ردا على عرض فيلم "شفرة دافنشي" في مهرجان كان في دورته التاسعة
والخمسين والذي أنهى دورته منذ أيام قليلة..
دافنشي
كود...بالأرقام
ولم تقتصر
الضجة التي أثارها الفيلم على أوروبا وحدها ولا على مهرجان "كان" وحده بل
اجتاحت العالم اجمع من شرقه لغربه ليس الآن فقط بل منذ ظهور الرواية التي
تحمل نفس الاسم وبالرغم من كل تلك الضجة فقد باعت الرواية 40 مليون نسخة
وترجمت إلى عشر لغات، والتي كان تحويلها إلى فيلم شيء متوقع.
وما حدث
مع الرواية حدث مع الفيلم فرغم كل تلك الدعاوى التي تطالب المنع والحظر
والرفض فقد حقق الفيلم مكاسب وأرباح هائلة بلغت 224 مليون دولار لدي بداية
عرضه في جميع أنحاء العالم،ليحقق المركز الثاني عالميا في الإيرادات التي
يحققها فيلم في بداية عرضه في شباك التذاكر العالمي حيث حصل على أعلى
إيرادات يحققها فيلم سينمائي، في أول أيام عرضه في دور السينما بالعديد من
دول العالم، فحصد نحو 29 مليون دولار في الولايات المتحدة وحدها ، وهو أكبر
مبلغ يحققه فيلم سينمائي هذا العام، بدور العرض الأمريكية.
وبذلك
تكون إيراداته قد تفوقت على نظيره فيلم "مهمة مستحيلة" الجزء الثالث، من
إنتاج شركة "بارامونت" وبطولة النجم توم كروز، والذي جاءت إيراداته مخيبة
للآمال، بعد أن حقق نحو 48 مليون دولار في أول أسبوع له، في وقت سابق هذا
الشهر.
ولم يحدث
ذلك في أمريكا وحدها بل تخطتها إلى كثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها
ايطاليا حيث نجح فيلم "شفرة دافنشي" في تحطيم الأرقام القياسية في حجم
الإقبال على مشاهدته بدور السينما في إيطاليا، تجاهل عشرات الآلاف من
الايطاليين دعوات الفاتيكان لمقاطعة الفيلم، لتصل إيرادات الفيلم في
إيطاليا وحدها، أكثر من 2.6 مليون دولار في ليلة الافتتاح فقط.
ويتوقع
الخبراء أن يحقق أرباحا تتراوح بين 50 و80 مليون دولار. وقالت شركة
كولومبيا أن الرقم القياسي السابق كان لفيلم "حرب النجوم..الحلقة
الثالثة..انتقام محاربي السيث"
Star Wars:
Episode III: Revenge of the Sith
الذي حقق 145 مليون دولار لدى بداية عرضه. ولم تحدث هذه الإيرادات منذ فيلم
"الآم المسيح"
The Passion
of the Christ
للممثل والمخرج ميل جيبسون حيث حقق إيرادات وصلت إلي 84 مليون دولار.
ممنوع
بأمر الكنيسة
وبذلك لا
يكون موقف العجوز موقف شخصي بل إنه موقف ديني عالمي انتشر في الكثير من
الدول العربية والأوروبية بداء من الفاتيكان إلى لبنان، فقد طلب الفاتيكان
من المسيحيين عدم مشاهدة الفيلم لأنه يحتوي على مهاترات وأشياء لا تمت
للمسيحية بصلة.
ولم يكتفي
بذلك بل نظم ثلاثة عروض خاصة لفيلم تسجيلي من إنتاجه بعنوان "شفرة دافنشي:
خداع حاذق" يتضمن ردا على رواية دان براون والفيلم، ويظهر فيه عدد من كبار
الأساقفة والمسئولين الدينيين.
وقد
استجابت لدعوة الفاتيكان العديد من الدول العربية والأوربية، مما أدى إلى
منع عرضه نهائيا في أي منها حتى بعد صدور إعلاناته في دور العرض كما حدث في
مصر التي تعد واحدة من 4 دول على الأقل في الشرق الأوسط هي مصر ولبنان
والأردن وسورية.
حكاية
فيلم
ويقوم
بدوري البطولة في الفيلم الممثل الأمريكي توم هانكس والفرنسية أودري تاتو،
ووفقا للنقاد الذين حالفهم الحظ وشاهدوا الفيلم فهو يحكي عن عالما سريا
مفترضا له شفراته الخاصة وبعضها لم يتوصل أحد إلى فك رموزه حتى الآن.
ويقول
الفيلم إن بعض المفاتيح المهمة لمعرفة ما خفي سواء عن الصورة "الحقيقية"
للمسيح كامنة عن طريق شفرات خاصة في عدد من لوحات فنان عصر النهضة الايطالي
ليوناردو دافنشي وأهمها موناليزا والعشاء الأخير.
ويصور
الفيلم كيف أصبح هناك عالم خاص سري من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، يقيم
جدارا من القداسة حول أشياء ووقائع مشكوك تماما في صحتها العلمية تتعلق
بأصل المسيح ودعوته وتشكك في الكثير من المسلمات التي استقرت عبر القرون في
أذهان المسيحيين في العالم: سواء من الكاثوليك أو غيرهم.
أمال
مخيبة في الافتتاح
كان هذا
هو العنوان الذي اختاره الناقد السينمائي ومراسل
bbc
بفرنسا "نبيل العمري" ليعبر فيه عن رأيه في الفيلم من خلال التصوير والسرد
والحبكة قائلا:
من
المعروف أن تحويل الرواية إلى سيناريو سينمائي يتطلب مهارة خاصة، ليس فقط
بسبب الحجم الكبير للرواية، ولكن أساسا، بسبب تعقدها وتعدد شخصياتها
وأحداثها وتفسيراتها الموغلة في التاريخ والفانتازيا معا.
هذا الدرس
الأول الذي لا شك أن مخرجا كبيرا مثل رون هاوارد يدرك أهميته، بدا من أول
وهلة أنه نُسي أو تم تجاهله بسبب الرغبة في تقديم الرواية إلى جمهور
السينما مع المحافظة قدر الإمكان، على معظم دروبها وشخصياتها المتعددة.
ولا شك أن
هذه الرغبة أدت إلى تحويل فيلم يفترض أن يكون من أفلام الإثارة والتشويق،
إلى فيلم خطابي يمتلئ بالشروح التفسيرية الطويلة وبالحوار المصطنع صنعا
لشرح طبيعة الموضوع وخلفياته للجمهور الذي لم يقرأ الرواية بالطبع.
تعدد
شخصيات..وضعف في الحبكة
إلا أن
الفيلم الذي يجعل بطله الدكتور روبرت لانجدون - خبير الرموز- يخوض مغامرة
هائلة بين باريس ولندن واسكتلندا يتعرض خلالها للتصفية الجسدية - لا ينجح
في شد انتباه المتفرجين بل وتبدو الحبكة في كثير من الأحيان هشة بل وساذجة.
ويساهم
تعدد الشخصيات وتداخلها في زيادة الإحساس بالاضطراب، من هذه الشخصيات شخصية
فتاة فرنسية تدعى "صوفي" (تقوم بأداء دورها أودري تاتو) يفترض أنها خبيرة
في فك الشفرة، وهي تعمل في خدمة الشرطة الفرنسية إلا أننا سرعان ما نعرف أن
القتيل الحارس على أسرار متحف اللوفر الباريسي- الذي يلقى مصرعه بوحشية في
المشهد الأول من الفيلم- هو جدها.
بعد ذلك
نعرف أنها فقدت أسرتها في حادث سيارة ونشأت في كنف الجد الذي نعود فنعرف من
خلال شرح طويل من طرف البطل، أنه لم يكن جدها وأنها ليست "صوفي" بل فتاة
أخرى تنتمي لأسرة من العائلة المالكة القديمة!
كما جاء
دور الممثل الشهير توم هانكس ضعيفا رغم مركزيته، فهو يبدو لنا تائها بين
أدغال موضوع لا يفهمه ولا يستطيع استيعابه. وحتى الدور الذي يقوم به الممثل
الانجليزي الكبير السير إيان ماكلين (وهو دور السير لي تيبينج) لم يبدو
مقنعا بل ويبدو الممثل الكبير وهو يجاهد عبر الفيلم لجعل دوره يصل للمشاهد
دون جدوى. والمفترض أنه ينقلب من الوجه الطيب الذي يساعد البطلين إلى وجه
شرير وجزء من المؤامرة الكونية المستمرة لإخفاء الحقائق.
وهناك عدد
من مشاهد العنف والمطاردة والقتل وكثير من سيارات الشرطة الفرنسية التي
نكتشف أن أحد ضباطها العاملين في كشف جريمة اللوفر، ضالع أيضا في المؤامرة
السرية للإبقاء على لغز "الكأس المقدس" الذي يسعى بطل الفيلم لفك شفرته!
إلا أن
هذه العناصر كلها إضافة إلى تعدد الأماكن والتصوير المتميز بظلاله وتضاريسه
داخل مواقع حقيقية مثل متحف اللوفر وقصر فيليت وكاتدرائية ويستمنستر، لا
تنجح في إنقاذ الفيلم من الترهل.
وجاء
تنفيذ"هاوارد " للمشاهد وكأنه يصر على صنع مشاهد جميلة متقنة في حد ذاتها،
إلا أنه يفقد السيطرة على إيقاع فيلمه الذي يتجاوز الساعتين ونصف الساعة
بقليل، كما تسقط منه الحبكة وتفلت خيوطها من يده، وبديهي أيضا أنه يعجز عن
السيطرة على الموضوع بسبب رداءة السيناريو الذي يطمح إلى أن يروي كل شئ عن
كل شئ في رواية "دان براون" ولكن دون نجاح يذكر.
كان هذا
هو رأي ناقد سينمائي معروف ومشهور ولن نستطيع الحكم إلا بعد مشاهدة الفيلم
الممنوع من العرض في مصر فلو حالف أحدكم الحظ وشاهدة من خلال
CDأو
DVD فليمتعنا بنسخة منه ولكن عليك بالحذر فقد ألقت الشرطة المصري
أمس القبض على مواطن مصري وبحوزته 800 نسخة من الفيلم على
CD
وأخيرا لا أجد إلا العجب من مجتمع وزمن دخلت فيه الأفلام السينمائية إلى
قائمة السوق السوداء مع أنه لا يدخل تحت قائمة الأفلام الجنسية ولا الخارجه
عن الآداب.!!!
شاهد
الجاليري
|