قراءة “سنوية” في
السيناريوهات
5
أفلام “مقتبسة” على شاشة
“الأوسكار”
محمد
رُضا
هذا هو
العام الثالث على التوالي الذي تنعقد فيه جلستنا هذه، وعلى مدار أسبوعين
متتابعين، لقراءة وتحليل السيناريوهات المرشحة للأوسكار، شئنا أم أبينا،
وفي ظرف موات أو غير موات، الأوسكار جائزة أصبحت مفصلاً مهماً في الموضوع
السينمائي، ليس لأن الحكم الذي يتوصل إليه أعضاء أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية هو الصحيح دوماً، بل لأن المنفذ إليه هو مجموعة كتاب السيناريو
الأمريكيين الذين تتاح لهم فرصة التصويت أولاً وتحديد الأفلام التي سيجرى
التصويت عليها أكثر من سواها.
طريقة ذلك
أن كل الأفلام - عملياً - مفتوحة أمام اللجان المختلفة، بما أن أعضاء
الأكاديمية مؤلفون من أعضاء في جمعيات المنتجين والممثلين والمخرجين
والكتاب وهكذا، فإن هؤلاء الأعضاء يحكمون في الموجة الأولى من الاستفتاء كل
حسب تخصصه، بعد ذلك تذهب الأفلام رشحتها المجموعات المتخصصة لتطرح لدى كل
الأعضاء ويجري عليها التصويت النهائي.
الأفلام
الخمسة المرشحة لمسابقة لأوسكار أفضل فيلم مقتبس (او أفضل اقتباس كما يحلو
للبعض الاختصار) هي التالية: “القضية المثيرة للفضول لبنجامين باتون”
الإخراج لديفيد فينشر عن سيناريو إريك روث مأخوذ عن قصة سينمائية وضعها
روبين سويكورد عن رواية قصيرة للكاتب ف. سكوت فيتزجيرالد و”ريب” الإخراج
لجون باتريك شانلي الذي كتب السيناريو بنفسه مقتبساً إياه عن مسرحيته
أيضاً، و”فروست/ نيكسون” أخرجه رون هوارد عن سيناريو لبيتر مورغن و”مليونير
الزقاق” وهذا الفيلم البريطاني من إخراج داني بويل عن سيناريو كتبه سيمون
بيوفوي، و”القارئ”.
وهذا
الفيلم من إخراج البريطاني أيضاً ستيفن دولدري.
كان
محتملاً دخول بضعة سيناريوهات أخرى هذا السباق، لكن يبدو أنها لم تحظ
بالعدد الكافي من الأصوات، من بينها فيلم بعنوان “تحد” وهو للمخرج إدوارد
زويك الذي كتب السيناريو بنفسه عن رواية لناخاما تك حول الأخوة بييلسكي
الذين، على ما يبدو، قادوا مقاومة يهودية ضد الجيش النازي. و”ريفوليوشنري
رود” لسام مندس الذي اقتبسه عن سيناريو لجوستين هايث مقتبس بدوره عن رواية
لرتشارد ياتس تتحدث عن انهيار حياة عائلية في ستينات القرن الماضي بفعل
اتجاهين متناقضين، اتجاه للزوج (ليوناردو دي كابريو) واتجاه آخر للزوجة (كيت
وينسلت).
وهنا، نقف
عند كل عمل مرشح لجوائز هذه الفئة بمزيد من القراءة
The Curious Case of
Benjamin Button
القضية المثيرة للفضول
لبنجامين باتون:
وضع ف.
سكوت فتيزجيرالد هذه القصة القصيرة سنة 1921 ونشرتها مجلة “كولييرز” التي
كانت تصدر أسبوعياً قبل أن تجد طريقها كواحدة من عدة قصص قصيرة للمؤلف نشرت
في كتاب جامع، وكانت هذه القصة موضع رغبة المنتج الراحل راي ستارك، لكنه
توفي قبل إنجازه والفيلم حط بين يدي ديفيد فينشر الخبيرتين.
الرواية
غريبة، إذ تتحدث عن ولادة غريبة لطفل في ملامح رجل عجوز، الطفل يستطيع أن
يتحدث بل أن ينمو وسط ظروف قاهرة، وكلما نما جسدياً بمرور السنين تغيرت
ملامحه متراجعة بذلك يسير هو أيضاً، باتجاهين معاً: يكبر ويصغر في ذات
الوقت، بل مهدد أن يخسر عقله ولاحقاً معرفته النطق حين يصبح طفلاً.
السيناريو
يختلف عن الرواية الى حد ملحوظ، لذلك نجد في البطاقة الفنية للفيلم أن إريك
روث وروبين سويكورد تشاركا في كتابة قصة سينمائية، بمعنى أن النص السينمائي
تحرر من الأصل في مناطق فرض أهميتها اعتبار أن القصة السينمائية اختلفت عن
القصة القصيرة، طبعاً لجانب أن القصة في الأساس قصيرة ما يحبذ شحنها بأحداث
مستوحاة منها لكنها بعيدة عنها.
إنه
سيناريو صعب للكتابة ويتطلب جهداً عاطفياً أيضاً إذا ما كان المطلوب
التعامل مع الطروحات الذهنية للأصل، روث كان عالج مثل هذه المواضيع الصعبة
حين كتب سيناريو “فورست غمب” سنة 1994 عن رواية لونستون غروم ونال الأوسكار
في ذلك الحين بالفعل، أمر قد يتكرر هنا ولو أن المنافسة أشد هذه المرة مما
كانت عليه حين ترشيح ذلك الفيلم ومن معه إلى أوسكارات عدة.
Doubt
ريب:
كتب
المخرج جون باتريك شانلي السيناريو عن مسرحيته، وهو كاتب جيد حين يتعامل مع
الشخصيات كتب “ضربة قمر” الذي كان أبرز ما فيه التنوع في المواقف بين
شخصياته المتعددة ومنها تلك التي لعبها نيكولاس كايج والممثلة شير وهذا
الفيلم هو ثاني فيلم له مخرجاً بعد “جو ضد البركان” في 1990.
مشاهدة
“ريب” توحي بعدة أمور مهمة، منها أن المخرج يؤسس للبيئة التي تقع فيها
الأحداث (ضاحية برونكس في نيويورك) سنة 1964 وبينما من الطبيعي أن يعمد
الفيلم الى الاختلاف عن المسرحية بالتوسع في مشاهده حتى يكسر شروط الخشبة،
الا أن هناك حساً ملحوظاً مع المشاهد الخارجية ما يعني أن المخرج- الكاتب
لم يتكل على جهده السابق كمؤلف مسرحي، ليس في نصف الساعة الأولى، إذ بعد
ذلك يتكل شانلي على نصه الأصلي حين يصبح المشهد قائماً على شخصيتين
متواجهتين (الراهب والأخت أو الأخت وأم الطفل الخ..).
Fost/Nixon
فروست/ نيكسون:
سيناريو
بيتر مورغن، الذي كان كتب فيلم “الملكة”، يشترك -والسيناريو السابق- في أنه
قائم على أحداث مجتزأة من الوثائقيات، في “الملكة” علاقة الملكة الحالية
اليزابث برئيس الوزراء السابق توني بلير، وفي هذا الفيلم علاقة الصحافي
ديفيد فروست (مايكل شين الذي لعب دور توني بلير في الفيلم السابق) بالرئيس
الأمريكي الأسبق رتشارد نيكسون (فرانك لانجيلا)، جيد في الفيلمين الأزمة
المشادة بين الشخصيتين المذكورتين في كل فيلم وكيفية تأسيس فيلم كامل
بالاعتماد على وثائقيات ومشاهد تلفزيونية سواء كانت واقعية أو مصورة خصيصاً
لهذا الفيلم كما الحال هنا.
لكن في
كينونته وخلاصته، سيناريو فروست/ نيكسون الذي يحكي كيف هزم الصحافي المعروف
الرئيس الأسبق للولايات المتحدة في مقابلة أرادها الثاني نوعاً من استعادة
قوته السياسية فانقلبت عليه، أصغر من أن يُتاح له إظهار ملكية الكاتب
الفعلية.
وحسنات
هذا النوع من الكتابة محدودة بإمكانية نجاح المخرج في استيعابها واستخراج
عمل يتجاوزها نجاحاً، وهذا ما حققه رون هوارد الذي بقدر ما التزم بالمادة
المكتوبة بقدر ما نجح في عرف الكيفية الصحيحة لاستغلالها موظفا المونتاج في
شكل جيد، الفيلم بأسره علاقة متشابكة بين التأليف والتوليف علماً بأن
السيناريو مأخوذ أيضاً عن مسرحية للكاتب - لكن التشابه مع “ريب” في هذه
الناحية يتوقف عند هذا الحد، فلكل كاتب طريقته المختلفة تماماً في نقل
المسرحية الى سيناريو.
The Reader
القارئ:
معظم من
قرأ القصة الأصلية التي وضعها الكاتب الألماني برنارد شلينك حول علاقة بين
امرأة وشاب في نصف عمرها انتقد فحواها كما أسلوب الكاتب، واثنان من النقاد
البريطانيين وصفاها بأنها هزيلة وغير ذات قيمة.
لكن رغم
صحة ذلك على نحو عام، إلا أن موضوعها مثير للاهتمام، ليس بسبب تلك العلاقة،
بل ما تطرحه الحكاية من مشاعر ذنب تعيشها تلك المرأة حول ماضيها كونها كانت
حارسة في سجن اعتقال أيام النازية (تقع الأحداث في مراحل مختلفة ما بين
الخمسينات والثمانينينات)، ما وجده السيناريست هير لافتاً أن القصة ليست عن
الضحايا (كعادة الأفلام التي تتعامل مع موضوع الهولوكوست) بل عن الذين
اختبروه، السيناريو يعمق هذا المنحى جاعلاً الدور الذي لعبته كيت وينسلت
(بطلة “ ريفوليوشنري رود”) وهي مرشحة لأوسكارين عنهما)، مثيراً للتعاطف
ومبتعداً عن لعبة اللوم التقليدية في هذا المجال.
ديفيد هير
واجه معضلة مهمة وتخلص منها جيداً: الرواية مُسردة باستخدام صفة المتكلم،
في الرواية هناك مساحة عريضة حين استخدام صفة المتكلم تعفي المؤلف أو
المتكلم أو كليهما من تبرير السبب الذي يحكي فيه قصته، ليس دائماً بل في
كثير من الأحيان ما دام السبب في النهاية رغبة السارد الذاتية في الكشف عما
عاشه.
في
السينما، هذا لا ينفع، على الكاتب أن يجد التبرير الذي من أجله على المشاهد
متابعة الحكاية بأسرها، وديفيد هير وجده في محاولة بطل الفيلم (المراهق في
مطلع الفيلم ثم الرجل من منتصفه وصاعداً مع كثير من النقلات بين الأزمنة)
فهم ما الذي حدث معه ولماذا اختفت المرأة التي عرفها وكان أول من أحبها ثم
ماذا عن تلك الفترة التي سمع عنها ولم يعشها فترة النازية.
هذا
السيناريو يبدو أحياناً أفضل من الفيلم نفسه لولا أنهما مسؤولان عن بعض
التطويل معاً.
Slumdog Millionaire
مليونير الزقاق:
سيناريو
آخر جيد حتى من دون معرفة خلفياته وتفاصيله، رواية فيكاس شواروب تدور حول
شاب من الأزقة فاز بمليون روبية في النسخة المحلية من “مَن سيربح المليون”،
القصة مبنية على فصول كل منها يفصح عن كيف عرف هذا الشاب الآتي من تلك
الأزقة حيث الجريمة والفساد والحاجة الإجابة عن كل سؤال وجه اليه، لأن كل
سؤال له خلفية ما في حياته، هذا من دون أن يعرف مقدم البرنامج ومعده ومن
حيث لم يخطط الشاب لذلك، هذا البناء بحد ذاته كان تحدياً كبيراً للكاتب من
حيث إنها قد تكون زاوية مثيرة كتابياً، لكن هل ستكون مثيرة سينمائياً؟
في
الرواية أيضاً ليس كل الأحداث متصلة جيداً بعضها بعضاً، مشاهدة ما حققه
الكاتب سايمون بيوفوي في هذا المنحى مهم جداً من حيث إنه تغلب على هذه
العقبة وجعل الأحداث تتبع منهجاً محدداً، صحيح أنه أبقى على الخط الأساسي
من حيث إن كل سؤال من معد البرنامج ينقلنا الى مرحلة أو جزء من حياة
المتسابق، الا أن ما يحدث في هذه النقلات أصبح أكثر اتصالاً وشكل أرضية
روائية موحدة وصالحة للعمل بأسره.
الخليج
الإماراتية في 1
فبراير 2009
|