قراءة في
الممثلين المرشّحين للأوسكار
هوليود - محمد رضا
الملاحظة
الأولى المستنتجة من الترشيحات الرسمية لجائزة أفضل ممثل رجالي هي أن أربعة
من هؤلاء الممثلين كان عليهم الانتقال كلّياً إلى شخصيات أخرى في درجة عليا
من الانصهار.
بداية،
هناك الممثل ميكي رورك الذي تمكّن من حرفتين في فيلم (المصارع) الأولى هي
التمثيل والثانية هي المصارعة الفعلية. وإذا كانت القصص التي سمعناها عنه
صحيحة، فهو مارس المصارعة في السنوات الأخيرة لا تحضيراً لهذا الفيلم، بل
إمعاناً في درجة من الدمار الذاتي له كممثل. وهو يعترف قبل أيام، بعد عرض
فيلمه في مهرجان برلين قائلاً: (أضعت خمس عشرة سنة من حياتي كممثل والآن
أقف على قدمي من جديد).
وهناك
أيضاً براد بت، الذي حتّم عليه دوره في (قضية بنجامين باتون المثيرة
للفضول) التحوّل إلى مراحل شتّى من حياة شخصية واحدة مثيرة للغرابة (أكثر
من الفضول) إذ وُلدت طفلاً بسن كبيرة وأخذت تعود عمراً إلى الوراء كلما
كبرت حجماً. حين أصبح قادراً على المشي من دون عكّازات، كان يدخل الستينات
بالمقلوب. وحين أصبح في الخمسين كان بحّاراً قبل العودة إلى الوراء شابّاً
ثم طفلاً من جديد. طبعاً النقلة هنا هي ميتافيزيقية وليست فقط فيزيقية. أي
لها علاقة بالأبعاد والرموز القائمة مثل قوس قزح حول الحياة والموت ومعنى
الأول وقدرية الثاني، أكثر من مجرّد قصّة غرائبية غير قابلة للتصديق.
بالتالي، ليس مطلوباً من براد بت أن يركب دراجة ولادية بثلاث عجلات ليبرهن
عن مرحلة حياته، بل كان عليه أن يتواصل والخيط الرفيع الكامن بين كل تلك
المراحل على نسق واحد من الأداء.
انصهار
شون بن
شهد نوعاً آخر من الانتقال.. إنه ممثل مستقيم لكنه ممثل أوّلاً. وفي فيلم
(ميلك) يعمد إلى ممارسة شغفه بالتمثيل وجرأته في قبول الأدوار لدرجة أنه لا
يجد نشوزاً في لعب دور لواطي وهو ليس كذلك. ليس فقط أداؤه عبر الغمز
واللمز، بل عبر مشاهد تصوّر مضاجعات وقُبَل وانخراط في العملية الشاذّة ولو
من دون الدخول في تفاصيل أو تصرّفات تحوّل الفيلم إلى مشاهد من العري وسوء
السلوك.
هذا
التحوّل من الوضع المستقيم إلى الوضع الشاذ فقط لأجل القيام بدور يؤمن به،
ليس الانتقال الوحيد الذي مارسه الممثل. هو أيضاً، وبقيامه بتأدية شخصية
أول شاذ في تاريخ الولايات المتحدة يستلم منصباً حكومياً (إذ كان محافظاً
لمدينة سان فرانسيسكو في السبعينات وقُتل اغتيالاً) إنما جسّد شخصية
واقعية. كذلك الحال مع فرانك لانجيلا الذي جسّد شخصية الرئيس الأميركي
رتشارد نيكسون في (فروست/ نيكسون) بعدما شاهد كل ما وصلت إليه يديه من
أفلام تسجيلية حول نيكسون ودمج نفسه في شخصيّته إلى درجة بعيدة.
الوحيد
الذي لم يتسن له الانصهار إلى شخصية واقعية أو غرائبية أو تتطلب الانتقال
إلى صورة متناقضة مع المألوف هو الممثل رتشارد جنكينز في فيلم (الزائر).
لكن هذا
لا يعني أنه لم يؤد الدور الذي تضطلع به أداء يستحق عليه الأوسكار.
في الجانب
النسوي فإن الممثلات المرشّحات وجدن أنفسهن أمام حالة مختلفة: كل الشخصيات
التي ظهرن بها هي شخصيات متحررة من الأصول الصلبة ولا تتطلّب انصهاراً
وحركة تحوّل ذاتي عميق- حتى الدور الذي لعبته أنجيلينا جولي في (تبديل)
والمسنود إلى شخصية ووقائع حقيقية لعبته بتحرر من ملكية الشخصية الحقيقية
كون تقمّص تلك الشخصية غير ممكن (لعدم وجود ما يمكن الارتكاز عليه
للمحاكاة) وغير ضروري.
الممثلات
الأخريات في هذه المسابقة هن: آن هاذاواي عن (راتشل تتزوّج) وميليسا ليو عن
(نهر متجمّد) وميريل ستريب عن (ريب) وكايت ونسلت عن (القارئ).
أمام هذا
التنصيف ما هي الحظوظ والفرص المتاحة لهؤلاء الممثلين جميعاً؟ لماذا
المنافسة قويّة بين ممثل وآخر وليست قويّة بين اثنين آخرين؟ ولماذا كايت
ونسلت معتبرة ممثلة صف أول عند الأوسكار، بينما اعتبرت ممثلة مساندة -عن
نفس الفيلم- في جوائز الغولدن غلوب والبافتا؟
التالي
محاولة للإجابة بالانتقال بين المرشّحين العشرة في هاتين المسابقتين.
رتشارد
جنكنز
من هو؟
ممثل مخضرم يمثل دور البطولة أوّل مرة في فيلم (الزائر) لاعباً شخصية
بروفسور ماتت زوجته ويجد الفرصة مناسبة لإعادة بناء حياته.
احتمالات
فوزه: هو بنفسه لا يتوقّع أن يفوز. وقد حدث سابقاً أن تم تقديم ممثلين
لعبوا أدوار البطولة لأول مرّة بعدما تجاوزوا الخمسين ولم يفوزوا.
شون بن
من هو؟
يقف شون بن مخرجاً وممثلاً في عداد سينمائيي الصف الأول. في (ميلك) لم يمثل
الشخصية بالشيفرات المتعارف عليها، بل اتقن تلك الشيفرات مما جعله يفوز
بعدد من الجوائز أهمها جائزة نقابة الممثلين.
احتمالات
فوزه: سيحصد أصواتا كثيرة بلا شك، لكن من الممكن جدّاً أن لا تكون بالحجم
الذي يؤدي به إلى الفوز بالأوسكار الذي سبق وأن فاز به من قبل.
فرانك
لانجيلا
من هو؟
عاصر الممثل التمثيل منذ أن كان ولداً صغيراً وارتاح لأدوار بطولية قليلة
قبل أن ينتقل إلى أدوار مساندة في معظم مراحله. إنه ممثل جيّد ومهضوم الحق
سينمائياً. فاز بجائزة (توني) الموازية للأوسكار مسرحياً عن دوره في
(فروست/ نيكسون) نفسه.
احتمالات
فوزه: بالنظر إلى قوّة الممثلين المنافسين براد بت وميكي رورك، فهي محدودة.
براد بت
من هو؟ في
الأربعينات من حياته، بذلك هو أصغر المرشّحين، ومن نجوم السينما ولذلك
يتمتّع بتحبيذ شعبي لا بأس به. يستحق الأوسكار عن دوره الصعب في (بنجامين
باتون) ولا يبدو أن أحداً قادراً على منعه من ذلك الا....
.... ميكي
رورك
من هو؟
ممثل بدأ قويّاً ولافتاً في الثمانينات ثم انضوى والآن يرتفع في سماء
المهنة على حين غرّة. فاز ببافتا قبل أيام قليلة وبالغولدن غلوب قبله.
احتمالات
فوزه: يبدو أنه الممثل الصعب من حيث إنه الفرس الأسود في السباق لكنه فرس
قوي. دوره رائع وشخصيّته مطابقة لحياته المهنية وأداؤه قوي. أعضاء
الأكاديمية قد يختارونه إذا لم يستوعبوا أبعاد براد بت أو كرهوا مشاهدة شون
بن وهو يمثل ذلك الدور بصرف النظر عن قيمته.
آن
هاذاواي
من هي؟
ممثلة شابّة وجديرة بالاهتمام تلعب في (راشل تتزوّج) دور فتاة مرّت بتجربة
إدمان وتحاول وضع أولويّاتها من جديد ضمن مخاطر أن تسقط خلال المحاولة.
احتمالات
فوزها: في السابق كانت الممثلات الشابّات يصلن إلى مرحلة الترشيحات ليس
أكثر كما لو أن المصوّتين في الأكاديمية يقولون: لا زلت شابّة وأمامك سنوات
طويلة.
أنجلينا
جولي
من هي؟
الممثلة المرشّحة لجانب زوجها براد بت في عام واحد. جيّدة حين تجد الشخصية
الصحيحة لكنها هنا في فيلم كلينت ايستوود (تبديل) ليست أفضل عناصر الفيلم.
احتمالات
فوزها: تشابه احتمالات فوز فرانك لانجيلا أو شون بن: جيّدة لكنها ليست
كبيرة.
مليسا ليو
من هي؟
ممثلة غير معروفة تلعب بطولة فيلم (نهر متجمّد) حول امرأة تشترك في عمليات
تهريب عبر الحدود الكندية لكي تعيل نفسها وابنها.
احتمالات
الفوز: دورها جيّد وهي جيّدة لكن ما قيل في آن هاذاواي يُقال (وربما أكثر
منه) فيها هي من حيث إنها صغيرة على الجائزة. بالتالي الاحتمال ضعيف.
ميريل
ستريب
من هي؟ من
أفضل الممثلات الأميركيات وتاريخها يؤكد ذلك. في فيلم (ريب) تقوم بأداء
شخصية ناظرة مدرسة شديدة الرأي ومتمسّكة بالتقاليد تدفع راهباً للاستقالة
لأنها ترتاب في تصرّفاته مع التلاميذ.
احتمالات
الفوز: من الصعب أن تدخل ممثلات أخريات المنافسة مع ميريل ستريب. رُشحت عدة
مرات من قبل وفازت في عدد منها وهي تستحق الفوز هنا لكنّ هناك احتمالاً
كبيراً في أن الجائزة ستذهب إلى....
.... كيت
وينسلت
من هي؟
الممثلة البريطانية هي من أفضل المواهب النسائية في التمثيل اليوم. تقتحم
شخصيّاتها وتترك انطباعاً قوياً وحضوراً أكثر من لافت. في (القارئ) تؤدي
شخصية هي صعبة التعامل: من ناحية تريد إدانتها ومن ناحية أخرى تشفق عليها.
احتمالات
فوزها: جيّدة فالعام عامها بعدما حصدت عدّة جوائز عن دورها في هذا الفيلم
كما دورها في فيلمها الثاني (طريق ثوري). لكن المفاجآت قد تقع في أية لحظة.
التمثيل
المساند
على صعيد
الممثلين والممثلات في الأدوار المساندة فإن القائمة الرجالية مؤلّفة من
جوش برولين لكن ليس عن دوره لاعباً شخصية الرئيس جورج بوش بل عن دوره في
(ميلك). وتم تجاوز جيمس فرانكو عن نفس الفيلم الذي حبّذه النقاد أكثر كممثل
مساند. في السباق ذاته هناك روبرت داوني عن (رعد استيوائى) لكن الفيلم رديء
والأداء مفبرك ولن يرى الممثل الموهوب الأوسكار عن هذا الفيلم أبداً.
أيضاً
فيليب سيمور هوفمان الذي يقف أمام ميريل ستريب في بطولة (ريب): رائع في
حضوره ويستحق الجائزة بالفعل لجانب مايكل شانون عن دوره القوي في (طريق
الثورة) كرجل لا يخفي ما في صدره ولو كان دوره أطول لانتزع لنفسه وجوداً في
جائزة أفضل تمثيل أول.
أخيراً
هناك هيث لدجر عن دوره المساند في (الفارس الداكن)، لكن رغم أدائه الحسن
إلا أن ترشيحه (واحتمال فوزه) يتضمن تقديراً عاطفياً كونه مات بعد هذا
الفيلم.
الممثلات
المرشّحات لأوسكار أفضل ممثلة مساندة هي آمي أدامز عن دورها الجيّد في
(ريب) وهي في أحيان تخطف الكاميرا من ميريل ستريب. وبينيلوبي كروز عن (فيكي
كرستينا برشلونة) ولو أني لا أرى الدور يستحق التهليل، ثم فيولا ديفيز عن
(ريب) أيضاً (المرأة الأفروأميركية في الفيلم) لكن الدور مع كل ما فيه من
إجادة صغير جدّاً.
المنافسة
الحامية هي بين ماريسا توماي عن دورها في (المصارع) وهي ممثلة جيّدة إنما
بحظوظ عادة ضعيفة وتاراجي هنسون التي من الصعب تجاوزها إذ تؤدي دور المرأة
التي تتبنّى براد بت صغيراً في (بنجامين باتون)
الجزيرة
السعودية في 13
فبراير 2009
|