سعيد مرزوق .. إسم بارز في عالم الإخراج السينمائي المصري . إستطاع أن يجد له
مكاناً مرموقاً بين أساتذته وزملائه المخرجين .. بل أنه أثبت بجدارة موهبته
الفنية ، وذلك بأسلوبه المتميز والواعي لماهية السينما وحرفيتها . وقد بدى ذلك
واضحاً من خلال أفلامه الأولى .. تلك الأفلام التي ناقش فيها مواضيع جديدة
وأفكار هامة لصيقة بأزمة الإنسان المصري والعربي . فكانت شخصياته واقعية جداً ،
وتشكل نماذج حقيقية إستقاها من صميم المجتمع وقدمها برؤية وفهم جديد للغة
السينمائية .
نحن أمام مخرج عاشق للسينما .. يتعامل معها بحب وإحترام ، مبتعداً بذلك عن كل
ما هو هابط ومبتذل . مخرج يقدم رؤية فكرية وقيمة فنية من خلال أعماله
السينمائية . لذلك نراه مقلاً في إنتاجه السينمائي ، ورافضاً للتنازل عما يحمله
من أفكار ومباديء من أجل الإنتشار فقط . فسعيد مرزوق ، ومن خلال مسيرته الفنية
الطويلة ، خصوصاً في العشرين عاماً الأولى (1971 ـ 1983) ، قدم خمسة أفلام
روائية طويلة فقط . يقول مرزوق: (...أرفض أفلام التسلية ، وأرفض الإسفاف
والتنازل لمجرد أكل العيش .. لهذا أحرص دائماً على أن تكون حياتي بسيطة ، بحيث
لا أحتاج للعمل لمجرد أكل العيش .. وبحيث أضل هاوياً مدى الحياة ، حتى لو إضطر
الأمر بأن لا أقدم إلا فيلماً واحداً كل عشر سنوات .. فأنا لست مجرد منفذ ..
المخرج في نظري مثل صاحب القلم .. هو يكتب بقلمه وأنا أكتب بالكاميرا .. وكل
منا له فكره وفلسفته ووجهة نظره .. هذه هي كشكلتي مع الفن ومع السينما...).
ولد سعيد مرزوق عام 1940، وتربى في أسرة فقيرة حيث تحمل عبء المسؤولية وهو صغير
السن ، وذلك لإعاشة والدته وإخوته الأربعة بعد وفاة والده . ومن الطبيعي أن
يجعله هذا العبء الثقيل عرضة للعديد من المشاكل والأزمات ، والتي فجرت في داخله
أحاسيس إنسانية ، إنعكست بالتالي على إهتماماته وهواياته ، حيث كانت هي المنفذ
الوحيد له للتعبير عن هذه المعاناة . هذا إضافة الى أن سعيد مرزوق قد تفتحت
عيناه على عالم السينما وهو في سن الثانية عشرة . فقد كان منزله ملاصقاً
لأستوديو مصر ، وكان لذلك تأثيره المباشر على حياة مخرجنا . حيث أبهره هذا
العالم الغريب ، بكل مواصفاته .. من ديكورات وممثلين وكاميرات .. وأخذ يراقب كل
هذا بحب وإهتمام وإعجاب . الى أن شاهد يوماً ما، المخرج الكبير "سيسيل دي ميل"،
وهو يصور فيلم (الوصايا العشر) في صحراء الهرم .. فكانت هذه هي نقطة البداية
الحقيقية عندما أحس مرزوق بعظمة دور المخرج وأهميته بالنسبة للسينما . يقول
سعيد مرزوق: (...في العاشرة من عمري بدأت أتذوق الفن .. شاهدت (الوصايا العشر)
للمخرج سيسيل دي ميل وعشقت هذا المخرج الجاد والفنان ، بل وإتخذته مثلاً أعلى
لي .. تمنيت أن أجلس على هذا الكرسي الذي يتحرك عالياً ، والذي يجلس عليه
المخرج .. وقتها بدأ حب الفن ينمو بداخلي بشكل غريب .. كنت أمارسه بشكل آخر في
الرسم والنحت .. وبدأ مشواري الفني ، وإبتدأته بالقراءة فقط...).
لم يدرس سعيد مرزوق السينما على يد أحد ، ولم يكن من خريجي أحد المعاهد
السينمائية إنما كانت السينما نفسها هي مدرسته ، حيث إعتمد على قراءاته فقط في
تنمية موهبته وإهتماماته السينمائية . وقبل أن يقدم أول فيلم له كمخرج .. إشتغل
مساعداً لزميله المخرج الشاب إبراهيم الشقنقيري . ثم بعدها مباشرة قام بإخراج
فيلمين قصيرين مدة كل منهما خمس دقائق . وكان عمله الثالث هو إخراجه لأغنية
(أنشودة السلام) ومدته عشر دقائق ، والذي أختير كأحسن عمل تليفزيوني لعام 1965.
بعد ذلك قدم فيلمه التسجيلي (أعداء الحرية ـ 1967) وشارك به في مهرجان »ليبزغ«
الألماني ، وحصل على الجائزة الثانية في هذا المهرجان . ثم قدم فيلم (طبول ـ
1968) ونال أيضاً جائزة الدولة في الإخراج والتصوير والمونتاج في ذلك العام .
كما أنه قام بإخراج فيلم (دموع السلام ـ 1970) الذي أختير كأفضل فيلم عن الرئيس
الراحل جمال عبد الناصر .
جميع هذه الأعمال الفنية قد أكسبت سعيد مرزوق خبرة سينمائية ، أهلته لإخراج أول
أفلامه الروائية الطويلة (زوجتي والكلب ـ 1971). |