•
سعيد مرزوق فى " زوجتى والكلب " يعطينا مقدمات , تكفينا للخروج بأن
ثمة عناصر أصيلة فى تكوينه الفنى تشكل له أسلوبا خاصا
.
•
أهم العناصر أصالة فى أسلوب سعيد مرزوق , عنصران يقوم عليهما بناؤه
الفيلمى ...تكنيك الكاميرا ..و المونتاج كوسيلة أساسية لخلق
العلاقات فى بعض المشاهد.
•
المخرج الذى يقدم ثلاثة أفلام من تأليفه وإخراجه يضع أمامنا حقيقة
محددة وهى أنه يؤمن بسياسة مؤلف الفيلم , التى أعادتها السينما
الجديدة الفرنسية إحياء لمجد السينما الصامتة بأن السينما ينبغى
لها أن تكون مثل المسرح , والشعر والرواية , فمخرج الفيلم هو الذى
ينسب إليه بجدارة , وإنهاء عصر سينما المخرج المنفذ.
•
شخصيات سعيد مرزوق تتميز بقدرة غير عادية تجعلها تحول أوهامها إلى
حقائق ثم تصدق هذه الحقائق وتقيم عليها سلوكا يكون أساس الدراما
السينمائية.
بعض نقاد السينما الشباب يتعاملون مع المقالات النقدية المنشورة فى
الصحف باعتبار أن هذا هو النقد السينمائى, والحقيقة غير ذلك بالمرة
لأن المنشور الآن هو النقد الصحفى للفيلم, إنه نوع من النقد
الانطباعى الذى يعتمد على انطباعات الناقد عن الفيلم, فى حين أن
النقد السينمائى يعتمد على رؤية الناقد للعمل السينمائى فى إطار
مجمل الأنتاج المحلى ويقارنه ببعض التجارب فى العالم , إلى جانب أن
الناقد السينمائى المفترض أنه لايخاطب القارئ فقط, بل هو يخاطب
المبدع والقارئ والمنتج وكاتب السيناريو والمصور ومهندس الديكور ,
لأنه يقدم النقد الشامل للفيلم من الداخل و الخارج .
لذلك فكرت فى نشر مقال لناقدنا الراحل الكبير فتحى فرج , كان قد
نشره قبل أربعين عاما فى نشرة نوادى سينما قصور الثقافة الجماهيرية
عام 1972, والمقال عن فيلم "زوجتى والكلب" للمخرج سعيد مرزوق , وقد
كان من المخرجين الشباب الواعدين فى تلك الفترة , هذا المقال يعد
نموذجا للنقد السينمائى الرصين فى اللغة بشكل خاص ثم فى القراءة
الدقيقة للعمل من جميع الجوانب خاصة تكنيك الكاميرا والمونتاج ,
ولا يستخدم فتحى فرج التعبيرات الدارجة رغم أن المقال عمره 40 عاما
ولايتحدث عن الأداء التمثيلى رغم أن الفيلم بطولة محمود مرسى وسعاد
حسنى ونور الشريف وهم ثلاثى لم نتمكن من تعويضهم حتى الآن
..
فتحى فرج ( 1934 – 2001 ) تخرج فى كلية الآداب قسم الفلسفة عام
1959 وساهم فى تأسيس ندوة الفيلم المختار مع الأديب الكبير يحيي
حقى وساهم فى تأسيس "جمعية الفيلم" و"نادى القاهرة للسينما"
و"جماعة السينما الجديدة" عام 1968, وهو أول سكرتير لجمعية "نقاد
السينما المصرية" عام 1972 وكتب فى جريدة المساء منذ تأسيسها عام
1956 ثم كتب فى مجلات: "السينما والمسرح" و"السينما والفنون"
و"عالم الفكر" و"المجلة" وأشرف على مجلة "الغاضبين" التى كانت تصدر
داخل مجلة "الكواكب" عندما كان رئيس تحريرها الناقد الراحل رجاء
النقاش وترجم كتاب "كيف تكتب السيناريو", كما أن فتحى فرج هو صاحب
فكرة إنشاء نوادى السينما بالأقاليم بقصور الثقافة الجماهيرية ومات
وهو رئيس مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين
..
مقال فتحى فرج النموذج يستحق القراءة المتأنية من أجل الاستفادة
والدراسة وهو أفضل كثيراً من قراءة كيفية كتابة النقد السينمائى
لأنه مقال نموذجى يستحق أن يقرأه النقاد الشباب
.
"زوجتى
والكلب
"
مع فيلم سعيد مرزوق " زوجتى والكلب " أول أفلامه الروائية الطويلة
.. وثالث أفلامه بعد "أعداء الحرية" و"طبول" نواجه واحداً من أهم
القضايا السينمائية المعاصرة فى الوقت الحاضر ولعلها ستكون كذلك
لسنوات أخرى قادمة .. ونعنى بها قضية السينما الجديدة , ونحن
نواجهها من خلال فيلمه وبسببه مواجهة فكرية وجمالية
.
ولقد يبدو يسيراً فى نظر البعض حسم هذه القضية نهائيا فيقطع فيها
بالقول الفصل وكأنه لم يعد هناك مجال لخلاف أو اختلاف . ولقد
يتراءى نظريا أن هذا ممكن , لأن الكلام سهل والتنظير أو الوصول إلى
نظريات فكرية حول ماليس موجوداً أكثر سهولة من الكلام
.
على أن الذى يفعل هذا , إنما يقيم كل نظرياته على استقراء نتائج
حركات السينما فى العالم الخارجى .. وليس ثمة ما يمنع أن نفيد
بدراسة كل حركات السينما الجديدة فى العالم وأن نشاهد أفلامها ,
استفادة منها لتكتيكات جديدة تتناول معطيات الواقع القومى لكل حركة
من هذه الحركات , وتتيح لنا تتبع المناهج وتأملها تأملا دراسيا ,
على أن هذا لايبرر لنا أن نقفز على ما هو نتاج حضارة تختلف عن
حضارتنا أو تتفق فى جانب من الجوانب معها , لنستعيره فيصبح مؤشراً
يرسم طريق الفكر والفن لنا , ثم هو بعد ذلك أساس جمالياتنا
السينمائية أو الفنية بشكل عام
.
إن تجربتنا الفكرية التى تحاول – فى حدود طاقتها – أن تكون شاملة ,
لتفسر بهذا الشمول فى علاقات واقعنا طموحا منها أن تكون فى موضع
قريب من النظرية الفكرية .. وإن كنا مازلنا بحاجة إلى بذل أقصى
الجهد إن أمكن وصولا إلى النظرية بالفعل .. النظرية الفكرية
المفسرة للإنسان فى علاقته بمجتمعه وبالطبيعة وبالكون عموما وحينما
نستطيع ذلك يكون متاحا لنا أن نبلورنظرية جمالية تضم الفن وأسسه
التى نطمح إليها .. لذلك فإنه ليس مفيداً أن نستعير أفكاراً جاهزة
, نفسربها واقعنا , ونحبه فى أطرها بدلا من أن نستن منه أفكاره
الكامنة فيه .. ولست أقصد بهذا , أن نصل إلى انغلاق عقيم , بل أقصد
العكس تماما أن ننفتح تماما .. ننهل من كل الموارد على كثرتها
وتنوعها وصولا إلى التشبع والتمثل فى حدود أن نستعير مناهج نتأمل
بها مجتمعنا ثم استقراء له – نخرج بفكر أصيل , يطرح من تلقاء نفسه
رؤية جمالية جديدة تضيف جديداً إلى تراث الإنسان فى العالم . خلاصة
القول – لانريد أن نستورد أفكار قواعد فنية جاهزة نزعم أنها القول
الفصل فى كل شىء .. إن أمامنا رحلة البحث فى داخل مجتمعنا , لكى
نخرج بما هو أصيل ومتسق مع طبيعة واقعنا ومنطلقا إلى أبعد ومتطوراً
إلى أكثر مما هو الآن فى العالم أى علينا أن نضع أصالة الفكر
ومنهجه أساسا حتى نكون معبرين أصدق تعبيرعن أنفسنا لنضيف بذلك إلى
تراث الإنسان إضافة حقيقية لا أن تكون نسخا متشابهة من تجارب غيرهم
.
الأصالة والصدق
على هذا الأساس من الأصالة والصدق نتناول عمل سعيد مرزوق " زوجتى
والكلب " واضعين فى الاعتبار أننا على أعتاب حركة سينمائية جديدة
لم تتبلور تماما بعد .. ولعل كثرعناصرها افتقاراً إلى البلورة هو
العنصر الفكرى .. أى توفر النظرية الفكرية الشاملة التى تجعل
الفنان يمارس بحثه الإبداعى على هدى واضح المعالم .. ولا يعنى هذا
أن الفنان مطالب بأن يعتنق أفكاراً معينة , يقوم بتطبيقها فى
أفلامه , بل المقصود أن يتوفر القدر الكافى من وضوح الرؤية الذى
يساعده فى تركيز اكتشافه لواقع الإنسان والمجتمع يعبر عنهما فى
علاقتهما معا
.
ولعلنا جميعا نستطيع أن نتفق على أن الفنان بطبيعته قلق , وقلقه
فكرى فى جوهره لأنه يرى من قصورالعلاقات القائمة فى المجتمع أكثر
بكثير من الإنسان العادى وأعماله الفنية أو إبداعاته إنما تستهدف
نقد جوانب القصور متجاوزاً ما قد يكون متعارفا عليه وثابتا لدى
الناس , إنه ضمير يقظ دائما .. يرى لمسافات فكرية أبعد كثيراً جداً
من المسافات الراهنة .
هذا هو شأن الفنان العظيم .. وليس كل فنان عظيما بالضرورة لكن عليه
– سواء كان عظيما أو لم يكن – أن يتسم عمله بالأصالة والصدق
.
ولعل سعيد مرزوق فى فيلمه الأخير " زوجتى والكلب " يعطينا مقدمات ,
تكفينا للخروج بأن ثمة عناصر أصيلة فى تكوينه الفنى تشكل له أسلوبا
خاصا , نعتقد أنه سيتضح مع الأيام ومع الأفلام القادمة .. وعلينا
أن ندرك حقيقة هامة مؤداها أن فيلما واحداً لايكفى لحكم قاطع
بأصالة الفنان .. لكنه يكفى دليلا على بدايته .. ولا يستطيع أحد أن
يتنبأ بالغيب .. وإن كان الغيب ( الفيلم الثانى ) قد خيب الظن به
إلى حد كبير .
وأهم العناصر أصالة فى أسلوب سعيد مرزوق , عنصران يقوم عليهما
بناؤه الفيلمى
.
أولهما : تكنيك الكاميرا ..
وثانيهما : المونتاج كوسيلة أساسية لخلق العلاقات فى بعض المشاهد
..
وهذان العنصران غالبان فى أعمال سعيد مرزوق القصيرة وهما بارزان فى
فيلمه الروائى "زوجتى والكلب"
..
ولكى نتعرف على العنصر الأول وهو تكنيك الكاميرا عنده سوف نستخدم
أحد المشاهد الأساسية فى الفيلم لنقيم على أساسه تحليلنا .. وهو
مشهد داخل غرفة مرسى بالفنار وقد انتابه إحساس بأن زوجته قد تخونه
مع نور صديقه .. ويبدأ المشهد بدخول مرسى إلى حجرته ويخرج حقيبته
من تحت السرير ليكتشف أن صورة زوجته قد أختفت منها .. وتبدأ
الكاميرا فى مصاحبة تحركه ليس كمراقب من الخارج بل تتحول إلى أن
تصبح مرسى نفسه لتنقل بصدق الإحساس الذى ينمو بداخله .. ويتدخل
المونتاج هنا لكى ينقل إلينا تخيلات مرسى .. نور يصعد السلم وقد
قرر إغراء الزوجة .. سعاد تفتح الباب وهى تلوك اللبان فى خلاعة ..
نور يدخل الشقة .. قطع على مرسى وقد ازداد توتراً . ثم نعود إلى
نور مع سعاد زوجته وهما يتطارحان الغرام .. ثم إلى مرسى وقد بلغ
ذروة أزمته .. والكاميرا تدور حوله – وأصوات الريح والبحر تعلو ..
وإيقاع حركة الكاميرا يتزايد وانفعالات مرسى تزداد اقترابا من لحظة
التفجير .. حتى تصل به إلى أقصى التوتر وتكون الكاميرا التى تحصره
فى كادر متوسط الحجم قد استطاعت أن تشعرنا تماما بكل أبعاد أزمته
.. فتدور معه فى حركة عنيفة وهو يحطم أثاث حجرته .. هذا وتتحرك
الكاميرا على أساس ميزانسين تحليلى .. أى أنها لا تقف لتشاهده أو
لتصفه .. تصف حركاته وإنما تتعمق هذه الحركات وصولا إلى أعماق
الشخصية .. هكذا كان ميزانسين الكاميرا والممثل فى أكثر من مشهد
بحيث يمكن أن يشكل هذا التكنيك بداية لأسلوب له طابعه المميز
المتجه نحو الأصالة
.
أما المونتاج فى أسلوب سعيد مرزوق فهو أساسى عنده إلى حد بعيد
وأبرز مثال عليه : ذلك المشهد فى حجرة نور فهو يتأمل الصور العارية
وشبه العارية المعلقة على جدران حجرته .. ومضمون المشهد أن نور
يقيم مع الصور علاقة تعويضية تغنيه عن ممارسة الحب مع النساء نظراً
لانحباسه داخل الفنار البعيد عن الناس فترة طويلة
.
رسم المخرج هذا المشهد على أساس تقطيع بينه وبينهما وهو جالس أيضا
.. وتبدأ بين الصورة وبين وجه نور فى أوضاع مختلفة بإيقاع معتدل ثم
تقصر أطوال اللقطات تدريجيا كى يرتفع الإيقاع وتزداد اللقطات قصراً
فيزداد الإيقاع ارتفاعا حتى تصل إلى إحساس يفيض على حد الإشباع فى
العلاقة التعويضية بين نور والصورة ثم ينتهى المشهد . ونفس هذا
التكنيك استخدمه سعيد مرزوق فى فيلمه " طبول " وخاصة فى مشهد إشارة
المرور والزحام وما يدور فى رأس بطل فيلمه هذا , ويمكن أن نقول بأن
هذا أسلوب له , أصيل فى تكوينه وهو يكشف عن وعى شديد وإحساس
بإمكانيات المونتاج فى خلق العلاقات .. وإذا كان قد فعل هذا فى
"زوجتى والكلب" وصولا إلى خلق علاقة محددة بين الصورة والفتى نور
.. ونجح فى ذلك إلا أنه كان حرفيا أراد الأبهار بإمكانياته ولعله
لم يرد .. بحيث بدا وكأنه ( يحبك الصنعة ) أكثر منه فنانا يفيد
قدرته الخلاقة لتغطى على حرفتة العالية
.
إن مونتاج العلاقات التى يستخدمه سعيد مرزوق بكثرة فى أفلامه ..
ليس استحداثا غير مسبوق , لكنه يظل طابعا مميزاً له , كذلك تكنيك
الكاميرا التحليلية الذى نستطيع أن نلمس جانبا منه فى المشهد الأول
من فيلمه القصير " طبول
" .
فنان الفيلم
إن المخرج الذى يقدم ثلاثة أفلام من تأليفه وإخراجه يضع أمامنا
حقيقة محددة وهى أنه يؤمن بسياسة مؤلف الفيلم , تلك التى أعادتها
السينما الجديدة الفرنسية إحياء لمجد السينما الصامتة بأن السينما
ينبغى لها أن تكون مثل المسرح , والشعر والرواية , فمخرج الفيلم هو
الذى ينسب إليه بجدارة , وإنهاء عصر سينما المخرج المنفذ الذى لا
نعتقد أنه سينتهى طالما أن مخرجنا هو مؤلف فيلمه فهو إذا مسئول عنه
مسئولية كاملة بمعنى أننا لن نحاسب كاتب السيناريو لأننا لا ينبغى
أن نناقش السيناريو كشئ منفصل , بل نناقش فيلما كتبه صاحبه
بالكاميرا
.
شخصيات الفيلم
طرح المخرج هنا نهائيا كل ما يتعلق بالبناء الفنى للدراما
السينمائية ويطلق العنان لرؤيته أن تعبر بالظل والنور وحركة الممثل
وضبط الصوت عن رؤيته الخاصة .. مرسى فى فنار يقضى أيام شهر العسل
مع زوجته معها قبل العناوين يتبادلان الحب بعنف خلف شاشة سوداء ثم
نراهما يتعانقان فى الفراش يمارسان علاقتهما الجديدة بجنسية وشوق ,
ومع ذلك فإن توزيع الضوء البارع فى التصوير والكاميرا الذاتية
الحساسة لنا تصور هذه العلاقة دون ابتذال بل تدلنا على إحساسنا
بالجمال .. يعود مرسى إلى فناره ويبقى أياما مع نور زميله فى العمل
وكذلك عباس وحافظ ونور إنه يقضى معه معظم وقته يستمع منه إلى حياته
النسائية ويحكى مرسى كثيراً عن صديقاته اللاتى مارس معهن الجنس أما
نور فهو يعانى من حاجته إلى النساء , بل ورغبته الملحة فيهن يعوض
ذلك بصور المجلات التى يعلقها على جدران غرفته
..
نركز على الريس مرسى وهو يتأمل صورة سعاد .. ويمر الوقت بطيئا فى
الفنار معا فى لعب الكوتشينة وشرب الشاى ونحس السأم يدور فى النفوس
.. بينما نور يتحرق شوقا إلى إجازة يغرق فيها نفسه فى ملذاته التى
يحلم بها .. وعندما تحين إجازته يفكر مرسى فى أن يكلفه بمهمة خاصة
بزوجته ..يعطيه خطابا لها ..يطلب فيه بعض ما يحتاجه وكلفه أيضا
بمراقبتها ..
وهنا يبدأ تحول جديد فى البناء الدرامى .. يغادر نور الفنار ..
ويكتشف مرسى غياب صورة زوجته من الحقيبة وكان نور قد أخذها وبعملية
ربط بسيطة يكتشف مرسى أن الصورة أخذها نور وتبدأ خيالاته فى
الانطلاق فيتصور زوجته مع نور ويتصور نفسه يلقى بنور من أعلى طابق
فى الفنار وتنتهى التخيلات لنصل إلى الواقع حيث يعود نور ومعه خطاب
من سعاد إلى مرسى ليتأكد عند قراءته إنها ليست خائنة ولكن يعود إلى
شكه فيها من جديد
.
ويعتمد هذا البناء الفنى على شخصيتين رئيسيتين فى الصراع القائم
داخل الموقف المفترض للدراما : هما مرسى ونور .. بينما الواضح أن
أزمة نور مبلورة ومحدودة تماما . إنه يعانى من الكبت الجنسى بينما
أزمة مرسى التى هى محور الصراع ومركز الثقل فى الفيلم تتأرجح بين
إحساسه بكآبة الحياة ثم الحنين إلى زوجته .. يكشفه لنا حكاياته عن
ممارسته للحب معها وهو يتحدث إلى نور .. ثم شكه فيها أخيراً وهو
الجزء الأهم والأكبر والأكثر ثقلا سينمائيا
..
ومن المنطقى أن يخيم السأم على شخصيات الفنار , وأن يشعر أحدهم
بالحاجة الملحة إلى الجنس لكن أن يتحول مرسى إلى الشك فى زوجته
لمجرد أنه صاحب مغامرات وخان كثيراً من الأصدقاء فهذا تحول مفاجئ
فى الموقف الدرامى .. كان من الممكن أن يمهد له المخرج والمؤلف منذ
البداية فلا يجعلنا نشعر بالتواء فى عنق التطور الدرامى وأن يجعل
من هذا الالتواء مركز الثقل فى العمل الفنى وختامه أيضا. والشخصيات
عند سعيد مرزوق مرسومة جيداً على الأخص شخصية نور ( نور الشريف )
الذى برع الفيلم فى إشعارنا بطبيعتها وخصائصها من نواح مختلفة
وأقنعنا بأزمتها .. على أن المبالغة دائما لا تؤدى إلى نتائج طيبة
ذلك أن أزمة نور الجنسية كانت واضحة من المشاهد الأولى التى
رأيناها له والتى كانت أيضا أطول من اللازم وخاصة مشهد المجلة ذات
الصور العارية وشبه العارية وكذلك مشهد الصور المعلقة على جدران
حجرته
.
إن الإسراف فى تأكيد هذا الحد الذى يجعل أوهام الشخصية تتحول إلى
واقع .. أى أن تتجسد الصور إلى نساء بالفعل فيلقى نور بنفسه وراءها
فى النهر . لنكتشف بعد ذلك أنهن لسن سوى الصور التى تطايرت منه وهو
يقف على ممر الفنار عبر البحر
.
إن شخصيات سعيد مرزوق تتميز بقدرة غير عادية تجعلها تحول أوهامها
إلى حقائق ثم تصدق هذه الحقائق وتقيم عليها سلوكا يكون أساس
الدراما السينمائية .. وبالذات شخصية نور وشخصية مرسى وهما
الأساسيتان فى بناء الدراما عنده .. إن شخصياته تستطيع أن تخلق من
الوهم حقيقة ثم تتعامل مع الأوهام الحقيقية على نحو ما رأينا فى
الفيلم تجعلنا نقول بإنها شخصيات أقرب إلى المرض النفسى منها إلى
أى شئ آخر .. خاصة وقد أفرط المخرج فى إبراز وتأكيد هذا الجانب
.
المكان .. والفيلم
يلعب المكان دوراً أساسيا فى دراما الفيلم فالفنار القابع بعيداً
فى أعماق البحر .. يفصله عن العمران حاجة الملاحة إلى هداية أضوائه
بالليل وهو بطبيعته مكان موحش .. تحيط به الصخور ولا ترى حوله من
بشر سوى المقيمين فيه , وعلى هذا الأساس فإن الإحساس بوحشة المكان
وقسوته .. كان ضروريا حتى يمكن أن يتأكد لدينا الأحساس بأزمة
الشخصيات وحتى تجد لها مبرراً كافيا .. والواقع أن الفيلم ينجح فى
إضافة هذه الخصائص إلى المكان ولم يستطع أن يستخلصها منه
.
لم يكن المكان موحشا .. متصفا بالكآبة بالقدر الذى افترضه البناء
الدرامى للعلاقة بين المكان والشخصيات .
كلمة أخيرة
إن سعيد مرزوق يضع أقدامه على أول معالم الطريق إلى الجديد فى
السينما المصرية , ومن الضرورى وهو يصنع هذه البداية أن يتنبه إلى
مواطن الضعف أكثر من مواطن القوة .. وعليه أن يراجع نفسه فى
سيناريوهات أفلامه . لأنها تحتاج إلى مزيد من البلورة والتجسيد
وعليه أيضا أن يحدد استخدام مونتاج العلاقات هذا بكثرة , ليربط
علاقات تقف عند حدود سطحية أحيانا للتراث الدرامى للشخصيات أو
الأحداث
..
ولنا بعد ذلك أن نثق فى أن السينما المصرية الجديدة ستولد .. وإنها
ستولد قريبا بعد سنوات لن تطول , إن سعيد مرزوق الذى نتحدث عنه لنا
أن نقول : بأصالة أسلوبه وإنه أيضا صادق مع واقعه ومع نفسه صدقا
يجعل منه مخرجا حقيقيا مرتبطا بأرض واقعه ينطلق منها كل جزيئات
حياته اليومية محاولا أن يكون فى تناولها دراميا .. وهو واحد من
شباب السينما الذى لم يتخرج فى المعهد العالى للسينما وإنما أتى
إليها من التليفزيون
.
أما الحقيقة التى يجب أن تضاف بعد هذا فهو أن فيلم سعيد مرزوق
الروائى أكد بشكل قاطع الضعف فى إمكانيات المخرج على الكتابة
الدرامية ولابد له أن يبحث عن طريق آخر
. |