{ذيب}...
توظيف جمالي لقسوة الصحراء
الحائز على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبو ظبي
كاظم مرشد السلوم
العمل في عمق الصحراء ولأربع سنين متواصلة لانتاج فيلم سينمائي من
100 دقيقة، عمل شاق بالتأكيد والعبرة في المنجز النهائي، الذي جاء
ليضيف الى رصيد السينما الاردنية المتواضع فيلما مهما سيتحدث
الكثيرون عنه، نقادا وجمهورا، رحلة الاعجاب بالفيلم بدأت منذ ان
عرض الفيلم بمهرجان "فينيسيا" وحاز على جائزة أفضل مخرج، لمخرجه
ناجي ابو نوار ، مرورا بمهرجان "ابو ظبي السينمائي" في دورته
الثامنة، وليحصل على جائزة افضل فيلم من العالم العربي لمسابقة
الافلام الروائية.
ليس سوى الصحراء موقع للتصوير طيلة الـ100 دقيقة هي عمر الفيلم،
وهو أمر قد يبدو للوهلة الاولى عامل ملل للمشاهد، لكن حسن اختيار
الزوايا واظهار جمال الصحراء ورملها الذهبي، والحبكة الحكائية
والأداء العالي المستوى لممثلين ربما لم يمثل أغلبهم من قبل،
والتأمل المحترف مع عناصر اللغة السينمائية، كانت عامل جذب واهتمام
ومن ثم تقدير لجان التحكيم التي منحت الفيلم مايستحقه.
الحكاية
تدور أحداث الفيلم في الصحراء، أثناء الفترة الانتقالية بين الحكم
العثماني وثورة الشريف حسين، فيروي الفيلم حكاية بدوي وأخيه
الصغير، مات والدهما شيخ العشيرة، قبل فترة وجيزة.
الأخ يعلم أخاه كيفية التعامل مع الصحراء ومن يعيش عليها، يزورهم
بدوي ومع ضابط انكليزي، يريدان الوصول إلى بئر في الصحراء يؤدي إلى
طريق السكة الحديد.
يثير انتباه الصبي وجود صندوق غريب الشكل عند الضابط الانكليزي،
وعلى الرغم من عديد محاولاته بالتعرف على محتويات الصندوق، إلا ان
الضابط الانكليزي ينهره دائما، يغادر الأخ الأكبر معهما كمرشد، لكن
الأخ الصغير يتبعهم ليعيش الأحداث التراجيدية اللاحقة، حيث يعترض
طريقهم بعض قطاع الطرق فيقتل الجميع، إلا هو حيث يبيت ليلة كاملة
مع جثة أخيه لايعرف كيف يتعامل معها، ومن ثم يقوم بدفنه، ليكتشف
وجود أحد القتلة مصابا، وهو الشخص نفسه الذي أطلق النار على أخيه،
فيتعامل معه بمبدأ الاستفادة، كونه لا يعرف طريق العودة إلى دياره
في هذه الصحراء الشاسعة، وبقاء طلب الثأر قائما الذي يتحقق في
نهاية المطاف.
الانشغال
المخرج ناجي ابو نوار لم يعتمد الحكاية كعامل رهان على نجاح فيلمه،
بل راهن على جمالية الصورة ودهشتها، ضمن مشاهد لم تألفها عين
المشاهد، خاصة ان كثيرين لم يشاهدوا العمق الحقيقي للصحراء
وطبيعتها القاسية وعادات ناسها وطبيعتهم، كذلك استطاع أن يشتغل على
التوظيف الجمالي للقسوة، والأثر الذي تركته الصحراء في وجوه وأجساد
من يعيشون فيها ، خاصة وجه الصبي حسن، والتركيز على عينيه، ولم
يغفل كذلك العمل على اظهار المبدأ العشائري لرجال الصحراء وما
يعتبرونه مكملا للرجولة او منقصا لها،وقد نجح في ذلك إلى حد كبير.
الفيلم عمد إلى اظهار التحدي بين الكبير والمستمر بين الصحراء
والإنسان، والقدرة على التكيف التي يمتلكها الإنسان، من خلال مشهد
عمل الخبز تحت النار التي يشعلها الصبي لكي يتدفأ بها من برد
الصحراء ليلا، ومن خلال إخراج الصبي لرصاصة من ساق قاطع الطريق، في
دلالة على الجلد الذي يتميز به أبناء الصحراء، وكذلك في الحوار
الذي يدور بينهما حيث يبرر قاطع الطريق سبب تحوله من دليل للحجيج
إلى قاطع طريق، والسبب هو مد سكك الحديد في الصحراء الذي تسبب بقطع
رزقه ومن معه.
القدرة على الثأر وأخذه لا تقتصر على الرجال، فالصبي الذي عاش رحلة
الخوف هذه، تعلم بسرعة، وفي المشهد الأخير للفيلم عندما يبيع قاطع
الطريق لضابط عثماني ما سرقه من الضابط الانكليزي ومعرفته ان
الصندوق الخشبي الذي كان الضابط الانكليزي يمنعه من الاقتراب منه
يحتوي جهاز تفجير عن بعد، كان من الممكن أن يساعد سكان الصحراء في
محاولتهم التخلص من سلطة العثمانيين، ويكذب مدعيا أن الصبي ذيب هو
ابنه، يقوم الصبي بقتله باطلاق الرصاص عليه في باب مركز الشرطة
العثماني، حيث يأمره الضابط بالسير باتجاه أهله في الصحراء .
فيلم ذيب يعد من الافلام القلائل التي تخوض في تفاصيل الصحراء
وحكايات أهلها، التي لا يطلع عليها كثيرون بسبب طبيعة الصحراء وطرق
عيش اهلها، لذلك جاء بمثابة رحلة كشف واستكشاف لها، وان كان الفيلم
يتحدث عن فترة زمنية ماضية، لكن هذا لايلغي ان عادات وتقاليد سكان
الصحراء قد تغيرت إلى الحد الذي لم تعد موجودة، حتى وان طرأ تغيير
على بعضها فإن الكثير منها مازال راسخا، متمثلا باعتزاز سكانها
بتلك العادات
والتقاليد .
ذيب فيلم سينمائي عن حكايات مجهولة لعالم يعيش سكانه الى حد ما
بعيدا عن الأنظار ربما حتى الآن .
الفيلم استحق الجوائز التي حصل عليها، وبالتأكيد سيحصل على جوائز
أخرى من خلال مشاركته في المهرجانات السينمائية العربية والعالمية
المقبلة. |