فيلم 'شي- راق' لمايك لي: خليط من الجنس والنقد والاستعراض
العرب/ أمير العمري
يعدّ مهرجان برلين السينمائي الدولي، ويسمى أيضا برلينالي “Berlinale“،
أكثر المهرجانات السينمائية أهمية في العالم. وهو أيضا أكثر
المهرجانات السينمائية زوارا، ينعقد كل عام من 9 فبراير إلى غاية
19 من نفس الشهر، منذ تأسيسه في سنة 1951 ببرلين في ألمانيا.
وغالبا ما تختار لجنة التحكيم أفلاما مختلفة من جميع أنحاء العالم،
أما جوائز المهرجان فهي الدب الذهبي والدب الفضي، والدب هو رمز
لمدينة برلين، العاصمة الألمانية.
أثار الفيلم الجديد للمخرج الأميركي الأسود سبايك لي (58 سنة)
“شي-راق”
Chi-Raq
اهتماما كبيرا عند عرضه خارج مسابقة الدورة الـ66 من مهرجان برلين
السينمائي، بسبب موضوعه الجريء الذي يفتح ملف انتشار العنف بين
عصابات من الشباب الأميركيين السود في مدينة شيكاغو، بطريقة
سينمائية مبتكرة.
يمكن اعتبار المخرج سبايك لي “الناطق السينمائي باسم الأميركيين
السود”، أو ذوي الأصول الأفريقية من منظور راديكالي، وهو يتناول
قضايا الأميركيين السود، ولكن في إطار نقد الوضع السياسي
والاجتماعي والتركيبة الأميركية بوجه عام، وعادة ما تثير أفلامه
الجدل، ومن أشهر هذه الأفلام “افعل الشيء الصواب” و“حمى الغابة” و“مالكولم
إكس” و“رجل الداخل” وغيرها، وقد أخرج لي حتى الآن 23 فيلما روائيا
طويلا، وعددا كبيرا من الأفلام الوثائقية وأفلام الفيديو القصيرة
والحلقات التلفزيونية.
الفيلم الجديد يحمل عنوان “شي-راق”، وينطقه الممثلون السود في
الفيلم “شايراك” وهو تعبير عامي يشير إلى مدينة شيكاغو التي أصبحت
كما يقول لنا المخرج من خلال الكلمات التي تظهر على الشاشة في
بداية الفيلم، أقرب إلى العراق لما يدور هناك من أعمال عنف وقتل
وصراعات مسلحة بين العصابات.
والعنوان مركّب من الحرفين الأولين لكلمة شيكاغو والأخيرين من كلمة
عراق. وتقول الكلمات التي تظهر على الشاشة في بداية الفيلم إن عدد
الذين قتلوا جرّاء أعمال العنف في شيكاغو خلال السنوات العشر
الأخيرة، يبلغ ثلاثة أضعاف عدد الأميركيين الذين قتلوا في العراق.
تعليق ساخر
فيلم “شي-راق” تعليق ساخر يتضمن الكثير من المبالغات لإضفاء
الكوميديا على موضوع شديد الجدية في جوهره، مع تصميم الكثير من
مشاهده بطريقة المسرح، وجعل الممثلين يتحدثون أحيانا للجمهور
مباشرة بغرض كسر الإيهام بالواقع، حسب تقاليد مسرح بريخت، لكن
الفيلم يتجه في النصف الثاني منه ليصبح أقرب إلى الفيلم الاستعراضي
الغنائي، خاصة وأن الحوار مكتوب بلغة يطغى عليها السجع، وتتضمن
كلمات شديدة العامية وتمتلئ بالألفاظ والإشارات الجنسية المباشرة
الفجة والتعبيرات الشعبية.
يقتبس سبايك لي الهيكل الدرامي لمسرحية “ليسستراتا” للكاتب
الإغريقي أرسطوفانيس (كتبها سنة 411 قبل الميلاد) التي تدور
أحداثها في أجواء الحرب بين أثينا وإسبرطة، وفيها تنجح الشخصية
الرئيسية ليسستراتا في إقناع النساء من الجانبين على الامتناع عن
معاشرة أزواجهن، إلى أن يقبل الرجال وقف النزاع المسلح في ما بينهم
وإنهاء الحرب.
سبايك لي يكشف الكثير من العنف بين السود، ويوجه إدانة مباشرة إلى
الحكومة الأميركية التي أهملت كثيرا أحياء السود
وليست هذه المرة الأولى التي تقتبس مسرحية “ليسستراتا” في السينما،
فأقرب الأفلام الذي اقتبس المسرحية إلى الذاكرة، هو الفيلم الفرنسي
“عين النسا” للمخرج رادو ميهائيلو، والذي صوّر في المغرب.
في “شي-راق” تتصارع عصابتان من الأشقياء السود للسيطرة على تجارة
المخدرات في شيكاغو، ويدور بينهما كثير من العنف والقتل وسفك
الدماء، حتى يصل الأمر بهما إلى إطلاق النار في الشوارع عشوائيا،
مما يتسبب في وقوع الكثير من الضحايا.
ويقوم سايكلوبس زعيم عصابة الطرواديين بحرق شقة غريمه ديمتريوس
زعيم عصابة الإسبرطيين، وهو أيضا مغني راب شهير، يطلقون عليه اسم
“شي-راق”. وديمتريوس هو صديق ليسستراتا التي تقيم معه. وهي تضطر
للانتقال للعيش في مسكن الآنسة هيلين المثقفة المولعة بقراءة
الكتب. وعندما تُقتل ذات يوم طفلة في السابعة من عمرها، تغضب
ليسستراتا وتبادر بالدعوة إلى اجتماع يضمّ النساء من الطرفين،
وتقنعهن بالإضراب عن ممارسة الجنس مع أزواجهن أو أصدقائهن إلى أن
يقبلوا جميعا وقف العنف وإلقاء السلاح.
وسرعان ما تنجح الفكرة في إذلال الرجال ولكنهم يقاومون الرضوخ لما
هو مطلوب منهم، وتنتقل الفكرة إلى بلدان كثيرة في العالم، ونرى
مشاهد لمظاهرات النساء في الدنمارك وأستراليا والبرازيل والهند
وإيران وباكستان وغيرها، فسبايك لي يرى أن المرأة هي الأكثر قدرة
على إحداث التغيير، وأن التغيير يجب أن يكون على مستوى العالم.
غير أن هذه الفكرة الجدية تُختزل في ما بعد ضمن مجموعة من
المبالغات الهزلية عندما يجعل سبايك لي ليسستراتا تقوم بإغواء قائد
المنشأة العسكرية في المدينة الذي يطلقون عليه الجنرال كنغ كونغ،
وتجعله يتجرد من ثيابه ويركب فوق مدفع تذكاري قديم من أيام الحرب
الأهلية، يتخذونه رمزا لانتصار الشمال على الجنوب (العنصري)، ويتخذ
هنا رمزا للانتصاب الجنسي، وتوثق يديه وتغطي عينيه بالعلم الأميركي
(الاتحادي)، ثم تستدعي باقي النساء لمشاهدة هذا المنظر الفاضح.
وتنجح النساء بالتالي في الاستيلاء على القاعدة العسكرية (في
مسرحية أرسطوفانيس تحتل النساء قلعة المدينة في الأكروبوليس).
وسرعان ما يلفت الأمر أنظار السلطات السياسية فيستنجد عمدة المدينة
برئيس الشرطة، ويشكو له في مشهد هزلي كيف اتصل به الرئيس الأميركي
ووبخه (باستخدام ألفاظ قذرة). لكن الشرطة تعجز وكذلك الجيش، عن
إقناع النساء بمغادرة المكان، وتهرع قنوات التلفزيون لتغطية الحدث
المثير، ثم يقع كثير من الكر والفر، مع كثير من المشاهد الغنائية
الراقصة التي يشارك فيها عدد كبير من الراقصين والراقصات، مع مزيج
من أغاني الراب. وبين حين وآخر، يظهر الراوية/ المعلق (بديل الكورس
اليوناني الشهير) الذي يؤدّي دوره الممثل الأسود صامويل جاكسون،
يخاطبنا بعباراته المسجوعة معلقا على الأحداث بأسلوبه الفكاهي
الساخر.
فيلم "شي-راق" تعليق ساخر يتضمن الكثير من المبالغات لإضفاء
الكوميديا على موضوع شديد الجدية في جوهره
الجانب الوعظي
وإذا كان كل من الجنرال وعمدة المدينة من البيض الأشرار، ينالان
الكثير من السخرية في الفيلم، فالشخصية الإيجابية الوحيدة لرجل
أبيض هي شخصية القس مايكل راعي كنيسة الحي الذي يقطنه السود. وهي
كنيسة مزينة بأيقونة لمسيح أسود. ويمثل الأب مايكل (الذي يقوم
بدوره ببراعة جون كوزاك) الجانب الروحاني، وهو يتضامن مع النساء
ولكن من منظور أخلاقي، ففي حين تستخدم النساء سلاح الجنس، يستخدم
هو سلاح الدين، ويدعو إلى ضرورة ترجيح الخير على الشر، واستدعاء
النوازع الطيبة في الإنسان، وتحفيز الناس على الفعل الإيجابي ووقف
تيار العنف المتفاقم والقتل المتبادل. ويلقي القس خطبة وعظية طويلة
في حشد من المصلين السود، تصبح هي النقطة الفاصلة في الفيلم. ولكن
سبايك لي لا يكتفي بذلك، بل يواصل تكرار الفكرة بل وتكرار الكلمات
والأفكار نفسها مرارا وتكرارا، ثم يضع على الشاشة كل ما يمكن أن
يكون مثيرا للمشاهدين: الراقصات المثيرات، أغاني الراب التي تعلق
على الوضع الاجتماعي بشكل انتقادي لاذع ومباشر، إقحام مشاهد الجنس
في فيلم محوره الرئيسي إضراب النساء عن ممارسة الجنس.
في مقطع طويل زائد عن حاجة الفيلم، ومن خلال مشاهد استرجاعية، فلاش
باك، يقصّ ديمتريوس على صديقته ليسستراتا، بعد أن يمارس معها الجنس
وتمتدح قدراته، قصة طفولته البائسة، وكيف كانت أمه تعاشر الرجال
أمام عينيه، وكيف أن عشيق أمه هو الذي قام بتعليمه الجنس.. وهو
مشهد يهبط كثيرا بإيقاع الفيلم.
يواصل لي ابتكاراته في المشهد الذي نرى فيه عمدة المدينة وغيره من
المسؤولين ينظمون منافسة بين الرجال والنساء في القاعة الرئيسية
للمنشأة العسكرية: فيصبح مطلوبا أن تتقدم امرأة لتضاجع رفيقها بعد
طول حرمان، ومن يصل منهما إلى ذروة اللذة أي “الأورغازم” أولا يخسر
قضيته. تتطوّع ليسستراتا بممارسة الجنس مع ديمتريوس أمام الجميع،
في فراش أحضر خصيصا للمناسبة. لكن المسألة تنتهي بالتعادل.
صحيح أن سبايك لي يكشف الكثير من العنف بين السود، وصحيح أنه يوجه
إدانة مباشرة إلى الحكومة الأميركية التي أهملت كثيرا أحياء السود،
ويعزو انتشار الجريمة إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بين السود،
لكنه يسوق هذه الأفكار كلها بشكل يصل إلى المباشرة الفجة، ومن خلال
دروس مباشرة وخطب وتعليقات، وتلاعب بالألفاظ يفتقر للقدرة على
الإضحاك، كما يوحي في نهاية الفيلم بأن الحل قد تحقق بعد أن يظهر
عمدة المدينة وهو يستعرض أمام الجميع، خطط إنشاء مستشفى ومساكن
جديدة في المنطقة، ويعد بخلق فرص عمل أمام السود. وهكذا يتحقق الحل
السعيد أخيرا.. ولكن على الشاشة بالطبع.
'الطريق إلى إسطنبول'
فيلم جزائري يحذر من انضمام الأبناء إلى داعش
منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، اختار العديد من المخرجين
السينمائيين منعرج الأوضاع الأمنية والإرهاب والتطرف من أجل طرق
أبواب كبريات المهرجانات العالمية. ومن بين الأفلام التي تناولت
هذه المواضيع فيلم “الطريق إلى اسطنبول”، للمخرج الجزائري رشيد
بوشارب، الذي يهدف من خلاله إلى تسليط الضوء على حنان الأم، مستغلا
مشاعرها من أجل تعرية وحشية الإرهاب العالمي، تماما كما تحكي القصة
التي تسرد حكاية أم وابنتها التي تقرّر الانضمام إلى تنظيم داعش
بمجرد بلوغها السن القانونية.
العرب/ برلين – يأمل المخرج الجزائري رشيد بوشارب أن يرفع فيلمه
الجديد الموسوم بـ“الطريق إلى اسطنبول” من درجة الوعي لما يحدث
للآباء عندما يرحل أبناؤهم للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في
سوريا. ويعرض الفيلم في قسم البانوراما بمهرجان برلين السينمائي
الدولي.
يشير بوشارب (62 عاما) إلى أنه تعمد أن تكون الأسرة التي تظهر في
الفيلم من خلفية غير إسلامية، وإلى أنه تأثر جدا بالآباء والأمهات
الذين أدركوا فجأة أن أبناءهم سافروا إلى سوريا أو العراق، كما
أبدى اهتماما بالبعد البشري لأب أو أم اكتشف كلاهما فجأة أمرا لم
يكن يتخيله على الإطلاق.
وتلعب الممثلة البلجيكية أستريد ويتنال دور أم عزباء تعيش في الريف
البلجيكي مع ابنتها إلودي (18 عاما) التي تقوم بدورها الممثلة
بولين برليت. القصة تبدأ عندما تتلقى الأم اتصالا هاتفيا من رجال
الشرطة يبلغونها بأن ابنتها الوحيدة إلودي، قرّرت الانضمام إلى
تنظيم ما يسمى بـ“الدولة الإسلامية”، ليصل بها الخبر إلى حالة من
الصدمة عجزت إثرها أن تجد تفسيرا لقرار ابنتها الخطير.
تعيش الأم إليزابيث حياة متقلبة بعدما تختفي ابنتها، وتكتشف بعد
ذلك أنها سافرت مع صديقها للانضمام إلى الدولة الإسلامية في سوريا،
حينئذ تعزم على السفر إلى سوريا، للبحث عن ابنتها وإقناعها بالعودة
إلى بلجيكا. يقول بوشارب “لم أختر أحدا من أصول أو ثقافة إسلامية.
لقد اخترت شخصية ليست لها صلة بالعالم أو الثقافة الإسلامية أو
العربية.
ويتابع “ما أثار اهتمامي كيف يكمن أن تعتنق فتاة بلجيكية تبلغ من
العمر 18 عاما الإسلام وتسافر إلى سوريا”.
فيلم ينقل مشاعر الآباء والأمهات الذين أدركوا فجأة أن أبناءهم
سافروا إلى سوريا أو العراق للانضمام إلى داعش
وتقول أستريد ويتنال إنها بتجسيدها شخصية إليزابيث أرادت أن تشعر
بمخاوف كل الآباء الذين يجدون أنفسهم في مثل هذا الموقف مضيفة “من
المفيد معرفة كيف تشعر هذه الأمهات وتقدير مشاعرهن”. وفي الفيلم
يقول مسؤولون لإليزابيث “لأن ابنتها بالغة فإنه لا يمكنها مساعدتها
وإعادتها إلى الوطن”.
ومن ثمّ تقرّر إليزابيث العثور على ابنتها بنفسها، لأن المرأة الأم
والتي تعيش وحدها لا تستسلم حتى تسترجع ابنتها، إنها امرأة مطلقة
وقد تخلت عنها السلطات رغم الألم الذي ألمّ بها، لكنها لا تيأس
وتحاول إقناع ابنتها بالعودة إليها. ويستمر الفيلم في طرح سؤال
واحد “هل يتحقق الحلم وتعود إلودي؟”.
ويضيف بوشارب “لهذا السبب أردت إخراج هذا الفيلم. فمنذ نحو عامين
كان أقارب هؤلاء الناس محرومين تماما، ولا يساعدهم أو يستمع إليهم
أحد. لقد حاولوا تنظيم مؤتمرات صحافية، وحاولوا تجميع أنفسهم حتى
يتم الاستماع لهم. ولهذا قلت لنفسي أقوم بهذا الفيلم حتى أفعل شيئا
لهؤلاء الأمهات والآباء الذين يبحثون عن أبنائهم”. |