توصيات سينمائية
فهد البتيري
أثار انتباهي في الآونة الأخيرة أمر معين تميز به الاجتماع
الذي أقامته الهيئة العامة للترفيه بحضور رئيسها معالي الأستاذ أحمد
الخطيب، وهو أن الحضور اقتصر على مستثمرين ومهتمين بقطاع الترفيه في
المملكة فقط، في حين أن الإعلاميين الذين ذهبوا لتغطية هذا الاجتماع وورشة
العمل المصاحبة له منعوا من الدخول.
قد يكون ذلك لرغبة الهيئة العامة للترفيه في التخطيط بعيدا
عن أي تغطية إعلامية لهذا الاجتماع قد تتسبب في تخييب الآمال أو رفع
التوقعات والحصول على أفكار ومقترحات من الحضور بعيدا عن أي تحفظات قد تنتج
عن هذه التغطية الإعلامية.
ومما أثار انتباهي كذلك هو أن أبرز المطالب في هذا الاجتماع
- وبحسب التصريحات الصحفية المقتضبة بعيد انتهائه - كانت السينما والحفلات
الموسيقية. ولأن الحفلات موضوعها يطول ويتشعب في تفاصيل لا علم لي بها ولا
خبرة، اسمحوا لي بالحديث عن موضوع السينما وصناعتها في المملكة بشكل مبسط
إلى حد ما.
لطالما كانت المطالبة بالسينما تواجه حملات شرسة من بعض
الذين يتهمونها باستهداف المنظومة الاجتماعية في المملكة دينيا وأخلاقيا،
مبررين ذلك بأن الاختلاط المحظور شرعا لا بد منه في حال إنشاء دور عرض
سينمائية، وأن الرقابة ستغيب عن المواد التي سيتم عرضها في صالاتها.
كثير من الدول المجاورة التي تشابه المملكة كثيرا في
تركيبتها الاجتماعية والدينية تمارس الرقابة على المواد المعروضة في
السينمات دون أن يخل ذلك بالعائد الاقتصادي للسينمات بشكل يتسبب في
خسارتها. يمكن كذلك إنشاء صالات سينما تناسب الضوابط المحلية تماما، كما
يتم ذلك مع المؤسسات والمطاعم العالمية عند افتتاح فروع لها في المملكة.
وإن كانت الهيئة جادة في دعم الفرص الاستثمارية الترفيهية، فإن السينما
ستكون إحدى أهم هذه الفرص، فهي ذات عائد اقتصادي مجز، بالإضافة لكون
الأعمال السينمائية المحلية خير سفير ثقافي وفني للمملكة.
أما فيما يتعلق بالدعم، فإن الموضوع لا يقتصر على إنشاء
صالات سينما ودور عرض تجارية، ولكن يشمل دعم الصناعة السينمائية في المملكة
بشكل عام، والتي ستساهم في الحركة الاقتصادية في المملكة بشكل مباشر،
بالإضافة إلى كونها سببا في استحداث العديد من الفرص الوظيفية المتنوعة.
دعم الصناعة السينمائية يجب أن يشمل مراحلها الثلاث: دعم
شركات الإنتاج، تنظيم الأعمال التصويرية، آلية التوزيع السينمائي.
في عام 1905م في الولايات المتحدة الأمريكية، تم استحداث
صالات عرض للمواد المرئية أطلق عليها
«Nickelodeons»
إشارة إلى سعر تذكرة الدخول والذي كان في ذلك الوقت خمس سنتات أو
«Nickel»
كما تسمى عملة الخمس سنتات بلغة الشارع الأمريكي.
وبالرغم من أن الأفلام في ذلك الوقت كانت صامتة بلا صوت،
إلا أن التكلفة المنخفضة لمشاهدة هذه الأفلام ساهمت في زيادة الإقبال
عليها، وهذا الإقبال نتج عنه زيادة العوائد المادية من الأعمال التصويرية
التي دعمت الصناعة وتطوير تقنياتها بشكل مباشر حتى تخطت مرحلة الأفلام
الصامتة إلى مرحلة الأفلام الناطقة في عشرينيات القرن الماضي.
والعروض في تلك الصالات لم تكن مقصورة على الأفلام الصامتة
- أو الناطقة - ولكن كانت تشمل بعض الأفلام التوعوية كذلك، خصوصا في فترة
الحرب العالمية الأولى وما بعدها. ولا يغيب على أي متابع للأفلام العالمية
كيف أصبحت «هوليوود» و«بوليوود» والسينما الأوروبية وغيرها نوافذ عالمية
تعكس ثقافة بلدانها التي نشأت منها دون أي تأثير خارجي.
ما لا يعلمه الكثير هو أن سبب بروز «هوليوود» كعاصمة
سينمائية وإنتاجية في الولايات المتحدة بشكل خاص - وفي العالم بشكل عام -
يعود إلى هيمنة شركة تدعى
«Motion Picture Patents Company» (شركة
براءات الاختراع السينمائية) وهي شركة أسسها توماس إديسون في الولايات
المتحدة في عام 1908م بالتعاون مع ملاك براءات اختراع لها علاقة بصناعة
الأعمال السينمائية، مثل إيستمان كوداك الذي كان يملك براءة اختراع تقنية
أشرطة الفيلم الفوتوجرافية التي كانت تستخدم في تصوير هذه الأعمال.
قامت هذه الشركة بالتضييق نظاميا على صناع الأعمال
السينمائية الأمريكية عن طريق فرض رسوم بناء على براءات الاختراعات التي
استحوذت عليها، فدفع ذلك شريحة كبيرة منهم للهروب بعيدا عن سلطة الشركة
النظامية إلى مدينة «هوليوود» بولاية كاليفورنيا، والتي ازدهرت كمقر لهم
حتى اضطر توماس إديسون ومن معه لإغلاق شركتهم بعد عشرة أعوام من تأسيسها.
هذه القصة تدفعنا للبحث عن أسباب اتجاه الأعمال السينمائية
السعودية للمشاركة في المهرجانات العالمية عوضا عن محاولة عرضها في
المهرجانات المحلية، وأسباب انتقال ثلاثة من أبرز الأعمال الدرامية
السعودية في شهر رمضان الماضي - «سيلفي» و«42 يوما» و«حارة الشيخ» - إلى
دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لتصوير حلقاتها. هل كان ذلك نتيجة
منغصات نظامية أم مجرد صدفة؟
دعم الصناعة السينمائية في المملكة لن يكون صعبا بتاتا في
ظل وجود جهود حثيثة لإرسائها وجعلها جزءا لا يتجزأ من اقتصاد المملكة. وهنا
بعض المقترحات المتعلقة بدعم مراحل الصناعة السينمائية الثلاث والمذكورة
آنفا:
-
تأسيس حاضنات لإنشاء شركات ومؤسسات إنتاج محلية على غرار حاضنات الشركات
الناشئة في أنحاء العالم.
-
استحداث لوائح لتنظيم الأعمال التصويرية في مناطق المملكة المختلفة وتعديل
الأنظمة سارية المفعول بالتعاون مع الجهات المعنية بشكل يتناسب مع متطلبات
العصر واحتياجات الصناعة حتى لا تصبح عائقا يحد من نموها في المستقبل.
-
دعم الأعمال السينمائية المحلية لتخفيض أسعار تذاكرها مقارنة بالأعمال التي
قد يتم استيرادها من الخارج، وذلك بهدف تشجيع مشاهدة المحتوى المحلي
وبالتالي دعم الشركات المحلية المنتجة له.
ما ذكرته ليس سوى رؤوس أقلام تحتاج إلى الكثير من التفصيل
والتخطيط للنهوض بهذه الصناعة التي من الممكن جدا أن تكون فاتحة خير على
كثير من شباب وشابات هذا الوطن في المستقبل القريب إلى جانب الفرص
الاستثمارية الأخرى في مجال الترفيه.
كيف يكون دعم الصناعة السينمائية؟
1 إنشاء
صالات سينما ودور عرض تجارية
2 تأسيس
حاضنات لإنشاء شركات ومؤسسات إنتاج محلية
3 وضع
آلية للتوزيع السينمائي
4 استحداث
لوائح لتنظيم الأعمال التصويرية في مناطق المملكة
5 دعم
الأعمال السينمائية المحلية لتخفيض أسعار تذاكرها |