فيلم «ليدي بيرد» للأمريكية غريتا غيرويغ…
رحلة تمرد صوب النضج
لندن ـ «القدس العربي» من نسرين سيد أحمد:
في فيلمها «ليدي بيرد» «Lady
Bird»
(2017)، وهو فيلمها الأول كمخرجة وهو أيضا من الأفلام المرشحة
للعديد من جوائز الأوسكار لهذا العام، من بينها أفضل فيلم وأفضل
مخرج، تقدم الممثلة الأمريكية الشابة غريتا غيرويغ فيلما يشبهها
كثيرا، فهي تغمره بروحها المتمردة وبحس دعابتها وبفهمها العميق
للمرأة.
«ليدي بيرد» فيلم أوتوبايوغرافي لحد بعيد، تحمل شخصيته الرئيسية
الكثير من ملامح شخصية غيرويغ، التي أخرجته وكتبت له السيناريو،
ولكن غيرويغ تتعمق في الخاص لتعبر به عن العام، فالفيلم يمثل رحلة
بطلته، والكثير من الفتيات، عبر سنوات المراهقة بتمردها وعبر البحث
في سنوات الصبا عن الذات وعن الهوية. رحلة فيها الكثير من الضحك
والصخب والدموع والصداقات الفاشلة والأصدقاء المخلصين أيضا، رحلة
مليئة بالتمرد على رموز السلطة في البيت والمدرسة، ولكنها في نهاية
المطاف رحلة من التمرد الذي يؤدي إلى النضج وفهم الحياة بصورة
أكبر.
لعلّ العلاقة الرئيسية التي تتناولها غيرويغ في الفيلم هي علاقة
الابنة بالأم، تلك العلاقة بما تحمله من تمرد وحب واقتداء وغضب في
آن. يبدأ الفيلم بمشهد يحدد لنا ملامح شخصية كريستين (سيرشا رونان،
في أداء متميز)، بطلة الفيلم المراهقة ذات السبعة عشر ربيعا التي
تمنح نفسها اسم ليدي بيرد، وعلاقتها بأمها.
في رحلة بالسيارة في بداية الفيلم تستمع الأم وابنتها لقراءة صوتية
لنص رواية «عناقيد الغضب» لجون شتاينبك، وتنتحب الأم والابنة من
فرط تأثرهما بالرواية. هما امرأتان يجمعهما حبهما المشترك للأدب
والقراءة وتجمعهما مشاعرهما العميقة. ولكن بعيد ذلك بثوان معدودات
نجد ليدي بيرد غاضبة، تشكو من حياتها التي تخلو من المشاعر الكبيرة
والتجارب العميقة، التي تعبر عنها الرواية ونجدها غاضبة من أمها
ومن العيش في مدينة ساكرامنتو في كاليفورنيا، تلك المدينة التي ترى
ليدي بيرد أنها رتيبة تخلو من الأحداث. ويتحول الانسجام في السيارة
إلى شجار بين الابنة والأم، تقرر ليدي بيرد بعده فتح باب السيارة
وهي تسير لتسقط مهشمة ذراعها، التي تبقى في جبيرة طوال مدة الفيلم
تقريبا. تسعى الصغيرة لإثبات وجودها ولكسر القيود حتى إن كان ذلك
يعني الألم والإصابة.
وكنوع من التأكيد على هويتها الذاتية ترفض ليدي بيرد أن تُنَادَى
بالاسم الذي منحه لها أبواها، وتصر على أن تُنادَى بليدي بيرد،
الاسم الذي منحته لنفسها والذي ترى أنه يعبر عن شخصيتها: «إنه اسمي
الذي منحته لنفسي»، هكذا تخبر الجميع في مدرستها الكاثوليكية
المتشددة.
لدى ليدي بيرد، الذي اصطبغ شعرها بالأحمر المتمرد مثلها، التي تسعى
لاغتراف تجارب الحياة اغترافا، حلم رئيسي وحيد: أن تُقبل في جامعة
كبرى في شرق الولايات
المتحدة، لاسيما في نيويورك، على بعد ساعات وساعات طيران من
كاليفورنيا ومن والديها. هي العاشقة للأدب، التي يشغلها تمردها عن
الاستذكار الجاد لتحقيق هذا الحلم، ولكنها رغم كل شيء تود فرد
جناحيها والتحليق بعيدا.
تخلق غيرويغ شخصية تمثلنا جميعا في صبانا، شخصية نحبها ونتـــماهى
معها ونفهمهـــا. نحب ذكاءها، نحب روحها المرحة التي تضــــرب عرض
الحائط بحساسيات بعض الكبار وتكشف نفاقهم. نفهم سعيها لأن «تكبر»
وأن تجرب الحب والسفر والاعتماد على الذات. بوجهها البريء الذي
يكسوه حب الشباب وبحبها المغلف بطبقة من التمرد لوالديها، ليدي
بيرد هي الفتيات جميعا في سني المراهقة. حوار الفيلم، الذي كتبته
غيرويغ، حوار ذكي ممتع، مضحك في كثير من لمحاته والتفاتاته.
بالطبع، كما هو الحال في سنوات المراهقة، يشغل الفتية والشباب
وعالمهم جزءا كبيرا من تفكير ليدي بيرد. تتعثر وتخطئ الاختيار
وتبتعد عن صديقة تحبها حقا، ولكنها تتعلم من أخطائها وتتلافاها في
نهاية المطاف.
في فيلمها الأول كمخرجة تسير غيرويغ بخطى واثقة وبصوت واضح وبرؤية
إخراجية
مميزة، فيلم يستحق الثناء النقدي الذي يحظى به ويعد بالكثير
مستقبلا. أداء متميز للغاية لسيرشا رونان في دور ليدي بيرد، أداء
يبقى في القلب بعد مشاهدتنا للفيلم. ينتهي الفيلم بالكثير من النضج
والتحقق لليدي بيرد وبالكثير من التفهم والنضج للمشاهد أيضا. رحلة
نتعلم فيها من تجارب المراهقة التي لا تخشى مواجهة العالم.
####
وثائقي «آخر الرجال في حلب» يعرض في إدلب السورية
بعد ترشيحه للأوسكار
إدلب (سوريا) أ ف ب:
عرض في مدينة إدلب السورية فيلم «آخر الرجال في حلب» المرشّح
لجائزة أوسكار، ويكرّم بمشاهده الحيّة وقصصه الحقيقية متطوعي
«الخوذ البيضاء» في خضم جحيم الحرب الذي عاشته حلب قبل سيطرة
القوات الحكومية عليها في العام 2016.
وعرض الفيلم الذي أنتجه «مركز حلب الإعلامي»، المؤلف من ناشطين
إعلاميين، في مدرّج كلية الطب في جامعة إدلب (شمال غرب)، بحضور
عشرات المشاهدين من رجال ونساء.
وهذا العرض هو الثاني الذي يقام في سوريا، إذ سبقه آخر في ريف حمص
(وسط) الشمالي، بحسب المركز الإعلامي الذي غادر أعضاؤه مدينتهم،
على غرار آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين تم اجلاؤهم من
شرق المدينة إثر معارك عنيفة وبموجب اتفاق قبل سيطرة قوات النظام
عليها بالكامل في كانون الأول/ديسمبر 2016.
توثيق للأجيال القادمة
وهذا الفيلم الذي أخرجه فراس فياض يروي قصصاً شخصية من خلال
متطوّعي الدفاع المدني في مناطق المعارضة «الخوذ البيضاء»، وهو سبق
أن نال مجموعة من الجوائز السينمائية، أبرزها جائزة لجنة التحكيم
في مهرجان ساندانس.
وهو ثمرة تعاون بين المخرج السوري فراس فياض وزميله الدنماركي سورن
ستين يسبرسن ومركز حلب الإعلامي.
ويعوّل البعض على هذا الفيلم لنقل مشاهد مما يجري في سوريا إلى
العالم ولتوثيق مرحلة من النزاع الذي بدأ بتظاهرات احتجاجية ضد
النظام ووجهت بقمع عنيف قبل أن تتحول إلى حرب مدمرّة.
وغيرت معركة حلب شكل الصراع في سوريا، إذ شكلت أكبر نكسة للفصائل
المعارضة وأكبر انتصارات قوات النظام.
ويقول فادي الحلبي أحد أعضاء «مركز حلب الإعلامي» بعد عرض الفيلم
«حاولنا أن نصل إلى الجمهور الغربي من هذا الفيلم .. وتوثيق ما
يجري للأجيال القادمة».
ويضيف «الوصول إلى الأوسكار حلم، لكن هذا ليس شيئاً أمام هدف أن
يتعاطف العالم مع القضية السورية».
وانعكست مشاهد الفيلم وفصوله بأشكال مختلفة على الحضور، بين الضحك
والبكاء، وأيضاً الصمت ولا سيما بعد تصويره مقتل أحد بطليه في قصف
جوي.
ويقول الحلبي «حين كان القصف يقع، كان الناس يهربون ما عدا عناصر
الدفاع المدني، كانوا يهرعون إلى موقع الخطر، كانوا أول الواصلين
وآخر المغادرين.. أردنا أن نعطيهم حقهم».
ولذا أطلق على الفيلم اسم «آخر الرجال في حلب».
ويقول محمد الشاغل وهو أيضاً من حلب إن الفيلم أعاده «إلى آخر
الأيام القاسية في مدينة حلب.. ذكرني بالكثير من الناس الذين ماتوا
أمامنا».
ويضيف هذا الشاب الذي عمل في مشفى ميداني «في حال حصل الفيلم على
الأوسكار سيكون ذلك تكريماً للإعلام الثوري في سوريا».
الحياة والموت في مشهد واحد
وإذا كانت مدن محافظة إدلب وقراها، مثل بنّش وسراقب وكفر نبل،
عُرفت بأنشطتها الثقافية والفنيّة من المسرح والجداريات واللوحات،
إلا أنها المرّة الأولى التي تشهد فيها مدينة إدلب حدثاً فنياً
مماثلاً.
وبعد بدء حركة الاحتجاج ضد النظام في 2011، وثق نشطاء بأعمال فنية
ومقاطع مصورة التظاهرات وقمع القوات الحكومية لها، قبل أن ينتقلوا
إلى تصوير الحياة اليومية في ظل النزاع المسلح من معارك وقصف
وحصار.
وكانت تلك الأعمال والمقاطع تظهر تشابه المأساة في مختلف المناطق
السورية.
ويقول علاء العبد الله مدير معهد الإعلام في جامعة إدلب «ما عاشه
أبطال الفيلم هو ما عاشه كل السوريين، التجربة متشابهة على الخريطة
السورية».
ويضيف «أكثر ما أثر فيّ هو المشهد الذي ينتشل فيه المسعف الضحايا
وهو يقول إنه سيحضر عرسا في اليوم نفسه…لقد اختُصرت حياة وموت هنا
في مشهد واحد». |