"ولدي"
فيلم تونسي يبحث عن مبرر للجهاد
فيلم يتناول قصة رجل يتقفى أثر ابنه الذي انتقل
للقتال في سوريا، والملل الذي قد يكون عاملا أساسيا للإقدام على
هذه الخطوة من دون إصدار أي أحكام.
كان (فرنسا) – بعد “نحبك هادي” الحائز على جائزتين
في مهرجان برلين السينمائي، وهما أفضل عمل أول والدب الفضي لأفضل
ممثل الذي تحصل عليه مجد مستورة، باتت الانتظارات كبيرة من المخرج
التونسي محمد بن عطية الذي لم يتأخر كثيرا في إنجاز فيلمه الثاني
“ولدي” والذي شارك به في قسم “نصف شهر المخرجين” بمهرجان كان
الحادي والسبعين.
يتناول فيلم “ولدي” (ابني) التونسي الذي عرض في
مهرجان كان في دورته الحادية والسبعين قصة رجل يتقفى أثر ابنه الذي
انتقل للقتال في سوريا، والملل الذي قد يكون عاملا أساسيا للإقدام
على هذه الخطوة من دون إصدار أي أحكام.
وقال المخرج محمد بن عطية “تونس هي أكبر بلد مصدر
للجهاديين، وكنت أفضل أن نُعرف بشيء آخر، لكنني لم أشأ أن أعرض
أسباب الانتقال إلى سوريا فأنا لا أملك المؤهلات والوسائل لذلك”.
ويشارك “ولدي” في فئة “نصف شهر المخرجين” في مهرجان
كان، وهو يتمحور حول رياض (محمد ظريف) والد سامي (زكرياء بن عايد)
الذي انتقل إلى سوريا قبل يومين عن خضوعه لامتحانات الشهادة
الثانوية العامة، حيث تزوج وأنجب طفلا على ما يظهر شريط صامت أرسله
إلى والديه، وقد فجر نفسه بعد ذلك في هجوم انتحاري.
ويبدأ الفيلم بوتيرة بطيئة عن الزوجين رياض
و”نازلي” (منى الماجري) اللذين يعيشان حياة مغلقة محورها ابنهما
الوحيد سامي، الذي يستعد لاجتياز امتحان الباكالوريا.
حياة بطيئة دون مفاجآت؛ الأم تتنقل باستمرار إلى
الشمال الغربي للبلاد التونسية، مدينة مكثر تحديدا أين تعمل مدرسة،
والأب يعمل سائق رافعة في ميناء بحري بتونس العاصمة، لا حياة سوى
ما يتعلق بسامي؛ مرافقته إلى الطبيب لعلاجه من الصداع النصفي الذي
يشكو منه، علاوة على زيارة طبيب نفسي لمساعدة الابن على تجاوز
الضغط النفسي قبل اجتياز امتحان الباكالوريا، وأيضا تكفل الأب بنقل
سامي إلى المعهد وإلى حفل أصدقائه وانتظاره للعودة إلى المنزل.
وفي المقابل تتغير حياة العائلة قليلا بإحالة الأب
على التقاعد، ولكنه يملأ حياته بالحديث عن ابنه والاهتمام بكل
شؤونه.
محمد بن عطية: لو كانت عائلة البطل مقيمة في باريس،
فسيكون الوضع على حاله
ودون مقدّمات ودون أي مؤشرات يقدّمها بناء الشخصيات
يغادر سامي البيت تاركا رسالة وجيزة: لقد سافر إلى سوريا، فهل
سيتغير الفيلم ويغيّر من نسقه ليصبح بوليسيا في مطاردة الابن
والبحث عنه بعد أن قرّر الأب بيع سيارته للسفر إلى تركيا ومنها إلى
سوريا؟
لا شيء تغير، فمحمد بن عطية لم ينجز فيلما عن
الشباب الذي اختار السفر إلى سوريا للجهاد، بل اختار المخرج أن
يصوّر حكاية عادية يحدث مثلها كل يوم، ولكن لا نعيرها اهتماما، لا
بطولات خارقة ولا منعرجات في سير الأحداث، أشخاص عاديون تماما. ولا
يهدف الفيلم إلى التنديد بأفعال الابن أو لفهم كيفية تحوّله إلى
جهادي متشدّد، إذ وحدها رسالة لم يرسلها إليه والده في نهاية
المطاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسمح بمعرفة رأيه بالجهاديين
الذين يعتبرهم “وحوشا”.
وفاز محمد بن عطية بجائزة أفضل أول فيلم طويل في
مهرجان برلين في العام 2016 عن “نحبك هادي”، وهي قصة حب وتحرّر
غداة الثورة التونسية، وهو يطرح في فيلمه الطويل الثاني هذا “الضيق
المشترك” الذي يجعل تونسيين وسويسريين وكنديين وفرنسيين ينتقلون
للقتال في سوريا.
وأكد المخرج أن عائلة سامي لا تشكو الخصاصة أو
التهميش، كي يتحوّل ابنها إلى إرهابي، حيث قال “لو كانت العائلة
مقيمة في باريس أو أي مكان آخر في العالم، فسيكون الوضع على حاله”.
وقال موضحا “ثمة بؤس ليس فقط روحيا بل هو عاطفي
بالمعنى العام، ليس هناك تعطش أيديولوجي بل عزم على تغيير نمط
الحياة هذا”.
واستقبل الفيلم في كان بحفاوة استثنائية، فقد صفق
النقاد وصناع السينما ومحبوها طويلا للفيلم بعد نهاية عرضه، ولم
تتجاوز التدخلات خلال النقاش مع الجمهور حدود توجيه الشكر للمشرفين
على “نصف شهر المخرجين” لاختيارهم للفيلم وتحية صناعه.
ومثل “نحبك هادي”، يتحمل الممثلون أعباء الفيلم
وأداؤهم يشي بحسن اختيارهم وإدارتهم أيضا، ومع ذلك فقد أكد محمد بن
عطية أن الكاستينغ كان سهلا في وجود مساعد مخرج مثل حسن دلدول الذي
اقترح عليه محمد الظريف وكان اختياره موفقا جدا، وهذا الممثل الذي
قدّم أعمالا إذاعية في إذاعة المنستير، وله مشاركات أخرى في
التلفزيون أهمها سلسلة “ابحث معنا”، إضافة إلى ظهوره في فيلم
“السد” للمخرج النوري بوزيد، كان أداؤه متقنا وقد حظي بتصفيق حار
من الحاضرين بعد نهاية عرض الفيلم.
أما منى الماجري فهي والدة الممثل مجد مستورة (بطل
فيلم نحبك هادي) التي لم يسبق لها التمثيل، ولكنها تجاوزت اختبارها
الأول بنجاح، فمنحها محمد بن عطية فرصة ثانية في “ولدي”، فأجادت
تشخيص دور الأم الملتاعة دون الكثير من الثرثرة.
####
الجاسوسية والجريمة والعنصرية في كان
المخرج الأميركي سبايك لي ينتقد سياسات ترامب عبر
فيلمه الساخر "بلاك كلانزمان"، والمخرج الدنماركي فون ترير يعود
بدم بارد.
كان (فرنسا) – لم يخل مهرجان كان السينمائي في
دورته الحادية والسبعين من الحديث عن السياسة والسياسيين، فتطرق
إلى أزمة الكوريتين عبر فيلم “ذا سباي غون نورث”، كما انتقد المخرج
الأميركي سبايك لي سياسات ترامب عبر فيلمه الساخر “بلاك كلانزمان”،
أما مفاجأة المهرجان الكبرى فتمثلت في عودة المخرج الدنماركي لارس
فون ترير إلى كان بعد غياب دام سبع سنوات.
اجتمعت العنصرية والجريمة والجاسوسية في مهرجان كان
الحالي، لتكون الأولى موضوع الفيلم الجديد للمخرج الأميركي سبايك
لي العائد للمنافسة على سعفة كان بفيلمه “بلاك كلانزمان”، بعد غياب
استمر ثلاثة عقود.
أما الجريمة فتحضر وبدم بارد في كان من خلال فيلم
“المنزل الذي بناه جاك”، للمخرج الدنماركي المثير للجدل لارس فون
ترير، في حين تحضر الجاسوسية
وبقوة في فيلم المخرج الكوري الجنوبي يون جونغ بين
والمعنون بـ”ذا سباي غون نورث”. والأفلام الثلاثة مقتبسة عن قصص
حقيقية وقعت لأبطالها في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي.
ويقول المخرج الأميركي سبايك لي إن أحداث فيلمه
الساخر “بلاك كلانزمان” ربما تدور عن حركة “كو كلوكس كلان” في
السبعينات، لكنه يتناول في حقيقة الأمر العنصرية المميتة التي لا
تزال سائدة في الولايات المتحدة.
وفيلم “بلاك كلانزمان”، مقتبس عن القصة الحقيقية
لرون ستالوورث، وهو ضابط شرطة أسود اخترق حركة كيه.كيه.كيه في
كولورادو سبرينجز، ويعرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي
وهو من بطولة جون ديفيد واشنطن ابن الممثل دنزل واشنطن، وآدم
درايفر الذي يلعب دور الشرطي الأبيض الذي يساعد ستالوورث في مخططه.
وفي نهاية الفيلم عرضت لقطات إخبارية لمسيرة لليمين
المتطرف في تشارلوتسفيل بفرجينيا في أغسطس 2017، والتي قتلت خلالها
المتظاهرة المعارضة هيذر هاير ولقطات للرئيس دونالد ترامب وهو يلوم
“الطرفين” في أحداث العنف.
الأفلام الثلاثة مقتبسة عن قصص حقيقية وقعت
لأبطالها في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي
واستغل لي مؤتمرا صحافيا في مهرجان كان للتعبير عن
رأيه في تلك المسألة، وقال إن ترامب “كانت لديه فرصة ليقول نحن
نؤيد الحب لا الكراهية”. وأضاف “كانت لحظة حاسمة وكان بوسعه أن
يقول للعالم وليس الولايات المتحدة إننا أفضل من ذلك”.
وبعد واقعة تشارلوتسفيل بيومين قال ترامب إن حركة
كيه.كيه.كيه “تمقت كل شيء نعتز به كأميركيين”، لكن بالنسبة للي جاء
هذا الرد بعد فوات الأوان.
ويقول لي “هذا الفيلم بالنسبة إلي صرخة تحذير.. لا
يهمني ما يقوله النقاد أو أي شخص آخر، نحن على الجانب الصائب من
التاريخ بهذا الفيلم”.
ويمثل الفيلم عودة لي إلى مهرجان كان بعد غياب
استمر 30 عاما، وكان آخر فيلم عرض له في المهرجان “هو دو ذا رايت
ثينغ”، الذي كان ينافس على السعفة الذهبية ولم يفز بها، وينافس
“بلاك كلانزمان” على السعفة هذا العام والتي ستسلم في الـ19 من
مايو الجاري.
وبعد سبعة أعوام من منعه من المشاركة في مهرجان كان
السينمائي بسبب قوله مازحا إنه نازي، عاد المخرج الدنماركي لارس
فون ترير إلى كان بمشاهد رعب مروعة جديدة تسببت في انسحاب جماعي من
العرض الأول لفيلمه بالمهرجان.
وقد حذر فون ترير، في الفترة التي سبقت عرض فيلمه
“ذا هاوس ذات جاك بيلت” (المنزل الذي بناه جاك)، من أن الفيلم لا
يصلح لمشاهدة أصحاب القلوب الضعيفة.
ويشمل الفيلم مشاهد دموية حادة ويجسد دور سفاح في
سبعينات القرن الماضي، وقد تأثرت مجموعة من النقاد أثناء عرض
الفيلم الثلاثاء.
وقد قوبل فون ترير (62 عاما) بحفاوة بالغة عندما
وصل إلى العرض الافتتاحي الرسمي الاثنين، لكن الذين حضروا عرض
الفيلم قدّروا أن نحو 100 شخص قد خرجوا من دار السينما بسبب
المجزرة التي ارتكبها جاك بطل الفيلم وطموحه لتحويل الجريمة إلى
شكل من أشكال الفن عبر الشاشة.
سبايك لي: الفيلم بالنسبة إلي صرخة تحذير.. وترامب
كانت لديه فرصة ليقول نحن نؤيد الحب لا الكراهية
ويقوم بدور البطولة في الفيلم الممثل مات ديلون في
دور جاك، الذي يملك ابتسامة قاتلة بينما كان يخنق ويطعن ويشوّه
ويطلق النار على ضحاياه قبل تجميع جثثهم في غرفة تجميد صغيرة.
ولا يخلو فيلم ذا سباي غون نورث، الذي يدور حول قصة
كوري جنوبي يتسلل إلى كوريا الشمالية في التسعينات من المفاجآت
أيضا، لكن الفيلم قد يجد صعوبة في منافسة الواقع فيما تكتسب
المساعي لحل الأزمة النووية أبعادا حقيقية من التشويق.
وجرى تصوير فيلم التجسس بين يناير ويوليو 2017 في
الوقت الذي كان يأمر فيه زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بإجراء
سلسلة من التجارب الصاروخية والنووية، الأمر الذي أثار قلق جيرانه
والإدارة الأميركية الجديدة.
ومنذ ذلك الحين هدأت الأوضاع، وعرض الفيلم في
مهرجان كان السينمائي الدولي قبل أيام من إجراء محادثات رفيعة
المستوى بين الشمال والجنوب لبحث نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة
الكورية، لكن الشمال ألغى المحادثات قبل ساعات من الموعد المقرّر
لعقدها الأربعاء، شاكيا من أن الولايات المتحدة تضغط عليه لنزع
السلاح النووي “على غرار ليبيا”.
والسيناريو مقتبس عن مذكرات شخصية للجاسوس الكوري
الجنوبي باك سوك يونغ المعروف باسم “فينوس الأسود”، والذي انتحل
شخصية رجل أعمال ليتسلل إلى الشمال ويحصل على معلومات بشأن برنامجه
النووي.
وبالنسبة لطاقم العمل الكوري الجنوبي في الفيلم لم
تكن الأحداث الراهنة بعيدة عن أذهانهم، وقال الممثل لي سونغ مين
الذي يلعب دور مساعد للزعيم الكوري الشمالي السابق كيم يونغ إيل
“عندما قرأت السيناريو للمرة الأولى قلت للمخرج مازحا هل من الممكن
حقا إنتاج هذا الفيلم؟”.
وقال في مقابلة قبل إلغاء محادثات الأربعاء “منذ
ذلك الحين تحسنت العلاقات، لكن إذا ظلت التوترات على حالها فإن هذا
الفيلم قد يسبب مشكلة”.
وعبر هوانغ جونغ مين الذي يلعب دور الجاسوس عن أمله
في أن يساعد الفيلم المتفرجين الأجانب على فهم التاريخ
الكوري، وكيف أنه لا يوجد أي شيء مضحك في ألعاب
الحرب السياسية ولا توجد حاجة لها. وعندما سئل إن كان يعتقد أن كيم
سيشاهد هذا الفيلم قال المخرج يون جونغ بين “سيكون ذلك أمرا لطيفا”.
ويستمر مهرجان كان حتى 19 مايو الجاري، وهو الذي
افتتح في الثامن منه عبر فيلم “الكلّ يعلم” للمخرج الإيراني أصغر
فرهادي الذي صوّر بالإسبانية مع بينيلوبي كروز وخافيير بارديم.
وبدوره، مرشح فيلم الافتتاح لجائزة السعفة الذهبية،
وهي ليست المرة الأولى التي يشارك فيها الفيلم الافتتاحي في السباق
على الجائزة الكبرى، فقد كانت الحال كذلك مثلا مع “مونرايز
كينغدوم” للأميركي ويس أندرسون سنة 2012 و”بيسيك إنستكنت” للهولندي
بول فيرهوفن سنة 1992. |