علياء طلعت تكتب:
أفلام في الأوسكار
(5).. The Heiresses
انتهى الموعد النهائي لتقديم أفلام أوسكار أفضل فيلم أجنبي،
والتي يجب أن تكون عُرضت في الفترة ما بين الأول من أكتوبر عام 2017 و30
سبتمبر 2018، وهذه السلسلة ستضم مجموعة من أهم الأفلام التي قدمتها بلادها
لتدخل القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار، تلك القائمة التي سيتم اختصارها
بعد إعلان ترشيحات الأوسكار في بداية 2019.
الوريثات
“The Heiresses”،
الفيلم الذي اختارته بارجواي ليمثلها في الأوسكار الـ 91 لعام 2019، وعُرض
لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي لتفوز بطلته آنا برون بجائزة التمثيل،
ثم يُعرض بمهرجان الجونة السينمائي لعام 2018 ويحظى باهتمام كبير من
المشاهدين خاصة في المؤتمر الصحفي بعد العرض واللقاء مع مخرج الفيلم
مارشيللو مارتينسي وبطلتا العمل.
لا يوجد وقت متأخر لبدء الحياة:
تبدأ أحداث الفيلم بالخسارة، فبطلتاه شيكيتا وشيلاه يبيعان
أثاث منزلهما ومقتنياتهما الثمينة لسداد ديون متأخرة، سيدتان تعديتا الشباب
بسنوات، عاشتا سويًا لمدة ثلاثون عامًا، من الطبقة المخملية، لم يعملا طيلة
حياتهما، أحدهما شيكيتا الأقوى شخصية في العلاقة، من تأخذ القرارات، وتقود
السيارة، وتحمي الطرف الأكثر رهافة من إزعاجات الحياة، تضعها في فقاعة
وهمية تنفجر عندما يصبح على الأولى الذهاب للسجن.
شيلا تبدو في نهايات الخمسينات على الأقل، ولكنها تعيش حياة
الفتاة العشرينية، وهو العمر الذي بدأت فيه قصتها مع شيكيتا، فمنذ هذه
اللحظة بدأت وانتهت حياتها، فظلت محبوسة في هذه العلاقة التي وفرت لها كل
احتياجتها من محبة واهتمام وعناية بكل التفاصيل، لكن لم تعطي لها الفرصة
لتنضج وتتعرف على واقع الحياة.
في إحدى المشاهد تدرب شيكيتا الخادمة الجديدة على كيفية
العناية بشيلا بعد غيابها، كيف تدللها وتعاملها كطفلة صغيرة، وتجعل
احتياجاتها دومًا في متناول يدها، ثم تترك كل شيء وتذهب للسجن لتتأقلم بعد
أيام معدودة وتتركها الكاميرا وتبدأ في تتبع الطرف الأكثر ضعفًا لكن الأقوى
دراما.
ويطرح الفيلم سؤالًا هل هناك عمر متأخر لا يمكن أن تبدء من
بعده الحياة؟ وهل بعدما خرجت شيلا من القوقعة يمكن أن تعود لها مرة أخرى
صاغرة؟
أداء أول لكن أفضل من الكثير من المحترفين:
يحمل الفيلم الكثير من كلمة لأول مرة، فهو الفيلم الروائي
الأول لمخرجه مارشيللو ماتينسي، والمرة الأولى التي تقف بطلته آنا برون
أمام الكاميرا، وهو الفيلم الثاني لبطلته الأخرى مارجريتا أيرون، وكل من
الثلاثي كان مبهرًا في مجاله.
فآنا برون أو شيلا قدمت أداء مبهر لهذه الشخصية المعقدة
التي تتعرف على العالم بشخصية فتاة مراهقة، وجسد امرأة كهلة، خوف وحيرة
وقلق دائمين بداخلها، واستطاعت أن تخرج كل انفعال سواء على ملامح وجهها أو
حركات جسدها ببراعة شديدة ودون ميلودرامية أو ابتذال، وفي الحدود المطلوبة،
ولم يساعدها في ذلك نص أو حوار لأن السيناريو الخاص بالفيلم والذي كتبه
مخرجه كذلك لم يعتمد على الكثير من الكلمات في تقديم فكرته، بل كانت الصورة
مع أداء البطلتان هما محركا الأحداث الحقيقين.
مارشيللو ماتينسي يلعب في منطقة خارج الحدود:
اختار مخرج الفيلم ومؤلفه موضوعًا يبدو من الخارج شائكًا
جاذبًا للأنظار مثيرًا للجدل، ولكنه لم يرغب في كل هذه الضجة والإثارة، بل
اختار من هذا الموضوع خيطًا واحدًا مليئًا بالشاعرية والحساسية.
فبطلتا الفيلم مثليتان، تعيشان معًا منذ ثلاثون عامًا أي
منذ الثمانينات مثلًا، أي شخص يقرأ هذا السطر سيظن أن الفيلم سيسلط الضوء
على انعكاس هذه العلاقة على المجتمع في فترة لم تكن العلاقات المثلية حتى
في أكثر الدول تفتحًا تؤخذ بسهولة أو يتم التعامل معها بسلاسة، أو المعوقات
التي بالتأكيد تعرضت لها هاتان السيدات حتى يفرضا على من حولهما التعامل
معهما كوحدة واحدة.
أدار المخرج ظهره لكل هذا، وبدأ قصته من الأزمة التي وقعت
فيها البطلتان، ففي النهاية شيلا امرأة قضت حياتها في علاقة كانت مختبئة في
ظلالها، سواء كان الطرف الآخر ذكر أم أنثى تلك نقطة جانبية.
رحلة البطلة المتآخرة، واعتمادها على نفسها، وطريقة تعاملها مع التحديات
المختلفة، وتعرفها على أنواع أخرى من البشر، بل عملها لكسب عيشها بشكل ما،
ورد فعلها لغياب الشريكة، تلك هي النقاط الرئيسية التي نقلتها كاميرا
مارشيللو ماتينسي.
شاعرية الصورة:
اعتمد الفيلم باليته ألوان هادئة أقرب للدفء طوال الأحداث،
بما يليق مع موضوعه الحميمي والبسيط، بينما أخذت الكثير من اللقطات من
مسافات قريبة من البطلة، زيادة في التماهي مع مشاعرها وكذلك لإشعار المشاهد
بعدم الراحة النفسية والجسدية التي تتعرض له وهي تخرج للعالم لأول مرة
رغمًا عن إرادتها، وشعورها المضطرب اتجاه جسدها الذي تغير كثيرًا ما كانت
معتقدة وهي التي ترى نفسها لازالت كما كانت عندما تعرفت على شيكيتا لأول
مرة، فهل تستطيع بهذا الجسد الممتلئ دهونًا وتجاعيد البدء من جديد؟
الوريثات واحد من أجمل أفلام 2018 وأكثرها رقة وشاعرية، قدم
قصة بسيطة شاهدناها كثيرًا عن الخروج للحياة للمرة الأولى، ولكن من وجهة
نظر وفترة عمرية مختلفة. |