تخطو نحو «الأوسكار» بأحدث أفلامها
نادين لبكي: لا أفكر كثيراً في موضوع الجوائز
محمد رُضا
يصل فيلم نادين لبكي الروائي الطويل الثالث «كفرناحوم» إلى
مركز متألق في عداد الأفلام المنافسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وتتصاعد
الغبطة بين عدد كبير من السينمائيين العرب كونه، وكما ذُكر مراراً، انتصار
فيلم لبناني الهوية، وانتصار المخرجات العربيات كون لبكي هي أول مخرجة
سينمائية تدخل القائمة النهائية لترشيحات هذا الأوسكار.
هذه حقيقة واضحة. لم يسبق لأي مخرجة عربية أن حققت هذه
الخطوة بفضل فيلم لها. بذلك تصبح لبكي بالفعل أول سينمائية أنثى تصل إلى
الخواتم في هذه المسابقة كما كانت وصلت إلى خواتم ترشيحات الجولدن جلوبز
قبل نحو شهر. هذا يحدث في فترة ترتفع فيها نسبة المخرجات العربيات العاملات
في السينما القادمات من الإمارات والسعودية ومصر والجزائر وتونس والمغرب
ومن بين دول أخرى.
لبنانية الفيلم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يحدث بين
أعضاء الأكاديمية التي تنتخب الأفلام الساعية للفوز. هذا الفيلم (بالطريقة
المصنوع بها) كان يمكن أن يكون من جواتيمالا أو من ماليزيا أو من المكسيك
وكان سيجد هذا الاهتمام. هذا لأن موضوعه يمكن أن يقع، بالطريقة التي صور
بها، في أي مجتمع يعاني وجود مهاجرين وبنية تحتية فقيرة.
فيلم نادين لبكي دراما لحياة مدقعة لا يمكن الوثوق بوقائعها
تنضوي على طفل يتصرف سنوات أكبر من قدرته على التفكير والتصرف تضعه المخرجة
في أزمة جديدة بعد تركه البيت وهجرته الداخلية إلى مأوى آخر في مخيم ما.
هناك يلتقي بعاملة إفريقية لديها طفل رضيع تمنح الولد بيتاً ثم تترك طفلها
تحت رعايته ليوم لا تعود في نهايته.
فيلم يستغل بعض ما هو واقع (مهاجرون، فقر، بيئة غير صحية،
عائلة سيئة المعشر) لينقل ما هو غير حقيقي. المفاد الذي يحمله هو أن هذه
العائلات (المسلمة) تنجب أكثر مما ينبغي وأن الفقر الذي تعيش فيه هو عدوها
وليس أسباب الفقر بحد ذاته.
هذا كله كان في البال عند اللقاء بلبكي ضمن سلسلة المقابلات
التي تتيحها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» لأعضائها في أحد فنادق الدرجة
الأولى في لوس أنجليس.
*
ما هو الدافع الذي حذا بك لتحقيق هذا الفيلم؟
-
أعتقد أن تعاطفي مع هذا الواقع موجود في الفيلم بوضوح. هو موجود في الواقع
أيضاً وكل ما عليك كمخرج أن تجذب الانتباه إليه وأنا مؤمنة بقوّة السينما
في هذا الشأن. في بعض الأحيان تسمع أو ترى أخباراً وتتفهم ما يحدث لكنه فهم
عام وليس فهماً محدداً. وأعتقد أنه عندما تمنح الأمر وجهاً إنسانياً تمنح
المعاناة وجهاً. يقودك الأمر إلى تغيير المفهوم السابق والاقتراب من
الواقع. وذلك لا يتم إلا عبر التعاطف مع ما تعرضه. هذا ما لا يحدث لمجرد
مشاهدة الواقع معروضاً كخبر.
*
النظرة المطروحة على المجتمع اللبناني سلبية باستثناء أن هناك نخبة من
المجتمع، مثل المحامية التي تؤدي دورها والقاضي والأمن العام يتفهمون الوضع
الذي مرّ به الطفل زين ويساعدونه ويساعدون اللاجئة الآتية من إفريقيا للعمل
في لبنان. هذه الصورة جميلة. لكن كل ما عداها (وهو الغالب) سلبي...
-
لا أوافقك الرأي لأكثر من سبب. «كفرناحوم» عن واقع عليّ أن أتصدى له وأطرحه
وأناقشه.إن لم يكن فيه ما يثير النقاش فهو ليس ضرورياً. ثم ما عرضته في
الفيلم يحدث. إنه ليس أمراً مختلقاً. لقد قمنا، خلال فترة البحث، بمقابلة
أولاد كثيرين. تحدثنا إلى أولاد واجهوا حالات تجاهل قصوى. أتحدث عن اغتصاب
واعتداء وسوء معاملة. أطفال كانوا يتعرضون للضرب كل يوم.
*
ما هو السؤال الذي كان محور حديثك مع هؤلاء الأولاد؟
-
كان لدي سؤال واحد أنهي به كل مقابلة: هل أنت سعيد أنك حي؟ وكان الجواب في
الغالب وللأسف لا. لست سعيداً بأني حي. أتمنى لو كنت ميتاً. لا أعرف لماذا
أنا في هذه الحياة. لا أعرف ما هو مصيري. لذلك أؤكد أن هؤلاء كانت لديهم
الكثير من الحكمة والدراية بما يمرون به. يدركون الفرق بين الصحيح والخطأ
وأن ما يحدث لهم ليس صحيحاً. وزين كان أحدهم. كان يخبرنا أشياء لا نصدق أن
أحداً بعمره يمكن له أن يعرفها.
*
لكن ما نراه على الشاشة يبدو لي مجرد استعراض لحالة من دون ولوج العمق
الاجتماعي والسياسي له. لا أقصد أن يأتي الفيلم سياسياً، لكن لمثل هذا
«الواقع» الذي تعرضينه مسببات مخفية. ما نراه هو نقد لحياة الفقر من دون
تولي مسبباته.
-
هل عليّ أن أسرد هذه الحكاية وحكايات أخرى؟ المسببات ليست من اهتمامات
الفيلم. الحكاية التي يسردها عن زين هي الموضوع لذلك لن ترى هنا أي توغل في
أي شيء آخر. كذلك فإن الشكل الذي اخترته هو شكل التسجيلي وهذا له شروطه.
الهدف كان متابعة الصبي زين وما يحدث معه وليس التوسع في مجالات أخرى.
*
تؤدين دور المحامية في «كفرناحوم». لماذا قررت أن تؤدي
الدور بنفسك ؟
-
كان هذا قراراً صعباً في الواقع.
*
لماذا؟
-
لأني كنت أفكر فيه من دون أن أدري إذا ما كان قيامي بتمثيل الدور هو فعل
صحيح أم لا. هذا التردد كان نتيجة أنه كان بالإمكان إسناد الدور لممثلة
أخرى، لكنني من ناحية ثانية كنت أرى أنه يناسبني لأني قمت بالبحث الميداني
خلال التحضير وأصبحت على دراية كبيرة بما هو حاصل.
*
هل حذفت مشاهد قمت بتمثيلها؟
-
نعم. صوّرت أكثر مما عرضت. كان هناك الكثير من المشاهد التي استغنيت عنها
لأني شعرت بأني «كذبة صغيرة» حيال الواقع الذي أعرضه.
*
هذا ما يعيدني إلى موضوع أن هناك واقعاً ميؤوساً منه يصيب كل الشخصيات
الدنيا وآخر نخبوي. والذي يراه ناقد عربي مثلي هو أن الشخصيات السلبية
تنتمي إلى طائفة معينة والنخبة التي يتم على يديها الإنقاذ تنتمي إلى نخبة
أخرى. لا أمل للفريق الأول إلا عبر الفريق الثاني...
-
لا يجب أن نفكر في هذه الطريقة.
*
هذا ما يعكسه الفيلم. الفيلم هو مصدر التفكير.
-
ما يعكسه الفيلم هو أن هناك واقعاً معاشاً أصاب وما يزال يصيب المهاجرين
السوريين وهم بطبيعة الحال غير مثقفين ولديهم مشاكلهم الاجتماعية ووضعهم
المعيشي الصعب الذي يريد زين الهروب منه وهذا ما يقوم به.
*
رغم ملاحظاتي أتمنى لك النجاح. سيكون نيلك للأوسكار أمراً
بالغ الأهمية في لبنان وفي العالم العربي. هل تفكرين كثيراً في هذا
الموضوع؟
-
أنا إنسانة واقعية. أتمنى بالطبع أن أحصل على جولدن جلوبز والأوسكار، وأي
جائزة ذات قيمة مهمة كهاتين الجائزتين، لكن هناك أفلام رائعة أخرى وعلي أن
أنتظر النتيجة. لكني أتحاشى التفكير بهذا كثيراً.
*
خلال مسيرتك، وخصوصاً خلال هذا النجاح الذي تشهدينه من خلال
«كفرناحوم» هل عرض عليك البقاء والعمل خارج لبنان؟
-
بالتأكيد.
*
هل قبلت؟
-
لا.
*
لماذا؟
-
أريد أن أكون صادقة مع ثقافتي وصادقة مع ما أعرفه. وإذا لم أجد مشروع فيلم
من خارج هذه الثقافة يمكن له أن يتحدث معي ويهمني كموضوع فإني لن أكترث
لتحقيقه مهما كانت المغريات.
الولد المهاجر
تقول نادين لبكي: «كفرناحوم» دراما اجتماعيه عن ولد مهاجر
في نحو العاشرة من عمره يترك بيت والديه الضاج بالصراخ والشتائم ويجد
ملاذاً في بيت مهاجرة إفريقية من العاملين في لبنان. هذه لديها طفل صغير
سيساعدها على رعايته. وفي أحد الأيام تخرج من الكوخ الذي تعيش فيه ولا تعد
فيجد الصبي نفسه مسؤولاً عن الطفل ما يفرض مرحلة جديدة من مراحل أزمة
وجوده. الآن على الولد أن يسعى للعناية بالطفل والمخرجة ترسم صورة عاطفية
وإعلامية بديعة لهذا الوضع قبل أن يقبل الولد بيع الطفل لمن سيبيعه بدوره
إلى عائلة محرومة. |