معركة تكسير العظام تنتظر «كفرناحوم» في سباق الأفلام
الأجنبية
بعد أن دخل نطاق الأفلام الخمسة المتسابقة للاستحواذ على
جائزة «غولدن غلوبس» كأفضل فيلم أجنبي في السابع من الشهر المقبل، اجتاز
«كفرناحوم» مرحلة صعبة أولى بدخوله قائمة الترشيحات لجائزة الـ«أوسكار» في
الشهر الثاني من العام المقبل. ليست القائمة النهائية، بل قائمة رسمية
تحتوي على تسعة أفلام سيتم اختيار خمسة منها نتيجة تصويت أعضاء الأكاديمية.
بدورها، هي مرحلة صعبة أخرى، فخلاصة الأفلام الأجنبية التي
تم ترشيحها لـ«أوسكار» السنة المقبلة والتي قاربت على الثمانين فيلماً، هي
تلك الأفلام التسعة التي نالت أعلى قدر من الأصوات في لجنة هذه المسابقة.
وهي لجنة تضم عشرات الأعضاء شاهدوا كل تلك الأفلام وصوّتوا لصالح ما رأوه
الأكثر جدارة. وهم يحوّلون ما توصلوا إليه (أي هذه الأفلام التسعة) إلى كل
الأعضاء المنتمين إلى هذا الجسد العريق.
هنا سيدخل «كفرناحوم» والأفلام الثمانية الأخرى معه معركة
كسر عظم إذا أخذنا في الحسبان أهمية وجودة الأفلام المنافسة وهي:
> «طيور
الممر» لكرستينا غاليغو وسيرو غويرا (كولومبيا).
> «المذنب»
لغوستاف مولر (دنمارك).
> «لا
تنظر بعيداً مطلقاً» لفلوريان ڤون دونرزمارك (ألمانيا).
> «نشالو
المحال» لهيروزاكو كوري - إيدا (اليابان).
> «روما»
لألفونسو كوارون (مكسيك).
> «آيكا»
لسيرغي دفورتسفوي (كازاخستان).
> «حرب
باردة» لبافل بافليكوفسكي (بولندا).
> «محترق»
لتشانغ دونغ - لي (كوريا الجنوبية).
-
أفلام عائلية
كل واحد من هذه الأفلام يمسك ناصية موضوع مختلف فنياً جدير
بدخوله الترشيحات المذكورة إن لم يكن كسب الجائزة المرموقة. «طيور الممر»
هو عن كيف غيّـرت الحياة العصرية أحوال قبيلة من هنود كولومبيا ودمّرت أجمل
وأعرق ما كان لديهم من عادات وتقاليد وذلك منذ أن بدأ بعضهم التعامل مع
تجارة المخدرات سعياً للربح.
«المذنب»
حول امرأة تطلب النجدة من شرطي سابق تم تخفيض وظيفته إلى عامل سنترال في
الدائرة. لن نرى المرأة لكننا سنعرف مشكلتها وسنراقب بطل الفيلم وهو يحاول
إنقاذها. تشويق فعال قلّما نجد نوعه من الأفلام داخل ترشيحات الـ«أوسكار».
بدوره يسرد «لا تنظر بعيداً مطلقاً» حالة رجل يعاني من
ذكريات صباه حين نشأ أيام النازية، ثم تحت سطوة النظام الشيوعي في ألمانيا
الشرقية التي هرب منها إلى الجزء الغربي من دون التخلي عن تلك الذكريات
الصعبة.
«حرب
باردة» يختلف رغم عودته إلى هواجس الأمس أيضاً. إنه حول قصّة حب بين مؤلف
موسيقي والمغنية الشابة التي يبحث حولها. لا «مولد نجمة» هنا، بل قصة حب
شائكة على خلفية الحياة البولندية في الخمسينات واختلاف التطلعات الفردية
حيال ذلك الوضع ومشتقاته.
مزيد من العقد النفسية والعاطفية نجدها في «محترق»، حيث
يلاحق بطل الفيلم رجلاً يهوى حرق البيوت، باعترافه، وخلال ذلك يجد نفسه وسط
شخصيات كل منها أكثر غموضاً من سواها.
«أيكا»
يلخص حجم العائلة إلى امرأة وطفلها. طُردت من عملها، ما زاد من أعباء
حياتها، وعملها الجديد منهِك، ووضعها يدفعها إلى البحث عن طوق نجاة غير
متاح.
أما «نشالو المحال» فهو عن عائلة تتبنى فتاة تشردت
وتدرِّبها على المهنة التي تجيدها وهي السرقة من المحال التجارية التي
تدخلها. يوعز المخرج كوري - إيدا بأن معظم أفراد العائلة ربما كانوا، مثل
الطفلة التي تبنوها، ليسوا من نسل الأب والأم ذاتيهما.
«روما»
هو الوحيد الذي يتناول حياة عائلية كاملة. مثل معظم ما سبق أحداثه مدفونة
في الماضي، لكن المختلف في أن المخرج ألفونسو كوارون يسرد فيه مذكراته
وبطريقة لا يجعل من نفسه (في أحداث تقع في العاصمة المكسيكية في السبعينات)
البطل، بل يمنح ذلك الدور لخادمة المنزل (كليو) ياليتزا أبارثيو، ومن
خلالها حياة تلك الخادمة الشخصية كما وضعها في عائلة منحتها الرعاية
والعناية وتعاملت مع الفاصل الطبقي بأفضل ما تستطيع.
فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» يدور حول العائلة أيضاً. لكنها
ليست عائلة متحابة ومتآلفة كما الحال في «نشالو المحال» و«روما»، بل عائلة
متقاتلة وغير متجانسة تعيش في وباء التخلف والجهل الاجتماعي والفقر الذي
انصاعت إليه وتعاملت معه طويلاً. بعض الفقر يولِّد التحدي ويثمر عن خوض
معتركات الحياة بنجاح، لكنّ هذا الفقر يبدو هنا -وبغياب طرح موضوعي للوضع
المعيش- مقصوداً لذاته، وشخصياته هي المسؤولة عنه كونها شخصيات سلبية
تماماً بدءاً بالأم التي لا تتوقف عن استخدام لسانها في الشتائم المقذعة
الموجهة إلى كل فرد في عائلةٍ تمادت إنجاباً رغم وضعها المعيشي.
-
الواقع والحقيقة
من مطلع الفيلم تحدد المخرجة نادين لبكي موقفها مما سنراه.
صبي في الثانية عشرة من عمره يقاضي، بحضور محامية تؤديها نادين لبكي
بنفسها، عائلته في المحكمة. لماذا؟ يسأل القاضي فيكون الجواب لأنها أنجبته
في هذه البيئة. هو في المحكمة ليس فقط لرفع قضية ضد والديه (نشاهدهما في
المحكمة بدوريهما لاحقاً) بل متهَماً بجريمة تحاول المحامية إقناع القاضي
بعدم مسؤوليته عنها.
التمهيد هو حياكة لمكان وزمان وقضية وملامح طائفية. بعده
ننطلق في سلسلة من المشاهد الاستعادية (فلاشباك) نطّلع فيها على تلك الحياة
البائسة التي يعيشها الصبي زين داخل عائلته و-لاحقاً- خارجها بعدما قرر أن
يتخلى عنها ويمضي بعيداً شاقّاً طريقاً صعباً على الكبار في وضعه فما البال
بولد غير بالغ بعد!
الأفلام التي تتعايش والأوضاع الصعبة للعائلات كثيرة
رأيناها في السينما الإيطالية واللاتينية وبعض العربية، بالإضافة إلى عدد
من أفلام الأخوين البلجيكيين لوك وجان - بيير داردين. وهي تنقسم إلى وضعين:
إما العمل على معاينة الظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط بتلك العائلات
وتفرض عليها معايشاتها وسبل تلك المعايشات، وإما استخراج شخصيات إيجابية
منها تنتصر، بحدود أو بأخرى، على تلك الظروف وتستمد طاقتها لتحدي الأوضاع
من عنادها في سبيل حياة أفضل.
فيلم نادين لبكي ليس لديه أي وظيفة في أيٍّ من هذين
الشأنين. دراما لحياة مدقعة لا يمكن الوثوق بوقائعها تنضوي على طفل يتصرف
سنوات أكبر من قدرته على التفكير والتصرف، تضعه المخرجة في أزمة جديدة بعد
تركه البيت وهجرته الداخلية إلى مأوى آخر في مخيمٍ ما. هناك يلتقي عاملة
أفريقية لديها طفل رضيع تمنح الولد بيتاً ثم تترك طفلها تحت رعايته ليوم لا
تعود في نهايته. الآن على الولد أن يسعى للعناية بالطفل، والمخرجة ترسم
صورة عاطفية وإعلامية بديعة لهذا الوضع قبل أن يقبل الولد بيع الطفل لمن
سيبيعه بدوره لعائلة محرومة.
كل الشخصيات القابعة في أسفل السلم هي سلبية (وكلها مسلمة).
لا أحد من بينها، بدايةً من العائلة التي تتحدث في ما بينها بأكثر من لهجة
تبعاً لتباين لهجات الممثلين، وصولاً إلى بعض نساء الحي الجديد الذي انتقل
إليه «زين»، مروراً بالرجل الذي يريد شراء الطفل وبيعه، وبآخرين مترامين
هنا وهناك، هم كتلة من الشخصيات السلبية. الفيلم الجيد هو ما يوظف الوضع
للبحث فيه. الفيلم الآخر هو الذي يتكل على الوضع لعرضه فقط.
-
براعات فنية
العنوان مأخوذ عما ورد على لسان المسيح في أنجيل ماتيو
عندما قال: «وأنت يا كابرنوم، هل سترتقي إلى الجنة؟ لا، سوف تنحدر إلى
الجحيم»
(الكلمة
المستخدمة لوصف الجحيم هي
Hades
وتعني ما هو تحت الأرض حيث تعيش الأرواح المغضوب عليها).
لا يوجد تماثل فعلي للعنوان في ما نراه، بل استخدام ذكي له كاستخدام الحبكة
بأسرها لطرح عمل يبدو للغربيين (بعضهم على الأقل) على غير ما يتبدّى
للبنانيين أساساً. فما نراه هو توفير حكاية واقعية السمات لكنها غير
حقيقية. ولدى المخرجة منطلقات مختلفة. فالعائلة المسلمة مصدر المشكلات التي
تحيط نفسها بها. المحامية، كونها من ديانة وطبقة اجتماعية مختلفتين، هي طوق
نجاة يتجسد في الطريقة التي حلّت بها كل الإشكالات بما فيها إعادة الطفل
الرضيع إلى أمّه وربح قضية الولد ضد والديه اللذين ما زالا يتساءلان عما
فعلاه حياله لكي يرفع ضدهما تلك الدعوة.
في كيانه يقترح «كفرناحوم» وجود مجتمعين واحد صحيح والآخر
خطأ. وعلى عكس أفلام فيتوريو دي سيكا الواقعية، ليست الظروف السياسية
والحروب وتلك المعيشية هي السبب في ولادة المشكلات، بل الشخصيات ذاتها. كل
ذلك يأتي بطريقة تهيمن فيها المخرجة على مشاعر المتلقي الأقل خبرة، وتصوير
الطوائف على نحو شامل يشبه تكبير صورة الحي العشوائي (غير المسمّى) إلى
مساحة تبدو كما لو كانت بيروت بأسرها.
براعات لبكي الفنية مشهودة هنا كما في فيلميها السابقين
«سكر بنات» (2007)، و«هلأ لوين؟» (2011). لديها القدرة على سرد الوضع الذي
تختاره لأي موضوع تطرحه وتجعله ضرورياً للمتابعة. لا يحدها في ذلك أي عائق
تعبيري أو درامي، وكل شيء تعالجه تضع فيه شغفها بالسينما كأداة تعبير
وبشروط بصرية بحد ذاتها جيدة.
فيلمها الأول «سكر بنات» (أو «كاراميل» كما اشتهر أيضاً)
كوميديا اجتماعية منسوجة بحب شديد لشخصياتها، وبعيد عن أن يحكم لها أو
عليها. كل ما يبغيه تقديم شرائحه من الشخصيات من دون أن يحمّلها أعباء
ستدفع بها إلى التميّز. يرمي أيضاً إلى توفير العالم الصغير - الكبير لهذه
الشخصيات ولألفتها والاحتفاء بضرورة الحب وانتصاره إذا ما استطاع أن ينفذ
من الشباك والأقفاص التي عادةً ما يجد نفسه محاطاً بها. لكنها الشخصيات
القريبة من بيئتها (في معظم الحالات). تعيش أوضاعاً مرتاحة وكل ما لديها من
هموم هو عاطفي متجانس مع وضع يخلو من المعاناة في أي نطاق آخر.
كان عملاً حساساً ومبهجاً وأنثوياً رقيقاً ويجمع خيوطه من
دون جهد على تعددها.
أيضاً هو فيلم يحمل نهاية رمزية رائعة تحلّق كالحمامة
البيضاء التي ينتهي عليها: مشهد عند نهاية الفيلم تكثّف فيه المخرجة شعور
البهجة إلى آفاق ربما لم يحملها فيلم لبناني من قبل: الفتاة المسلمة تُزفُّ
إلى من تحب. إنها واحدة من بين أربع فتيات، ثلاث منهن مسيحيات، يعملن في
صالون حلاقة نسائي. وفي العرس يرقص لها الجميع، مسيحيين ومسلمين. وتلتقط
الكاميرا مشهداً لحمامة بيضاء ترتفع عالياً في السماء وتطير. ترتفع كالآمال
التي لا تزال ترفرف في صدور الشعب اللبناني بأن يأتي يوم تُزال فيه الحواجز
النفسية والعاطفية والطائفية ويتم لجيل جديد شق طريق حياة أفضل غير مُتاح
اليوم.
-
يستحق؟ لا يستحق؟
ذلك الفيلم الأول ما زال الأفضل. بعده جاء «هلأ لوين؟» الذي
تقع أحداثه في قرية مختلطة في إحدى السنوات المبكرة للحرب الأهلية. لا نرى
تلك الحرب (نسمع عنها فقط)، والهم هنا هو كم كان الوضع سيختلف لو أن المرأة
-وليس الرجل- هي من أدارت شؤون البلاد سياسياً واجتماعياً؟
ما حدث هو أنه، وبعد
النجاح المستطرد لها، أصبحت نادين لبكي قوّة سينمائية لبنانية ضاربة. مخرجة
موهوبة برهنت على حسّـها السينمائي اللافت في «سكر بنات» الذي كان، كهذا
الفيلم الثاني لها، نسائيَّ الهمّ والتركيبة والأحداث.
لكن «هلأ لوين؟» يختلف في كل شيء آخر. في حين أن «سكّـر
بنات» كان عملاً يحمل نبرات فنية واضحة وهدوءاً في التحليل والمعالجة على
حد سواء، جاء هذا الفيلم كخضم من الأحداث الممتزجة، فهو يُـضحك ويُسلّي
ويتحدّث في الوقت ذاته عن موضوع جاد، وهذه ليست المشكلة. المشكلة هي أن
هناك تمازجاً يُنتج عملاً جيّداً، وآخر لا يُنتج. والواقع هنا هو أن هذا
التمازج يعمل على افتراضية قبوله كما هو ويفتقر إلى المقومات الفنية
والأسلوبية الشاملة بحيث لا يبدو كما لو أن مشاهده الكوميدية وفكرته
الفانتازية ورموزه الواقعية ضُـمَّ بعضها إلى بعض على نحو لاصق في سياق هو
نصف ناجح في أفضل الأحوال.
هذا ما جعل الموسيقى والغناء والحكاية الفانتازية التي تدور
على خلفية واقعية والمواقف المرحة والنتائج الحزينة أكثر مما يحتمله
الفيلم. فكرة كبيرة تحوي في عناصرها كل ما يمكن أن ينتج عملاً ترفيهياً
جماهيرياً، إنما على حساب بلاغة فنية سبق للمخرجة أن حققتها من قبل. يدور
حول سكّان قرية لبنانية هم مزيج من المسلمين والمسيحيين. هناك وئام حذر بين
الطرفين وحرب أهلية خارج حدود القرية. لكن هناك مناوشات. هذا إلى أن يخرج
شاب مسيحي من القرية إلى حيث تقع الحرب التي لا نراها، ويعود جثّة هامدة.
تحسّـباً للفتنة، تقوم الأم الثكلى بإخفاء جثّة ابنها لكنّ سر الجثّة ينكشف
بعد حين وتقف القرية على حدود حرب طائفية.
الحل هو أن تقوم نساء القرية اللواتي برهنّ من مطلع الفيلم
على أنهن رأس الحكمة وأنقى من الرجال تفكيراً، بإقامة حفلة عشاء كبيرة يتم
فيها حشو الحلوى بحشيشة الكيف. إلى هذا الحد هو ما زال فيلماً كوميدياً،
فلا مانع من السخرية ومعالجة وضع حساس بالهزل مكان الجد، لكن وضع الذات
مكان الواقع ليس السبيل لطرحٍ جيد أو جاد. والذات هنا ليست ممثَّلة بالدور
الرئيس الذي قامت به لبكي أمام الكاميرا أيضاً فقط، بل في وضع تصوّر يحتم
على الواقع الرضوخ للفكرة التي تعتنقها المخرجة حول الحرب ومعالجتها التي
لا تخلو من السذاجة.
أبعد من أن يقال في «كفرناحوم» إنه ساذج. هو فعل مدروس على
صعيدَي المضمون والشكل وبالطريقة التي تتسلل بها إلى إثارة المشاهد الغربي
على النحو الذي يمنح الفيلم غطاءه الإعلامي المناسب.
هل نتمنّـى لها الـ«غولدن غلوبس» والـ«أوسكار»؟ عاطفياً،
ولكونها لبنانية، ما سيرفع من شأن البلد الذي يحتاج إلى ثورة ثقافية تحميه
من جهل سياسييه، «نعم» كبيرة. «كفرناحوم» ربما كان عملاً غير منصف للواقع
مع تغييب ظروفه الحقيقية، لكنه فيلم لبناني (وبالتالي عربي) لامرأة ذات
موهبة فعلية، وطموح عالٍ يستحق النجاح.
هو أيضاً فيلم يحتاج إليه لبنان بأسره ليبني بعض ما يحتاج
إليه من دعاية إيجابية تشي بأنه ليس بأكمله بلد يتخبط في مشكلاته ويتعثر في
علاقاته الخارجية وأوضاعه. صحيح أن الصورة التي في الفيلم تكشف عن وضع لا
يخدم الوطن، لكنّ بلوغ جائزة بمستوى الـ«غولدن غلوبس» أو الـ«أوسكار» يضع
السينما اللبنانية بأسرها على آفاق لم تحققها من قبل.
ما سبق، بالتالي، نقد سينمائي يتضمن، بالضرورة، الإشارة إلى
المضمون أيضاً. رأيٌ في حسنات العمل وفي سلبياته وليس نقداً لأسبابه
ودواعيه. الخيط، ربما، يبدو نحيفاً لكنه ليس غائباً عن ملاحظة نقاد آخرين
(عرب وغربيين) وجدوا فيه أكثر مما ذهب هذا البحث إليه من وقائع وحالات.
ما يجب أن نتطلع إليه هو أن «روما» و«حرب باردة» و«لا تلتفت
بعيداً مطلقاً» و«طيور الممر» هي أفلام تحتوي على شخصيات إيجابية التكوين
والاندفاع حتى في ظروف لا تقل صعوبة. والثلاثة الأولى هي أجود تنفيذاً وأقل
سعياً للهيمنة على المشاعر بحدّة المشاهد المعروضة، لذلك تبلغ المستوى الذي
تطمح إليه بسهولة وعفوية أعلى. |