1500
كلمة عن الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة
محمد عبدالرحمن
كصحفي متابع للشأن الفني منذ 15 عاما تقريبا، تكررت عدة أسئلة على ألسنة
مراسلي ومذيعي البرامج الفضائية التي شرفت بالظهور عبرها، بداية من سؤال
يقول هل نجح فعلا مهرجان القاهرة في دورته الحادية والأربعين، وهل يستحق
فريق المهرجان كل هذا الثناء، وصولا إلى ما هي المعايير التي أستند إليها
في صياغة إجاباتي إلى حد التأكيد على أن هذه الدورة هي الأنجح ربما منذ
ثورة يناير 2011، وبالغت أحيانا وقلت إنها الأفضل منذ ظهور مهرجان دبي عام
2004.
سنوات الشيخوخة المبكرة
•
رغم أن الفنان حسين فهمي حافظ على توهج المهرجان بعدما استلم الراية إثر
وفاة الرئيس الأكثر استمرارية سعد الدين وهبة، لكن الحدث الفني البارز كان
قد دخل بالفعل مرحلة الشيخوخة المبكرة، الفاعليات كالبشر إذا لم تجدد
شبابها تشيخ سريعا ويطالب البعض بوضعها في دار المسنين، وهو ما حدث مع
مهرجان القاهرة الذي عشنا معه دورات عدة من الرعب خوفا من سحب صفته الدولية
ووصل الأمر للمطالبة بايقاف مؤقت لحين عودة احترافية، بدلا من الخروج
بدورات هزيلة شكلا ومضمونا.
•
بداية الأزمة كانت مع ظهور مهرجان دبي ثم مهرجان أبو ظبي وتطوير مهرجان
مراكش دون أي تحديث لأسلوب إدارة مهرجان القاهرة وغياب تام للاستفادة من
الخبرات التراكمية وتغيير شبه مستمر في القيادات، فكانت كل دورة تبدأ
وكأنها منفصلة عن ما سبقها ودون أي تخطيط لما هو مقبل من دورات، لا ننكر أن
الجميع كان يجتهد لكن في دوائر ضيقة، وأن رؤساء مثل عزت أبو عوف وشريف
الشوباشي وسمير فريد وماجدة واصف، كل منهم قدم ما يستطيع لسد الثغرات، لكن
معوقات أخرى كان تظهر فورا، فلم تكن المنافسة العربية وحدها هي المعضلة بل
المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية في مصر التي جعلت إدارة بعض
الدورات تتنازل حتى عن الأساسيات لعدم وجود ميزانية كافية.
•
الوضع اختلف كثيرا مع تولي المنتج والسيناريست الشاب محمد حفظي إدارة
المهرجان محاطا بخبرة الراحل الكبير يوسف شريف رزق الله، الذي وكأنه رحل
بعدما اطمأن على أن المهرجان ذهب إلى أيدي وعقول شابة قدمت دورة متوازنة
إلى حد كبير في عام 2018، لتحمل الدورة الأفضل اسمه هذا العام وكأنها
مكأفاة له على جهد 40 سنة مع هذا المهرجان، فلنتخيل لو كانت الدورة التي
تحمل اسم "يوتيوب الجيل" مليئة بالعيوب والسلبيات، ونحمد الله أن هذا لم
يحدث.
ما هي دلائل النجاح؟
•
الصحفيون وهم يفكرون في "الترافيك" أشبه كثيرا بمصاصي الدماء، هذه طبيعة
عملنا لا عيب فيها طالما أن البحث عن الترافيك يقوم على نشر حقائق، لكن
المهرجان خذلنا فعلا هذا العام منذ اليوم الأول، تفادى منظموه كل سلبيات
حفلات الافتتاح والتي كانت تثير الغبار على أي دورة مهما كان مستوى
أفلامها، لم يقف أحد طويلا أمام الشخصيات المغمورة التي تخترق السجادة
الحمراء، حتى إنهن فشلن في الظهور خلال حفل الختام، عاد النجوم مرة أخرى
لتقديم الافتتاح والختام دون أخطاء في الصوت والأداء، خرج الحفلان إلى
الناس كما ينبغي، خسرنا الترافيك وربحنا مهرجانا منظما إلى حد كبير.
•
كان دورنا في دورات سابقة، رصد السلبيات يوميا وكنا نعرف كيف سنجدها، حيث
هناك قائمة يحفظها معظم الصحفيين الذين غطوا الدورات العشر الأخيرة تحديدا،
أفلام تبدأ بعد موعدها بنصف ساعة، تأجيل عرض أحد الأفلام، نقل فيلم لقاعة
أخرى فجأة، اكتشاف عدم وجود المخرج وإلغاء الندوة فجأة "برضو"، عيوب في
الصوت، مشكلات في الصورة، زحام على الأفلام المصرية وغياب الناس والصحفيين
في باقي الأفلام، والقائمة تطول، لكن تلك العيوب اختفت تماما في هذه الدورة
فيما عدا بعض الحالات خصوصا في المسرح الصغير الذي لازال يعاني من عيوب
تقنية، وحتى الانتقادات التي وجهها الصحفيون بخصوص شباك حجز التذاكر تم
تلافيها بعد يوم واحد (هناك انتقاد آخر يأتي بعد قليل).
•
غاب النجوم الأجانب باهظي التكلفة، لكننا لمسنا توفير الأموال في أمور أخرى
حيث ارتفع مستوى طباعة وتنفيذ بوسترات ولافتات وبانرات المهرجان واستقر
مستوى الموقع الإلكتروني، وغير ذلك من مكونات كان تقييمها يتفاوت من دورة
لأخرى، والآن لدينا نماذج ناجحة في هذه الدورة يجب البناء عليها ويجب أن
يستمر من قدموها ويحصلوا على دعم أكبر حتى ينقلوا خبراتهم لأجيال جديدة
فيحافظ المهرجان على شبابه ويبتعد عن الاقتراب من دائرة الشيخوخة مرة آخرى.
•
غاب النجوم بالمعنى التقليدي للتعبير، لكن من قال أن بيللي زين شرير
تيتانيك ليس نجما، فكان لحضوره تأثير لطيف في هذه الدورة، كذلك نتالي
ايمانويل بطلة مسلسل "صراع العروش"، ثم من قال أن نادين لبكي المخرجة
اللبنانية لم تعد نجمة عالمية بعد وصولها لتصفيات أوسكار أفضل فيلم أجنبي،
كما أن حضور النجوم المصريين كان مرضيا إلى حد كبير، سننتظر عودة نجوم
هوليود بالتأكيد لكن دون الحاجة للشعور بالنقص لأنهم غير موجودين حاليا
ودون إهدار نصف ميزانية الدورة من أجل دقائق يقضيها النجم على سجادة مهرجان
القاهرة.
•
قبلة على رأس من فكر في تأسيس "منطقة الفود كورت" وإن كنت أتحفظ على الاسم،
فليكن "ساحة المهرجان" ولتزيد مساحتها لتضم أماكن للجلوس والنقاش بعيدا عن
تناول المأكولات والمشروبات، إن مجرد التخلص من كافيتريات الهناجر التي كنا
نعاني منها مسبقا هو انتصار كبير، لأن أكبر أزمة تواجه أي فعالية في مصر أن
منظميها لا يسيطرون على كل التفاصيل، المهرجان ضيف على دار الأوبرا لكن
الضيوف والصحفيين العرب والأجانب والمصريين طبعا ليسوا مسئولين عن مستوى
مطاعم الأوبرا التي استبدلها المهرجان أخيرا بالفود كورت مما أعطى للدورة
روحا لم أشاهدها من قبل على الإطلاق.
•
قبلات على رأس فريق البرمجة الذي قدم لنا فعلا أفلاما على أفضل مستوى ووصول
عدد أفلام العرض الأول لأكثر من 30 فيلما، ليتحول المهرجان بالفعل إلى حدث
سينمائي لا يقتصر الاهتمام به على ما يجري فوق السجادة الحمراء.
ما هي أبرز المكاسب؟
•
اختلفت مع المنتج محمد حفظي في إحدى تفصيلات دورة 2018، وبالتأكيد ستظل
مساحة الاختلاف موجودة، لكنني بقلم منصف أستطيع القول أننا ربحنا رئيس
مهرجان يعمل وكأنه محترف جاء لنا من أوروبا، يمتلك عقلا متفرغا للحدث وروحا
تريد ترك أثر وخبرات نتجت عن جولات وزيارات واحتكاك لا يمكن قياس حجمه لكن
رؤية الفارق بالنظر لما حققه لآخر دورتين، لهذا أقترح أن يكون التجديد
لرئيس المهرجان بعد ذلك لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وقد تصل لخمسة وليس
التجديد سنة بسنة كما كان يحدث مسبقا، بحيث يستطيع التخطيط لما هو أبعد،
ويتلافي العيوب بأعصاب هادئة، مع وضعه تحت طائلة النقد بالتأكيد إذا تراجع
المستوى.
•
صاحب الاختبار الأصعب هذه الدورة عبره بنجاح، الناقد الشاب أحمد شوقي الذي
أثبت أنه خير سلف لخير خلف، وخالف توقعات البعض بأنه لن يكون بهذا الهدوء
وتلك الثقة وسط توتر المسئولية الجسيمة، لكننا ربحنا أيضا مدير فني شاب
يمتلك خبرات وعلاقات قوية وبشكل خاص نشعر بالسعادة نحن فريق موقع
FilFan
كون شوقي هو الناقد الرئيسي للموقع منذ سنوات طويلة، وانضم له مؤخرا اسم
آخر بدأ يلمع في صناعة المهرجانات هو أندرو محسن مدير مسابقة سينما الغد
لينضم هو أيضا لمجموعة من الشباب الذين اعتمد عليهم حفظي ولم يخذلوه.
•
أسماء عديدة أيضا لمعت في هذه الدورة وكانت متعاونة إلى حد كبير، عمر قاسم
المدير التنفيذي، والزملاء في المركز الصحفي خالد محمود، أحمد فاروق، نيفين
الزهيري، عالية قاسم، شريف عرابي، ناريمان مطاوع، وغيرهم الكثير، حيث لم
يتأخر أي بيان عن موعده، الصور كانت في المستوى، الغلطات شبه معدومة.
هل توجد سلبيات؟ ... طبعا
•
نحن الصحفيون بحاجة لاستعادة عروض الصحافة والنقاد وفصلها عن عروض الجمهور
حتى لو كانت لنا الأولوية في حصة التذاكر، أعرف أنه في المهرجانات الكبرى
تقام تلك العروض في الصباح الباكر وهو أمر بعيد عن الشخصية المصرية، لكن
يمكن استخدام قاعات الأوبرا لاقامة عروض الصحفيين ظهرا بالكارنيه دون
الحاجة لتذكرة لتخفيف الزحام على العروض المسائية ولضمان مشاهدة الصحفيين
والنقاد لكل العروض المهمة.
•
كذلك التفكير لحل في قيام البعض بقطع تذاكر وعدم الحضور ما يجعل العرض
"كومبيليت" على السيستم لكن القاعة بها العديد من المقاعد الخالية.
•
قد يكون طلبا مكلفا، لكت أتمنى التوسع في ترجمة الأفلام خصوصا المشاركة في
المسابقات الرسمية.
•
زيادة عدد دور العرض التي تعرض افلام المهرجان في أنحاء القاهرة وهو أمر
بالتأكيد مرتبط باستعادة المهرجان لقطاعات أوسع من الجمهور وهو ما سيحدث
بالتأكيد عندما تستقر الإدارة الحالية وتبني على ما تم فعلا.
•
تفعيل الموقع الرسمي للمهرجان طوال السنة واستخدامه لنشر الثقافة
السينمائية.
•
قد يغضب بعض الزملاء من هذا الاقتراح لكن المصلحة العليا أهم، وضع حد أقصى
لعدد الزملاء الحاصلين على كارنيه من الإصدارات والمواقع المختلفة لأن وجود
كل محرري قسم الفن أو معظمهم في المهرجان أمر له سلبيات تظهر عند حجز
التذاكر المجانية وكذلك عدد المطبوعات التي يحصلون عليها.
•
بمناسبة المطبوعات، هي عادة مصرية تحتاج للتطوير لا للتخلص منها، بالتالي
مطلوب العودة مرة أخرى لاصدار كتب عن المكرمين ولو في كتاب واحد مجمع، لأن
هناك من يكونون مكتبتهم السينمائية من تلك المطبوعات ( مع الإشادة بفكرة
صدور عدد خاص من مجلة الفيلم عن تاريخ المهرجان ونتمنى تكرارها العام
المقبل).
•
إتاحة حقيبة ومطبوعات المهرجان بمقابل لمن يريد الحصول عليها.
•
وإلى حقل الألغام، كلنا في هذا المهرجان شركاء، من يعملون فيه ومن يتابعونه
كصحفيين ومن يحضرون أفلامه كنقاد، إنه مهرجان مصر، بالتالي أثق في أن رئيس
المهرجان محمد حفظي سيعمل على فصل الخاص عن العام، وكلامي تحديدا حول احدى
الشركات التي نادرا ما تشارك في أي فعالية دون إثارة أزمات، والتي كانت
صاحبة واقعة شهيرة مؤسفة في دورة 2016 تحدث عنها الجميع لأسباب سياسية
مؤخرا، هذه الشركة تخلط بين دورها كمنظم لإحدى أقسام المهرجان وهو قسم ناجح
للغاية كما سمعت حيث لم أتابعه شخصيا، وبين "بيزنس خاص" وصل إلى حد
الاستحواذ على بعض النجوم المكرمين وأعضاء لجان التحكيم وعدم اتاحتهم لكل
الصحفيين إلا إذا كانوا من المهتمين بتغطية أفلام ونشاطات أخرى تخصهم في
الدورة نفسها وهي مقايضة أعتقد أن اسم المهرجان ومحمد حفظي أكبر بكثير من
القبول بوجودها ومن ثم تكرارها في دورات مقبلة.
أخيرا ...
ربما يكون هذا المقال هو أطول مقال كتبته منذ سنوات، فالنشر الإلكتروني ضد
المقالات المطولة بالأساس، لكن نجاح الدورة يستحق، وأملنا فيما هو مقبل
كبير، فقط أختم بسؤال، متي يشعر منظمي باقي المهرجانات المصرية ومنهم من
تخطى عمره العشرين والثلاثين عاما بالغيرة من الاستفاقة التي حققها مهرجان
القاهرة، ومتى تدرك وزارة الثقافة أيا كان اسم الوزير ان فشل ونجاح أي دورة
مرتبط بالاسماء التي تدير وليس بمبررات الفشل التي يسوقونها عاما تلو الآخر
طالبين فرصا جديدا لا يستفيدوا منها قط ؟؟ |