تنطلق مساء اليوم الدورة الرابعة من مهرجان الجونة
السينمائي والفيلم المختار للمناسبة هو «الرجل الذي باع ظهره» للمخرجة
التونسية كوثر بن هنية. وهو واحد من 64 فيلماً تم اختيارها داخل المسابقات
أو خارجها وآتية من شتى أنحاء العالم.
القيمة الفعلية لهذه الدورة هي في أنه يُقام رغم تفشي
«كورونا» حول العالم. تأثير ذلك الوباء على السينما كأفلام وكعروض
وكمهرجانات، كبير والعديد من المهرجانات التي كان من المفترض بها أن تُقام
خلال هذه السنة انكفأت بطريقتين: هي إما ألغت دوراتها أو لجأت إلى البث
الافتراضي حتى لا تغيب عن البال والعين.
«الجونة»
(ومهرجان القاهرة من بعد) اختار أن يُقام رغم المحاذير، لكن ليس بتجاهلها.
يقول مديره العام انتشال التميمي لـ«الشرق الأوسط»: «راعينا إجراءات حاسمة
ربما أكثر مما رأيناه في فينيسيا هذه السنة». من بينها، يقول: «تستطيع
الدخول إلى المهرجان، لكنك لن تستطيع الخروج منه ثم العودة إليه. إذا خرجت
فلن تستطع العودة».
-
مفهوم خاص
الإجراءات الأخرى المتخذة هو ترك مسافة آمنة حين دخول
الصالة ما بين كل شخصين والالتزام بمعايير المسافة ذاتها حين التجمّع
للدخول، وبالتالي اعتماد مبدأ الحجز المسبق لهذه الغاية.
قد يجد الجمهور المصري نفسه إزاء معايير لم تكن واردة
بالنسبة لمن حضر هذا المهرجان في دوراته الثلاث السابقة أو أي مهرجان آخر،
لكن الدافع لقبول الواقع الجديد المفوض على من يقرر الحضور هو مهم بحد
ذاته. هذه دورة أخرى يتم فيها تقديم عدد كبير من الأفلام المشتركة في أقسام
المهرجان بغاية تكريس دور المهرجان بين المشاهدين كملتقى فني يُقام سنوياً
في منطقة سياحية تطل على البحر الأحمر وتبدو كما لو أنها مجمعاً كبيراً لمن
ينشد الراحة أو الاستجمام ولربما وجد أنه يود شراء واحد من «الفيلات»
المتوفرة للبيع. بذلك يلعب المهرجان دوراً تعريفياً للمنطقة بمحالاتها
وفنادقها وبيوتها وحدائقها وليس دوراً ترويجياً كون القادمين إلى المهرجان
من خارج مصر هم سينمائيون لديهم هموم مختلفة.
حقيقة أن السفر من وإلى مصر هو، كالسفر من وإلى دول المنطقة
من قبرص إلى لبنان والأردن وإسرائيل، يتطلب إصدار تصاريح طبية واحتمال
القيام بفحوص طبية يجعل المراقب يتوقع أن يكون عدد المسافرين من خارج مصر
أقل منه هذا العام مما كان عليه في الأعوام السابقة. إن لم يكن، فإن شغل
المهرجان على نفسه في الأعوام الماضية مكّنه من تجاوز معضلات طارئة كهذه.
الوضع يفرض نفسه كذلك على صانعي الأفلام العرب.
رغم أن المهرجان لم يدّعِ سابقاً ولا الآن أنه بيت للسينما
العربية، فإن السينما العربية تجد نفسها بلا بيت هذا العام كما وجدت نفسها
في الأعوام السابقة.
مهرجان دبي السينمائي كان أفضل ما تحقق لها منذ عقود.
استقبل أفلامها وصانعيها ومنحهم المناسبة المهمّة لكي يعرضوا ويلتقوا
ويعودوا إلى المهرجان عاماً بعد عام. مهرجان أيام قرطاج السينمائية لعب
دوراً مهماً بدوره، لكنه لن يرى النور هذه السنة إلا عبر عروض مستعادة.
مهرجان مراكش غاب وعاد ثم يغيب مجدداً هذا العام، وهو حتى حين كان في ذروته
لم يمنح السينما العربية (ولا حتى المغربية) أكثر من منصّة محدودة العدد.
والمهمّة في هذه الصدد آلت إلى مهرجان القاهرة الذي كان
دوماً حريصاً على استقبال الأفلام العربية وزاد هذا الحرص بعد غياب مهرجان
دبي.
المفهوم العام لمهرجان الجونة يختلف عن مفاهيم وهويّات
المهرجانات الأخرى. بذلك هو أقرب إلى منظومة مهرجان أبوظبي السينمائي الذي
نظر، خلال سنوات وجوده، إلى السينما ككل، ومال إلى اعتبار أن «العالمية»
يجب أن ترتفع عن «العربية»، بمعنى أنه لم يطرح نفسه كمهرجان لعرض وتسويق
السينما العربية بحد ذاتها، بل كل الأفلام من مصادرها المختلفة من بينها
الأفلام العربية.
-
حضور وغياب
إنه منوال صحيح لكن هذا لا جعل المنوال الآخر خطأ. وحتى ضمن
هذا المنوال الذي يعمل عليه مهرجان الجونة اليوم تبقى هناك الحاجة للبحث عن
أفلام عربية يمكن تقديمها في أطر المسابقات أو خارجها.
هذا العام لديه مجموعة مثيرة للاهتمام علماً بأن عدد المنتج
من الأفلام في أكثر من عاصمة عربية شهد هبوطاً واضحاً عما كان عليه في
السنوات السابقة. وإذا بحثنا عن الأفلام الصالحة للشاشات المهرجاناتية
وجدناها أقل بكثير مما كانت عليه لحين قريب.
ربما وجود فيلمين قصيرين فقط من مصر، هو إعلان نموذجي لهذه
الحالة. الفيلم الأول من 15 دقيقة بعنوان «ستاشر» لسامح علاء والثاني من 11
دقيقة بعنوان «الخد الآخر» لساندر كنعان.
لبنان حمل إلى الجونة ثلاثة أفلام واحد منها طويل (تقريباً،
إذ لا تزيد مدّة عرضه عن 67 دقيقة) بعنوان «نفَس» لريمي عيتاني. الفيلمان
الآخران قصيران: «حاجز»
(Roadblock)
لداليا نمليش والثاني «شكوى» لفرح شاعر.
تطرح تونس ثلاثة أفلام أيضاً، طويل واحد هو «الرجل الذي باع
ظهره»، كما تقدّم، وقصيران «البانو» لأنيسة داود و«تسلل صريح» لسامي تليلي.
لا شيء قادماً من سينمات المنطقة الخليجية بأسرها، علماً
بأن «الرجل الذي باع ظهره» جمع بعض التمويل السعودي المصدر، لكن إنتاجه
الفعلي تونسي - فرنسي - سويدي مشترك.
فيلم مغربي واحد هو «ميكا» للمخرج المعروف إسماعيل فروخي
يشترك في مسابقة الفيلم الطويل وفيلم جزائري واحد هو «جزائرهم» للينا سويلم
(في مسابقة الأفلام الوثائقية) وكلاهما بمعونة مالية فرنسية.
ثم هناك فيلم فلسطيني - أردني واحد هو «200 متر» لأمين
نايفه ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
في المقابل خمسة أفلام أميركية متوفرة أحدها لجيا كوبولا
بعنوان
Mainstream
يعرض خارج المسابقة. كذلك حال فيلم فيغو مورتنسن «سقوط»
(Falling)
الذي جمع تمويله كذلك من بريطانيا والدنمارك. الثالث هو «صائدو الفطر»
لغريغوري كرشو ومايكل دوَك يعرض داخل مسابقة الفيلم التسجيلي. إلى هذه
المجموعة فيلمان يعرضان على جمهور باحث عن الخاص جداً، الأول إعادة عرض
لفيلم تشارلي تشابلن «الصبي»
(The Kid)
وفيلم حديث بعنوان «هوبر- وَلز»، وهو تسجيلي يشمل مقابلة أجراها الراحل
دنيس هوبر مع الراحل أورسن وَلز وتم جمعها مع إضافة وثائقيات لها.
جل الأفلام الباقية آتية من دول أوروبا المختلفة. سنجد
فرنسا وبولاندا وألمانيا وإيطاليا جنباً إلى جنب أفلام من روسيا وصربيا
وأوكرانيا وجورجيا.
هذا هو الشمل المتوقع في كل مهرجان لكن بعد ثلاث دورات
سابقة فإن مسيرة مهرجان «الجونة» رغم كل جهوده لكي يتبوأ مركزاً صدارياً
كأحد أهم المهرجانات السينمائية حول العالم ما زالت في مطلعها، وربما بقيت
كذلك، طالما أن المنافسة الكبرى متوفرة عبر مهرجانات استولت على الاهتمام
الأول لصانعي الأفلام وكوّنت لنفسها الهوية التاريخية والفنية التي بات من
المعتاد للمخرجين والمنتجين تداولها. لا نتحدّث عن الثلاثة الذهبية «كان»
و«برلين» و«فينيسيا» بل كذلك عن لوكارنو وصندانس وتورونتو وكارلوفي فاري
وحفنة أخرى من المهرجانات المنتشرة حولنا.
واقعياً، وصل المهرجان المطل على البحر الأحمر للنجاح
المأمول والمعقود له حالياً منذ دورته الأولى التي أقيمت سنة 2017. ثبّت
دعائمه بفضل إدارة انتشال التميمي له وخبرته. ثم تقدّم انطلاقاً منذ ذلك
الحين ليصبح الوليد الجديد للمهرجانات العربية - العالمية المحتفى به.
اليوم هو على سدّة نجاح كان حققه سريعاً خلال العامين
السابقين وكل التأييد لمثابرته ضمن هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم
بسبب «كوفيد - 19». لكن الطريق من هنا لن تكون أسهل من طريق البدايات.
في هذا الإطار هو كما في حالات مهرجانات كثيرة حول العالم:
تنجح في التأسيس ثم في الاستمرار وبعد ذلك تجد نفسها في موضع لا يتغير من
عام لعام. شيء ما (وهذا الناقد لم يحضر بعد أي من دوراته) تشعر به مفقوداً
هنا: ربما المكان النائي، ربما نوعية الجمهور البعيد عن العاصمة، وربما
الحاجة إلى ابتداع قسم جديد يفرض نفسه أكثر مما فعلت الأقسام والبرامج
الرسمية الأخرى.
لكن مما لا شك فيه هو أن الخطوات الصعبة المتداولة كل سنة
أثمرت حتى الآن على مهرجان فعلي يتوق عديدون التوجه إليه حباً بالأفلام
والشمس والإطلال على البحر الأحمر.
-
جوائز الدورات السابقة
>
الدورة الأولى (2017):
خلت من الجوائز.
>
الدورة الثانية
(2018):
الروائي الطويل: «أكواريلا» لفكتور كوساكوفسكي (بريطانيا -
ألمانيا)
التسجيلي الطويل: «أرض مُتَخيّلة» لهو سيو هاو (سنغافورا،
الهند).
أفضل فيلم عربي تسجيلي: «عن الآباء والأبناء» لطلال دركي
(ألمانيا)
جائزة الفيلم الإنساني: «يوم الدين» لأبو بكر شوقي (مصر).
>
الدورة الثالثة
(2019):
الروائي الطويل: «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلا
(السودان).
التسجيلي الطويل: «التحدث عن الأشجار» لصهيب قسم الباري
(السودان، فرنسا).
أفضل أفلام عربية:
روائي: «بابيشا» لمنيا مدّور (الجزائر)
تسجيلي: «إبراهيم، إلى أجل غير مُسمّى» للينا العبد (لبنان).
-
جوائز برونزية:
«آدم»
لمريم توزاني (المغرب)، «كابول، مدينة الرياح» لأبوزار أميني (أفغانستان). |