"200
متر" الفلسطيني يصنع الحدث في مهرجان الجونة
إنجي سمير
·
أمين نايفة: الفيلم يتناول حالة إنسانية واقعية واستغرق
إعداده عشر سنوات.
اختتم مهرجان الجونة السينمائي دورته الرابعة، الجمعة، وكسر
أحد أهم الحواجز النفسية التي أوجدها فايروس كورونا، وانعكست بالطبع على
المهرجانات الفنية في العالم، ونجح منظموه في إتمامه بسلام، وطمأنة جمهور
السينما والفاعلين فيها على ضرورة التعايش مع الوباء، وعدم الاستسلام له،
مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة.
الجونة (مصر)
- لم
يحفل مهرجان الجونة السينمائي في دورته الرابعة التي انتهت فعالياتها
الجمعة، بعرض الكثير من الأفلام، لكن انعقاده بعث برسائل مهمة، تؤكّد أن
الفن قاطرة الحياة، ومن الواجب عدم الاستسلام، وقد تغلب الجونة على إشكالية
قلة الإنتاج في العام الحالي بالمسابقات والعروض الفنية المختلفة، والتفاعل
مع الواقع الإنساني المعاصر، واستقبل الفيلم الفلسطيني “200 متر” استقبالا
جيدا من نجوم المهرجان.
وأثار عرض الفيلم ردود فعل كبيرة، لأن مخرجه أمين نايفة
ركّز على البعد الإنساني الواقعي في العلاقة بين الفلسطينيين
والإسرائيليين، وحاول عرض وجهة نظره بسلاسة ودون انفعال أو خطابة سياسية.
أوديسا مفزعة
يحكي “200 متر” قصة عائلة فلسطينية فرقها الجدار الذي
أقامته إسرائيل، ليسكن الأب مصطفى في الجانب الفلسطيني، والأم والأبناء في
الجانب الإسرائيلي، وفي أحد الأيام يدخل أحد الأبناء المستشفى وهو لا يبعد
سوى 200 متر عن والده، إلاّ أن وجود الحاجز فرض تحديا كبيرا على الزوجين،
حيث منع الأب من الوصول إليه، لتتحوّل رحلة الـ200 متر القصيرة جدا إلى
معاناة كبيرة، أشبه بأوديسا مُفزعة.
ومن هناك ينطلق الأب في رحلة مليئة بالأهوال والمخاطر ليصل
إلى ابنه في أوديسا تتحوّل فيها مسافة المئتي متر إلى “ألفي كيلومتر”.
أمين نايفة: الفيلم
يرصد دون مبالغة معاناة المواطن الفلسطيني اليومية، ومدى فقده لأبسط حقوقه
الإنسانية
ويوضّح الفيلم أن الأمور التي نقوم بها يوميا في حياتنا
العادية تعتبر خطرا وبطولة في فلسطين المحتلة. وقد وصفت الكاتبة والصحافية
الإيطالية نينا روث الفيلم بأنه “تحفة الفلسطيني أمين نايفة الهادئة، هو
جزء غير عادي من النظرة إلى الحياة اليومية الشبيهة بالحرب لكل
الفلسطينيين. الأمور ليست بسيطة على الإطلاق بالنسبة إلى الرجل الفلسطيني.
إن ذهاب الفلسطينيين إلى العمل ورؤية أحبائهم، والسفر عبر بلادهم هو دائما
عمل بطولي”.
والفيلم من تأليف وإخراج أمين نايفة، وعرض في مهرجان الجونة
السينمائي من خلال مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وشارك من قبل كمشروع
خلال الدورة الأولى للمهرجان، وفاز بجائزة “مينتور أرابيا” لتمكين الشباب
والأطفال. كما سبق له أن فاز بجائزة الجمهور في مهرجان البندقية الأخير.
كشف المخرج الفلسطيني أمين نايفة لـ”العرب”، أن تجهيز
الفيلم استغرق نحو عشر سنوات، منذ كان يدرس السينما، وهو الذي كان يريد
تناول أكثر من فكرة لمشروع فيلمه، حتى وجد الفكرة الأنسب والمعبّرة أكثر عن
الواقع الذي كان يريد تسليط الضوء عليه من خلال هذه الرحلة المُربكة.
ويعتبر فيلم “200 متر” من الأفكار التي لمعت في ذهن نايفة،
وكتب أول نسخة احترافية للفيلم عام 2013، وطوال هذه الفترة عمل على تطوير
النص والسيناريو باستمرار، حتى خرج إلى النور على ما هو عليه الآن، بعدما
عانى من العديد من الصعوبات الإنتاجية والتمويلية، واختيار أماكن التصوير.
وأضاف نايفة “الفيلم يشرح رحلة طويلة توضّح الصعوبات التي
يواجهها الناس على أرض الواقع في فلسطين المحتلة، وهذا ما كنت أريد تأكيده،
ولهذا عندما كان يعرض الفيلم على جهات دعم كانوا يعجبون بالفكرة، لكن يظل
هناك شيء ناقص، ولم أكن أعرف ما هو”.
وأشار إلى أن الفكرة تملكته تماما، واستغرقت عملية بلورتها
وقتا كي يستطيع توصيلها بسهولة، ومضى السيناريو في مسار العائلة، ثم الذهاب
بعد ذلك إلى الرحلة التي يقطعها بطل الفيلم من أجل الوصول إلى ابنه في
المستشفى، لذلك وجد المخرج الفلسطيني من المهم التركيز على القصة الإنسانية
مع سرد الواقع.
وأكّد أن القضية الفلسطينية محفورة منذ سنوات في الوجدان
العربي، حيث يعاني من تداعياتها الكثير من الفلسطينيين الذين فقدوا الأمل
في حياة عادية بسيطة جراء تصرفات الاحتلال الإسرائيلي، الذي تسبّب في بناء
الجدار العازل، المادي والمعنوي، بين العائلات، وأحدث دمارا كبيرا في
المشاعر.
وأوضح نايفة لـ”العرب” أن العمل هو رحلة رصد معاناة حياة
المواطن الفلسطيني اليومية من فقدان أبسط حقوقه، وهي ذهاب بطل الفيلم
لأسرته، عندما يرى ابنه في الجانب الآخر ويطمئن عليه بعد دخوله المستشفى.
ولفت إلى حقيقة وجود حاجز بينه وبين والدته وأشقائه، وعلى
الرغم من قصر المسافة بينهم، لكن بسبب الجدار يصل إليهم بصعوبة بالغة، ما
جعله يفتقد الكثير من الروابط الأسرية التي تشعره بالدفء، في ظل هذه الظروف
الصعبة وهذا لا ينطبق عليه فقط، بل هناك العديد من العائلات التي تعاني من
ذلك.
الجدار العازل تسبب في أضرار مادية ومعنوية كبيرة بين
العائلات الفلسطينية، وأحدث دمارا كبيرا في المشاعر
مخاطر التصوير
لم يتطرق الفيلم بشكل واضح إلى قضايا شائكة في صميم
التجاوزات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، واكتفى بالرؤية الفنية المبهرة
لتوصيل ما أراد توصيله، فالعلاقات الإنسانية وما تحمله من إسقاطات تبدو
أقوى من المعالجة المباشرة.
وأشار نايفة في حواره مع “العرب” إلى أن بطل العمل لن يلجأ
للعيش في الجانب الآخر مع عائلته، لأن هذا يعني تنازله عن الهوية
الفلسطينية والحصول على هوية إسرائيلية، وهو أمر مستحيل بالنسبة إليه، لأنه
من جيل الانتفاضة.
ولذلك كان الحل الذي وضعه المخرج في الفيلم أن تعيش الزوجة
والأبناء في الجانب الآخر (داخل إسرائيل)، نظرا لأنها من “عرب 48″، بينما
يتواصل البطل مع أبنائه وزوجته بالهاتف ومكالمات الفيديو، ووقوف الطرفين في
شرفتهما والتواصل بإضاءة الأنوار، بينما الجدار يفصل بينهما.
واجه أمين نايفة مشكلة كبيرة في التمويل، فلم يكن سهلا
إيجاد جهة منتجة لإنتاج عمل روائي طويل لمخرج جديد في هذه النوعية من
الأفلام، وحصل على منحة تطوير من مهرجانات في كل من الأردن والجونة، بما
ساعده على إنجازه.
وأكّد المخرج الفلسطيني أنه صوّر العمل في مناطق حقيقية في
الأراضي الفلسطينية، وبجوار الجدار العازل، وكان هناك خوف كبير، خاصة أن
التصوير استمر على مدار 22 يوما في أكثر من 35 موقعا.
وكانت هذه العملية مغامرة محسوبة، حيث جرى إعداد خطة، من
بينها عدم التواجد لوقت طويل في الأماكن التي يمكن أن يتعرّض فيها طاقم
التصوير للخطر، مع ضرورة أن يتم التصوير بجوار الجدار وأبراج المراقبة،
وجاءت الخطورة من أن التصوير كان يتم بلا تصاريح رسمية من شرطة الاحتلال،
التي تحضر بكثافة في الشوارع.
ولفت إلى أن تسويق الفيلم، وهو إنتاج مشترك فلسطيني – أردني
– إيطالي – سويدي في المهرجانات العالمية، تولت توزيعه شركة مصرية في الوطن
العربي، بينما قامت شركة إيطالية بتسويقه في كل دول العالم.
وتحصّل “200 متر” قبل اختتام المهرجان على جائزة من مؤسسة
مينا مسعود الخيرية، وهي مؤسسة غير هادفة للربح، تسعى إلى مساعدة الفنانين
من جنسيات مختلفة، حيث تقدّم المؤسسة جائزة ضمن فعاليات المهرجان الجونة،
وأعلن الفنان الأميركي من أصل مصري، مينا مسعود، منح الجائزة لفيلم أمين
نايفة عبر الفيديو يوم عرضه بالمهرجان.
كاتبة مصرية |