أحدهم سيكتشفها وكالعادة لن يعرفه كثيرون.. وآخر سيدفعها
إلى خشبة المسرح وسينزوي تماماً رغم هذا الدور الخطير الذي لعبه في
حياتها.. وثالث سيتزوجها ويشكل معها أشهر ثنائي فني في تاريخ السينما
والمسرح المصري.
هكذا ستتشكل مسيرة شويكار شكري طوب صقال، أيقونة الدلال
والدلع المصري التي رحلت عن عالمنا أمس. أما الذي اكتشفها، فهو محمود
السباع، المخرج المسرحي الذي سيسند إليها بعض الأدوار في فرقة "أنصار تمثيل
وسينما" ومن هذه البداية المتواضعة، سيستدعيها جمال الليثي لتؤدي دورا
ثانوياً في فيلم "حبي الوحيد" العام 1960 من بطولة ناديا لطفي، فتقف الفتاة
ذات الشعر الأسود المتحدرة من أصل تركي، أمام عمر الشريف، ويوجهها هو وكمال
الشيخ المخرج السينمائي الكبير، ويدعمها في مطلع حياتها الفنية.
إلا أن كمال الشيخ وعمر الشريف لن يكونا الرجلين المهمين في
حياتها الفنية. بل سيد بدير وفؤاد المهندس.
في طفولتها ستجرب الحياة وحدها في مدرسة داخلية، وستشهد
انفصال أبيها من أصل تركي عن أمها الشركسية الجميلة، ستشهد تصدع الحياة
الزوجية بينهما، وانشغال ابيها برعاية أراضيه وزوجته الثانية، فتتزوج
المحاسب وهي في عمر 16 عاماً، وستظهر في التلفزيون مع سامية الأتربي وتتحدث
عن الزيجة بقولها:
بابا كان متوسم فيا المسؤولية ورعاية أخواتي والأسرة من
بعده..
إلا أن حسن نافع سيموت في ريعانه، بعد الزيجة بعامين، وستجد
شويكار نفسها وقد صارت أرملة وهي في الثامنة عشرة من عمرها، ومعها طفلة،
فتكمل شويكار تعليمها، وتحصل على الثانوية الفرنسية، وتعثر على وظيفة في
شركة "شل" براتب 20 جنيها، لكن حظها سيتبدل في السنوات المقبلة.
محمود السباع سيلحقها بفرقته المسرحية ويدفع لها عشرة
جنيهات أسبوعياً، لكن هذا الوضع لن يدوم طويلاً، فسرعان ما سيأتي عقد
الستينيات، الذي سيشهد تطوراً كبيراً في أحوال السينما، وظهور التلفزيون في
حياة المصريين.
مطلع الستينيات، وبينما تحتفل الدولة المصرية بتدشين إرسال
التلفزيون، وظهوره في البيوت التي تمتلك الجهاز الصغير، يطلب عبد القادر
حاتم وزير الدولة للإذاعة والإعلام العربي، ووزير الثقافة والإرشاد القومي
المصري، وواضع السياسات الإعلامية المصرية في الخمسينيات، من غرفة صناعة
السينما أن تزوده بأفلام يعرضها في سهراته، ثم يقتنع حاتم بتكوين فرقة
مسرحية تعمل على مسرح خاص، يسمى مسرح التلفزيون.
سيشرف على مسرح التلفزيون المخرج الفنان الراحل سيد بدير،
ويبحث عن وجه جديد، يلعب دور البطولة، في عمل مضمون النجاح سبق وقدمه نجيب
الريحاني، ألا وهو "السكرتير الفني" فيختار شويكار، وستلعب هذه المصادفة
دوراً كبيراً في حياة شويكار الفنية والاجتماعية، إذ على خشبة مسرح
التلفزيون، ستكتشف بنفسها موهبتها الفنية وقدرتها على الإضحاك، وتلتقي
بزوجها الثاني، الرجل الذي سيلعب البطولة في حياتها ما يقارب العقدين،
وستشاركه بطولة أهم الأعمال المسرحية التي ستنطبع في حياتنا نحن.
ينسحب سيد بدير من إخراج مسرحية "السكرتير الفني" بسبب
مهامه الإشرافية العريضة، ولانشغاله بتكليفات فنية أخرى، وسرعان ما سيخرجها
عبد المنعم مدبولي، لتصبح المسرحية المأخوذة من مسرحية فرنسية بعنوان
"توباز"، والتي اقتبسها نجيب الريحاني وسبق أن قدمها هو نفسه، مسرحية مصرية
بعنوان "السكرتير الفني". نجاح شويكار والمهندس في المسرحية شكل مقدمة
لاتساع دور مسرح التلفزيون، الذي كان يكتفي بعرض مسرحياته لعشرة أيام فقط،
فيقدمان بعدها مسرحية "أنا وهو وهي" لتكون هي المسرحية التي يولد فيها نجوم
يتربعون على عرش الكوميديا لعقود، مثل عادل إمام، ويغري هذا النجاح بتقديم
أعمال أخرى، خاصة أن قصة حب كانت تولد في كواليس المسرح. تحكي شويكار
الحكاية بقولها في إحدى اللقاءات التلفزيونية القديمة: كنا في الصباح نمثل
سوياً أنا وفؤاد فيلماً من إخراج حسن الصيفي يسمى "هارب من الزواج" وخلال
فترات الراحة، لاحظت التوتر بادياً على فؤاد، وفجأة قال: تتجوزيني يا
شويكار، فوافقت، كنا نمثل مشهدا، أرتدي فيه فستان فرح، فذهبنا بعد انتهاء
التصوير وأنا لم أزل بالفستان، ودقينا باب مأذون في الرابعة صباحا، وتزوجنا.
طلق فؤاد المهندس زوجته الأولى، كما ذكر جمال الليثي في
مذكراته، أو احتفظ بها بجانب شويكار كما ذكرت مصادر صحافية أخرى، تتضارب
هذه المعلومة لكن في كل الأحوال كانت قصة الحب الملتهبة مع شويكار تتخطى كل
المحاذير، وكُتب لهما أن يعيشا نجاحاً غير مسبوق جلب لهما الحسد والغيرة.
فعندما قرر التلفزيون التخلي عن الفرقة، اجتمع فؤاد ومدبولي وسمير خفاجي
وكونوا فرقة "الفنانين المتحدين"، مستغلين نجاح المسرحيات السابقة، ليقدموا
مسرحيات ناجحة هي "حواء الساعة 12" و"أنا فين وأنتي فين" وتُوج هذا النجاح
بمسرحية "سيدتي الجميلة" المأخوذة عن مسرحية برنارد شو "بيجامليون" التي
سبق أن قدمتها الممثلة العظيمة أودري هيبورن أمام ريكس هاريسون.
وتقع بعض الخلافات الإدارية بين شركاء العمل، فؤاد ومدبولي
وخفاجي، فيعيد فؤاد المهندس تكوين فرقته المسرحية ليقدم مسرحيتي "حقاً إنها
عائلة محترمة" و"سك على بناتك" مع شويكار.
سينمائياً، سيكون عقد الستينيات هو قمة تألقها، وأول وآخر
عقد ستلعب فيه أدوار البطولة، حتى أنها ستكون شديدة الانشغال في بعض
الأعوام لدرجة أن تمثل في عام واحد سبع أفلام، وبعد هذا العقد ستظهر في
أدوار مساندة في أفلام مهمة، ستكون هي أيقونة سينمائية وبطلة، في أفلام مثل
"الراجل دا هيجنني" و"أخطر رجل في العالم" و"شنبو في المصيدة" و"أرض
النفاق" و"سفاح النساء" و"شنبو في المصيدة" وغيرها.
كما ستخطف الأنظار في أفلام أخرى تلعب فيها دور السنيدة مثل
"الزوجة 13" و"أمير الدهاء" و"دائرة الانتقام" و"طائر الليل الحزين".
وسيأتي عقدا الثمانينيات والتسعينيات لتتراجع أدوار
البطولة، بعد تقدمها في العمر، وإن كان سيظل حضورها ساطعا حتى في المساحات
القليلة التي تنالها مثل دورها في فيلم "كشف المستور" الذي أدت فيه دور
نجوى، إحدى السيدات اللاتي تورطن في فساد الأجهزة الأمنية في السبعينيات،
وحتى ظهورها في الدراما التلفزيونية سيكون مقدراً، لكن في أدوار بمساحات
قليلة، مثل دورها في "هوانم غاردن سيتي ج2" و"امرأة من زمن الحب".
لن يمحو رحيلها هذا أنها كانت صاحبة الصوت القوي، القادر
على أداء أغنيات شديدة اللطف "منفردة" أو في "دويتو" لن ينساها المصريون
بسهولة مثل "قلبي يا غاوي سبع قارات " و"يا أنا يا غلبي من اختراعاتك"
و"ساعة العصاري" و"الصيام مش كدا".
شويكار التي غنت ومثلت على المسرح وفي السينما، لم تتوج
طوال مسيرتها بأية ألقاب فنية، فلم تكن "الدلوعة"، ولا "نجمة مصر الأولى"
ولا "سيدة الشاشة العربية، ولم تحمل لقب "نجمة الجماهير"... كانت شويكار
وكفى، كانت "سيدتي الجميلة"، التي ارتبط باسمها اسم شخصية "صدفة هانم"، من
هذا العمل المسرحي الذي كُتب له الخلود رغم كونه عملاً مقتبساً عن عمل فني
أجنبي... رحلت "صدفة" وقد شقت طريقها في عالم الفن بطريق الصدفة، حسبما
وصفت هي نفسها مشوار حياتها في إحدى اللقاءات، الفن هو الذي طلبها ولم
تطلبه، ولو عاد بها الزمن لاختارت أن تكون أمّاً وكفى. |