شويكار.. سيدة المعادلات الصعبة
بقلم: أسامة عبد الفتاح
**
جمعت باقتدار بين النجاح في السينما والتألق على المسرح،
وبين التوهج في الكوميديا والتميز في الأدوار التراجيدية المركبة
وتتوالى غيابات، ليس فقط من نعتبرهم قامات وعلامات في
تاريخنا الفني، ولكن أيضا من يُعدون رموزا لمصريتنا وشخصيتنا الفريدة،
وآخرهم شويكار، (1935 – 2020)، التي رحلت في 14 أغسطس الحالي في هدوء يليق
بمن عاشت للفن وحده، واحترمته فاحترمها، ولم تثر يوما مشكلة "نجومية" تتعلق
باسم أو ترتيب على أفيش أو تتر، ولم نسمع يوما أنها تصارعت على دور مع
أخرى، بل لم تعتبر نفسها أبدا نجمة، وكانت تدهش الجميع ببساطتها وتواضعها
قبل موهبتها وإمكانياتها الفذة كممثلة "شاملة" إن شئت وصف من تجيد التمثيل
والغناء والرقص والاستعراض دون جعجعة أو دعاية ودون أن تطلق على نفسها أي
وصف أو لقب مجاني.
شويكار هي سيدة المعادلات الصعبة بامتياز، جمعت باقتدار بين
التوهج في الكوميديا، والكوميديا الفارص، وبين التألق في الأدوار
التراجيدية الصعبة، من شخصيات بسيطة لاستكمال المثلث الدرامي الشهير "الزوج
– الزوجة – الحبيبة أو العشيقة أو الغريمة" في أعمال مثل فيلم ضربة البداية
"حبي الوحيد" (1960) وأفلام "غرام الأسياد" (1961) و"الزوجة 13" (1962)
و"عروس النيل" (1963)، إلى قمة مبكرة ومفاجئة ولافتة للغاية في فيلم "الباب
المفتوح" (1963)، حيث أدت دورا صعبا يُعد معادلا موضوعيا للبطلة: ابنة
الخالة التي تجبرها والدتها على أن تتزوج رجلا لا تحبه ولا يتناسب معها مما
يؤدي لسقوطها في هاوية الخيانة، ويكون مصيرها جرس إنذار للبطلة لكي تتجنب
نفس المصير.
وتتوج تجسيدها الشخصية بمونولوج صعب وطويل أدته باقتدار رغم
أنه أمام نجمة راسخة مثل فاتن حمامة، والحقيقة أنها لم تكن أقل رسوخا،
وقادت المشهد وكأنها صاحبة خبرة طويلة وليس ثلاث سنوات فقط، حتى وصلت إلى
جملة "وانتي يا ست يا صاحبة المبادئ.. آديكي حتتجوزي جوازة زي جوازتي..
قوليلي بقى حتعملي إيه؟"، والتي تُعد نقطة تحول في الفيلم، ومفتاحا يقود
البطلة إلى طريق الخلاص في النهاية.
اللافت أن هذا الجمع الفريد بين الكوميديا والتراجيديا
استمر طوال مشوارها الفني، ولم يكن لقاؤها مع الكبير الراحل فؤاد المهندس –
سينمائيا ومسرحيا – وتكوينهما واحدا من أنجح وأشهر الثنائيات الفنية في
تاريخ الفن العربي، إيذانا بنهاية مرحلة البدايات التي أشرنا إليها
والاستقرار على الكوميديا، بل راوحت طوال الوقت بين النوعين مثل جميع
الممثلين الموهوبين الذين يمكنهم أداء أي دور أو أي لون.
وأبرز مثال على ذلك أنها في العام الذي قدمت خلاله الفيلم
الكوميدي "اقتلني من فضلك" والمسرحية الكوميدية "أنا فين وانتي فين"، وأقصد
1965، أقدمت على تجربة سينمائية تحتاج إلى الكثير من الجرأة والشجاعة في
فيلم ليس له أي علاقة بالكوميديا هو "الرجال لا يتزوجون الجميلات"، حيث
تطلب الدور بعض التشويه لوجهها لتظهر قبيحة معظم وقت العرض، وهو ما لا
توافق عليه معظم النجمات السينمائيات الجميلات.
ولا يمكن نسيان أدوارها الإنسانية والتراجيدية المؤثرة في
أفلام مثل "الكرنك" (1975) و"دائرة الانتقام" (1976)، الذي وصلت فيه إلى
ذروة عالية من الأداء من خلال شخصية "فايزة" المحكوم على حبها بالضياع
لأنها تقع في حب رجل مهووس بفكرة الانتقام ومحكوم عليه بالموت.. ويذكر أن
هذا الفيلم يُعد ثاني مشاركة لها في تجسيد سيناريو مأخوذ عن رواية "الكونت
دي مونت كريستو" العالمية الشهيرة بعد "أمير الدهاء"
(1964).
وفي مرحلة لاحقة، كانت قد حققت فيها المزيد من النضج، لابد
من التوقف عند فيلم "أمريكا شيكا بيكا" (1993)، الذي صبت فيه عصارة خبرتها
لتجسد شخصية "دوسة" التي تحلم بحياة أفضل في بلاد العم سام لكن تنكسر
أحلامها على أرض الواقع المرير، وكذلك فيلم "كشف المستور" (1994)، الذي
ظهرت فيه كضيفة شرف لتقدم دورا مختلفا تماما لإحدى من كن – خلال عهد بائد –
يخدمن الوطن بأجسادهن، أو ببساطة: على السرير.
ومن معادلاتها الصعبة: نجاحها غير المسبوق ولا الملحوق، على
الأقل فيما يخص الممثلات، في الجمع بين التألق في المسرح والسينما أيضا،
وفي نفس الوقت، وهو ما لم تنجح فيه معظم زميلاتها، حيث كانت نجمات السينما
يخشين الوقوف على المسرح بالنظر إلى المجهود الكبير الذي يتطلبه ووقت
الالتزام الطويل الذي يحتاجه، وفي نفس الوقت لم تكن معظم نجمات المسرح
يحققن النجاح المطلوب على الشاشة الكبيرة، وظلت هي – مع مجموعة قليلة من
زميلاتها – استثناء فريدا.
أما أصعب المعادلات التي نجحت شويكار في حلها، فهي "الجمال
مع الكوميديا"، حيث كسرت نمط الكوميديانة القبيحة أو المشوهة التي يجب أن
يكون في شكلها أو جسمها أو مظهرها الخارجي ما يُضحك، وأثبتت أن الممثلة
الجميلة تستطيع أن تنجح في الكوميديا دون الاتكال على الشكل الخارجي
وبالاعتماد على الموهبة والأداء التمثيلي الجيد فقط، وهو استثناء آخر لا
يضم معها سوى القليلات. |