صغيرًا، وفي حدود الوعي البسيط لصبي، لطالما تساءلت، كلما
رأيت شويكار، لماذا اختارت فؤاد المهندس، وهو ليس واحدًا ممن يتمتعون
بالمواصفات المعروفة للوسامة، في زمن رأى أعلى سقف لتلك المواصفات، وامتلأ
بوجوه لـ"جانات"، وفتيان شاشة، من قبيل رشدي أباظة، وعمر الشريف، وأحمد
رمزي، وشكري سرحان، وغيرهم.
الوعي المحدود للسن المبكرة لم يفهم أبدًا أن أحدًا من
هؤلاء لم يتمناها. المؤكد أنها هي من تركت الجميع واختارت فؤاد المهندس،
الذي هو بالنسبة لأبناء جيلي "عمو فؤاد"، الرجل الجميل الذي يضحكنا، ولا
يمثل أي نموذج من الرجال تتطلع إليه الفتيات. أفكار كهذه لم تأت إلى الذهن
إلا مدفوعة بتقدير كبير لمستوى الجمال الذي عليه تلك السيدة، صاحبة الاسم
الثابت في أية قائمة لا تتجاوز الخمسة أسماء لأجمل وجوه التاريخ
السينمائي.. صحيح، كم امرأة أجمل من شويكار رأتها السينما العربية؟ ماتت
هذا الأسبوع، وحزن الجميع لرحيلها.
لم يذهب الانبهار بجمال شويكار أبدًا. ما تغير هو النظرة
لفؤاد المهندس. وبعيدًا عن الكلام المعتاد حول أن جمال الإنسان لا يقف عند
حدود ملامحه الشكلية، سأعرف، في وعي لاحق، كم هو فنان عظيم، وسأحبه أكثر من
أي ممثل كوميدي جاء في تاريخ السينما المصرية. ليس ذلك فقط. سأرى أنه كان
على درجة لافتة من الأناقة، ولا يخلو من وسامة، وإن كانت غير تقليدية.
"منذ
لحظة رحيلها، لم يتحدث عنها أحد بمعزل عن علاقتها الشهيرة بفؤاد المهندس،
وكيف طلبها للزواج بينما كانا يمثلان مشهدًا في مسرحية من دون أن يسمعه
الجمهور"
مهلًا، لا أعرف إن كان من سوء حظ شويكار، أم حسنه، ذلك
الارتباط الشرطي بين اسمها واسمه، حتى أنك في معرض الكلام عن رحيلها لا
تستطيع عدم الاسترسال في سيرته. منذ لحظة رحيلها، لم يتحدث عنها أحد بمعزل
عن علاقتهما الشهيرة، وكيف طلبها للزواج بينما كانا يمثلان مشهدًا في
مسرحية من دون أن يسمعه الجمهور، مرورًا بعدد كبير جدًا من أفلام ومسرحيات
قاما ببطولتها، ونميمة لا يعرف أحد مدى حقيقتها حول أنها تسببت في انفصاله
عن زوجته الأولى، وهو الكلام نفسه الذي يتعارض عن حميمية علاقتها بأولاده
من تلك الزوجة، حتى أن أبرز الصور التي نشرتها الصحافة المصرية من تغطية
تشييع جنازتها، كانت لابن الزوجة الأولى للمهندس، وهو يؤم الصلاة على
جثمانها، وتسجيلات فيديو معه يصف فيها كيف كانت رمانة ميزان العائلة.
والمدهش في قصة شويكار وفؤاد المهندس هو علاقتهما بعدما
انفصلا، كزوجين، أو في الحياة الفنية، ذلك أن العلاقة لم تقف عند حدود
الصداقة التي تحدث في كثير من الأحيان بين المنفصلين، بل كانت علاقة محبين.
دائمًا ما كانا يتحدثا عن بعضهما في اللقاءات التلفزيونية، أو الصحافية،
كما يتحدث محبان عن بعضهما، حتى إنه لم يكن يخجل من الحديث بشيء من الغزل
المنفتح المغلف بالدعابة، يسألونه "إيه أكتر حاجة حبتها فيها؟". يجيب:
"رجليها حلوة". صعب ألا تحب امرأة رجلًا يصفها هكذا علنًا، ولو من باب
الدعابة.
ربما أن سنوات ارتباطها العائلي والفني بفؤاد المهندس أخذت
المساحة الأبرز والأكثر انتشارًا من حياتها الفنية، غير أن هناك درجة من
الظلم في الوقوف عندها، ذلك أن شويكار في مرحلة ما بعد الانفصال ذهبت إلى
مناطق أكثر نضجًا، وأدوار سمحت بإظهار إمكانيات تمثيلية مختلفة، وإن كانت
أقل كثافة. كانت نموذجًا براقًا للسيدة الأربعينية شديدة الجمال مضبوطة
الرصانة، تحتاجها مساحات فنية صغيرة، ولكن مؤثرة، كصاحبة المقهى الذي يجتمع
فيه مجموعة الطلبة المثقفين في فيلم "الكرنك"، ودور مثالي للعلاقة بين
امرأة خبيرة، وطالب يصغرها بسنوات كثيرة، توفر له مساحة كبيرة من الأمان،
ولا تريد منه سوى أشكال الحب، هي امرأة التي تستطيع أن تمنح شابًا خرج لتوه
من السجن مشحونًا برغبة الانتقام ركنًا لطيفًا وتصير أحضانها مكانًا وحيدًا
للهدوء في فيلم "دائرة الانتقام"، تصلح، أيضًا، لتكون امرأة خمسينية لم
يذهب جمالها، فتكون طموحًا لمساعد حانوتي يحب الحياة في "السقا مات"، ثم في
مرحلة لاحقة هي إحدى "هوانم غاردن سيتي"، أو فتاة ليل متقاعدة منذ زمن،
استُخدمت في عمليات مخابراتية في "كشف المستور".
يتحدث الجميع عن كيف كسرت شويكار النمط التقليدي للممثلة
الكوميدية، حيث فنانات الكوميديا لا يتمتعن عادة بالصفات الشكلية لفتاة
الأحلام، بينما لم أرها كوميديانة قط. كانت سيدة شديدة الجمال والحضور،
خفيفة الظل، وضعتها أعمالها الكثيرة مع فؤاد المهندس في منطقة الكوميديا
نظرًا لطبيعة الأفلام التي قدماها، وأعطتها هذه الشراكة حظًا طيبًا في
منطقة الانتشار الفني، ربما أن هذا الارتباط أخذ من استقلاليتها، ولكن لا
بأس، لم يبدُ أن الأمر كان مزعجًا بالنسبة إليها، لم تظهر في لقاء إلا
وتحدثت بحب عن هذه المنطقة. نحن أيضًا لم نشعر بخسارة، على العكس،
أحببناهما معًا، وأحببنا كل منهما منفردًا. |