صبيحة
يوم عيد مولده الرّابع من نوفمبر الجاري ردّ على بعض أصدقائه الذين اتصلوا
به مهنئين، متمنين له طول العمر والصحة والعافية. كان صوته متعبا، لكنّه
ردّ، وقد كتب أحدهم أنهما تحدثا عن مشاريع سفر، كما ورد في برويين صفحة
طارق البحّار "هل سنسافر معا إلى مهرجان القاهرة والعين، أم سنؤجل بسبب
كورونا؟"
بالنسبة
لمريض سكلر عاش حياته كلها جنبا إلى جنب مع المرض، لم يكن الخوف من الموت
وارِدًا لديه، وإلاّ كان أجّل كل مشاريع حياته، ولم ينجز منها شيئا ...
كل
أمراضه مجتمعة لم تهزمه، ظلّ باسطا يديه وقلبه بالعطاءات السخية، إلى أن
غادرنا في السادس من نوفمبر 2020 أي بعد يومين تماما من ذكرى مولده.
باكرا
رحل هذا "الفريد" تاركا خلفه نتاجا ثريا، يحتار الأصحّاء كيف أنجزها ومتى،
ومع هذا فقد أنجز الكثير في خلال حياته القصيرة هذه. كاتب وسيناريست ومنتج
سينمائي، ورجل رقيق وشهم، وإنسان جدا، يا الله كم هو إنسان، ودعوني أبسّط
لكم حجم خسارتنا التي لا تعوّض في فقيدنا النبيل، للذين لا يعرفون فريد عن
قرب، أو الذين لم يسمعوا باسمه قبل اليوم. فبعض العظماء يولدون لحظة وفاتهم
مولدا أبديا، وفريد منهم.
لكن
هل يمكن تلخيص فاجعتنا؟ لقد جعلنا نعتقد على مدى سنوات أن الموت صديقه، فهو
قريب منه ولكنه لا يريد أذيّته. صدّقنا أنه قد يشارف على نهايته ويعود،
وأنّه سيخرج من المستشفى بسيناريو جديد أو نص روائي، أو نصوص تحكي تجربته
الخارقة وهو يقفز بين عتبات الموت مثل لاعب سيرك محترف.
هذا
الرجل الطيب بالوراثة، الخفيف الظلّ، الجميل الروح، غادرنا في "عام
الكورونا"، رحل مع كوكبة من العباقرة والشخصيات الأدبية التي برعت في صنع
المشهد الثقافي لأوطانها، وغادرت في صمت.
ربما
ما يحدث اليوم بسبب فيروس كورونا، جعلنا نكره أن نحدّق في الموت، بل على
العكس فنحن نحاول أن نتجنّبه، بهدف إخفائه، أو زواله وتنحيه جانبا. فقد
فُرِض علينا أن نعيش حالة الحداد بشكل فردي وحميمي، بعيدا عن النظام
الاجتماعي والجماعي الذي كان ساريَ المفعول إلى أن كشّر كوفيد 19 عن أنيابه
ووضعنا أمام حقيقة صادمة، إننا وحيدون في هذا العالم، مصائرنا الخطيرة
نواجهها دائما بمفردنا، وأن كل تلك الجماعات والتجمعات التي ننتمي إليها
وهم كبير.
وها
هو الموت يكشف كم نحن عُزّل من الدرع الجماعي الذي كنا نحتمي ونتباهى به في
السابق.
في
عزاء فريد رمضان الافتراضي، لفتت نظري "كتابة الحداد" التي رافقته، قرأت
الكلمات التأبينية التي كتبها أصدقاؤه. |