ملفات خاصة

 
 

الكاتب لا يعيش مرة واحدة

رامي عبد الرازق

عن رحيل كاتب السيناريو

وحيد حامد

   
 
 
 
 
 
 

الكاتب والفنان عمومًا ليس إنسانًا عاديًا، محكومًا بسياق مادى ومعنوى محدود وصارم نتيجة ظروف البيئة والمهنة والمجتمع، الكاتب يتدفق عبر حيوات الآخرين ويتدفق الآخرون عبره، حتى إذا ما وصل إلى مرحلة النضج يصبح من الصعب بعدها الفصل ما بين ذاته وبين ما يكتب، فإذا ما انتهى وجوده المادى استمر تدفقه المعنوى واللاشعورى مستمرًا بشكل أثيرى فى الوجدان الجمعى.

ترك لنا وحيد حامد هذا التدفق الهائل من حيوات شخصياته وجمل الحوار فى أفلامه وأطر القضايا المجتمعية التى شغلته، وبالتالى هو لم يَعِش فقط ما بين قوسى (21- 44)، ولكن يمكن القول إنه عاش الزمن نفسه، الزمن كله.

لا شىء يمكنه أن يهزم الزمن مثل الفنون، حتى الأديان نفسها أعلنت هزيمتها أمام الوقت، فعلى مدار تاريخ البشر ظهرت آلهة وعقائد وعبادات اندثر العشرات منها، لكن ما أنتجه البشر من فنون، بالتوازى مع ظهور تلك الأديان، هو الذى بقى، بل لقد حفظت الفنون سيرة الأديان وقصص الآلهة أكثر مما حفظتها الطقوس والشعائر، التى داسها الزمن بسيولته الغليظة.

سلوى: ناقص تقولِّى مش خايف من الموت؟

عزت: الموت هو المحطة الأخيرة فى حياة الإنسان، محطة أساسية، كل واحد لازم يوصلَّها..

سلوى: يعنى مش خايف؟

عزت: لا مش خايف، بس مش عاوز الموت يزورنى بدرى، ياريت المحطة تكون بعيدة، يعنى عاوز أوصلَّها فى اللحظة المناسبة..

سلوى: عاوز تفهِّمنى انك عاوز تموت فى لحظة معينة؟!

عزت: دعاء ورجاء لربنا يمكن يحققهولى..

سلوى: ويا ترى إيه اللحظة اللى حضرتك تحب تموت فيها؟

عزت: لحظة العجز، توقف العطاء، لحظة جمود الإنسان.. هى دى اللحظة المناسبة فعلًا للموت.. «أنا وأنت وساعات السفر».

إذا كان الموت هو انتهاء عيش الزمن فى أبسط صورة فيمكن اعتبار أن وحيد حامد لم يمنح الموت فى أفلامه مساحة تُذكر، لم نشهد موت شخصية مهمة من شخصياته فى أى فيلم تقريبًا، بل على العكس كان الموت غالبًا ما يأتى مفتتحًا للخطوط الدرامية أو بداية رحلة الشخصيات، كما يبدو واضحًا فى أفلام «(الدنيا على جناح يمامة)/ موت زوج (إيمان) وعودتها وارثة، أو (قط وفأر)/ موت الأم ومحاولة استعادة جثمانها من أجل دفنه وسط أهلها، (الإنسان يعيش مرة واحدة)/ موت خطيب الدكتورة وانطلاقها إلى السلوم من أجل أن تعثر على معنى للحياة».

إن وحيد حامد يكتب عن الحياة والحرية، والحق فى أن يكون كلتاهما حاضرة بشكل يُعتبر ارتباطًا شرطيًا لا يجوز فكه، ولكنه يعلم أنه ارتباط مُهدَّد بالقهر والفساد والسلطوية والاستهانة الغاشمة بقيمة الحرية على حساب الحياة أو بتوقف الحياة- كما يليق بها- مع انتفاء الحرية.

والمقصود بالموت هنا هو الموت الطبيعى أو الحادثة القدَرية، ولكن ليس معنى هذا أن أفلام وحيد حامد كانت تخلو من فعل آخر مضاد للحياة، ولكنه ليس الموت الطبيعى لكنه (القتل).

يتجلى القتل كفعل قاسٍ خارج عن المألوف وضد طبيعة البشر وسير الحياة، يبدو فعلًا شاذًا ومؤلمًا وغير مقبول، وفى أفلامه يكرس «حامد» طاقته الكتابية لاستغلاله كإشارة إلى خروج الإنسان عن طبيعته، إن القتل هو انتزاع حرية الحياة فى أبشع صورة، انتهاك للروح وإجبارها على مغادرة الجسد المادى الذى يعيش الإنسان من خلاله.

فـ«المنسى» يقتل العاشقين، اللذين لا نراهما، ولكننا نسمع حكايتهما، عبر تكثيف مرعب (دبحوها ودبحوه) لمجرد أنهما كسرا قاعدة الفصل الطبقى فى مجتمع مشوه.

وفى «كشف المستور» حين تدرك سيدة المجتمع أن الأعمال القذرة لا يمكن أن تحمى الوطن يصبح قتلها هو الحل الوحيد لإسكاتها من قِبَل كل القوى التى تريد للعهر السياسى والمادى والدينى أن يستمر بحجة حماية المجتمع والناس، وهى المحطات الثلاث الأساسية التى تتوقف عندها سيدة المجتمع فى رحلة بحثها عن صك حريتها من ماضٍ كانت تظنه وطنيًا ومجيدًا.

وفى «معالى الوزير»، يصبح قتل «رأفت رستم» لسكرتيره «عطية عصفور» بداية عذابه الأبدى المستحق، حيث تهاجمه كوابيس الضمير وهو مستيقظ، بعد أن كانت تحرمه من النوم ليلًا.

أما مقتل «على الزهار»، فى نهاية «اللعب مع الكبار»، فهو الشرارة التى أطلقت صرخة الحلم من حنجرة «حسن بهنسى بهلول»، وهى الحلم بمجتمع أكثر عدالة يحمى فيه ضابط أمن الدولة حق المواطن فى أن يخدمه النظام السياسى والاقتصادى، لا أن يتحول إلى تكأة لهذا النظام كى يصبح أكثر ديكتاتورية وتغوُّلًا.

وفى نهاية «البرىء»- المحذوفة- ينطلق «أحمد سبع الليل» فى مذبحة دموية تعلن أن الطبيعة الإنسانية يمكن أن تتحول من منتهى البراءة إلى أقصى الوحشية لو مورس عليها القهر والكذب والفساد ولوّثتها المصالح السلطوية.

ومن زاوية أخرى يتجلى فعل القتل كعقاب يائس، بعد أن يفقد الإنسان الأمل فى عدالة ناجزة كما فى قتل «عادل عيسى» لـ«فهمى الكاشف» فى «الغول»، وهو نفس خط «البرىء»، الذى يمكن أن نمده على استقامته حتى نصل إلى اللحظة التى يقتل فيها «أبوالمحاسن» الشخص/ الكيان الذى سلبه غريزة الحرية وغرس مكانها- عبر سنوات السجن المظلمة- حب المذلة والانكسار.

بل إن القتل فى «سوق المتعة»، رغم قسوته، يتحول إلى فعل ثورى تحررى يشفى الغليل ويعيد تنسيق العالم بصورة أكثر اتزانًا.

لم يُمجِّد وحيد حامد فى حياته شعارًا ولا انتصر لقيمة ولا حمل راية فوق قلمه إلا شعار وقيمة وراية الحرية بكل تجلياتها، والموت والحرية ضدان لا يجتمعان إلا إذا تهمّشت الحياة بينهما بقبضة سلطة أو استبداد مال أو قهر دينى متطرف، ولو نظرنا إلى مجمل أعماله فسوف نجد الصراع فيها دومًا ما يدور ضد هذه الطيور الظلامية الثلاثة، قبضة السلطة واستبداد المال وقهر التطرف الدينى، فلا مجال إذن للموت انسحابًا، ولكن يحضر القتل كفعل درامى قادر على التحذير من هاوية قريبة والصراخ فى وجه كل مَن يحاول الاستهانة بتدفق الروح.

لم يكتب وحيد حامد عن الموت، ولكنه كتب الحياة نفسها

لم يَمُتْ وحيد حامد، ولكنه كتب فعاش..

* ناقد سينمائى ومدير سينما الغد بمهرجان القاهرة السينمائى

 

المصري اليوم في

05.01.2021

 
 
 
 
 

مروان حامد يوجه رسالة شكر لمحبي والده الراحل

وجه المخرج مروان حامد، الشكر لكل من سانده في وفاة والده الراحل وحيد حامد، والذي رحل عن عالمنا السبت الماضي، عن عمر ناهز 76 عامًا.

كتب مروان عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “البقاء والدوام لله وحده.. شكرا لكل من عزانا وواسانا في مصابنا الأليم، شكرا لكل الكلام الجميل اللي اتكتب واتقال عن والدي في الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، شكرا لكل المشاعر الصادقة اللي شفناها”.

تابع: “والدي قال في ندوته الأخيرة إن مروان له إخوات كتير، وقد كان. اللي شفته في الأيام الأخيرة من مشاعر صادقة ونبيلة هي مشاعر أخوة حقيقية بتعكس مدى حب الناس لوالدي”.

أردف: “عايز أشكر من قلبي كل الناس اللي احتفت بوالدي أثناء تكريمه في مهرجان القاهرة واللي حضر ندوته. كل كلمة حلوة اتقالت أو اتكتبت أدخلت الفرحة على قلبه وسبحان الله كان قبل ما يفارقنا بأسابيع قليلة”.

اختتم: “أشكركم شكرا جزيلا ويا ريت كل ما تتفرجوا على عمل بتحبوه من تأليفه، تدعوله بالرحمة والمغفرة”.

يشار إلى أن وحيد حامد رحل عن عالمنا بعد أزمة صحية استمرت لمدة أسبوع، دخل على إثرها المستشفى حتى وافته المنية صباح السبت الماضي.

 

موقع "إعلام.كوم" في

05.01.2021

 
 
 
 
 

على مقعد وحيد حامد ما كتبته عنه بعد رحيله

يكتب عنه – سيد محمود

هنا كتب أعماله..

مقعد "وحيد" الذى أصبح فارغا

أحب النيل، واقتبس حكاياته من المارة

مصور "قصر النيل" بطلا لفيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة"

حكاية جلسة الصلح بينه وبين عادل إمام بعد "سوق المتعة"

برحيل وحيد حامد تكون قد انطفأت أحد أهم الشموع التى ظلت تضيء سماء الإبداع فى مصر والعالم العربي، كتب أعماله على طريقته الخاصة، فلم ينافسه فى نسح خيوط واقعنا أحد، له طقوسه التى عرف بها، وبخاصة أن يكتب من الشارع، فكان يقول دائما "أنا أكتب حيث أعيش.. من الناس وإلى الناس"، فلم يعش فى كهف من الكهوف منتظرا الإلهام يأتيه بمشهد بديع، بل قد يذهب هو بحثا عن حكاية كما حدث فى فيلمه "اضحك الصورة تطلع حلوة" الذى اقتبسه من قصة مصور التقاه على كوبرى "قصر النيل".

وحيد حامد المبدع يرحل وحيدا، لتبقى سيرته، وأعماله شاهدة على مسيرته المليئة بالأعمال المعبرة عن كل المراحل التى عاشها.. كيف كان يكتب، وأين كتب أعماله وماذا كان المشهد فى المكان حيث مقعده الفارغ بعد رحيله؟.. نكتب عنها فى السطور الآتية.

ترك الأمكنة التى ظل يكتب فيها طوال حياته، مقعده فى " الساقية" وهي "كوفى شوب" بالفندق الذى اعتاد أن يكتب فيه ويلتقى كل أصدقائه، تشعر وأنت فى المكان تتلمس المقعد بصوته، بكلماته الحميمية "أهلا بيك..اتفضل" وهو يسألك "تشرب إيه؟.. إحساس مؤلم أن تتأمل مكانا كان يجلس عليه إنسان أثر فينا، إنسان أحب الحياة، كما قالها فى آخر لقاءاته يوم تكريمه "أحبوا الحياة".

انتقل إليه عام 2001 ، عند زيارته بعد رحيله بأيام، كان المكان حزينا، لا أحد هناك، إلا عبارة وضعها أصحاب الفندق على الترابيزة التى بها أربعة مقاعد وهي "محجوز"، احتراما وتقديرا لمن كان يجلس هنا.

مقعده بلون مختلف عن بقية المقاعد الثلاثة، حيث النظرة فى اتجاه سريان المياه، وكوبرى قصر النيل، وبرج القاهرة، وقبة الأوبرا، والشمس تضىء الأمكنة.. هكذا كان يجلس ويتأمل ويكتب.

معظم أعمال وحيد حامد رحمه الله، كتبت خارج منزله، فهو لا يحب الكتابة فى غرف مغلقة، وقد يكون من أحد أسرار تميزه فى سرد الحكايات الشعبية، والأكثر التصاقا بالواقع أنه كتبها مع البسطاء، فقد بدأ حياته فى الكتابة على مقاهي وسط البلد، وبخاصة تلك التى تقترب من نهر النيل بميدان التحرير، فهو منذ أن أتى إلى القاهرة من قريته "بني قريش" محافظة الشرقية، وهو يبحث عن المكان، وعن الفرصة التى يعرفه فيها الكبار، ومن شارع قصر النيل، ونادى القصص، ذاق أول شعور بالفشل عندما وقف أحد النقاد لينتقده بشدة، ويقول له "إيه الفشل ده" وساعتها قال رحمه الله "تمنيت لو أجد أمامى القطار، وأعود إلى قريتى" لولا تدخل سكرتير عام النادى عبد الحليم عبدالله، الذى ربت على كتفه، وقال له "لا تيأس" .

من المقاهي إلى مبنى ماسبيرو، حيث كانت الفرصة التى منحته أول ضوء للطريق، إذ كتب المسلسلات الإذاعية، ثم عرف وحيد حامد طريق النجومية فى عام 1978 بلقاء النجم الكبير عادل إمام فى مسلسل "أحلام الفتى الطائر".

فى منتصف الثمانينيات كان قد أدرك أن جلسات المقاهى لم تعد تصلح للكتابة، فبدأ البحث عن مكان أكثر هدوءا، مكان يرى فيه معشوقه الأول النيل، وتطل من نوافذه الشمس التى دائما ما يرسمها فى مشاهد أعماله، يحكى عنها مثلما حدث فى فيلم "دم الغزال" ووصف بطلته "منى زكي" فيقول عنها "هي إللي الشمس مكنتش بتشرق غير لما تفتح شباكها وتطلّ منه, ودايما نورها بيسبق نور الشَمس".

فى هذه الفترة بعد أن توطدت علاقته بالنجم عادل إمام، انتقل وحيد حامد إلى فندق "جراند حياة" المطل على النيل، وظل يكتب فى الكوفى شوب حتى عندما توقف الفندق عن العمل، وظل الدور الأرضى مفتوحا يستقبل فيه وحيد حامد كل النجوم.

يخرج من بيته فى التاسعة صباحا، يجلس من العاشرة حتى الثالثة عصرا، يكتب، ويلتقى أصدقاءه، مشروبه المفضل هو الينسون، فلم يكن ممن يتناولون القهوة بكثرة، كتب فى المكان القديم وقبل أن ينتقل إلى ترابيزته المفضلة بفندق "جراند حياة" المجاور للفندق القديم كتب مسلسل الدنيا على جناح يمامة، وكتب أفلام "البريء" عام 1986، والبشاير، وملف سامية شعراوى، وكل هذا الحب، والراقصة والسياسي، وظل يكتب فى الفندق القيم قبل توقفه نهائيا عن العمل حتى عام 2000، وفى هذا العام استغل وحيد حامد ومعه المخرج سمير سيف فكرة تصوير فيلم "سوق المتعة" بعد تأجيله لأكثر من مرة ليتم تصوير مشاهد مهمة منه فى المبنى الجديد للفندق المجاور، وكان فيلم "سوق المتعة" ملتقى للكبار، ففى أثناء التصوير ظل يستقبل ضيوفه بمكانه القديم، وفيه حدث التصالح بينه وبين عادل إمام بعد خصام قصير، إذ كان فيلم "سوق المتعة" قد كتب خصيصا للنجم عادل إمام، واعتذر عنه، وأسند سمير سيف البطولة للنجم محمود عبد العزيز، وذهب الزعيم ليهنئ صديقه ويتصالحا، وتنتهى فترة من الخلاف بين الجميع.

بنهاية تصوير "سوق المتعة" انتقل وحيد حامد إلى"الساقية" وهى منطقة بالفندق الجديد المجاور لجراند حياة المغلق حاليا، وفيها عاش سنوات كتابته لأعماله من 2001 وحتى الأسبوع قبل الأخير لتدهور حالته الصحية، إذ التقى قبل تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى فى نوفمبر الماضى كل أصدقائه من الفنانين والإعلاميين، وكان يكتب فيلما جديدا للمخرجة ساندرا نشأت التى زارته فى هذه الفترة، وينهى حلقات الجزء الثالث من مسلسل"الجماعة" .

كل أفلامه يلتقى فيها صناعها من الممثلين والمخرجين فى جلسته على النيل، فيلم "طيور الظلام" و"معالى الوزير" والنوم فى العسل" واضحك الصورة تطلع حلوة، كل هذه الأعمال نوقشت على ترابيزة واحدة، وفى مكان واحد.

أحب رحمه الله أن يعيش فى حميمية، وكان يؤكد دائما أن فقدان الونس شىء صعب، وأن الحكايات التى يسمعها من الناس ملهمة، فقد يعثر على اسم فيلم من كلام العمال كما حدث حينما اختار اسم "الإرهاب والكباب" بعد أن قاله عامل إضاءة فى أثناء تصوير الفيلم .

 

مجلة نصف الدنيا المصرية في

07.01.2021

 
 
 
 
 

المنسي .. ليس مجرد اسم بل نمط حياة

محمد كمال

المنسي .. ليس مجرد صفة أو اسم شخص بل اسلوب حياة انسان، احساس عميق داخلي بالتجاهل والنسيان من قبل المجتمع الذي يعيش به والدولة التي يعمل من أجلها، قبول العيش على هامش الدنيا سعيا وراء الرزق البسيط والبحث عن السعادة اللحظية التي تشعره بالرضا، المنسي صاحب الامكانيات المحدودة حيث لم يتلقى التعليم الكافي، ذلك الإنسان الغير سعيد في حياته لكنه قانع يحاول التأقلم بعد أن تعرض للسحق من قبل الرأسمالية المتوحشة، لم يعد يرى متع الحياة إلا في الأحلام التي يهرب خلالها من واقعه المتهالك القاتم الرتيب، متابعا بشدة عالم آخر موازي دون الاقتراب منه، يوسف المنسي الرجل المهمش فجأة وبدون مقدمات لمدة ليلة واحدة تحول إلى دور البطولة واقتحم العالم الآخر الذي كان يراه من الخارج أو في الحلم، لدرجة أنه في لحظات شعر بالارتباك هل ما يحدث حلم أو حقيقة، حتى بعد ان تأكد أنه لم يكن يحلم، التحول إلى دور البطولة سيظل حلم بالنسبة له.

يوسف المنسي عامل التحويلة الموظف في السكك الحديدية اختيار دقيق من الكاتب وحيد حامد لهذه المهنة التي يعبر من خلالها عن نقطتين، الأولى كما جاء على لسان البطل حول قطار العمر الذي فاته كأن القطارين، العمر والعمل بالنسبة له وجهان لعملة واحدة، أما النقطة الثانية أن المنسي حياته مثل قضبان القطار هو يمثل أحد أطرافه، والطرف الآخر هو ذلك العالم الموازي الذي يمثله رجل الأعمال أسعد ياقوت صاحب الجاه والنفوذ والأموال، حيث يسير العالمان بشكل متوازي مثل القضبان لا يلتقيان مطلقا إلا من خلال مديرة أعمال أسعد "مدام" غادة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة التي كانت في أوقات سابقة تمثل نقطة التقاء العالمين أو كما يقال رمانة الميزان، وحلقة الوصل بينهما على كافة المستويات اجتماعيا، ثقافيا واقتصاديا، تلك الطبقة التي أصبحت بمرور الوقت أكثر الطبقات معاناة في طريقها للزوال كأنها وقعت بين جانبي القضبان وتعرضت للدهس من قبل القطار السريع.

على غرار قضبان السكك الحديدة قسم المؤلف وحيد حامد والمخرج شريف عرفة فيلمها إلى عالمين الأول يضم يوسف المنسي وأسرته البسيطة حيث يعيش في شقة مع شقيقته وزوجها الذي يحاول بشتى الطرق أن يجلب ليوسف زوجة ميسورة الحال حتى يترك له الشقة، المنسي الذي تضطره ظروف عمله ان يكون كائنا ليليا حيث يعمل في "مزلقان" يقع في الأرياف، حياته منغلقة ضيقة بين العمل والجلوس على المقهى مع صديقه شهبور بائع الصحف أو أحيانا الذهاب إلى السينما وقت مهرجان القاهرة لأن الأفلام تعرض بدون حذف على رأي المنسي "قصة ولا مناظر".

وعلى الجانب الآخر نجد عالم المليونير أسعد ياقوت والحديث داخله عن رأس المال والمصالح المشتركة الذي لا يتردد لتقديم أي شئ مقابل الحصول على "الفلوس" حيث يستعد لإقامة حفل ضخم بمناسبة عيد ميلاده خاصة بعد قيام رجل أعمال يدعى "حسان" بشراء مصنع وشركة يحققا خسائر برقم كبير لهذا فأسعد يقيم الحفل على شرف حسان الذي بدوره أعجب بغادة مديرة

أعمال أسعد وطلبها منه، مما جعل غادة تغضب وتغادر الحفل وتتعطل سيارتها بجوار المزلقان فتلتقي بالمنسي.

اختار وحيد حامد أن تكون نقطة التقاء العالمين عن طريق المنسي وليس العكس عن طريق أسعد، وبدأت غادة في التعرف على المنسي الذي هو الآخر بعد أن كان ينسى همومه عن طريق أحلامه الخيالية لكن هذه المرة كانت واقعية، وجاءت المشاهد الحوارية التي جمعت المنسي وغادة هي الأقوى والأكثر تركيزا على مدار الأحداث التي جعلتنا نتسلل داخل نفس هذا الشخص المهمش بتفاصيل بسيطة سردها وحيد حامد بتمكن، وصولا إلى المشهد الذي جسد خلاله المنسي أحد أحلامه والذي انتهى بضرورة وحتمية المواجهة.

جاءت المواجهة في المشهد التالي مباشرة وهي التي جمعت الثلاثي المنسي وغادة وأسعد بيه، في لقاء يحمل في طياته سيكولوجية الحوار بين الطبقات المختلفة، وفي هذه المواجهة جنحت غادة التي تمثل الطبقة المتوسطة إلى جانب المنسي في وجه البرجوازية الرأسمالية والتي كانت نتيجتها انتصار الثنائي في المرة الأولى قبل ان يعود أسعد وينجح في استعادة غادة مرة أخرى قبل أن يرد المنسي ويتخذ موقفا عنيفا قد يكون للمرة الأولى في حياته حتى ينقذ وجوده أو ما تبقى من وجوده ويستعيد غادة أثناء الحفل بعد قيامه بعبور المجرى المائي البسيط لينتقل إلى الجانب الآخر لكن يبدو كأنه انتقل إلى كوكب آخر، ثم المواجهة الأخيرة التي احتمى فيها المنسي بأمثاله من البسطاء والفلاحين والمهمشين في مواجهة أسلحة أسعد وحسان، تلك المواجهة التي اختار وحيد حامد أن تكون على قضبان القطار، ذلك القطار الذي كما كان السبب في سحق غادة وأمثلها سيظل هو الشاهد الأساسي على المواجهة المقبلة بين العالمين المتوازين المتنافرين.

الخوف كان العامل المشترك الذي جمع بين كل الشخصيات مع اختلاف أحلامهم وطبقاتهم، المنسي خائف من الوحدة، أسعد خائف على فقدانه الصفقة واهتزاز كيانه الاقتصادي، غادة خائفة من موافقة أسعد على طلبات شريكه الجديد، حتى فرغلي خائف من المكوث ليلا استنادا إلى روايات قديمة كانت التمهيد والمدخل إلى أحداث الفيلم الذي احتوى في بعض أجزاءه على جانب يقترب من الحكايات الأسطورية وكانت النهاية مع فرغلي أيضا الذي فزع بعد مشاهدة المنسي الذي بدوره تركه في حالة الهلع وابتسم ورحل كأن المنسي هو من خاض التجربة بدلا منه، فالأحداث كانت بالنسبة للأبطال مثل الحلم فلم يكن يتوقع الثنائي أسعد وغادة ما حدث حتى المنسي برغم انه غارق في أحلامه لكن لم يتوقع أن يعيش الواقع، فهو عاجز عن عيش الحياة بواقعية حتى عندما قالت له غادة "ممكن تبوسني" رده كان "أخاف .. أبوسك في الحلم اه".

قدم وحيد حامد رؤية انسانية لواقع يومي لأحد المهمشين الذي تجاهله المجتمع وهو بدوره هرب من همومه عن طريق الأحلام، في ليلة واحد عاش الحلم خلال الواقع تحدث عن أحلامه وعبر عن آلامه ودافع عن كرامته لكنه سيظل منسيا.

 

أخبار النجوم المصرية في

07.01.2021

 
 
 
 
 

ياسر جلال عن وحيد حامد: أول من قدمنى للسينما وتأثرت نفسيا برحيله

كتب عمرو صحصاح

قال النجم ياسر جلال إنه عاش على مدار الأيام الماضية فى حالة نفسية سيئة جعلته يحرص على التواجد بمفرده، وذلك بعد وفاة الكاتب الكبير وحيد حامد، موضحا فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، أن السيناريست الكبير الراحل أول من قدمه للسينما وذلك من خلال فيلم "النوم فى العسل"، من بطولة النجم الكبير عادل إمام، وكان وقتها نجله مروان مساعدا للمخرج الكبير شريف عرفة فى الفيلم نفسه.

وأضاف النجم ياسر جلال فى تصريحاته: "فتحت عنيا والأستاذ وحيد حامد كان صاحب والدى المخرج المسرحى جلال توفيق، وكان من أوائل المسرحيات التى شاهدتها فى حياتى، كانت مسرحية "7 تحت الشجرة"، تأليف الأستاذ الكبير وحيد حامد، وإخراج والدى جلال توفيق، وكانت إنتاج المسرح الحديث، وتم عرضها على مسرح السلام، ولى صور كثيرة معه وأنا طفل صغير لأنه كان بمثابة والد لى".

وتابع جلال قائلا:"سيظل الأستاذ وحيد حامد أحد أهم وأبرز أيقونات السينما المصرية والعربية، وسيظل يذكر التاريخ أعماله الخالدة التى عبرت عن قضايانا بشكل موضوعى ومهم، وكنت وسأظل أتعلم منه معنى الفن والإخلاص، فأنا لم أنسى أيضا محبته لى عندما نجحت أولى بطولاتى من خلال مسلسل "ظل الرئيس"، ففوجئت به يهنأنى بكلمات أخجلتنى وأسعدتنى للغاية"، وأقدم خالص العزاء لنجله المخرج السينمائى الكبير مروان حامد، وزوجته الإعلامية القديرة زينب سويدان".

كان الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد قد تحدث فى تصريحات سابقة عن بداياته الفنية، حيث قال: "كنت مفتون بالمسرح تماما وبدأت محاولات الكتابة للمسرح وبدأت أتعرف من نجوم المسرح القومي في ذاك الوقت وبدأوا يقولو في ولد بيكتب،

واستكمل الراحل وحيد حامد حديثه قائلا:"حتى بداية السبعينات روحت الإذاعة صدفة مع أصحابي وكانوا محتاجين حد يكتب مسلسل في أقل من أسبوع، وقولت لهم مبعرفش أكتب مسلسل إذاعي، وكان من بين أصدقائي الأستاذ جلال توفيق، إدانى نموذج لمسلسل إذاعى وقالي زي ده ونجحت محاولتي وكان المسلسل اسمه (شياطين الليل) وكان أول تعامل ليا مع النص الدرامي على المستوى الإذاعي والتلفزيونى، وبدأت بمسلسل كامل على عكس المعتاد، لأن كان النظام نبدأ بربع ساعة ونتدرج وهكذا، وكنت أول مرة أشوف الفنان الكبير محمود مرسي والفنانة سماح أيوب، اللذين كانا قامات في المسلسل".

يذكر أن الكاتب الكبير وحيد حامد توفى السبت الماضى بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 77 عاما، وتم تشييع الجثمان من مسجد الشرطة بالشيخ زايد، ودفنه بمقابر الأسرة بطريق الفيوم.

 

اليوم السابع المصرية في

07.01.2021

 
 
 
 
 

نساء في دراما وحيد حامد.. لعبة المرايا وقلب الأدوار | فيروز كراوية

فيروز كراوية

عندما تستعرض فيلموجرافيا وحيد حامد ستلاحظ فورًا العدد الكبير لأفلام البطولة النسائية. فترة الثمانينيات والتسعينيات قدمت فيها نجمات السينما المصرية إنتاجًا من بطولتهن يفوق في قيمة موضوعاته أي فترة تاريخية أخرى، بمساعدة دراما كتاب سيناريو ومخرجين أمثال وحيد حامد وبشير الديك وسمير سيف وأشرف فهمي وعاطف الطيب وغيرهم.

جيل من الممثلات قاومن موجة عاتية من تحجيب الفنانات. لم يكتفين بأدوار مساندة للرجال أو أدوار بطولة نمطية. غامرن بأدوار جريئة على المستوى الاجتماعي والسياسي، ونجحت بعضهن في الوصول لمراكز متقدمة في شباك التذاكر.

والأهم أنهن صرن جزءًا عضويًا من الصناعة بالمشاركة في الإنتاج بأموالهن الشخصية، وتشجيع وجوه جديدة على مستوى التمثيل والسيناريو والإخراج.

نذكر في المقدمة نبيلة عبيد ونادية الجندي وليلى علوي وإلهام شاهين ويسرا. لكن المكان الرمزي الذي اختاره وحيد حامد تحديدًا للأدوار النسائية متميز لعدة اعتبارات.

شخصيات لا رموز.. حكايات لا مواعظ 

كلما تملكت إيديولوجيا بعينها أفكار كاتب الدراما، ظل مدفوعًا للوصول إلى النتائج أكثر من إثارة الأسئلة. الدراما المصرية حفلت بالرمزيات الإيديولوجية بحيث تمثل الشخصيات الدرامية قوالب وكنايات عن المجموع أكثر مما تمثّل فردًا وتحكي حكايته التي لا تشبه حكاية أخرى.

محمود المليجي في فيلم الأرض رمز لقطاع ومجموع يخلع عليه السيناريو صفة المقاومة أو البطولة.

شادية في فيلم شيء من الخوف رمز لقطاع ومجموع وأحيانًا للبلد.

الشخصيات النسائية في دراما أسامة أنور عكاشة في أغلبيتها مثلت رمزيات من نفس النوع. أنيسة في ليالي الحلمية تأكيد على الطابع الشمولي للإيديولوجيا الناصرية التي تحتكر لنفسها أخلاقا مثالية متعالية ثابتة ومتجمدة في وجه التقلبات الزمنية.

بينما زُهرة هي رمزية أخرى لتقلبات عصر آخر يركّز المؤلف على مثالبه.

في دراما وحيد حامد خطوة للأمام بخصوص مسألة التعبير الرمزي. مقارنة بمجايليه، حقق قفزات في تمثيل الشخصية لنفسها، وتبنيها لروايتها، وفق ظروفها وتاريخها. تتحدث بلسانها. ولا تتشابه جميع الشخصيات في لغتها كأنها تردد ما يدور في ذهن كاتب واحد صانع للعمل.

اختياراته للنماذج النسائية جاءت تلبية لدافع التساؤل، وتتبع المجتمع في وضع الحركة لا الثبات.

الثبات يشجع الكاتب على لي عنق الدراما، ودفع الشخصية لمصير محدد مسبقًا، ومواعظ دافعها إيديولوجي. لكن الحركة تدفع الشخصية أحيانًا لمصير غير متوقع. خلال تفاوضها مع الشروط الاجتماعية حولها قد تخرج بطلة أو ضحية، فاسدة أو مبدئية، أو تتقلب بين أحوال مختلفة، مزيج من هذا وذاك.

دولة القانون ودولة الوصاية على الأخلاق 

في بداياته عام 1984 و1986 يقدم وحيد حامد مع عاطف الطيب فيلمي “التخشيبة” و”ملف في الآداب” بأدوار بطولة لـ نبيلة عبيد ثم مديحة كامل.

يقدم فيهما رؤيته لتأثيرات الأزمة الاقتصادية على الأخلاق الاجتماعية. يتتبع أيضا سلوك عناصر السلطة بالتوافق مع بنية اجتماعية اخترقها التشدد الديني وتزاوجت فيها أفكار الإسلام السياسي مع أداء أجهزة الدولة البيروقراطية والتشريعية.

بالتزامن مع إطلاق السادات ليد الجماعات الإسلامية تعزز دور بوليس الآداب المصري وتوسعت صلاحياته بقرارين وزاريين عامي 1972 و1979. ثم أجري عدد من التعديلات الجذرية على قانون العقوبات المصري بحيث يتوافق مع الشريعة الإسلامية.

وبحلول عام 1980 عدّل الدستور المصري لتصبح الشريعة الإسلامية “المصدر الرئيسي للتشريع” في مادته الثانية.

يختار وحيد حامد شخصية طبيبة ميسورة الحال في “التخشيبة”، وشخصية موظفة آلة كاتبة فقيرة تسكن المقابر في “ملف في الآداب”.

يحكي من طريقهما عن الهوس بالفضيحة الذي رافق انهيارًا أخلاقيًا يتمدد على خلفية الصراخ بشعارات الفضيلة ومصلحة الوطن وتحقيق الصالح العام.

يحكي عن المصير الذي تساق إليه نساء عاديات لم ترتكبن أية جريمة لتجدن أنفسهن أداة لتسديد خانات؛ مرة لصالح مجرم يلصق بالطبيبة جريمة سيئة السمعة، ومرة عن طريق مقدّم بمباحث الآداب يبحث عن ترقية وقضية مثيرة.

بينما تسير الحكاية ترصد الكاميرا شوارع وسط البلد وظاهرة التحرش الجنسي، ونرى الفتيات يلقين التلميحات عن العجز الجنسي لدى الرجال، وطموحاتهن المتوجهة نحو راجل عنده شقة تعويضًا عن باقي الاحتياجات:

حاكم مفيش حاجة تعمل قيمة للراجل في اليومين دول غير شقته… زمان بقى كانت قيمته في .. (ضحك)”. مديحة – ملف في الآداب – 1986- إخراج عاطف الطيب.

 نرى الضابط يحاجج رجلًا متدينًا قبض عليه ضمن شبكة الآداب المدعاة في قضية ملفقة. يسأله عن زجاجة خمر وجدها مع أحد الضيوف على عزومة غداء واعتبرها دليل اثبات:

-“أنا مسلم وبس. لا قلتلك أنا داعية ولا مصلح اجتماعي. ربنا سبحانه وتعالى هو الهادي. هو المصلح. ودول شباب. ثم إن الخمرة مش محرمة قانونًا”.

-“لكن محرمة شرعًا يا حاج”

-“انت ظابط ولا واعظ”؟ 

الكاتب هنا مشغول بهذا الالتباس بين منظومة القانون الحديثة والقائمين على إنفاذ القانون ومواد القانون التي أطلقت يديهم في إدانة الأبرياء وفق ثقافتهم المكتسبة وثقافة المجتمع التي تغيّرت.

وهو تساؤل أعمق عن بنية الدولة السلطوية وتوجهاتها ومصيرها بعد هذا التزاوج المشؤوم.

خيوط سنراها تمتد في أفلام وحيد حامد بامتداد الأزمة الاجتماعية التي صنعها هذا التناقض الرئيسي؛ تناقض الحداثة المحتجزة في سجون خطابات ضد حداثية، تحولت بالفعل لتشريعات وقضبان واغتيالات سياسية وحوادث إرهابية.

على رأس ضحاياها نساء تسددن فواتير ما لم تفعلن، وتستخدم الفضيحة حصرًا ضدهن، وتتدخل الأجهزة الأمنية في أدق تفاصيل الحياة الشخصية للنساء والرجال لتحفظ استمرار البنية السلطوية الكلية.

خارج النمط.. أقوى من الفضيحة 

في مرحلة تالية انتقل وحيد حامد نحو مزيد من الأسئلة الجريئة اختار لها نماذج نسائية أكثر جرأة على كسر النمط.

اختار ليلى علوي في دور مدمنة عملت بالدعارة في فيلم “المساطيل”، من إخراج حسين كمال، والذي واجه ضغوطًا رهيبة حتى منع من العرض.

واختار نبيلة عبيد في دور الراقصة في فيلم “الراقصة والسياسي” ودور إحدى المتعاونات مع جهاز المخابرات في الفترة الناصرية في فيلم “كشف المستور”.

واختار يسرا لدورين من أجمل أدوارها؛ مقبوض عليها في تهمة آداب في “الإرهاب والكباب”، ومديرة مكتب هاربة من حفل رجل الأعمال الذي تعمل لديه لأنه يعرضها كغنيمة ضمن صفقة من صفقاته في فيلم “المنسي”.

في فيلم الإرهاب والكباب، يختار وحيد حامد الموظف السلفي (أحمد عقل) المتهمة في قضية الآداب (يسرا) دون باقي نساء العمل ليدعوها للهداية. وتكشف هي بإجابتها الساخرة عن غرضه الذي تفهمه:

اختيار النماذج الأبعد عن المينستريم أو التي تحتل هوامشه هدفه تفجير التناقض بصورة أكبر. هدفه ألا تحتكر الحديث عن المبادئ والشرف والأخلاق ألسنة شخصيات ملائكية وعظية نمطية.

السؤال الأخلاقي هنا أكثر تعقيدًا. والتعقيد هنا أكثر شبهًا بالحياة وبتفاعلات السلطة ومعارضيها ومجتمعها على أرض الواقع.

الأفراد في شبكاتهم العائلية والاجتماعية أعضاء في البناء التحتي للسلطة. مرشد للبوليس يستطيع تلفيق قضية ليرضي من يعمل لديهم ويستطيع إحكام أدلتها. قيم النفاق الاجتماعي بغطائها الديني تُحكم قهرًا سلطويًا على الأضعف دون احتياج لقبضة الحكومة.

أصبحت تلك الشخصيات النسائية وحياتها خارج النمط مرآة لسلوك رجال سلطة، ورجال أعمال، وموظفين فاسدين، وإسلاميين فاشيين، ونساء نمطيات يتماهين مع أشكال القهر المفروضة عليهن، ويسايرنها، ويتقمصن أدوار القاهرين.

مرآة تنعكس عليها آليات النفاق وعلاقات القوى والوجه الآخر للتحكم السلطوي وذلاته وادعاء النقاء الديني وأكاذيبه.

الحيلة الدرامية الرئيسية هي قلب الأدوار.

هؤلاء النساء اللاتي كسرن بالفعل قيود الخوف من الفضيحة صرن أقوى في مواجهتها وأقل خضوعًا للتهديد.

عكس نساء الأفلام الأولى، وعكس نساء الدراما المصرية، اللاتي غلبت عليهن رمزية التطهر مقابل الرذيلة، الفضيلة مقابل الشيطنة، بدت نساء دراما وحيد حامد في مواقع أكثر رمادية. 

نفس الشخصية التي استخدمت في عمليات مخابراتية غير نظيفة في السابق، تقف اليوم موقف الرفض منها في “كشف المستور”.

مصرة على تحدي مقايضة بين اختيارها الحر و”المصلحة الوطنية”. وتصبح كاشفة لتطورات شخصيات أخرى؛ تفضح تدينها المستجد وما يحمل وراءه، والتحافها الخسيس بالمواعظ حتى تتنصل من تاريخها.

نفس الشخصية المدفوعة للارتزاق من الدعارة تقود شلة المساطيل للاعتراف بحكايات وجرائم تهشّم صورتهم عن أنفسهم، في تقنية استلهمت “تيار الوعي” الأدبي واستخدمها وحيد حامد في عدة أعمال.

الراقصة كانت أقوى في تحديها للسياسي لأنها كانت أكثر حرية في اختيار الفعل الخيري الذي تقدم عليه (بناء ملجأ للأطفال).

لم تكن تنتظر أن تبدّل صورتها بصورة فنانة معتزلة تائبة حتى تبدأ تشييد الملجأ.

كانت تريد أن تبقى نفسها ولا تقبل أن يصبح فعل الخير مدخلًا لاستتابتها أو تخليها عن مهنتها التي تحبها. بينما كان الأسهل على السياسي مجددًا أن يستخدم مهنتها سلاحًا ضدها، محرضًا يستند لثقافة متخلفة.

المراحل الأخيرة 

قرب المراحل الأخيرة من تاريخه الحافل، يجمل وحيد حامد هذه الخطوط الدرامية والشخصيات والرؤى الاجتماعية في فيلمين غلب عليهما الطابع الفانتازي الرمزي “سوق المتعة” و”النوم في العسل”.

عرض الفيلمان سؤال الحرية مقابل سؤال العجز على شاشة متسعة لتساؤلات أكثر تجريدًا ووضوحًا. وكأن السؤال عن مقومات الدولة الحديثة، دولة المساواة والمواطنة، الذي بدأ به تاريخه، تزداد إجابته غموضًا وشحوبًا. يزداد العجز استفحالًا ووبائية، وتستطيل القضبان وينسد الأفق.

تحملت نساء دراما وحيد حامد نصيبهن في بحث السؤال المحوري الذي حاول أن يعقّده فلسفيًا في سلسلة أفلام طويلة؛ أضاء فيها على مراحل التحلل الاجتماعي وصراعات القوى الاجتماعية وصفقاتها.

ووقفن في حكايات فيلمه النسائي الخاص “احكي يا شهرزاد” شهودا على هيمنة اكتملت عبر الطبقات الاجتماعية لتيارات دينية تكره التحديث والحرية، وتفتت منظومة العدالة والقانون، وعصور من التواطؤ السلطوي يقع فيها الفرد وحريته وأحلامه دائمًا ضحية توحش المجموع ورمزية الحشود.

 

####

 

وحيد حامد | فارس منتصر أم نبي مهزوم..

كيف تطور وعيه في صراعه مع الإسلاميين؟ | هاني عمارة

هاني عمارة

الراحل وحيد حامد كان أحد أبرز الأسماء في معركة الدولة المصرية مع الأصولية الدينية، من خلال أعماله التي هاجم فيها التيار الإسلامي الأصولي وكشف وجهه السيئ. لكننا هنا لا تناوله بالنقد الفني أو المهني، بل نحاول تقييم معركته ضد الإسلاميين.

مسلسل العائلة.. بداية المعركة 

في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية بسبب حرب أفغانستان، التي شارفت على نهايتها بعدما أكسبتهم الخبرة القتالية المطلوبة، فقرروا استئناف المعركة مع الدولة المصرية، بما استدعى موجة إرهاب كبيرة طالت شخصيات كبرى في الدولة، أهمها رئيس البرلمان رفعت المحجوب.

فنيًا، دشنت السينما والدراما موجة موازية نجحت في ترسيخ الصورة النمطية لشخصية الإسلامي الأصولي في فترة التسعينيات. وحيد حامد – ورغم كونه الاسم الأبرز – إلا أنه دخل المعركة متأخرًا من خلال مسلسل العائلة 1994 الذي حشد عددًا ضخمًا من الممثلين الكبار وقتها ليكون نظيرًا للمسلسلات الاجتماعية الكبيرة كالشهد والدموع وليالي الحلمية.

وبرغم تحقيق المسلسل جماهيرية كبيرة كأهم مسلسل في الموسم الرمضاني، ومع جرأته الشديدة في التعاطي مع بعض القضايا الحساسة، إلا أنني أشهد كمعاصر لتلك الفترة أن مردود مسلسل العائلة كان سلبيًا؛ لأسباب سأذكرها لاحقًا، وإن كان أكبر دليل على فشله هو عزوف القنوات عن إعادة عرضه لاحقًا.

بعدها، تعاون وحيد حامد مع عادل إمام في فيلم طيور الظلام الذي كان أفضل في التناول من مسلسل العائلة لتركيزه على الجانب السياسي وعلاقة الجماعات الإسلامية بدوائر الفساد داخل الدولة. لكنه وقع في فخ الفكرة النمطية التي تساوي بين السلطة والإرهاب، واعتبار الشعب ضحية بينهما.

لاحقًا، انتهت الموجة الفنية في أواخر التسعينيات دون أن تحقق الهدف منها، برغم بعض مميزاتها مثل الجرأة في الهجوم على التيار الإسلامي، لأول مرة. وكانت أول صفاتها تنميط السمت الإسلامي السلفي المتعلق باللحية والنقاب.

لكن، يحسب لصناع تلك الأعمال أيضًا – خصوصًا وحيد حامد وعادل إمام – الجرأة الشديدة، خصوصًا أنهم أنتجوها وسط أجواء من الخوف بعد اغتيال فرج فودة، مع تهديدات الجماعات المتكررة بمصير مماثل لغيره، بما أدى لعزوف كثير من الفنانين عن تلك الأعمال.

لماذا لم تنجح تلك الأعمال في إيصال رسالتها؟ 

1 – الصورة الكاريكاتورية لشخصية الإسلامي

على غرار شخصية اليهودي الكاريكاتورية المبالغ فيها في الأعمال الفنية، حظيت شخصية الإسلامي بصورة مشابهة، كشخص ملتح متشنج فظ يتحدث بالفصحى، يحرم ويكفر لأتفه الأسباب، مع استخدام نماذج شاذة أو غير موجودة في أوساط التيارات الإسلامية، مثل مشهد تحريم الخيار في مسلسل العائلة، أو القبض على شارب خمر من أمام حانة وجلده حدًا للخمر، وهي حالات ونماذج قليلة أو مبالغ فيها يصعب تعميمها على واقع الأصوليين في مصر وقتها.

وفي حالة الإسلاميين بعكس اليهودي لم يكن الأمر سهلًا؛ فالمشاهد كان يحتك بالإسلاميين على اختلاف أطيافهم يوميًا في كل مكان حوله، ولا يجد تلك الصورة بنفس الشكل.

هنا استغل الإسلاميون أعمال وحيد حامد وغيرها بشدة في ترويج رواية أن الدولة تتجنى عليهم وتشوه صورتهم. ساعدهم في ذلك أن هذه الصورة، وإن كانت منتشرة فترة السبعينات وأوائل الثمانينيات، إلا انهم وقت عرض هذه الأعمال كانوا قد تجاوزوها، بل وسخروا منها مع الساخرين.

هذا الفيديو مثلًا “الذي أنتجته إحدى قنوات الإسلاميين” استغل هذه الثغرة:

2 – الخلط بين فصائل الإسلام السياسي

الإسلاميون أطياف شتى، بينهم السلفي والإخواني والجهادي والوسطي، إلا أن أعمال تلك الفترة عممت شخصية الإسلاميين في صورة السلفي التكفيري الجهادي المتشدد، كما ظهر في مسلسل العائلة. بينما كان قوام الإسلاميين الأساسي حينها من الإخوان تحديدًا كانوا حريصين على الظهور بالملابس المدنية وحلق لحاهم.

يتضح هذا الخلط في فيلم وحيد حامد “طيور الظلام” حيث جعل المحامي الإسلامي إخوانيًا، لكنه يحرك عمليات إرهابية لقتل الضباط، وهي العمليات التي كانت تمارسها جماعة الجهاد.

هذا التعميم لم يخدم الفكرة، ولم يقنع الناس وقتها، خصوصًا أن الاخوان كانوا يدينون تلك العمليات، ولم توجه لهم الدولة أي اتهام بشأنها.

هذا التنميط  سمح للإسلاميين الذين لا يظهرون بتلك الصورة أن يتخفوا وراء مظهرهم “العادي”، أي منح صك براءة الإسلاميين الذي لا يظهرون بهذه الصورة، إذ استغلوها لترويج أنفسهم بمظهر المعتدل الذي يعادي هؤلاء المتطرفين، وهو أكبر فخ سقط فيه المجتمع بنخبته وعوامه في تلك الفترة.

3 – وضع أجهزة الدولة والأصوليين في كفة واحدة 

من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها صناع الفن في تلك الفترة “بحسن نية” هو وضع أجهزة السلطة  والأصوليين في كفة في مواجهة الشعب. وعادة ما عبروا عن السلطة بالأجهزة الأمنية أو المسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين. هذا يتضح في فيلم طيور الظلام والمشهد الأيقوني لعادل امام في مواجهة رياض الخولي، أو في فيلم دم الغزال الذي رمز لمصر بالعروس “منى زكي” التي هجرها عريسها، ليتصارع عليها البلطجي “عمرو واكد” والإرهابي “محمود عبد المغنى”. والإسقاط هنا في البلطجي على الأجهزة الأمنية القمعية، بينما الإرهابي يمثل الإسلاميين.

والواقع أن هذا الخلط الذي استقر في ذهن المتلقي أضر بالدولة أكثر مما أضر الإسلاميين؛ لأن الإسلاميين كما أسلفنا لديهم القدرة على التلون والتخفي بمخالفة الصورة النطمية، بعكس الدولة التي اختزلتها الأعمال في إدارة فاسدة وأجهزة أمن قمعية.

هذا الفخ لا يزال قائمًا إلى الآن، وتعاني منه الدولة إعلاميًا ودوليًا في مواجهة المحاور الإقليمية المعادية.

4 – عدم استيعاب جذور المشكلة

ركزت تلك الأعمال كذلك على نسب مشكلة التطرف إلى مشكلتين رئيسيتين: القمع الأمني، والفقر وغياب العدالة.

في مسلسل العائلة كان ابن البواب الفقير الذي عانى من التمييز، وأعيد نفس النمط في فيلم عمارة يعقوبيان، حيث ابن البواب الذي رفضته كلية الشرطة فاتجه للإرهاب. في حين لم تتطرق كثيرًا لجذور المشكلة المتعلقة بالخطاب الديني، والحاضنة الشعبية من قيم الأسرة وأخلاق القرية التي تتقاطع معها في نقاط كثيرة، وتواطؤ بعض النخب والأحزاب.

5 – الرهان على الدين الشعبي في مواجهة الأصولية:

اعتمدت تلك الأعمال على تيمة الرهان على التدين الشعبي أو “الرسمي الأزهري” كبديل لمواجهة الإسلاميين، وهو رهان أثبتت الأحداث الأخيرة فشلة، خصوصًا مع معركة تجديد الخطاب الديني ومقاومة الدين الشعبي والرسمي لها، وبروز مظاهر وسلوكيات ممقوتة، مرجعها الدين الشعبي وصمت الدين الرسمي.

مظاهر خسارة المعركة 

للأسباب السابقة، وبعكس كثيرين، أرى أن وحيد حامد ورفاقه خسروا معركة التسعينيات بجدارة. أبرز مظاهر تلك الخسارة كانت الصحوة الإسلامية الثالثة التي اجتاحت المجتمع في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، مع ظهور الانترنت والفضائيات والدعاة الجدد وانتشار الحجاب والنقاب.

هذه التحولات تركت أثرها في مجال الفن والسينما، خصوصًا مع ظهور السينما النظيفة وتصالح السينما مع الحجاب من خلال عدة افلام بطلاتها محجبات، وأفلام تقبلت ظاهرة الإسلاميين وروجت للتعايش معها، مثل فيلم “أنا مش معاهم” وعودة عدد من الممثلات المعتزلات للتمثيل بالحجاب.

مسلسل الجماعة الأول  – التراجع والحياد 

بعد هذه الخسارة، عاد وحيد حامد عام 2010 ليكتب الجزء الأول من مسلسل الجماعة، والذي – بعكس أعماله الأولى – بدا أقل حدة؛ بسبب الاتهامات التي لاحقته بمعاداة الإسلاميين بشكل متطرف قبل وأثناء العمل، وانعكست على المسلسل.

في مسلسل الجماعة حاول وحيد حامد أن يبدو محايدًا. في بداية المسلسل، أظهر شباب الإخوان كطلاب أرياف وسكان عشوائيات فقراء، وحمل القيادات وحدها المسؤولية، في فخ راج بين النخب، بينما الحقيقة التي أثبتتها أحداث ما بعد 2011 أن القيادات الوسطى والشباب كانوا أكثر تطرفًا.

انتقل بعدها وحيد حامد إلى التاريخ، فعرض شخصية حسن البنا بصفة عامة من وجهة نظر الجماعة اعتمادًا على مذكراته، فأظهره كرجل متدين مخلص لدعوته، وبرأه من دم النقراشي وبقية الاغتيالات، وحملها للنظام الخاص، وأظهر ندمه على إنشاء النظام الخاص في آخر المسلسل، في تطابق مع الرواية الإخوانية.

في المقابل، لم يستطع مسلسل الجماعة إظهار الجانب الانتهازي والبراجماتي في شخصية حسن البنا، أو يتبنى الرواية القائلة بمسؤوليته المباشرة عن كل أحداث العنف، ومشروعه للانقلاب على الدولة من خلال التنظيم العسكري داخل الجيش. فكان المسلسل – وبشهادة كثيرين – دعاية مجانية من الدولة للإخوان، ورحبت به الجماعة في أوساطها الداخلية، وإن انتقدته ظاهريًا.

   بدون ذكر أسماء.. الاستسلام للواقع 

بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، قدم وحيد حامد مسلسله الشهير “بدون ذكر أسماء” الذي عرض في فترة حكم الإخوان، وتناول الإسلاميين بشكل حيادي اقرب للواقع، انطوى كذلك على نقد لهم تحرر فيه من المبالغات والصورة النمطية، وأبرز مدى توغلهم في المجتمع، واستسلام الناس وتقبلهم لهم برغم كل مساوئهم، وخطورة خطابهم على كيان الدولة مع أمنيات بالخلاص منهم.

كان أفضل وصف لحامد في هذه المرحلة ما خطه الشاعر صلاح عبد الصبور: “نبي مهزوم يحمل قلمًا ينتظر نبيًا يحمل سيفًا”.

الجماعة الثاني .. أحلام الفارس القديم 

وبنفس وصف صلاح عبد الصبور “أحلام الفارس القديم” كان موقف وحيد حامد بعد ظهور نبي السيف والإطاحة بالإخوان، بدا كفارس قديم يريد تحقيق حلمه بالعودة للميدان لرد اعتباره، فكان الجزء الثاني من مسلسل الجماعة.

بدا المسلسل تكريمًا لشخص وحيد حامد كمحارب قديم تم استدعاؤه لما له من شرف السبق بالقتال، حتى وإن خسر معاركه الأولى.

كان بالفعل أفضل تكريم، حيث خرج المسلسل بأفضل ما يكون سيناريو وإخراجًا وتصويرًا، بشكل يضعه من في مقدمة أفضل الأعمال الدرامية في آخر 10 سنين، تخلص فيه من كل الصور النمطية القديمة وعرض التاريخ والشخصيات بشكل يحاكي الحقيقة بشكل كبير، مع معالجة درامية متقنة. ساعده في ذلك طول فترة الإعداد، واستعانته بكوادر إخوانية تائبة في كتابة المسلسل، وقراءته العديد من المصادر والمراجع، مما أحدث أثرا جيدًا لدى المشاهد، الذي أصبحت له ذاكرة قريبة من عنف وانتهازية الإسلاميين.

 

ختامًا، نقول إن الحفاوة بوحيد حامد لا يجب أن تثنينا عن هذا التقييم لمعركته هو وجيله من تلك النخبة، ومعرفة أخطائهم التي لا تزال العديد من الأجيال الجديدة تقع فيها.

لكن ذلك قطعًا لا يجعلنا نبخس حقهم وشرف السبق في تلك المعركة المصيرية، في ظروف كانت أكثر صعوبة وقتها، والتي وإن خسرها وحيد حامد ورفاقه حينها، لكنهم تركوا تراثًا عاد لتشكيل الصورة في التحفيز لمعركة مصر الدولة في مقابل مصر الولاية.

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

 

موقع "دقائق نت" في

07.01.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004