«المصري اليوم» تعيد نشر آخر حواراتها مع الفنان عزت
العلايلي
كتب: ماهر
حسن
قبل ساعات رحل عن عالمنا الفنان الكبير عزت العلايلي أحد
أبرز الوجوه الفنية من الجيل التالي لجيل الرواد وهو صاحب العلامات المميزة
بين المسرح والسينما والدراما التليفزيونية. وكانت المصري اليوم قد أجرت
حوارا شاملا معه على صفحتين مع بروفايل شامل عنه وعن مسيرته، وكان ذلك قبل
أربعة أشهر بمناسبة تكريمه في مهرجاني شرم الشيخ والإسكندرية وأيضا في
مناسبة عيد ميلاده السادس والثمانين ولما يتمتع به الفنان الكبير من مكانة
رفيعة وتاريخ ومسيرة حافلة وغنية فإنها تعيد نشر هذا الحوار والذي يعكس
محطات هامة وفاصلة في حياة ومسيرة الفنان القدير كما يعبر عن قناعته
الفنية.
وبالتأكيد يصعب رصد كل المحطات المهمة في مسيرة وسيرة
«العلايلى»والذي تنوع عطاؤه بين التأليف والتمثيل والإخراج وامتد لكافة
فنون الاستماع والمشاهدة، سواء في الإذاعة أو التليفزيون أو المسرح أو
السينما أو الدراما التليفزيونية، وفوق هذا كله كان أكثر فنان امتد عطاؤه
لدول عربية شقيقة، منها الجزائر والعراق وسوريا وتونس ولبنان، وهناك أكثر
من كتاب تذكارى صدر عن سيرته ومسيرته، منها كتاب «عزت العلايلى ملح الأرض
وحلوها» للدكتور حسن عطية، وعزت حسن العلايلى- وهذا اسمه كاملا- مولود في
«درب الملاح» بحى «باب الشعرية» في 15 سبتمبر 1934 وأبوه كان مثقفا ويعنى
بالثقافة والفكر والفنون، وكان لديه مكتبة عامرة في بيته، وكان يعقد ما
يشبه الصالون الفكرى والثقافى في بيته تؤمه أسماء بارزة في هذه المجالات
فانتقلت العدوى الجميلة لابنه الصغير، وفوق هذا كان يصطحبه معه لشارع عماد
الدين ليشاهد معه بعض العروض المسرحية وحين أوشك على الالتحاق بالتعليم
الأساسى انتقل مع أسرته إلى الإسكندرية.
والتحق التلميذ- آنذاك- عزت العلايلى بمدرسة محرم بك
الابتدائية، وتعود الأسرة للقاهرةمع بدء الحرب العالمية الثانية، وأقامت في
السيدة زينب، فى«بركة الفيل» والتحق عزت العلايلى بمدرسة
(قذلار)الابتدائية، وفيها تجلت قدرته على حفظ الأناشيد والأغاني.
ثم انتقل لمدرسة (الشيخ صالح) الابتدائية، والتحق بقسم
التمثيل فيها بعد أن تجلت لديه موهبة التمثيل وتدرب على يد الأستاذ
(عبدالحميد سليم) وهو شقيق الفنان عبدالمحسن سليم، وذات يوم وبمناسبة
المولد النبوى مثل التلميذ عزت العلايلى في أحد العروض المسرحية المدرسية
مجسدا شخصية موسى عليه السلام، ولفت أنظار الجميع بتميز أدائه وتطور وعى
الفتى بين الأربعينيات وبداية الخمسينيات وكان ممن تعلقوا بثورة يوليو
وعولوا عليها الكثير وشحنتهم بالحس الوطني وقادته تجربة التمثيل المتميزة
بالمدرسة إلى الشاشة حيث شارك غلاما في فيلم «يسقط الاستعمار» في عام 1952
بطولة حسين صدقى، وبعد وفاة والده عمل صرافا والتحق في 1955 بالمعهد العالى
للتمثيل (المعهد العالى للفنون المسرحية لاحقا) حيث كانت الدراسة مسائية
وكان مقر المعهد (مدرسة الدواوين بشارع المبتديان) على مقربة من مسكنه
وتتلمذ على يد فتوح نشاطى ونبيل الألفى وعبدالرحيم الزرقانى ودرينى خشبة
ومحمد مندور، ولويس عوض، وكان من أبناء دفعته عايدة عبدالعزيز وعبدالعزيز
مكاوى ورشوان توفيق وأحمد توفيق وعبدالرحمن أبوزهرة وإبراهيم الشامى وتخرج
فيه عام 1959،وتم تعيينه في التليفزيون عام 1960، ومن هناك بدأت مسيرته
الفنية معدا لبرنامج تليفزيونى.
ومن أعماله في الدراما التليفزيونية «أولاد الحارة،
ميرامار، اللص والكلاب، بوابة المتولى، الحسن البصرى، حرس سلاح، لقاء
السحاب، عسكر وحرامية، موعد مع الوحوش، ويأتى النهار، ربيع الغضب»، ومن
مسرحياته:«أولادنا في لندن، العمر لحظة، وملك الشحاتين، تمر حنة، خيال
الظل، أهلا يا بكوات والإنسان الطيب، خيال الظل، ثورة قرية».
حصل «العلايلى» على عدة جوائزعلى رأسها وسام العلوم والفنون
من الطبقة الأولى، وجائزة أحسن ممثل عن فيلم «الطريق إلى إيلات»، وتم
تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائى الدولى كما حصل على جائزة أحسن ممثل من
جمعية الفيلم أكثر من مرة، وتم تكريمه في مهرجانات دبى وقرطاج، فضلا عن
عددمن الجوائزالمحلية والدوليةكما حصل على درع تكريم مهرجان
ART
السينمائى لعام 2009، كما كرمه مهرجان وهران للفيلم العربى لعام 2017.
ومن أشهر أفلامه الأرض، والاختيار، وإسكندرية ليه، وقنديل
أم هاشم، وزائر الفجر، والطوق والإسورة، والمواطن مصرى، وبين القصرين»،
مجموعة من الأفلام ضمن قائمة أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية،
وجميعها من بين الرصيد المهم والحافل للفنان الكبير عزت العلايلى، الحاصل
على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
[image:2:center]
وإلي نص الحوار:
■ أخرجت وألفت أعمالا مسرحية في التليفزيون، كما غنيت في
أعمال مسرحية غنائية منها «تمر حنة» مع وردة، فلننطلق من البداية في مسيرتك
المسرحية وهى حافلة، فلننطلق من أولى خطوات هذه المسيرة؟
- نعم كنت أحد من أسسوا مسرح التليفزيون، وكان هذا في عهد
وبدعم وزير الإعلام الراحل الدكتور عبدالقادر حاتم مع نشوء فكرة مسرح
التليفزيون، وكنت آنذاك في عام 1961 مع اثنين من زملاء دفعتى، وهما أحمد
توفيق ورشوان توفيق، وكنا قد تخرجنا في المعهد العالى للمسرح، وكنا نريد
مسرحا ننفذ عليه عروضا مسرحية من المسرح العالمى ونسجلها وتذاع في
التليفزيون، وكنت آنذاك معينًا في البرامج الثقافية أثناء رئاسة تماضر
توفيق، وكان معها سميرة الكيلانى وشوقى جمعة، وكان هذا في بدايات
التليفزيون وكان الدكتور عبدالقادر حاتم رجلا محبوبا ومعاصرا ومجددا وحريصا
على التطوير.
وسألنى عما إذا كنت متحمسا للفكرة فقلت له: نعم أنا متحمس
لها جدا، فقال لى: الأسبوع القادم ستكون في بريطانيا وفى ستراتفورد بلد
شكسبير وعليك أن تعد لى دراسة وافية عن المسرح في إنجلترا كلها، وشكرته على
تشريفى بهذا التكليف، ورتب لى أوراق السفر كلها ونسق مع المركز الثقافى
البريطانى في مصر، وسافرت وذهبت لستراتفورد بلد شكسبير وبقيت هناك لشهرين
وشاهدت الكثير من العروض من خلال مواسمهم، فكانوا يقدمون ثلاثة عروض يوميا
ما بين تراجيديا ومسرح غنائى واستعراضى، كان هذا بين لندن وستراتفورد
وكانوا هناك يقيمون ثلاثة عروض يوميا 3 و6 و9، وعدت بدراسة وافية وتأثرت
جدا بهذا وتكونت لدىّ رؤية متكاملة وواضحة المعالم في الدراسة التي
أعددتها، وقال لى الدكتور حاتم: «سنمشى على المازورة دى بالظبط»، وسألنى:
من يقود هذه المهمة؟ قلت له: السيد بدير، فهو أستاذى ومسرحى قدير ومثقف
موسوعى، وقد عملت معه في الشرق الأدنى فوجه له الدعوة فكنا نحن الأربعة قد
أسسنا هذا المسرح: رشوان توفيق، وأحمد توفيق، وأنا، والسيد بدير.
■ كنت تعد للتليفزيون أيضا برنامج «رحلة اليوم» كل يوم في
محافظة وتتعرض لتاريخها وتراثها ومعالمها وشخصياتها، وهذا البرنامج لفت
انتباه الرئيس عبدالناصر، حدثنا عن هذه المحطة؟
- نعم وكانت تجربة معرفية ووطنية مهمة لكل مصرى، وكانت في
مصر 24 محافظة وكنت أعد البرنامج وأكتب سكريبت له، وكنت أنا الذي أقوم
بتصويره، وقد حدث أن شاهد الرئيس عبدالناصر حلقات من البرنامج وأعجبته،
فكلّم الدكتور عبدالقادر حاتم وطالب بالإكثار من هذه النوعية من البرامج،
وكانت تماضر توفيق، رئيسة البرامج الثقافية، فقالت لى: «إبسط يا عم.. طاقة
القدر اتفتحتلك الرئيس عبدالناصر بنفسه أبدى إعجابه بالبرنامج»، ثم حققنا
الكثير من التطوير والإضافة للبرنامج من حيث المواد أو باستضافة متخصصين.
■ أنت مثلت في أكثر من فيلم مأخوذ عن روايات لنجيب محفوظ
لكن كانت لك تجربة استثنائية مع نجيب محفوظ في فيلم «الاختيار» وهو من
تأليفه وإخراج يوسف شاهين، حدثنا عن هذه التجربة؟
- يظل الأديب العالمى نجيب محفوظ خلاصة مصرية ونبتًا مصريًا
وأيقونة مصرية وروحًا مصرية خالصة، وهو شخصية مصر روائيًا، وابن الحارة
المصرية وموغل في المحلية والهوية، وهذا ما أوصله إلى العالمية، وما أذكره
بهذا الخصوص أننا حين كنا نعد أنا ويوسف شاهين لفيلم «الاختيار» قلت له: لا
يكتب معالجة وقصة هذا الفيلم إلا نجيب محفوظ، وكان هذا بعد النكسة وذهبت
لنجيب محفوظ وتحدثت معه في تفاصيل الموضوع وأبدى موافقته وترحيبه بالمشروع،
وطلب منى أن أمر عليه بعد أسبوع أو عشرة أيام، فلما عدت إليه وجدته كتب
معالجة وملخصا للفيلم رائعين جدا، ومما أذكره أيضا ونحن بصدد تنفيذ هذا
المشروع أن يوسف شاهين قال لى: سأعرفك على الصحفى الفرنسى العالمى مصرى
المولد والنشأة، والذى كان له مقال ثابت فى«لوموند» وهو إيريك رولو، وهو
يهودى لكنه كان متعاطفًا مع المضطهدين في أرجاء العالم، وكان شيوعى التوجه،
وحين قابلته قال لى: «تعالى معايا هاوريك البيت اللى كنت ساكن فيه في مصر
الجديدة»، وإذا بهذا البيت بعدما ترك رولو مصر يقيم فيه من بعده فلسطينيون.
■ هناك تجارب مسرحية جديدة تلعب دور الكشاف عن الوجوه
الجديدة، وهذا الدور نفتقده في هذا الزمن، ومن هنا يهمنا أن نعرف رأيك في
تجربة محمد صبحى وأشرف عبدالباقى، ما تقييمك للتجربتين؟
- أشرف مجتهد جدا، والدور الذي يقوم به مهم في الكشف عن
عناصر موهوبة وشباب واعد ومتميز، وأيضا الفنان الجميل محمد صبحى وهو صاحب
مجهود عظيم، كما أعجبتنى المعالجات المعاصرة لأعمال فنية قديمة
«الريبورتوار»، ومنها مثلا «لعبة الست» و«سكة السلامة»، وهو صاحب مجهود
عظيم ومحترم، ويا ريت عندنا 3 محمد صبحى و3 أشرف عبدالباقى.
■ قبل ثورة 25 يناير ذهب وفد من الفنانين لزيارة حسنى مبارك
وُجهت لهم الدعوة، لكنك أعربت عن ندمك على هذه الزيارة.. لماذا؟ ولماذا
ذهبت ومن كان معك؟
- كنا تقريبًا 10 فنانين، أذكر منهم حسين فهمى ويحيى
الفخرانى ومحمود ياسين، وقد تميز اللقاء بالصراحة والمكاشفة وتكلمنا معه
بصراحة في القصر الجمهورى، وأعرب عن نيته للتغيير، ولكننا أحسسنا أنه مريض،
وأشعر بالندم لأن «المشوار ماكانش له لازمة» فقد أحسسنا أنه ينسحب، وقد هلك
من التعب، وأيضًا لأننى أحسست وكأننا كنا أداة وواجهة لتجميل وجه النظام
بمجموعة من النخب الفنية، وكأننا في خندق النظام المرفوض والمغضوب عليه ضد
الشعب.
■ الرئيس الأسبق مبارك عاتبك على مرأى من الجميع وبصوت عال
بسبب عدم حضورك حفل عشاء دعاك إليه «حد يرفض دعوة على العشاء من رئيس
الدولة»؟
- الرئيس مبارك كان رجلا لطيفا، وهوعاتبنى بالفعل وأنا لم
أرفض دعوته وذهبت، لكن الحراسة المشددة هي التي حالت بينى وبينه كلما اجتزت
نقطة واجهت أخرى ولم أستطع الدخول فعدت أدراجى، بعد ذلك التقينا في توشكى
بعد أسبوع تقريبا فوضحت سبب عدم تمكنى من الحضور وقلت له الحرس منعنى من
الدخول و«قعد يزعقلى ويقول كده أنا أعزمك وماتجيش؟»، وفى هذا اللقاء كان كل
عظماء مصر موجودين وقعدوا يبصولى وهمست لحسين فهمى مازحا: «خلى بالك أنا
مهم، أنا دراع الريس اليمين إوعى تزعلنى.
■ نلاحظ انحسار أو اختفاء الأعمال الدرامية التاريخة في
التليفزيون المصرى في حين برزت وتميزت فيها دول أخرى، مثل إيران وتركيا
وسوريا رغم الظروف الصعبة التي تمر بها.. هل مرد ذلك إلى التأليف أم
المخرجين أم الإنتاج؟
- الإنتاج أولاً، وأقول لك اختصارا: أين قطاع الإنتاج، وأين
شركات الإنتاج التي تتحمس لمثل هذه الأعمال وتتحمل إنتاجها؟ وهى تحتاج
لتكاليف إنتاج عالية، وأنا أسأل وزير الإعلام، وهو صديق عزيز، ربما هو غير
مقتنع بأعمال الدراما التاريخية، يتعين علينا النهوض بقطاع الإنتاج ودعمه
ليكون قادرا على أن يضع العائد الأدبى قبل العائد المالى في اعتباره، إن
غياب مثل هذه الأعمال وأيضا الأعمال التي تحمل قيمًا أخلاقية واجتماعية
وتكون ذات رسالة مجتمعية، سيؤثر بالسلب على الشارع وقيمه وفكره وأخلاقه
وثقافته، «وشوف مصر بعد خمس سنين الشارع هيبقى شكله إيه»، خاصة مع غياب
الأعمال الدرامية المهمة التي تعد منبرا قيميا، كما أننى أسألك إلى أي حد
تعبر الدراما الحالية المطروحة عن الشارع؟ يتعين علينا النهوض بقطاع
الإنتاج ودعمه من قبل الدولة، فالعائد ليس المادة وإنما الرسالة والدور،
والدراما تربية فكرية وقيمية وبعد 5 سنين ابقى قابلنى وشوف الشارع والأجيال
الصاعدة والمدارس هيبقى شكلها إيه.
■ لماذا لم يستمر محمود العلايلى في التمثيل؟
- هو لديه قناعات أخرى تخصه، وهو حر فيها كان كويس مقنع،
لكنه راجع قناعاته واتخذ قراره.
يتدخل محمود العلايلى قائلا: «دى كانت مجرد مغامرة».
■ كنت أكثر الناس حظًّا في التعاون مع مخرجين كبار ومنهم
صلاح أبوسيف ويوسف شاهين أيهما كان الأوفق في استدعاء طاقتك وخبراتك وشعرت
أنك تعبر بحق عن الشخصية المصرية؟
- يوسف شاهين دارس سينما كويس جدا لكن كان خواجة شوية.
كمخرج هو عبقرى فنيًّا وصاحب حرفية عالية، لكن كانت تنقصه الروح المصرية
باستثناء فيلم الأرض، أما صلاح أبوسيف فكان ابن حارة مصرية وتتجلى الهوية
المصرية في أعماله باختلاف أنماطها وكان عملى معه يستدعى روح الشخصية
المصرية 100%.
■ كفنان قدير له تاريخ غنى حدثنا عن تجربتك مع جيل الشباب
في فيلم تراب الماس؟
- هذه تجربة نوعية وممتازة، ورغم صغرالدور فقد أحسست أنهما
يقدمان سينما حقيقية ومختلفة والناس احتفوا بى وكان لى تتر مخصوص، وأحمد
مراد ككاتب ومروان حامد كمخرج يمثلان وعيا عظيما ومذاقا سينمائيا جديدا
ومختلفا.
■ ما رأيك في الأفلام الوطنية ومن بينها فيلمك الطريق إلى
إيلات وفيلم الممر وفيلم الاختيار وما تمثله من شحن وطنى؟ أيضا نعرف أنك
تقاضيت أجرا صغيرا تقريبا 23 ألف جنيه عن دورك في فيلم الطريق إلى إيلات؟
- نحتاج مثل هذه الأفلام بين وقت وآخر وهذه الأفلام تقدم
رسالة وتكرس للثقة في الذات والوطن، أما فيلم الممر فلم أشاهده لكن سمعت
عنه كلاما طيبا، وهذه الأفلام تعرف الأجيال الجديدة بتاريخنا الوطنى وتبث
فيهم روح الفداء من أجل الوطن، ولقد قبلت دورى في «إيلات» بمبلغ أقل مما
ذكرته أنت والقيمة المالية أقل بكثير من الرسالة الوطنية، ولذلك رحبت بهذا
وكنت مستعدا أن أشارك فيه حتى ولو كان بلا مقابل.
■ ما رأيك في أجور فنانى «اليومين دول» التي تصل للملايين؟
- تلزمنا عملية مراجعة.
■ محمد رمضان يتقاضى ملايين وهو منافس في الأجر لعادل إمام؟
- هناك استثناءات لكن الباقين لا يصلون لمثل هذه الأجور.
■ وهل ترى أنهم يستحقون هذه الأجور؟
- «ماتدخلنيش في حارة سد وربنا يرزقه أكثر ويوسع عليه» وهو
ممثل جيد ومجتهد.
■ لو طلبك محمد رمضان في أحد أعماله بأجر يليق بك.. هل
تقبل؟
- ولِمَ لا؟ نعم بالطبع شرط أن يكون العمل جيدًا ودورى فيه
يناسبنى.. أهلًا وسهلًا.. ليه لأ، وأى فنان كويس يجد عملا جيدا لن يقول لا.
■ أنت ترى فيه فنانا متميزا؟
- هو كويس جدا بسم الله ماشاء الله وهو واد شاطر.
■ لو تعرضت للمفاضلة بين عرضين أحدهما لمحمد رمضان والآخر
لعادل إمام في نفس الوقت لتشارك معهما في عمل من تختار منهما خاصة إذا كان
أجرك في أي من العملين مثل الآخر؟
- سأقبل العمل الجيد والدور الذي يناسبنى ويليق بى.
■ حدثنى عن تجربة تكريمك في وهران وما الذي يمثله لك؟
- هو تكريم أشرف وأعتز به جدا وكانت مناسبة جميلة خاصة أن
رئيس الجزائر بوتفليقة كانت الدعوة منه شخصيا حيث تربطنى به صداقة قديمة
منذ السبعينيات منذ 75 وكنت أقدم مسرحية تمر حنة مع وردة وإخراج جلال
الشرقاوى، وكان يداوم على حضور العرض بعد فيلمى مع الجزائرى أحمد راشدى ولم
يكن رئيسا بعد وكنا نسهر سويا، ومن ثم فإننى أعتبره تكريمًا من صديق قبل
كونه رئيسا.
■ أين الأسماء الكبيرة مثلك ومثل عبدالرحمن أبوزهرة ورشوان
توفيق ومحمد جلال عبدالقوى وغيرهم. لما اختفت القامات من الأعمال الدرامية؟
- صحيح «إن مفيش أدوار كتيرة بتتكتب لفنانين في مثل عمرنا»،
وهذا طبيعى لأننا «مش هناخد زمنّا وزمن غيرنا»، ولكن الدور المناسب والجيد
ينادى صاحبه، وعلى هذا الأساس أنا متواجد في مساحتي.
■ بعد «أهلا يا بكوات» مع حسين فهمى طال انقطاعك عن
المسرح.. لماذا؟
- عرض البكوات كان نصا استثنائيا، وكان تفاعل الجمهور مع
الرواية استثنائيا أيضا، وبالتالى كان من الصعب الوقوف على المسرح بعدها
إلا في عرض على نفس المستوى، ولكنى في حالة اشتياق شديد للالتقاء بجمهور
المسرح مجددا.
■ اقتصارالزحام الدرامى على شهر رمضان ألا يشكل ضررا على
دراما باقى العام؟
- العمل الجيد يفرض نفسه في أي توقيت وفى أي وسيلة مثل
المنصات الإعلامية التي فرضت نفسها بنجاح إلى جوار البث التليفزيوني.
■ يشاع أن أول فيلم ظهرت فيه شابا كان فيلم «رسالة من امرأة
مجهولة» مع فريد الأطرش وحسين السيد ولبنى عبدالعزيز رغم أن أول
ظهورسينمائى لك في فيلم «يسقط الاستعمار» وكنت لا تزال صبيًّا؟
- نعم وكنت تلميذا في المدرسة وكان عمرى 15 سنة وكان الفيلم
بطولة حسين صدقى، وقد اصطحبنى زميل لى والده يعمل في السينما وطلب منه
اصطحاب زملائه معه لتصوير مشاهد في الفيلم وذهبنا لاستوديو في شبرا بعد
الدوران وظللنا من الليل إلى 6 صباحا وقلقوا علىَّ في البيت وأبلغوا الشرطة
وهذا يعد أول ظهور سينمائى لي.
■ أراد لك والدك أن تكون محاسبا مثله لكنك عشقت المسرح منذ
الطفولة وكنت تعمل مسرحًا في البيت من ملاءات وخشب السرير وتتيح لأصدقائك
الفرجة مقابل نصف قرش؟
- فعلا كان هذا يحدث «وبوظت ملايات السرير وكنت عايش الدور
بجد» وكأننى منذ طفولتى قد حددت مسارى ومصيرى كفنان، لكن المدهش أنه كما
قلت أنت تماما إن أبى أراد لى أن أكون محاسبا مثله، لكنه هو الذي نقل لى
عدوى الثقافة والفن؛ فقد كان يلتقى مفكرين وفنانين وأدباء في بيتنا فيما
يشبه الصالون الثقافى وكنت أحضره طفلا ومراهقا، كما كان يصطحبنى لعروض
مسرحية في عماد الدين مما جعلنى أتشبع بالثقافة والفن.
■ ألا تلاحظ أن أفضل الممثلين ممثلو مسرح بالأساس؟
- ذلك لأنه أبوالفنون، والمسرح هو الجامع لقواعد وفنون
الأداء.
■ نجد الكثير من أعمالك في السينما مأخوذة عن أعمال روائية
بدءا من نجيب محفوظ ويحيى حقى وعلى أحمد باكثير وعبدالرحمن الشرقاوى مرورا
بيوسف السباعى ويوسف القعيد ويحيى الطاهر عبدالله ومؤخرا أحمد مراد.. هل
هذه الأعمال جميعها عرضت عليك من قبل مخرجين أم أنه كانت لك مساحة اختيار؟
- الاثنين، فبعض منها باختيارى وسعيت لإنجازها والباقى من
اختيار مخرجين لكننى كنت أرحب دائما خاصة أن الكتاب مهمون كما أن المعالجة
السينمائية كانت جيدة، وكان هذا من حسن حظى، حيث شاركت في أعمال مأخوذة عن
أعمال أدبية لكبارالكتاب ممن ذكرتهم.
■ هل مردُّ ذلك أن والدك كان محبًّا للأدب والثقافة رغم
كونه محاسبا وكان الكثير من أصدقائه مفكرين وأدباء؟
- نعم بالفعل فهذا أحد الأسباب، بل أذكر أننى كنت أحضر بعض
جلساتهم التي يتحدثون فيها عن قضايا فكرية وأدبية وعرفت الكثير من الأدباء
والمفكرين فيما يمكن وصفه بالصالون الثقافى، وهذه كانت سمة في ذلك العصر في
الكثير من البيوت المصرية، حيث كانت تنظم صالونا ثقافيا وفكريا أسبوعيا
يؤمه الشعراء والمفكرون والفنانون، وكان بيتنا من بين هذه البيوت، وكان
والدى يعشق الأدب والفن والفكر.
■ يبدو أنك تعرضت لتجربة أخرى صقلت ثقافتك وتفاصيل هذه
التجربة تقول إنك مررت شابًا على مكتب محام وقرأت منشورا يدعو لتطوع
فدائيين في الإسماعيلية فتطوعت ثم بعد ذلك وقع حادث المنشية وتم اعتقالك
وعرفت السبب أن المحامى الذي كان يدعو للتطوع كان إخوانيا وفى السجن تعرفت
على مثقفين وكتاب كبار؟
- نعم بالفعل، فقد أضافت لى هذه التجربة المزيد وصقلت
ذائقتى الفنية وزادتنى خبرة، خاصة أن الاحتكاك المباشر مع المثقفين يضيف
الكثير، وقد تعلمت الكثير، وفى السجن لم تكن هناك شواغل حياتية فأنت بين
أربعة جدران وفى الظلام وتقضى كل الوقت في الحديث وكان هذا الكلام كله في
قضايا وطنية وثقافية وفنية، ومن هؤلاء المثقفين أذكر عبدالرحمن الخميسى
وحسن فؤاد ومعرفة هؤلاء أضافت الكثير إلى رصيدى الفكرى والثقافى بل الفنى
أيضا.
■ فيما يتعلق بتحويل الأعمال الفنية المأخوذة عن أعمال
أدبية.. لابد أن تكون هناك مساحات للإبداع والخلق والتصرف هي من حق كاتب
السيناريو دون الإخلال بالعمل الأدبى ومضمون وفكرة العمل الروائى.. فمن هو
أفضل سيناريست حول أعمالًا أدبية إلى سيناريوهات؟
- طبعا مازلت أذكر محسن زايد بل نجيب محفوظ كسيناريست فهو
قدير، ويتضح لك هذا عندما تشاهد الأفلام التي كتب لها السيناريو، أما كتاب
السيناريو فيبالغون في التصرف في العمل الروائى ولكن النص الروائى له ركائز
ومعمار وفكرة، وهذه ثوابت لكاتب السيناريو أن يتصرف دون المساس بهذه
الركائز، فله حرية التصرف مع الحفاظ على الركائز والثوابت والفكرة في العمل
الروائى.
■ كنت أكثر فنان مصرى يشارك في أفلام عربية لدول أخرى.. كم
دولة قدمت فيها سينما وماذا يمثله لك هذا من دلالة؟
- قدمت أفلامًا في لبنان والجزائر وتونس والعراق والمغرب،
وأعتبر هذه المشاركات جسورا فنية للتواصل والحوار المتواصل مع إخواننا
العرب.
■ ما رأيك في السياسة الموتورة لأردوغان والقلاقل التي
يحدثها في كل مكان في العالم؟
- لا أردوغان ولا غيره، في دولة اسمها الولايات المتحدة
الأمريكية هي التي تدير العالم وهى مايسترو كل الكوارث السياسية التي وقعت
في العالم، وهى التي أشاعت ومولت الإرهاب، وهى تقتل رجالها بعد انتهاء
دورهم.. هل تصدق أن بن لادن والقاعدة هم الذين فجروا برجى التجارة
العالميين؟!
■ ما زالت الأحزاب توصف بأنها أحزاب كرتونية؟ أين دورها
الفاعل وحضورها وتعبيرها عن الشارع والناس؟
- هي فين الأحزاب أساسًا. |