الموت يغيّب وقور الدراما العربية
مصر تفقد عزت العلايلي الفتى المعبّر عن حب الأرض.
غيّب الموت، صباح الجمعة، الممثل المصري عزت العلايلي بعدما
أثرى الساحة الفنية على مدى نحو ستة عقود بأعمال سينمائية وتلفزيونية
ومسرحية رسخت في وجدان أجيال عديدة من المشاهدين.
القاهرة
– فقدت
مصر، الجمعة، الممثل عزت العلايلي عن عمر ناهز 86 عاما، والذي يعدّ أحد أهم
الممثلين في تاريخ الدراما المصرية والعربية.
ونعت نقابة المهن التمثيلية في مصر الممثل الراحل، ونشر
رئيسها أشرف زكي عبر حسابه في تطبيق إنستغرام صورة للفنان مرفقا إياها
بتعليق وصف فيه العلايلي المولود في 15 سبتمبر 1934 لعائلة مصرية في حي باب
الشعرية بقلب القاهرة، بأنه “فارس الدراما العربية”.
وسارع عدد من الفنانين المصريين والعرب إلى التعليق على
وفاة العلايلي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فكتبت الممثلة التونسية هند
صبري “فقدنا إنسانا وفنانا كبيرا قدّم مجموعة من أهم الأعمال التي شكّلت
وجداننا السينمائي”.
أما الفنانة المصرية إلهام شاهين فكتبت عبر تطبيق إنستغرام أن
الراحل “أنبل وأنقى وأرقّ إنسان، وفنان عظيم له بصمة خاصة جدا، ومثقف رائع،
ويحب فنه وبلده بكل جوارحه”.
ورأت الممثلة نادية الجندي أنه كان “نجما كبير القيمة
والقامة”، فيما وصفته فيفي عبده بأنه “فنان قدير”.
وكتب الفنان محمد صبحي “رحل الفنان المحترم والصديق والزميل
عزت العلايلي عن عالمنا، وستظل أعماله وإبداعاته تعيش بيننا”.
أفلام الراحل مثلت فخرا للسينما المصرية
أدوار فارقة
قدّم عزت العلايلي الذي بدأ حياته كمعد برامج تلفزيونية حتى
يتمكّن من الإنفاق على أشقائه الأربعة بعد وفاة والده، ما يقرب من 160 دورا
في الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية، منذ أن تخرّج من المعهد العالي
للفنون المسرحية عام 1960.
وجسّد أوّل أدواره في العام 1962 عبر فيلم “رسالة إلى امرأة
مجهولة” من بطولة فريد الأطرش ولبنى عبدالعزيز، ثم توالت الأعمال التي شارك
فيها، خاصة في السينما “التوت والنبوت”، “بين القصرين”، “قنديل أم هاشم”،
“أهل القمة”، “الأقوياء”، “بئر الخيانة”، “شلة الأنس”، “القادسية”، “الطريق
إلى إيلات”، “الأنس والجن”، “إعدام القاضي”، “لا تقتلوا الحب”، “مخالب
امرأة”، “صرخة ندم” و”السقا مات” مع المخرج الراحل صلاح أبوسيف.
ويتناول فيلم “السقا مات” (إنتاج 1977) الواقع المصري خلال
عقدي العشرينات والثلاثينات، هو مقتبس من قصة بالعنوان ذاته ليوسف السباعي،
ومن بطولة عزت العلايلي، وفريد شوقي، وشويكار، وأمينة رزق، وتحية كاريوكا
وناهد جبر. ووفق استفتاء النقاد لعام 1996 يحتل الفيلم المركز الحادي
والثلاثين في قائمة أفضل مئة فيلم مصري.
وتدور أحداث العمل في حي الحسينية حوالي عام 1921، ويروي
قصة “شوشة” (عزت العلايلي) السقاء الذي يخاف من الموت بشكل مبالغ فيه، لأنه
بالنسبة إليه يسلب الأحبة، وقد أخذ منه زوجته، ويحاول شوشة أن يخلق نوعا من
العلاقة بين ابنه وبين شجرة التمر حنة وهي الشجرة التي تذكّره دائما بزوجته
الراحلة، كما يحاول أن ينشئه ليتحصّل على المنصب الذي لم يستطع الحصول عليه
طيلة حياته وهو منصب المسؤول عن صنبور المياه في الحي.
هند صبري: العلايلي
قدّم مجموعة من الأعمال التي شكّلت وجداننا السينمائي
ويتقابل شوشة مع شحاتة (فريد شوقي) الذي يعلم في ما بعد أنه
مساعد تربي (دافن الموتى) فيتشاءم منه، ويموت شحاتة ليحزن عليه شوشة حزنا
شديدا وتنتابه حالة عصبية وهو يساعد في دفنه.
ويعدّ فيلم “الأرض” الذي أخرجه يوسف شاهين في عام 1970، أحد
أهم أدوار الراحل الذي جسّد فيه شخصية “عبدالهادي” الشاب المصري المكافح
الذي يناصر الحق ويقف إلى جوار المظلومين.
و”الأرض” فيلم يؤرّخ لفترة مهمة من تاريخ مصر والعالم
العربي ويبرز علاقة الإنسان المصري والعربي بالأرض كرمز للهوية والوجود
والكرامة والعرض. واجتمع في الفيلم كاتبان مهمان هما عبدالرحمن الشرقاوي
كاتب العمل، وحسن فؤاد كاتب السيناريو، السياسي والصحافي المناضل الذي قضى
فترة من عمره وراء القضبان.
ومن بين أدوار الراحل البارزة أيضا تجسيده لشخصية “عاشور
الناجي” في فيلم “التوت والنبوت” للمخرج نيازي مصطفى، وفيه يتحوّل عاشور
صوتا للحرافيش والفقراء من الشعب المصري، وهو الذي استطاع أن يواجه جبروت
“الفتوة” (حمدي غيث)، حيث يُعيد الفيلم تعريف دور الفتوة ومهامه في
الانتصار للضعفاء والوقوف إلى جوارهم حتى عودة الحق إليهم، أما في فيلم
“الطريق إلى إيلات” فقد جسد العلايلي دور العقيد راضي الذي قاد عملية إغراق
المدمرة إيلات ولم يكن مقررا له الغوص والمشاركة في العملية، إلاّ أن
اعتذار أحد أفراد المجموعة أجبره على المشاركة رغم كبر سنة، وتكلّلت
العملية بالنجاح في واحد من أهم الأفلام الوطنية في تاريخ السينما المصرية.
وللعلايلي عشرة أعمال ضمن أفضل مئة فيلم بالسينما المصرية،
هي “بين القصرين”، “قنديل أم هاشم”، “الأرض”، “الاختيار”، “زائر الفجر”،
“على من نطلق الرصاص؟”، “السقا مات”، “إسكندرية ليه؟”، “أهل القمة” و”الطوق
والإسورة”.
للراحل ما يقرب من 160 دورا في الأعمال الدرامية
والسينمائية والمسرحية، كما أن له عشرة أعمال ضمن أفضل مئة فيلم
رصانة وهدوء
قبل أكثر من ثلاثة عقود، برزت مشاركات العلايلي في الدراما
التلفزيونية، أهمها مسلسلات “قيد عائلي”، “ستائر الخوف”، “ربيع الغضب”،
“الحسن البصري”، “رياح الخوف”، “مسك الليل”، “ينابيع العشق”، “بوابة
الحلواني”، “نظرية الجوافة”، “العنكبوت”، “أولاد الحارة”، “اللص والكلاب”،
“عسكر وحرامية” و”المتهم بريء”.
كما له العديد من المسرحيات، منها “أهلا يا بكوات”، “تمر
حنة” و”العمر لحظة”. وقال البيت الفني للمسرح في بيان إن العلايلي “قدّم
للمسرح مجموعة من المسرحيات الفارقة منها الإنسان الطيب وخيال الظل والعمر
لحظة وتمر حنة وأهلا يا بكوات ووداعا يا بكوات”.
وكان آخر أعمال الراحل في السينما فيلم “تراب الماس” عام
2018 وفي التلفزيون مسلسل “قيد عائلي” عام 2019، وجسّد فيه دور كامل
الخولي، وشاركته في البطولة ميرفت أمين وغيرها من الفنانين.
واتسم أداء العلايلي في معظم أدواره التلفزيونية
والسينمائية بـ”الرصانة والهدوء”، ما دفع النقاد لمنحه لقب “وقور” الدراما
المصرية.
وحصد الممثل الراحل عبر مسيرته الفنية العديد من الجوائز
والتكريمات، مثل جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “الطريق إلى إيلات”،
وتكريم من مهرجان وهران للفيلم العربي عام 2017، كما كُرم العام الماضي من
مهرجان الإسكندرية السينمائي.
وتسبّب تكريمه الأخير في الإسكندرية في تبادل اتهامات بين
إدارتي مهرجاني الإسكندرية وشرم الشيخ السينمائيين بمصر، حول أحقية كليهما
في تكريم الفنان المصري الشهير.
وكان آخر ظهور للفنان الراحل أثناء حوار جمعه بالفنانة
إسعاد يونس في برنامجها الشهير “صاحبة السعادة” الذي عرض على فضائية
“دي.أم.سي” في 13 يناير الماضي، تحدّث فيه عن مسلسل “الاختيار”، إذ أكّد
حينها أن المخرج بيتر ميمي قدّم تجربة درامية فيها تقنية جديدة ومختلفة،
واصفا إياه بأنه أثبت نفسه كمخرج دارس ويعرف كيفية تقطيع المشاهد مع توظيف
الموسيقى التصويرية.
كما قال في ختام الحوار “لست خائفا من الموت، فقد أديت
فريضة الحج ولم أفعل شيئا نهى عنه الله”. |