سمير غانم الذي ضل طريقه إلى الشرطة فأضحك الملايين
الحبيب الأسود
فنان مصري كرّس حياته للكوميديا جاعلا منها البدء والمنتهى.
لا شك أن الكثيرين ممن يعرفون سمير غانم، الذي غيّبه الموت الخميس متأثرا
بإصابته بفايروس كورونا، يعلمون جيدا أنه كان من أكثر الناس بهجة واحتفاء
بالحياة وإقبالا عليها، فقد عشق الجمال وتعلّق به، وتمسك بالضحكة عقيدة
فنية كرّسها عنوانا لتجربته الوجودية، وأحب الفن من كل جوارحه، فحصد النجاح
وحظي بحب الناس، وأضاء من حوله قناديل الصفاء في أسرة تحترف الفن والنجومية
ممثلة في زوجته الفنانة دلال عبدالعزيز وابنتيه الفنانتين دنيا وإيمي
وزوجيهما الإعلامي رامي رضوان والممثل حسن الرداد.
أعلن في العشرين من مايو 2021 عن وفاة النجم الباسم سمير غانم متأثرا
بكوفيد – 19 بعد أن كان احتفل في 15 يناير الجاري بعيد ميلاده الرابع
والثمانين، واسمه الحقيقي سمير يوسف غانم وهو من مواليد محافظة أسيوط بصعيد
مصر، وسيرا على خطى والده، التحق بعد حصوله على الثانوية العامة بكلية
الشرطة ليتخرّج منها ضابطا.
لكن رسوبه فيها لمدة عامين، دفع به إلى كلية الزراعة بالإسكندرية، والتي
كانت من الكليات الحاضنة للمواهب الفنية، حيث أن عددا من كبار الفنانين
تخرجوا في كليتي الزراعة في القاهرة والإسكندرية، من بينهم عادل إمام وجورج
سيدهم وصلاح السعدني ودلال عبدالعزيز ومحمود عبدالعزيز ومحسنة توفيق وسيد
عبدالكريم وآخرون.
بروز مسرحي
على خشبة مسرح الجامعة بدأت مواهب سمير غانم الكوميدية تبرز من خلال
المشاهد التي كان يقدّمها مع الفنانين وحيد سيف وعادل نصيف. وفي العام 1960
شكل مع صديقيه جورج سيدهم والضيف أحمد فرقة “ثلاثي أضواء المسرح”
الاستعراضية، وهي تعدّ من أقوى وأشهر الفرق التي ظهرت في تاريخ الفن
المصري، حيث كان أول إنتاجاتها اللافتة هو “طبيخ الملايكة” في العام 1964.
وقدّمت إثرها عددا من الأعمال الكوميدية التي لاقت نجاحا كبيرا في السينما
والمسرح والإذاعة والتلفزيون، وأصبحت تلقى الدعوات من كافة الدول العربية
لتقديم عروضها، كما تشارك في الحفلات الخاصة بما في ذلك المشاركة في حفل
زواج منى ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، حيث قدّمت اسكتش “دكتور الحقني”.
وقال غانم في مقابلة تلفزيونية إنه عندما كان يقدّم اسكتشات كوميدية أمام
جمال عبدالناصر كان يشعر بالخوف لأن الرئيس لا يضحك رغم أنه محب للفن، لكنه
كان يضع يده على خده ويبتسم، وكان غانم يشعر بأن عبدالناصر يشاهد الاسكتشات
لكن عقله يفكّر في شيء آخر.
كما كشف أنه قد أحيا حفلات 23 يوليو التي كان عبدالناصر متواجدا فيها في
مسرح الزمالك وقدّم الفقرة الكوميدية في ذلك الحفل، ولكن الرئيس قلما كان
يضحك بل كان مكتفيا بابتسامة صغيرة.
واعترف غانم في أكثر من مناسبة بأن أكثر رئيس كان يحبه هو عبدالناصر.
واستطرد أن الرئيس الذي لا يعوّض هو الرئيس الراحل أنور السادات، وأوضح أنه
قد أحيا فرح ابنة الرئيس السادات وعندما ذهب ليحييه مع زميله جورج سيدهم
قام الرئيس من مقعده، وقام سمير بتقليد نبرة صوته “إزيّك يا سمير إزيّك يا
جورج”، مؤكّدا أنه رئيس قوي ولديه كاريزما قوية، معتبرا أنه لو “كان أنور
السادات على قيد الحياة لأصبح للعرب شأن آخر”.
الراحل كان محبا لجمال عبدالناصر ومنبهرا بقوة شخصية أنور السادات الذي كان
يراه رئيسا لا يعوّض فقدته الأمة العربية
اشتهرت فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” بالتناغم الشديد بين أعضائها الثلاثة إلى
أن انفرط عقدها بعد وفاة الضيف أحمد عام 1970. وروى غانم قصة وفاة الضيف،
فقال “كان قبل وفاته يخرج رواية ‘كل واحد وله عفريت’، وسافرنا إلى الأردن
لحضور إحدى الحفلات، وكان أحمد وهو في الطائرة مصمّما على حضور كل أعضاء
الفرقة بروفات المسرحية”.
وأضاف “أن الضيف أحمد جسّد دور شخص ميت في النعش، وذلك ضمن البروفات
الأخيرة لمسرحية ‘الراجل اللي جوز مراته’ ليتحوّل التمثيل إلى حقيقة،
وليموت بعدها مباشرة”.
وتابع “إن الضيف غادر إلى منزله، وفي منتصف الليل اتصل به جورج سيدهم
وأخبره بأن أحمد مات”، وأضاف “الضيف أحمد كان يميل للإخراج أكثر من
التمثيل”، موضحا أن “وفاة الضيف كانت مفاجئة، وأثّرت فيه جدا، وقال إنه بعد
وفاته أتى له أكثر من 500 شبيه للضيف ليحلوا محله لكنهم رفضوا أي بديل له”.
كان المخرج أحمد سالم وراء تكوين الفرقة التي برزت بعدد من الأغاني من
بينها “الهنود الحمر”، “جمبري مشوي”، “يا ماما حوا يا بابا آدم”، وعند وفاة
الضيف أحمد فجأة، قرّر الراحل جورج سيدهم والفنان سمير غانم عدم استبدال
الضيف أحمد بغيره، فتم حلّ الفرقة. لكنهما واصلا العمل المشترك في أعمال
مسرحية لعل أبرزها “المتزوجون” للمؤلف فيصل ندا والمخرج حسن عبدالسلام
وبمشاركة الممثلة شيرين ونجاح الموجي وأحمد ماهر وآخرين.
تنويعات فنية
منذ العام 1963 شارك غانم في عدد من الأفلام كممثل دور ثان بينها “القاهرة
في الليل” و”منتهى الفرح” و”آخر شقاوة” و”ذكريات التلمذة” و”المشاغبون”
و”آخر جنان” وغيرها.
احتك في تلك الفترة مع أبرز نجوم مصر الذين ساهموا في تحقيق مجد السينما
المصرية، إلى أن حقّق شروط نجوميته الكاملة خلال السبعينات، حيث قدّم عددا
من الأفلام التي تصدّر بطولتها مثل “نهاية رجل تزوج” و”القناص” و”حادي
بادي” و”الرجل الذي عطس” و”احنا بتوع الإسعاف” و”المشاغبون في الجيش”
و”محطة الأنس” و”التريللا” و”فقراء لكن سعداء” و”عريس في اليانصيب”
و”النصاب والكلب” و”المطب” و”اقتل مراتي ولك تحياتي” و”الأهطل” و”الأغبياء
الثلاثة” و”الكابتن وصل”.
كما نجح في تقديم العديد من الأعمال الدرامية منها “الصياد والحب” و”البحث
عن السعادة” و”تزوج وابتسم للحياة” و”أنا وأنت والزمن طويل” و”مغامرات زكي
الناصح” و”دقات الساعة” و”الأزواج الطيبين” و”السيد هيصة” و”كابتن جودة”،
ولاسيما مسلسل “حكاية ميزو” إنتاج عام 1977، والذي شاركه في بطولته كلّ من
فردوس عبدالحميد وإسعاد يونس وحسين الشربيني ونعيمة وصفي وسامي فهمي، وهو
من تأليف لينين الرملي وإخراج محمد أباظة، وتدور أحداثه حول معتز أبوالعز
والشهير باسم”ميزو”، وهو شاب مستهتر ورث عن أبيه ثروة أنفقها في اللهو
ومطاردة الفتيات مما أدّى إلى إفلاسه، ليتعرّف عن طريق الصدفة على “نفيسة”
الفتاة الغنية الساذجة فيحاول أن يستميلها نحوه ويخدعها باسم الحب.
كما تعتبر “المتزوجون” من أهم الأعمال في تاريخ المسرح المصري، إذ حقّقت
نجاحا كبيرا وقت عرضها للجمهور، وتضاعف حجم نجاحها بعد تسجيلها وعرضها على
شاشة التلفزيون. وشارك في بطولتها إلى جانب سمير غانم، الفنان جورج سيدهم
والفنانة شيرين والراحل نجاح الموجي، وعرضت هذه المسرحية لأول مرة عام 1978.
وفي العام 1981 كانت مسرحية “أهلا يا دكتور” التي شاركه في بطولتها جورج
سيدهم، وتعرّف خلالها على الممثلة الشابة آنذاك دلال عبدالعزيز التي قالت
إنه كان يحرص على أن يقوم بتوصيلها بسيارته الخاصة، بل ويقوم بشراء “زهرة
فل” لها خلال فترة التعارف في المسرح والتي استمرت لأربع سنوات، فيما أكّد
هو أنه في بداية الأمر كان متخوفا من الزواج بها نظرا إلى فارق العمر
بينهما الذي يصل إلى عشرين عاما، لكنه لفت إلى أن أهم ما جذبه إليها
“طيبتها الشديدة مع أصدقائها”.
مسرحية "جحا في المدينة" كانت سببا في تحاشي سمير غانم الخوض في السياسة
بعد أن تم إيقاف عروضها لأكثر من مرة
كما كشف غانم، أن هناك عددا كبيرا من الفنانين حرصوا على إقناعه بفكرة
الزواج من دلال عبدالعزيز منهم الراحل فريد شوقي وميرفت أمين، خاصة وأنه
كان يرفض تكرار التجربة مجددا بعد أن تزوّج قبل مرتين، ولكن لم تستمر أي من
زيجاته أكثر من ثلاثة أشهر فقط.
فقد تزوّج في بداية حياته من فتاة صومالية، بعد أن تعرّف عليها في حفلة،
ولم يستمر هذا الزواج أكثر من شهرين، ثم كان الزواج الثاني قد تم بشكل
كوميدي، أثناء سهرة مع أصدقائه، وفق تعبيره وبعد أسبوع واحد حدث الانفصال.
وكان غانم قد شعر بحالة انكسار وحزن عميق بعد وفاة شقيقه ومدير أعماله
سيّد، وساندته دلال في تلك الفترة من باب الزمالة والشراكة الفنية والحب
الذي بدأ يتسلل إلى قلبيهما ليقرّر الزواج منها في العام 1984.
لقد تميز ظهور سمير غانم من حيث الشكل باستعمال الباروكة، وقال “عندما
اكتشفت أن جيمس بوند، وأنا من عشاقه، أن جماله بالصلعة يجنن، وحتى شوية
الشعر الخفيف التي يضيفها، كانت تجنن، أدركت أن لا مشكلة في أن أكون أصلع
كما ظهرت في بداياتي. ولكن وجهة نظري تغيّرت عندما قابلت رود شتايجر الفنان
الأميركي الشهير في الشيراتون بالقاهرة، وعرّفته بنفسي، وكان لابس باروكة،
قلت له هل الممثل عندما يلبس باروكة يمكن أن يخرج بها إلى الشارع، فقال لي
لازم الناس تراك بالطريقة التي أحبتك عليها”.
وتابع “وصلت الحكاية إلى أنني جلبت باروكات شعر منذ حوالي أربعين عاما من
أغلى ما يمكن، ومن أميركا، لكن لم أقم بارتدائها، لأنها تحتاج إلى خبير
يلبسها بطريقة، ويمشطها بطريقة”.
وعن فكرة إجراء جراحة زرع الشعر، قال “وجدتها عملية صعبة، تزرع شعرة شعرة،
قلت أتركها للعمليات الأخرى، أنا استفدت من الباروكة في تغيير الشخصية،
خاصة في الفوازير، أفادتني جدا، لقد جسّدت شخصيات عبدالوهاب، وفريد الأطرش،
وعبدالحليم وغاندي وغورباتشوف”.
نجومية عائلية
في السنوات الأخيرة، تكرّست إمبراطورية أسرة غانم الفنية بعد النجومية التي
حققتها دنيا وإيمي، كما لمعت دلال عبدالعزيز من خلال الأدوار التراجيدية
المثقلة بالمعاناة والحضور المتميز وكان آخرها دورها في مسلسل “ملوك
الجدعنة” مع عمرو سعد ومصطفى شعبان.
كما عاد سمير غانم مؤخرا ليشارك في العديد من الأعمال سواء كضيف شرف أو في
دور ثانٍ في مسلسل “شربات لوز” مع الممثلة المصرية يسرا و”الكبير أوي” كضيف
شرف و”يوميات زوجة مفروسة” مع داليا البحيري و”في اللالاند” مع دنيا سمير
غانم و”عزمي وأشجان” مع إيمي سمير غانم وحسن الرداد و”سوبر ميرو” مع إيمي
و”بدل الحدوتة تلاتة” مع دنيا.
وتعلق غانم بالكوميديا سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، وجعل منها
البدء والمنتهى، وهو لا يهتم لمن يصفها أحيانا بالسذاجة أو البساطة لأن ما
يهمّه هو الضحك وأن يجعل المتلقي يبتسم من قلبه، وهو لا يحاول أن يحمّل
العمل الكوميدي أكثر من طاقته، خصوصا بعد أن كره السياسة وجعلها في لائحة
المسائل التي لا تهمه.
وعن سبب كرهه للسياسة، يقول إنه يعود إلى مسرحية “جحا يحكم المدينة”، فمنذ
أن بدأ عرضها تم إغلاق العرض العشرات من المرات بسبب تطرّقها للسياسة،
لأنها كانت تحمل رسالة مفادها “مفيش فايدة”. ومنذ ذلك الوقت تعهّد على نفسه
بعدم الحديث في السياسة على الإطلاق، لأنها أهدرت من وقته الكثير ولأن
السياسة لها أهلها.
وروى السيناريست بلال فضل في حلقة خاصة عن الفنان في برنامج “الموهوبون في
الأرض” أن كره غانم للحديث في السياسة يرتبط بواقعة قديمة قد تعرّض لها،
حينما تم رفع قضية ضده هو وزميله جورج سيدهم من ابن رئيس الوزراء حسين رشدي
باشا الذي كان رئيسا للوزراء في فترة الثلاثينات، حيث جسّد جورج دور رئيس
الوزراء، بينما جسّد سمير دور المطربة منيرة المهدية، وطالب ابن رئيس
الوزراء الأسبق بتعويض قدره 15 ألف جنيه، وحكمت المحكمة بتغريمهما مبلغ
ألفي جنيه، وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت، ومن حينها تربّت عقدة سمير غانم
من السياسة وقرّر تجنبها.
.”وعندما
سُئل غانم عن رأيه السياسي خلال فترة حكم الإخوان من قبل الإعلامية هالة
سرحان قال “لا أريد الخوض في السياسة، أنا دوري إضحاك الناس، وربنا يقدّم
اللي فيه الخير.
كاتب تونسي |